تُقدر نسبة مساهمة مصر في الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري حوالي 0.6% من الإجمالي العالمي، وبالتالي لا تصنف من الدول المسببة للتغير المناخي، ورغم ذلك فإن معظم هذه الانبعاثات تأتي من استخدام الوقود الأحفوري (البترول والغاز الطبيعي) الذي يتعدى 90% من مصادر الطاقة المستخدمة في مصر، حتى مع الجهود البارزة في زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة والتي ارتفعت لتقارب 12% من مزيج الطاقة، إضافة إلى زيادة الوعي بالقضايا البيئية والمناخية، وإطلاق الاستراتيجيات التي تهدف إلى الحد من تغير المناخ مثل: المساهمات المحددة وطنيًا (NDC) والخاصة بأهداف خفض الانبعاثات وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، فقد وصلت مصر للمركز الـ20 في مؤشر عام 2023 وتراجعت مركزين في المؤشر الجديد لتحتل المركز الـ22، وصنفت من الدول ذات الأداء المتوسط في مواجهة تغير المناخ.
مؤشر الأداء المناخي “CCPI”
يصدر المؤشر سنويًا منذ عام 2007 من قبل المنظمات غير الحكومية جيرمان واتش والشبكة الدولية للعمل المناخي والمعهد الألماني الجديد للمناخ، ويقوم المؤشر بعمل تقييم شامل لـ63 دولة والاتحاد الأوروبي من خلال بيانات كمية من مؤسسات معترف بها دوليًا وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة و بيانات اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ، وغالبًا ما يتم التقييم على أساس فارق زمني عام واحد فقط، وتم اختيار هذه الدول لأنها تمثل أكثر من 90% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، وبالتالي تقع على عاتقها بشكل أساسي مسئولية تقليل الانبعاثات ومواجهة تغير المناخ، وبالتالي فإن البلدان الأخرى ذات الانبعاثات المنخفضة بشكل كبير لا تؤثر في منهجية أو أهداف المؤشر. ومع ذلك، في السنوات الماضية تم إدراج دول جديدة، مثل: نيجيريا وباكستان والإمارات العربية المتحدة وأوزبكستان. وتجدر الإشارة إلى أن المؤشر يمتنع عن منح المراكز الثلاثة الأولى في التصنيف، مؤكدًا أنه “لا توجد دولة في العالم تؤدي أداءًا جيدًا بما يكفي في جميع فئات المؤشر للحصول على درجة إجمالية عالية جدًا”. ولا يزال هناك جهود واسعة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتحقيق الأهداف المناخية.
ويتكون المؤشر من أربع فئات رئيسية يندرج تحتها 14 مؤشرًا فرعيًا وهي:
- انبعاثات الغازات الدفيئة وتمثل 40%.
- سياسات المناخ وتمثل 20%.
- الطاقة المتجددة وتمثل 20%.
- استخدام الطاقة وتمثل 20%.
كما يقوم المؤشر أيضًا بتقييم أهداف عام 2030 والتوافق مع المستويات والأهداف الحالية للبلدان فيما يقل عن درجتين مئويتين في فئات انبعاثات الغازات الدفيئة والطاقات المتجددة واستخدام الطاقة، ويوضح الشكل التالي الأوزان النسبية للمؤشرات الفرعية لمؤشر الأداء المناخي 2024.
