ينظر إلى قطاع السياحة في منطقة الشرق الأوسط على أنه ضمن القطاعات الرئيسية المساهمة في النمو الاقتصادي والتنمية، ومن هذا المنطلق استثمرت العديد من دول المنطقة في السنوات الأخيرة بكثافة في هذا القطاع. وبالرغم من أن قطاع السياحة العالمي ظل يعاني من تبعات جائحة كورونا، إلا أن القطاع السياحي في المنطقة تمكن من التعافي بنسبة كبيرة، لتهدد بعد ذلك الحرب على غزة القطاع السياحي العالمي والإقليمي ليتراجع الطلب العالمي على السفر وتنخفض حجوزات الطيران الدولية على خلفية إلغاء المسافرين رحلاتهم إلى الشرق الأوسط وحول العالم. وإقليميًا، أثرت الحرب على القطاع السياحي في عدد من الدول بعينها ومنها إسرائيل ولبنان والأردن ومصر، وتشير التوقعات إلى أن استمرار الحرب وتوسع نطاقها قد يؤثر أيضًا على القطاع السياحي في دول شمال أفريقيا وبعض دول الخليج العربي.
أولًا: وضع قطاع السياحة العالمي
أثر الصراع الأخير بين إسرائيل وغزة على الرحلات الجوية من وإلى الشرق الأوسط، وتسبب أيضًا في تباطؤ عالمي في صناعة الطيران، فمنذ بدء الحرب أصدرت شركات الطيران الكبرى تنبيهات سفر للشرق الأوسط وأوقفت جميع الرحلات الجوية إلى إسرائيل مع انتشار حالة انعدام الأمن العالمي المحيطة بالصراع، لتنخفض حجوزات الطيران بنسبة 5% خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب في غزة مقارنة بمستوياتها ما قبل جائحة كورونا، كما تراجعت حجوزات الطيران خلال تلك الفترة من دول الشرق الأوسط بنسبة 9% منذ اندلاع الحرب، كما تباطأت حجوزات الطيران من وإلى الأمريكتين بمقدار 10%. أيضًا تباطأت حجوزات الطيران من وإلى الدول الآسيوية والمحيط الهادئ وأوروبا (بما في ذلك إسرائيل) وأفريقيا بمقدار 2%، وذلك بحسب البيانات الصادرة عن شركة تحليلات السفر “شركة فوروارد كيز”، ويمكن متابعة تأثر حجوزات الطيران في مناطق العالم خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب في غزة مقارنة بمستويات ما قبل الوباء من خلال الشكل التالي:
يوضح الشكل السابق تراجع حجوزات الطيران حول دول العالم باستثناء أفريقيا التي استمرت في التعافي نحو مستويات عام 2019، أما حجوزات الطيران إلى الأمريكتين وأوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ فقد تراجعت بنسبة 6% و3% و1% على التوالي، وشهدت منطقة الشرق الأوسط أعلى نسبة تراجع في حجوزات الطيران على ‘ثر الحرب بنسبة 26%، ليعبر عن التوقعات بتراجع الأرباح المستقبلية لشركات الطيران بسبب الحرب في غزة، وأعلن عدد قليل من شركات الطيران عن تباطؤ في الطلب على السفر الجوي الدولي سواء للمنطقة أو لدول أخرى حول العالم، فضلًا عن إطلاقها تحذيرات بشأن خطورة استمرار الحرب في غزة والتطورات الجيوسياسية في المنطقة.
ثانيًا: وضع قطاع السياحة في عدد من دول المنطقة
تعرض قطاع السياحة في الشرق الأوسط، وبالتحديد في كل من مصر ولبنان والأردن، لخطر خسارة ما بين 10% إلى 70% من عائدات السياحة إذا استمرت الحرب في غزة أو توسعت بسبب قرب تلك الدول من قرب منطقة الصراع غزة وإسرائيل وفقًا لتقرير صادر عن وكالة استاندرد آند بورز. أيضًا لاقى قطاع السياحة في إسرائيل تداعيات أوسع، ففي جميع أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل في غزة والضفة الغربية، أصبحت الفنادق فارغة وأوقفت ست شركات على الأقل رحلاتها إلى الوجهات الرئيسية مثل القدس وتل أبيب مع تصاعد الصراع. وتشير توقعات البنك الدولي في التقرير المنشور في أكتوبر الشهر الماضي لأن الحرب في غزة ستؤثر على السفر إلى الشرق الأوسط وأفريقيا خلال النصف الثاني من العام.
