آلاء برانية
نشر معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن، ومعهد أبحاث السلام في أوسلو، الإصدار الرابع من مؤشر المرأة والسلام والأمن لعام 2023-2024، وهو أول مؤشر جنساني يقيس الرفاهية الشاملة للمرأة، إلى جانب دورها في تحقيق السلام وتعزيز الأمن في 177 دولة ليغطي أكثر من 99% من سكان العالم، وذلك عبر مجموعة من المؤشرات التي تسلط الضوء على جوانب عدة مثل: المشاركة في العملية السياسية والتنموية، والحماية من العنف والتمييز، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا الصدد فقد أشار التقرير إلى إحراز الدولة المصرية تقدمًا ملحوظًا في المؤشر بواقع 28 مركزًا، حيث شغلت المركز 110 عام 2023، مقابل المركز 138 عام 2016، وقد قاس المؤشر هذا التقدم في العديد من المعايير منها: الشمول المالي للنساء، ونسبة المرأة في البرلمان، علاوة على المؤشرات الخاصة بالعنف الموجه ضد المرأة ومدى رضا المرأة وتمتعها بالأمان داخل المجتمع. وفيما يلي استعراض لأهم المؤشرات الواردة بالتقرير وقراءة في المؤشرات الخاصة بالحالة المصرية.
المؤشرات العامة للتقرير
جاءت الدنمارك في رأس القائمة بكونها الدولة الأكثر أمانًا للنساء في عام 2024 بمؤشر 0.932، يليها سويسرا 0.928 ثم السويد وفنلندا وآيسلاندا.
في المقابل كانت الدول الأكثر خطرًا للنساء هي أفغانستان واليمن وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان يليها سوريا والصومال والعراق. ويطلق المؤشر على الدول صاحبة الأداء الأسوأ مسمى “الدول الهشة”، وفيها تتعرض امرأة واحدة من كل 5 نساء للعنف المرتبط بالشريك، وتعيش 6 نساء من كل 10 نساء بالقرب من نزاع، ويبلغ عدد وفيات الأمومة حوالي 540 لكل مائة ألف ولادة حية، وهو أكثر من ضعف المعدل العالمي البالغ 212.
التمييز القانوني والوصول إلى العدالة
يوضح مؤشر الوصول إلى العدالة ما إذا كانت المرأة تستطيع ممارسة حقوقها في الممارسة العملية، ويقيم مؤشر التمييز القانوني العقبات في القانون. وبحسب التقرير فهناك ارتباط وثيق بين المؤشرين فالدول التي لديها حماية رسمية ضعيفة تميل إلى أن تكون دولًا تعجز فيها المرأة عن السعي إلى مسارات كافية وآمنة وعادلة للعدالة. وفي هذا الصدد فقد أشار التقرير إلى أن منطقة الشرق الأوسط هي الأسوأ في تحقيق العدالة للنساء، حيث تفتقر دول مثل إيران والأردن والكويت وفلسطين وقطر وسوريا واليمن إلى العقوبات الجنائية جرّاء جرائم التحرش الجنسي.
وعلى مقياس من 0 إلى 4، يسجل عامل الوصول إلى العدالة درجات الدول حول مدى امتلاك النساء لمسارات آمنة وفعالة نحو العدالة، بما في ذلك القدرة على رفع القضايا إلى المحاكم، والمشاركة في المحاكمات العادلة، والسعي للحصول على تعويضات وإجراءات دفاع مناسبة عند انتهاك حقوقهن. وتحقق أفغانستان أقل نتيجة على هذا المؤشر، حيث يعود رصيدها البالغ 0.37 إلى نظام طالبان القمعي الذي قيد بشدة قدرة المرأة على السعي إلى العدالة بأمان وإنصاف.