المصدر: https://ccpi.org/ranking/
قراءة في تصنيف مؤشر الأداء المناخي 2024
كالعادة يترك المؤشر الثلاثة مراكز الأولى فارغة وجاءت بعدها الدنمارك وإستونيا والفلبين والهند وهولندا والمغرب والسويد في المراكز العشرة الأولى، لتكون بذلك المغرب أول دولة عربية تحتل دائمًا مركزًا متقدمًا بين المراكز الخمسة والعشرين الأولى في المؤشر منذ أول إصدار له عام 2007، وجاءت الإمارات في المركز 65 والسعودية في المركز 67 والأخير، رغم محاولتهما الأخيرة والملفتة في التحول نحو الطاقات المتجددة وخفض الكربون والتوسع في النقل الكهربي لخفض الانبعاثات. أما الدول الكبرى المسئولة بشكل كبير عن الانبعاثات العالمية فتحتل مراكز متأخرة بشكل ملحوظ، على سبيل المثال : احتلت الولايات المتحدة المركز 57، والصين في المركز 51، واليابان في المركز 58، وكندا في المركز 62، وروسيا في المركز 63، مما يوضح أن هذه الدول هي من يجب قيادة العمل المناخي والتوسع في اجراءات الحد من تغير المناخ ومواجهة آثاره عليها وعلى الدول النامية على حد سواء، وأن العالم لا يزال بحاجة إلى مزيد من الجهود والإجراءات والسياسات في الفئات الأربعة للمؤشر لتحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن وتحقيق أهداف باريس بحلول عام 2030 كما هو معلن.
وبشكل عام، ارتفع الاتحاد الأوروبي ثلاثة مراكز، ليصل إلى المركز السادس عشر، ويتمتع الآن بتصنيف عام مرتفع. حيث إن هناك أربع عشرة دولة من دول الاتحاد الأوروبي من بين الدول ذات الأداء العالي والمتوسط، حيث تتصدر الدنمارك في المركز الرابع وإستونيا في المركز الخامس من الترتيب العام.
وقامت هولندا بتحسين أدائها في ثلاث من فئات المؤشر الأربع، حيث ارتفعت خمسة مراكز إلى المركز الثامن وعلى مستوى عالٍ. ومع ذلك، تراجعت إيطاليا 15 مركزًا إلى المركز 44، ويرجع ذلك أساسًا إلى أدائها الضعيف في فئة سياسة المناخ مقارنة بالعام السابق. وبولندا جاءت في المرتبة 55 وتعتبر هي الدولة المتبقية في الاتحاد الأوروبي التي حصلت على تصنيف منخفض للغاية.
جدول (1) يوضح المراكز الأولى في مؤشر الأداء المناخي 2024
| الدولة | الغازات الدفيئة | الطاقة المتجددة | استخدام الطاقة | سياسات المناخ | إجمالي الأداء |
| الدنمارك | 29.80 | 15.01 | 13.53 | 17.24 | 75.59 |
| إستونيا | 27.35 | 12.67 | 15.31 | 16.75 | 72.07 |
| الفلبين | 33.75 | 7.12 | 17.88 | 11.95 | 70.7 |
| الهند | 31.22 | 6.23 | 16.42 | 16.38 | 70.25 |
| هولندا | 27.24 | 10.59 | 13.48 | 18.67 | 69.98 |
| المغرب | 31.18 | 6.67 | 16.06 | 15.91 | 69.82 |
| السويد | 32.93 | 15.23 | 10.42 | 10.80 | 69.39 |
| شيلي | 32.31 | 9.04 | 13.41 | 13.98 | 68.74 |
| النرويج | 29.45 | 19.12 | 8.96 | 9.95 | 67.48 |
| البرتغال | 29.78 | 8.78 | 15.59 | 13.24 | 67.39 |
| ألمانيا | 28.47 | 7.38 | 14.54 | 15.39 | 65.77 |
| لوكسمبورج | 32.23 | 9.50 | 11.84 | 11.52 | 65.09 |
| الاتحاد الأوروبي | 26.31 | 7.46 | 13.72 | 17.22 | 64.71 |
تطور أداء مصر في مؤشر الأداء المناخي
دخلت مصر لأول مرة في المؤشر عام 2012 واحتلت المركز 21 عالميًا وتعتبر من الدول ذات الأداء المتوسط في إجراءات الحد من تغير المناخ، كما هو موضح في الجدول التالي، وعلي الرغم من تراجعها في مؤشر العام إلا أن أداءها في فئات المؤشر يتفاوت بين العالي والمتوسط نتيجة للإجراءات الواسعة التي اتخذتها مصر لتعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وكذلك إجراءات خفض الانبعاثات في القطاعات المختلفة، وتعزيز سياسات تغير المناخ في قطاعات الاقتصاد ومراعاة الأبعاد البيئية في التنمية.
