العلاقة مع صندوق النقد الدولي هي علاقة طويلة وممتدة عبر أكثر من أربعون عاما منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن، حيث نفذت مصر ٤ برامج اقتصادية بدعم مالي من صندوق النقد الدولي، بدأ من اتفاق الاستعداد الائتماني (١٩٨٧-١٩٨٨) لحل مشكلة المدفوعات الخارجية المتأخرة والتضخم. وتم صرف ١١٦ مليون وحدة حقوق سحب خاصة 2بما يعادل ١٨٥,٧ مليون دولار أمريكي، ثم بدأ اتفاق الاستعداد الائتماني (١٩٩١-١٩٩٣) لتمويل عجز الحساب الجاري وحل قيود التمويل الخارجي. وفي منتصف التسعينيات تم عقد اتفاق الاستعداد الائتماني ١٩٩٦-١٩٩٨، والذي سمح بإلغاء ٥٠% من دين مصر الرسمي المستحق لبلدان أعضاء في نادي باريس.
منذ عام 2016 بدأت مصر برنامجا إصلاحيا جديدا مع صندوق النقد الدولي لفترة ثلاث سنوات تستفيد فيها من “تسهيل الصندوق الممدد” (EFF) بقيمة تعادل 8.579 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 12 مليار دولار أمريكي، أو 422% من حصة عضويتها)، لدعم البرنامج الوطني الذي وضعته السلطات المصرية لإصلاح الاقتصاد من أجل معالجة التحديات طويلة الأمد في الاقتصاد المصري.
وتتضمن هذه التحديات: مشكلة في ميزان المدفوعات تتمثل في سعر الصرف المبالغ في تقييمه، ونقص العملة الأجنبية؛ وعجز الموازنة العامة الكبير الذي أدى إلى تصاعد الدين العام؛ والنمو المنخفض المصحوب ببطالة مرتفعة. وتدرك السلطات أنه من الضروري الالتزام الصارم بحزمة السياسات وفق البرنامج الاقتصادي من أجل استعادة ثقة المستثمرين، وتخفيض العجز إلى خانة الآحاد، وإعادة بناء الاحتياطيات الدولية، وتعزيز الموارد العامة، وتشجيع النمو بقيادة القطاع الخاص.
وقد ارتكز برنامج عام 2016 بشكل أساسي على إصلاح نظام سعر الصرف وتبني نظام مرن وتخفيض سعر الجنيه المصري بهدف استعادة الثقة في الاقتصاد والتغلب على نقص العملة الأجنبية، مدعوما بسياسة نقدية ذات طابع انكماشي حذر، لتثبيت توقعات التضخم، واحتواء ضغوط الطلب المحلي والخارجي، والسماح بتراكم احتياطيات النقد الأجنبي.
بالإضافة إلى تحقيق خفض كبير في عجز المالية العامة، ومن ثم وضع الدين العام على مسار تنازلي واضح، بمثابة هدف مهم في برنامج السلطات المصرية. ولتحقيق هذا الهدف، تتمثل أهم إجراءات السياسة في تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتخفيض دعم الوقود، والوصول بفاتورة الأجور في القطاع العام إلى المستوى الأمثل.
ولتخفيف أثر الإصلاحات على الفقراء، تم استخدام جزء من الوفر المحقق في المالية العامة لتقوية شبكات الأمان الاجتماعي. بالإضافة إلى معالجة العقبات الهيكلة المتجذرة التي تعوق النمو وخلق فرص العمل، وخلق بيئة مواتية لتنمية القطاع الخاص. وتتضمن مجالات الإصلاح الأساسية منح التراخيص للأعمال، والأطر الحاكمة لإجراءات الإعسار؛ وإدارة المالية العامة، بما فيها المؤسسات المملوكة للدولة؛ وإصلاح قطاع الطاقة ونظام الدعم؛ وإصلاح سوق العمل لخلق الوظائف وزيادة المشاركة في سوق العمل، وخاصة بين النساء والشباب.
وقد ساعدت هذه الإصلاحات مصر على التغلب على صدمة جائحة كوفيد-19، حيث حققت مصر معدل نمو موجبا في عام 2020، بينما شهدت معظم الدول الأخرى انكماشا. وحظي الاقتصاد المصري بإشادة صندوق النقد الدولي، فقد أظهر الاقتصاد المصري “صلابة” في مواجهة الجائحة، بفضل استجابة الحكومة السريعة والحذرة على مستوى السياسات، مقترنة بالدعم من صندوق النقد الدولي.
وفي عام 2021، طلبت مصر المساعدة من صندوق النقد نظرا للقدر الكبير من عدم اليقين الذي أحدثته جائحة “كوفيد-19”. ، وتسبب الشعور لدى المستثمرين بالعزوف عن المخاطرة في اضطراب الأسواق المالية، كما أحدث انعكاسا كبيرا في تدفقات رؤوس الأموال وتسبب أيضا في تراجعات كبيرة في الاحتياطيات. وعلى الصعيد المحلي، شهدت مصر تراجعا في إيرادات السياحة وتحويلات المغتربين وأيضا في عائدات قناة السويس .
واليوم 06 مارس 2024 وافق صندوق النقد الدولي، على زيادة قيمة قرض مصر إلى 8 مليارات دولار، بزيادة عن ثلاثة مليارات دولار، كان قد تم الاتفاق عليها في ديسمبر 2022. وفيما يلي أبرز الالتزامات المترتبة على توقيع الاتفاق:
- تحقيق فائض أولي في الموازنة، وتحقيق توازن بين الإنفاق والدين العام؛
- الإبقاء على معدل التضخم ضمن النطاق المستهدف للبنك المركزي؛
- استخدام السياسة المالية لدعم الفئات الضعيفة؛
- مواصلة الالتزام بمرونة سعر الصرف والتراكم التدريجي للعملات الأجنبية؛
- مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي بدأت ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي خلال الفترة 2016-2019، بما في ذلك تحسين الحوكمة المالية، وخفض الاحتياجات التمويلية، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، وإفساح المجال للإنفاق على القطاعات ذات الأولوية (مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية)، وتحسين إدارة المالية العامة.