العنف السياسي تجاه النساء
يشمل تعريف العنف السياسي الجسدي والجنسي ضد المرأة طبقًا للتقرير: الهجمات غير جنسية (العنف المسلح، الضرب، القتل، الاختطاف، عنف الغوغاء)، أو جنسية (الاغتصاب، التحرش الجنسي، التعقيم القسري، الإجهاض القسري). وبناءً عليه فقد أشار التقرير إلى تزايد معدلات قيادة المرأة ومشاركتها في الحكومات، والحركات المؤيدة للديموقراطية، وحملات حقوق الإنسان في العقود الأخيرة. إلا أن هناك تهديدات جديدة وناشئة قد تؤدي إلى عرقلة التقدم وتراجعه مثل الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي، وتزايد معدلات العنف السياسي الذي يستهدف بشكل خاص النساء اللاتي يشاركن في النشاط السياسي والصحفيات والناشطات إضافة إلى الناخبات والمتظاهرات، مثل تعرض 37% من الصحفيات إلى العنف الإلكتروني أثناء تغطيتهم لأحداث معينة. وكانت أكثر الدول التي تتعرض فيها النساء للعنف السياسي هم: المكسيك والبرازيل ونيجيريا وكولومبيا والهند وسوريا وأفغانستان وأخيرًا أوكرانيا. ودعا التقرير صناع السياسات إلى اعتبار العنف السياسي قضية تهدد السلام والأمن، وعليه يوصى بالآتي:
- تعميق التعاون الدولي في التصدي للعنف السياسي ضد النساء.
- تجريم جميع أشكال العنف السياسي ضد المرأة.
- توسيع نطاق الرصد وإعداد التقارير.
- تدريب المسئولين الحكوميين، وسلطات إدارة الانتخابات، ومنظمي المجتمع على كيفية التعرف على العنف السياسي ضد النساء والإبلاغ عنه والاستجابة له.
- مساءلة شركات التواصل الاجتماعي الخاصة عن منع العنف القائم على النوع الاجتماعي.
- زيادة الدعم المقدم للناجين من العنف.
الدمج المالي
أشار التقرير إلى أن مؤشر الدمج المالي يزداد عالميًا؛ حيث ارتفع من 56% في عام 2014 إلى 71%، وفقًا لأحدث البيانات لعام 2021. وعلى مدى الفترة نفسها، شهدت 50 دولة زيادات قدرها 10% على الأقل. ويساهم في هذا الارتفاع انتشار منصات التمويل الرقمي التي تمكن المرأة من إدارة أموالها عن بعد وبشكل مستقل. ويُعد الدمج المالي أمرًا بالغ الأهمية لتمكين المرأة وفاعليتها، حيث إن النساء اللواتي ليس لديهن حسابهن المصرفي الخاص، يواجهن قيودًا في اتخاذ القرارات بشأن سبل عيشهن، والوصول إلى الموارد الأساسية، وترك العلاقات المسيئة.
النساء في مناطق الصراع المسلح
ذكر التقرير أن عام 2022، كان الأكثر دموية من حيث الوفيات المرتبطة بالصراعات المسلحة، وقد أظهرت الدراسات أن النزاع المسلح يزيد من وفيات الأمهات كما ينتج عنه زيادة معدلات العنف القائم عن النوع الاجتماعي، كما يؤدي إلى معدلات تسرب واضحة للفتيات من العملية التعليمية وخلق حواجز أمام فرص العمل المناسبة وبالتالي انخراط النساء في أعمال لا تتمتع بالحد الأدنى من الأمان الوظيفي كالعمالة المنزلية والموسمية والعمالة غير المنتظمة.
ويشير التقرير إلى أن 15% من النساء يعشن على مسافة 50 كيلومترًا من منطقة نزاع مسلح، وهو ضعف المعدلات أثناء فترة التسعينيات. وينعكس القرب من الصراعات بصورة سلبية على نتائج المؤشر WPS، مما يدل أن الدول التي يكون فيها أداء المرأة جيدًا تميل إلى أن تكون دولًا لا يتعرض فيها النساء للنزاعات المسلحة، والعكس صحيح.
في ذات السياق قام التقرير بذكر منطقة عفار بإثيوبيا كمثال على حال النساء في مناطق الصراع حيث لا تستطيع سوى امرأة واحدة من كل أربع نساء الوصول إلى حسابها المصرفي، وتعيش أكثر من أربعة نساء من كل خمسة نساء على بعد 50 كيلو من النزاع المسلح. وفي المجمل خلص التقرير الخاص بمؤشر المرأة والسلام والأمن بالتأكيد على ضرورة الاستثمار في النساء باعتبارهن عنصرًا أساسيًا لحماية أمن ورفاهية المجتمعات.