جدول (2) يوضح تطور أداء مصر في مؤشر الأداء المناخي 2024
| 2012 | 2017 | 2018 | 2019 | 2020 | 2021 | 2022 | 2023 | 2024 |
| 21 | 23 | 28 | 24 | 19 | 22 | 21 | 20 | 22 |
| 59.1 | 58.75 | 54.02 | 57.45 | 57.53 | 54.33 | 59.74 | 59.37 | 61.80 |
وضعت مصر أهدافًا طموحة للطاقة المتجددة من خلال إطلاق استراتيجية الطاقة المستدامة 2035 والتي تم تحديثها مؤخرًا لتحقيق أهدافها مبكرًا وهي الوصول بنسبة مشاركة للطاقة المتجددة إلى 42% في عام 2030. وأعلنت مصر عن استراتيجيتها للمناخ 2050، والتي يُمكِن اعتبارها خارطة طريق شاملة لضمان التصدي الفعال لآثار التغير المناخي وتداعياته في البلاد. كما أعلنت مصر عن طرح أول سندات خضراء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتمويل المشروعات الخضراء.
ومن خلال نجاح مصر في استضافة وتنظيم مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب27” تم الإعلان عن اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مشروعات الهيدروجين الأخضر ومشتقاته فاقت 85 مليار دولار بواقع 23 مشروعًا والدعم لمشروعات الطاقة المتجددة بقدرات فاقت 100 جيجاوات، من المتوقع الانتهاء منهم وتنفيذهم قبيل عام 2030. وفي خطوة جادة قدمت مصر النسخة الثانية من المساهمات المحددة وطنيًا والتي ركزت بها على الآليات والإجراءات المطلوبة وكذلك الاحتياجات المالية للالتزام بأهداف اتفاقية باريس والتي تقدر بنحو خمسين مليار دولار حتى عام 2030، وهو ما يوازي 1,6% تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي. كما شهدت مراجعة لإجراءات التخفيف وتوسيعها لتشمل مختلف القطاعات، بهدف تحقيق مستوى أعلى من التنسيق بين الجهود التنموية والالتزامات المناخية في مصر. وقد وضعت هذه النسخة أهدافًا مرحلية واضحة يتم مراقبتها بشفافية للحد من الانبعاثات الكربونية، وذلك بالتركيز على القطاعات الثلاثة الأكثر إنتاجًا لغازات الاحتباس الحراري، بحيث تُقلَّص انبعاثات قطاع الكهرباء بنسبة 33%، وقطاع النفط والغاز بنسبة 65%، وقطاع النقل بنسبة 7%، بحلول عام 2030، وهو ما قُدِّرَت تكلفته بنحو 196 مليار دولار.
لا شك أن هناك خطوات جادة في التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولكنها لا تزال بعيدة عن تحقيق الأهداف العالمية وترسيخ مفهوم الحفاظ على البيئة والمناخ في شتى مناحي الاقتصاد أو الحياة اليومية، وبالتأكيد تظل مشكلة التمويل هي المحرك الأساسي والدافع وراء سرعة وفاعلية التحرك، فمشروعات إنتاج واستخدام الطاقات المتجددة وزيادة نسبة مشاركتها في مزيج الطاقة الوطني لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري تحتاج لاستثمارات عالية سواء في بناء وتشغيل المحطات أو في تطوير وتهيئة البنية التحتية والشبكات وخطوط التوزيع لاستقبال قدرات عالية من الطاقة المتجددة المتغيرة، أو في تقنيات التخزين والبطاريات في حالات عدم الربط بالشبكة، بالإضافة إلى تغيير في المفاهيم المجتمعية على سبيل المثال لتقبل ممارسات مثل النقل الكهربي والتخلي عن وسائل النقل التقليدية كثيفة استهلاك الطاقة وكذلك تصدير الانبعاثات. وكلها تحتاج لمليارات الدولارات التي لا يمكن لمصر توفيرها حاليًا في ظل الاضطرابات العالمية الحالية.
المصادر:
