مع بدء الافتتاح التجريبي للمتحف المصري الكبير والذي تبلغ مساحته أكثر من 500 ألف متر مربع، والمصمم ليجذب نحو 8 ملايين سائح/ سنويًا، لكونه أكبر متحف في العالم يضم قطعًا أثرية لحضارة واحدة، مما سيسهم في زيادة الناتج القومي من الإيرادات السياحية، في ظل الاستراتيجية الوطنية للسياحة الهادفة إلى تحقيق معدل نمو 25% إلى 35% سنويًا، ومع الزيادة العالمية في أعداد المسافرين الراغبين في التعرف على التاريخ، فإن المتحف المصري الكبير يُعد تجربة سياحية فريدة تستطيع أن تنافس في سياحة المتاحف عالميًا.
اقتصاديات المتاحف في صناعة السياحة
يبلغ العدد الإجمالي الحالي للمتاحف في جميع أنحاء العالم حوالي 104 ألف متحف وفقًا لبيانات منظمة اليونسكو، فيما قدر “المجلس الدولي للمتاحف ICOM“، عددها بنحو 55 ألف متحف. تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية أكبر عدد من المتاحف على مستوى العالم، بحوالي 33082 مؤسسة متحفية حتى مارس 2021، تليها ألمانيا بحوالي 6741، ثم اليابان بنحو 5738 متحفًا، وبلغ عدد زوار أكبر 100 متحف فني عالميًا عام 2022 نحو 141 مليون زائر مقارنةً بنحو 71 مليون عام 2021 نتيجة التعافي من جائحة كورونا.
وتقدر قيمة سياحة المتاحف عالميًا بنحو 25.2 مليار دولار أمريكي في عام 2023، مع توقع أن تصل القيمة السوقية الإجمالية سياحة المتاحف نحو 74.8 مليار دولار أمريكي عام 2033 بتحقيق معدل نمو سنوي 11%، وفقًا للبيانات الصادرة حديثًا عن (Future Market Insights )، وذلك نتيجة تزايد الاتجاهات العالمية للسياحة التعليمية للتعرف على الأحداث التاريخية والثقافية والتراثية، بجانب أعمال التصنيع وتكنولوجيا المتاحف والترميم الفني والأثري، وتزايد الاهتمام بالتراث والثقافة والآثار الفريدة، نتيجة تزايد الاهتمام الدولي بالمتاحف التاريخية التي تعرض التاريخ بتسلسل زمني أو تجمع قطع واكتشافات أثرية فريدة، حيث سجل سوق السياحة التاريخية معدل نمو بلغ نحو 4.1% سنويًا في الفترة من 2018 إلى 2022.
المتوقع هو أن تحصد أمريكا الشمالية نحو 25% من قيمة عدد السائحين الدوليين الراغبين في زيارة المتاحف والتعلم التاريخي. إذ يُقدر حجم سوق المتاحف والمواقع التاريخية وحدائق الحيوان والمتنزهات في أمريكا الشمالية بنحو 25.05 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 52.79 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 16.08٪ خلال تلك الفترة، وفقًا لشركة الاستشارات الهندية “Mordo intelligence”، مع توقع نمو لصناعة المتاحف وحدها وفقًا لموقع “IBIS WORLD” بنسبة 1.3% في عام 2024.
كما يقدر حجم سوق المتاحف والمواقع التاريخية وحدائق الحيوان والمتنزهات في أوروبا بـ 43.29 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقّع أن يصل إلى 59.77 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 6.66٪ خلال الفترة 2024-2029، وتوقع زيادة عدد الزائرين للمتاحف بمعدل نمو نحو 5% بعد جائحة كورونا. ويتصدر متحف اللوفر الذي يضم لوحة “الموناليزا” قائمة المتاحف الأكثر زيارةً على مستوى أوروبا والعالم ككل باستقبال ما يقرب من 7.73 ملايين زائر عام 2022، ولكنه ظل منخفضًا عن عام 2019 عندما وصل زواره إلى 9,6 مليون زائر، وقد كان اللوفر هو صاحب المركز الأول كذلك في عام 2018 بنحو 10.2 مليون زائر، يليه متحف سانت بطرسبورج. وفي المملكة المتحدة، تعد لندن عاصمة المتاحف، فبينما كان متحف التاريخ الطبيعي أكثر مناطق الجذب زيارة في لندن في عام 2021، كان المتحف البريطاني هو المتحف الفني الأكثر زيارة في البلاد، بزيادة نحو 4٪ عقب انتهاء الجائحة.