مصر في مؤشر المرأة والسلام والأمن
تقدمت الدولة المصرية 28 مركزًا بمؤشر المرأة والسلام والأمن، حيث شغلت المركز 110 عام 2023، مقابل المركز 138 عام 2016، وذلك من خلال عدة مؤشرات مقسمة على ثلاثة محاور رئيسية وهي” الشمول – العدالة- الأمن” وفيما يلي قراءة في تلك المؤشرات.
- مؤشر جودة التعليم: يقيس هذا المؤشر متوسط عدد سنوات التعليم الشامل والجيد للنساء بعمر 25 عام، وهو ما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 بحصول النساء والرجل على تعليم تقني ومهني عالي الجودة وبأسعار مناسبة بما في ذلك التعليم الجامعي. وقد تقدمت مصر في هذا المؤشر من 6.4 في عام 2016، لتصبح 9.8 في عام 2021. علما بأن أعلى مؤشرًا كان لدولة ألمانيا بواقع 13.8، وهو ما يضع الدولة المصرية في مركز جيد داخل المؤشر.
- مؤشر الشمول المالي: ويقيس هذا المؤشر النسبة المئوية للنساء اللاتي تتراوح أعمارهن 15 عامًا فيما فوق، واللاتي يمتلكن حسابات بنكية أو يستخدمن خدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول. وقد تقدمت مصر في هذا المؤشر تقدمًا ملحوظًا من 9.2% عام 2016 لتصبح 24.2% عام 2021.
- مؤشر استخدام الهاتف المحمول: يقيس هذا المؤشر النسبة المئوية للنساء والفتيات بعمر 15 عامًا فما فوق اللاتي يمتلكن هاتفًا محمولًا يستخدمنه لإجراء واستقبال المكالمات الشخصية إضافة إلى إجراء المعاملات المالية والبنكية عبر الهاتف. وقد أفاد المؤشر بأن 80% من النساء والفتيات يمتلكن هاتفًا محمولًا.
- مؤشر المقاعد البرلمانية: يقيس المؤشر نسبة المقاعد التي تشغلها النساء في البرلمانات الوطنية والحكومات المحلية، وتقدمت مصر في هذا المؤشر من 14.9% عام 2016 لتصبح 22.9% عام 2023. علمًا بأن متوسط تمثيل المرأة بمجلس النواب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 17.7%.
- غياب التمييز القانوني: ويقيس هذا المؤشر ما إذا كانت الأطر القانونية موجودة أو غير موجودة لإنفاذ ومراقبة المساواة وعدم التمييز على أساس الجنس، وزيادة الرقم في المؤشر تعني زيادة وجود تلك الأطر القانونية والتشريعات التي تعمل على خفض الفجوة بين الجنسين في عملية إنفاذ القانون. وقد تقدمت مصر في هذا المجال لتصبح 50.6 في عام 2023 مقارنة بـ 35 في عام 2016.
- نسبة تجاوز الذكور للإناث عند الولادة: يوضح المقياس أن المعدل الديموغرافي الطبيعي أن يبلغ عدد الذكور 105 مقابل كل 100 أنثى عند الولادة. وهو ما تقترب منه مصر في المؤشر بواقع 105.4 مواليد ذكور لكل 100 أنثى في عام 2022. وقد بلغ هذا المعدل في 2016 ما يقرب من 107 مواليد ذكور لكل 100 أنثى.
- معدل وفيات الأمهات: يقيس المؤشر عدد الوفيات بين النساء لأسباب تتعلق بالحمل والولادة لكل مائة ألف حالة ولادة، وقد انخفضت نسبة الوفيات بين الأمهات في المؤشرات المصرية بشكل ملحوظ لتبلغ 16.8 حالة وفاة لكل مائة ألف سيدة عام 2022، وهي نسبة منخفضة جدًا قياسًا مثلًا بدولة كندا التي يبلغ فيها معدل الوفيات 11 أو إحدى الدول العربية مثل تونس والتي يبلغ فيها معدل الوفيات 36.6 حالة وفاة.