أ. قطاع السياحة في إسرائيل:
أظهرت بيانات رسمية أن الحرب التي تخوضها إسرائيل أدت إلى تراجع حاد في السياحة إلى إسرائيل، فبحسب مكتب الإحصاء المركزي فقد تراجع عدد السائحين القادمين إلى إسرائيل من 485 ألفًا في أكتوبر 2019 قبل الجائحة إلى 99 ألف سائح، وفي ظل عدم وضوح المدة التي ستستغرقها الحرب فمن المتوقع أن يتباطأ قطاع السياحة الذي يعد المحرك الرئيسي للنمو في إسرائيل، كما فعلت بعد الصراعات السابقة وبعد فيروس كورونا، وغادر 454 إسرائيليًا البلاد في أكتوبر.
وبينما لا يزال مطار بن غوريون الدولي (المطار الدولي الرئيسي في إسرائيل) في تل أبيب مفتوحًا، قامت العديد من شركات الطيران بقطع رحلاتها إلى إسرائيل، وفي ظل قيام إسرائيل بتعبئة المواطنين للحرب تأثر جزء كبير من صناعة الضيافة وتم غلق المطاعم على إثر ذلك، وأغلقت العديد من الفنادق المواقع التاريخية والمتنزهات الوطنية والمحميات الطبيعية، وألغت خطوط الرحلات البحرية رحلاتها وقامت بتغيير مسارات الرحلات من وإلى موانئ إسرائيل وتوقفت شركات النقل الكبرى الأخرى.
ب. قطاع السياحة في لبنان والأردن:
بدأت الحرب مع بداية موسم الذروة الذي يمتد من أكتوبر إلى أواخر مايو وساهمت الحرب في تقويض السياحة في جميع أنحاء دول الشام، ويعد قطاع السياحة مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية في لبنان والأردن، إلا أنه منذ بدء الحرب والوجهات السياحية لتلك الدول تشهد هدوءًا، وتوقفت السفن السياحية عن القدوم للمنفذ البحري الوحيد للأردن، وحال قطاع السياحة اللبناني مثل الأردن خاصة في ظل استمرار الاشتباكات على الحدود الجنوبية للبلاد، وحثت العديد من السفارات الأجنبية مواطنيها على المغادرة، وأوقفت العديد من شركات الطيران الأجنبية خدماتها إلى لبنان، بينما خفضت شركة طيران الشرق الأوسط الوطنية رحلاتها بأكثر من النصف.
ج. قطاع السياحة في مصر:
يساهم قطاع السياحة في الاقتصاد المصري بتحقيقه إيرادات وصلت إلى 13.6 مليار دولار خلال العام الماضي 2022/2023، فضلًا عن فرص العمل الكبيرة التي يستوعبها القطاع، هذا وارتفعت نسبة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من عام 2023 لحوالي 9% مقارنة بمستوياتها قبل جائحة كورونا بحسب تقرير البنك الدولي، وبحسب وزارة السياحة المصرية فقد حقق القطاع معدل نمو 36% حتى أكتوبر 2023، أي بما يعادل 8 أضعاف نمو السياحة العالمية الذي حقق 4.5% خلال نفس الفترة وفقًا لإحصائيات منظمة السياحة العالمية.
وتهدف خطة مصر الطموحة إلى تعزيز السياحة وجذب 30 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2028، هذا واستقبلت مصر أكثر من 7 ملايين سائح في النصف الأول من عام 2023 وهو أعلى معدل منذ سنوات، وقبل اندلاع الصراع كانت القاهرة تتوقع أن يجذب القطاع 15 مليون سائح خلال العام الحالي، إلا أنه إذا استمرت الحرب سيتأثر القطاع من تداعيات الحرب وهو ما توقعته وكالة استاندرد آند بورز بتراجع إيرادات السياحة في مصر بنسبة تتراوح بين 10 إلى 30%، وهو ما قد يؤدي إلى خسارة ما بين 4 إلى 11% من احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، وقدمت مصر حوافز لدعم صناعة السياحة في جنوب سيناء بقيمة 500 دولار لكل رحلة تهبط في شرم الشيخ، فضلًا عن تشجيع مشاركة القطاع الخاص للمساهمة في تعزيز القطاع.
ومن هنا نجد أن الحرب في غزة أثرت على القطاع السياحي العالمي والإقليمي وإن لم تصل إلى الحد الذي يهدد التوقعات الاقتصادية العالمية الشاملة حتى الآن، وبطبيعة الحال تأثرت الدول التي تقع بمحاذاة منطقة الصراع بشكل أكبر. وفي ظل عدم الاستقرار في المنطقة تظل هناك مخاوف محيطة باستمرار وتوسع نطاق الحرب من أن تتسبب في خسائر أكبر للقطاع وصناعة السياحة وبالتبعية تراجع إيرادات السياحة وتأثر الدول التي تعتمد على القطاع كأحد الأعمدة الرئيسية المساهمة في اقتصاداتها.