دور المتاحف في السياحة العالمية
بمقارنة بسيطة يمكننا ربط المدن الأكثر زيارة في العالم، والمدن التي تمتلك أكثر المتاحف زيارةً عالميًا، بما يضعنا أمام أهمية صناعة المتاحف في تنوع التجربة السياحية، وتلبية رغبات السائحين، بما ينعكس على مدد الإقامة، فيتم تصنيف لندن وباريس كمدينتين ضمن أفضل الوجهات السياحية في أوروبا، حيث سجلتا أكبر عدد من ليالي المبيت في أي مدينة في عام 2021، كما أنهما تضمّان بعض أهم المعالم الثقافية الوطنية في البلدين، مما يساعد على جذب أعداد كبيرة من السياح الدوليين، وتقوم شركة الاستشارات العقارية الموثوقة AECOM وجمعية الترفيه بإصدار تقرير سنوي عن المعالم السياحية الأكثر زيارة في العالم، أوضحت فيه أن المتاحف في لندن وباريس وواشنطن العاصمة تهيمن على قائمة أفضل 20 متحفًا في العالم، وفقًا لموقع “شبكة المتاحف الأوروبية.
فباريس، التي تمتلك المتحف الأكثر شهرةً وزيارةً “اللوفر”، تتصدر قائمة مؤشر “يورومونيتور إنترناشيونال” السنوي لأفضل 100 مدينة عالميًا لعام 2023، وفقًا لخمسة وخمسين مؤشرًا تقيس أداء المدن السياحي الاقتصادي والسياسات السياحية وجاذبيتها والبنية التحتية واعتماد التكنولوجيا والاستدامة وتطبيق الجوانب الصحية وسبل السلامة، وهو المؤشر الذي هيمنت عليه الدول الأوروبية بنحو 7 مدن ضمن أفضل 10 و63 دولة ضمن أفضل 100 دولة عالميًا.
ومع استعادة معدلات نمو السياحة العالمية بنحو 1,3 مليار زائر وتحقيق 1.4 تريليون دولار عام 2023، وفقًا لبيانات منظمة السياحة العالمية، جاءت لندن كثاني أكبر مدينة استقبلت عددًا من السائحين الدوليين عام 2023، بنحو 18.8 مليون سائح، بعد إسطنبول التي وصل إليها نحو 20.2 مليون سائح، وباريس في المرتبة الخامسة بنحو 15,5 مليون سائح، وذلك لكونها موطنًا لأكثر المتاحف زيارةً فمن بين أشهر 20 متحفًا في أوروبا تمتلك لندن وحدها 6 وفقًا لبيانات عام 2021، وأشهرها “المتحف الطبيعي وتيت مودرن، والمتحف البريطاني”.
المتاحف -إذن- هي مكون رئيسي للتجربة السياحية، وهو ما يمكن إرجاعه إلى كون السياحة الثقافية والتاريخية تمثل نحو 40% من السياحة العالمية عام 2023، وأبدى 74% من جيل الألفية أنهم مهتمون بالأماكن الثقافية والتاريخية وفقًا لبيانات المنتدى الاقتصادي العالمي، كما سجل سوق السياحة التاريخية معدل نمو بلغ نحو 4.1% سنويًا في الفترة من 2018 إلى 2022، مما سيعزز من دور المعالم التاريخية والثقافية في تعزيز التجربة السياحية، وبالتالي تنعكس على اقتصاديات السياحة.
المتحف الكبير والتجربة السياحية في مصر
ومع تنامي معدلات السياحة الثقافية والتاريخية العالمية، وكون السياحة الثقافية ضمن الأنماط السياحية الأربعة التي وضعتها الدولة المصرية في استراتيجية الوصول إلى 30 مليون سائح، يأتي افتتاح المتحف الكبير ليضيف تجربة جديدة لزيادة تنوع المنتجات وجذب مزيد من السائحين والذي يستهدف 8 ملايين سائح/ سنويًا، لينضم إلى 43 متحفًا للآثار، منها 33 مفتوحًا للزيارة، و2160 موقعًا أثريًا منها 134 مفتوحًا للزيارة، في ظل خطة الدولة لوجود متحف في كل محافظة.