- مؤشر عنف الشريك: يقيس المؤشر النسبة المئوية للنساء اللاتي تتراوح أعمارهن من 15 عامًا فما فوق واللاتي تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من الشريك الحميم” الزوج”. وقد انخفض هذا المؤشر من 26.5% عام 2016 ليصبح 15% في عام 2018.
- مؤشر الأمان المجتمعي: يقيس المؤشر نسبة النساء اللاتي يشعرن بالأمان جرّاء تجولهن بمفردهن في المنطقة اللاتي يعشن بها. وقد تقدمت مصر في هذا المؤشر لترتفع نسبة الأمان بين السيدات من 71.8% عام 2016 إلى 80% عام 2022.
ملاحظات عامة:
- يرجع تقدم الدولة المحرز في ملف الشمول المالي إلى تهيئة البيئة التشريعية والرقابية الضامنة لتيسير حصول المرأة على الخدمات والمنتجات المصرفية بسهولة، إضافة إلى إطلاق المبادرات والمشاريع التي تعزز الشمول المالي للنساء وتمكينهن اقتصاديًا بجانب التثقيف والتوعية المالية للمرأة وبناء قدراتهن لمواكبة التطورات الجارية في هذا المجال، ليبلغ عدد النساء اللاتي يمتلكن خدمات مالية 20.3 مليون من إجمالي 32.3مليون امرأة بنسبة 62.7% حسب بيانات البنك المركزي المصري عام 2023.
- أحرزت الدولة تقدمًا ملحوظًا فيما يخص مؤشر المقاعد البرلمانية للنساء وهو ما تم تأكيده أيضًا بتقدم مصر 49 مركزًا في مؤشر التمكين السياسي للمرأة (world economic forum)، حيث احتلت المركز 85 عام 2023، مقابل المركز 134 عام 2014.
- يرجع تقدم الدولة المصرية في مؤشر غياب التمييز القانوني إلى البيئة التشريعية القوية التي اتخذتها الدولة منذ عام 2014، لتمكين المرأة المصرية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوفير الحماية والقضاء على كل أشكال العنف الممارس ضدها، ولعل إصدار بعض القوانين المؤجلة كقانون الأحوال الشخصية الجديد وقانون مناهضة الزواج المبكر سيساهم بالضرورة في تحقيق العدالة الاجتماعية للمرأة وتحقيق المزيد من التقدم في المؤشرات الدولية.
- يشير التقدم المحرز من الدولة في خفض معدل الوفيات بين الأمهات إلى نجاح المبادرات الرئاسية الصحية الموجهة للمرأة المصرية وتحديدًا “المبادرة الرئاسية للعناية بصحة الأم والجنين” والتي بموجبها تحسنت مؤشرات رعاية الحمل لتصل إلى 97% في عام 2021 مقابل 90% عام 2014، كذلك تحسنت رعاية الحمل المنتظمة لتصل إلى 90% مقابل 83% عام 2014، وبالطبع فقد ازدادت نسبة الولادات على يد مقدم الخدمة الطبية لتصل إلى 97% مقابل 92% عام 2014 وفقًا للمسوح الصحية السكانية في 2014 و2021.
- يشير التقدم المحرز في بندي ” العنف من الشريك- والأمان المجتمعي” إلى فاعلية الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة التي أطلقتها الدولة عام 2015، والتي بموجبها أصدرت الدولة العديد من التشريعات التي من شأنها القضاء على جميع أشكال العنف الممارس ضد المرأة ومنها ” تغليظ عقوبة ختان الإناث 2021- تغليظ عقوبة التحرش 2021- قانون سرية بيانات المجني عليهن في جرائم التحرش والاعتداء الجنسي” علاوة على إطلاق أول دراسة عن التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي في مصر لدعم عملية صنع السياسات المستمدة من الأدلة. ويمكن أن يحقق القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة المنتظر إصداره من مجلس النواب المزيد من التقدم في تلك المؤشرات.