خلال اجتماعه مع وزراء المجموعة الاقتصادية طالب الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة «بذل أقصى الجهود للحد من آثار الأزمة الحالية على المواطنين ومراعاة البعد الاجتماعى فى أثناء تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، ورفع مستويات دخول الافراد». وهو مطلب مهم وضرورى نظرا للآثار السلبية التى أبرزتها الأزمة الحالية خاصة ارتفاع التضخم وتأثيراته السلبية على المواطنين. فمن المسلم به ان المسيرة التنمويـة للمجتمع يجب ان تتحرك فى إطار منظور تنموى متكامل يراعى البعد الاجتماعى جنبا إلى جنب مع البعد الاقتصادي، فالإنسان هو محور التنمية وأداتها فى الوقت نفسه. وينعكس ذلك على أهداف التنمية ووسائلهـا ومؤشراتها.ولا تصبح التنمية محصورة فقط فى تقديم خدمات اجتماعية معينة أو مجرد مراعاة البعد الاجتماعي، وإنما تصبح هى التنمية الشاملة بكل أبعادها. فالتنمية بمعناها الشامل تهدف فى الأساس الى جعل الإنسان يحيا حياة سعيدة خالية من العلل والأمراض.ولذلك أضحى النمو الاقتصادى ليس مهما فى حد ذاته ما لم يكن مصحوبا بتنمية حقيقية لقدرات البشر تنعكس فى النهاية فى مستوى معيشة لائق وحياة مديدة وسعيدة.
من هنا فقد أضحى تحسين الحالة الاجتماعية وإيصال الخدمات الصحية والتعليمية إلى جميع المواطنين مسئولية أساسية للحكومات. ولذلك نص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة على حق كل شخص فى مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، وهو ما أكده الدستور المصرى الذى نص فى العديد من مواده على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
وهو ما لخصته كريستين لاجارد المدير السابق لصندوق النقد الدولى السابقة قائلة «من الواضح ان الإنفاق العام الاجتماعى ليس مجرد بند من بنود المصروفات، انما هو الطريقة الأكثر حكمة للاستثمار فى رفاهية المجتمع وضمان الازدهار للجميع»، وبالتالى يجب ان يتبوأ مكانته الصحيحة فى صلب المناقشات المتعلقة بالسياسات الاقتصادية الكلية وأكدته دراسات الصندوق عن نفس الموضوع، التى خلصت الى ان صلابة الاقتصاد واستدامة النمو تقتضيان ان يكون نموا احتوائيا يضمن المزيد من الانفاق الاجتماعي، باعتباره ضرورة أساسية للاستقرار الاجتماعى والسياسى ويضمن التأييد الشعبى للسياسات الإصلاحية الداعمة للنمو، وهكذا فان الإنفاق العام على الصحة والتعليم يزيد من رأس المال البشرى وبالتالى يعد بمثابة استثمار قومى جيد يقوم بتغطية تكاليفه من خلال زيادة الإنتاجية وزيادة الدخول. حيث إن تطوير الإنفاق العام على قطاعى الصحة والتعليم يسهم مباشرة فى تحسين نوعية الحياة ويؤدى إلى جودة النمو. فالتعليم يحقق طلبا مشروعا على الانفاق العام لسببين أولهما ان العائد الاجتماعى لهذا الانفاق يفوق كثيرا العائد الخاص لان المتعلمين يسهمون فى النمو بأكثر مما يحصلون عليه من اجر.ثانيهما ان الاسر قد لا تكون لديها القدرة على تمويل التعليم مما يؤدى الى حرمان قطاع لا بأس به من العملية التعليمية.وبالتالى فان الانفاق العام على التعليم، يحقق ما فشلت فيه السوق من تخصيص موارد كافية للتعليم ويوسع الفرص امام الجميع مع الأخذ بالحسبان أن مخرجات التعليم مهمة جدا.
وعلى الجانب الآخر فان الإنفاق العام على نظم الرعاية الصحية يعمل على تحقيق هدفين أولهما تسهيل حصول المواطن على حزمة أساسية من الخدمات الصحية، دون أعباء تذكر وبحد ادنى من الأسعار، على ان تتحمل الخزانة العامة الفروق السعرية فى هذا الصدد. ثانيهما توفير الإمكانات الضرورية للحصول على هذه الخدمات. لذلك أصبح الإنفاق العام الاجتماعى يلعب دورا أكبر عن ذى قبل فى تعزيز النمو الاحتوائى والمستدام وينظَر إليه باعتباره أداة فعالة لتشجيع النمو الاحتوائى وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، لا سيما أثناء فترات الركود وحين تصبح السياسة النقدية أقل فعالية فى الوقت نفسه، إلى جانب الأعباء التى تتحملها الموازنة العامة.
وبالتالى فان السياسة المالية عموما والإنفاق العام على وجه الخصوص يمكن أن يحْدِثا فرقا كبيرا فى معالجة عدم المساواة وتحقيق العدالة؛ خاصة أن الكفاءة والعدالة يجب أن تسيرا معا، جنبا الى جنب.
وهنا تصبح المشكلة الأساسية للسياسة المالية فى قدرتها على تحقيق العدالة الاقتصادية وتعزيز شبكات وبرامج الحماية الاجتماعية بهدف احتواء تداعيات برنامج الإصلاح على الطبقات الفقيرة. وهى المتطلبات الأساسية للنجاح، إذ إن السياسة المالية مسئولة عن جانب كبير من عدم المساواة وتحقيق التكافؤ الحقيقى فى الفرص المتساوية للحصول على الخدمة وذلك بتوزيع الانفاق العام بشكل متساو وفقا الاحتياجات كل منطقة جغرافية والعمل على الوصول الى الاماكن المحرومة منه. خاصة فى ضوء القيود الشديدة على قدرة الافراد الفقراء فى الحصول على الخدمات مثل نقص المعرفة بشأن الخدمات المتوافرة خاصة بين غير المتعلمين. او صعوبة الوصول الى الخدمات فى بعض المناطق مع ما تعانيه هذه الاماكن اصلا من مشكلات مثل انخفاض نوعية العاملين بها، فضلا عن تدنى مستوى الخدمة، وبمعنى اخر هناك مشاكل عديدة فى الحصول على الخدمات الاجتماعية ذات النوعية الجيدة يجب تلافيها.
وهذا لا ينفى بالطبع أهمية العمل على تحقيق فاعلية الإنفاق العام عن طريق ضمان التأكد من أن هذا الإنفاق يذهب فى الغرض المخصص له وهى الأمور التى ينبغى أن تتوجه إليها الاهتمامات فى عملية الإصلاح المالي.من هذا المنطلق يمكننا التعامل مع مسألة الإنفاق العام ودوره فى المجتمع المصري،فالبلدان تحتاج الى مزيج من الإنفاق الاجتماعى والضرائب بما يضمن تحقيق النمو الاحتوائى القابل للاستمرار ويقوم على ثلاثة أسس كفاءة الانفاق العام على الصحة والتعليم وسياسة صحيحة وسليمة للحماية الاجتماعية والدعم، فضلا عن الضرائب التصاعدية على دخول الافراد.