شهدت السنوات الست الأخيرة نموًا ملحوظًا في قطاع المتاحف، حيث تم افتتاح أول متحف للآثار في مدينة الغردقة، وآخرين في مطار القاهرة ومتحف في مدينة شرم الشيخ لربط السياحة الشاطئية بالثقافية، هذا بجانب متحف الحضارة المصرية في القاهرة التاريخية، والذي تم افتتاحه في احتفال ضخم خلال موكب “المومياوات الملكية”.
وكان عدد زوار المتاحف المصرية قد وصل إلى 9.643 مليون شخص، وبلغ إجمالي إيراداتها نحو 169.021 مليون جنيه عام 2018 مقابل 99.133 مليون جنيه عام 2017 بنسبة زيادة قدرها 70.5%.، وفقًا لبيانات إعلامية من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ومن المتوقع أن يسهم المتحف المصري الكبير بعد افتتاحه رسميًا في تحقيق إيرادات سنوية تصل إلى 150 مليون جنيه سنويا، فقد زار نحو 800 ألف زائر المتحف خلال مدة افتتاحه التجريبي من يناير حتى ديسمبر 2023، هذا بجانب الأحداث الخاصة التي تم تنظيمها داخله، وهو ما سيدعم الجانب السياحي والاقتصادي بالدولة من خلال تطبيق معايير التنمية المستدامة، حيث سيسهم في توفير فرص العمل بشكل مباشر أو غير مباشر، وتطوير المجتمع المحلي، بجانب تطوير البنية التحتية للمنطقة التي شهدت وجود أول مطار قريب من الأهرامات وهو مطار سفنكس، بجانب توقيع البرتوكول مع وزارة الإسكان لعرض المنطقة المحيطة بالمتحف للاستثمار السياحي، سواء لزيادة الطاقة الفندقية أو المشروعات الترفيهية والمطاعم، لتلبية الطلب السياحي في ظل توقع زيادة مدد إقامة السائحين من خلال عمل برنامج لسياحة القاهرة Cairo city Break لزيادة مدة الإقامة من ليلتين إلى 5 ليالٍ على الأقل، واستهداف السياحة العائلية وسياحة المؤتمرات، حيث يضم المتحف بجانب ربطه بمنطقة الأهرامات ما يزيد على 100 ألف قطعة أثرية كأكبر متحف يضم آثارًا للحضارة المصرية القديمة، بجانب مقتنيات مقبرة توت عنخ أمون، ومجموعة الملكة حتب حرس أم الملك خوفو، وكذلك متحف مراكب الملك خوفو، والمقتنيات الأثرية منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني، وعرض طرق تجميع مركب الشمس وتماثيل مميزة للملك رمسيس، والدرج العظيم، بجانب اهتمام المؤسسات الثقافية والتعليمية في العالم به، ومساهمة المتحف في سياحة الأحداث والمؤتمرات من خلال قاعات ومناطق مفتوحة، وأماكن خاصة بالأنشطة الثقافية كمتحف للأطفال، ومركز تعليمي، وقاعات عرض مؤقتة، وسينما، ومركز للمؤتمرات، وكذلك العديد من المناطق التجارية والتي تشمل محالًا تجارية، وكافيتريات، ومطاعم، وبيع النسخ الأثرية المقلدة، وهو ما ساهم في توقع العديد من الصحف الدولية أن تكون مصر ضمن أفضل أماكن للزيارة مع افتتاح المتحف في 2020، والذي تم تأجيله بسبب جائحة كورونا وتوالي الأزمات العالمية، كما تم الحديث حول تصوير 3 أفلام وثائقية بالتعاون مع شبكة ديسكفري للترويج للمتحف المصري الكبير قبل افتتاحه.
وبعرض الآثار الاقتصادية للمتاحف عالميًا وكيف يمكن أن تسهم في زيادة المعدلات السياحية، فإن المتحف المصري الكبير بجانب دوره في الاقتصاد المصري وتنوع أنماط ومنتجات السياحة المستهدفة، سيضيف بُعدًا مجتمعيًا بربط المصريين بتاريخهم في مكان واحد بجانب تنمية المجتمع المحلي، وتوفير فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وهو ما يتطلب آلية ترويج داخلية وخارجية لأهداف المتحف ورؤيته، ونشرها عالميًا بأحدث التقنيات من خلال توفير تجربة زيارة فريدة تتناسب وطبيعة مقتنيات المتحف.