سعيًا لخفض عجز الموازنة في إطار تعهدات الحكومة لصندوق النقد الدولي؛ تعكف وزارة المالية حاليًا على إعداد وثيقة للسياسات الضريبية حتى عام ٢٠٣٠ والتي تخطط الوزارة لطرحها أمام الحوار الوطني والحوار المجتمعي للخروج بصيغة توافقية تراعي حقوق الدولة من جهة وتكون محفزة وجاذبة للقطاع الخاص من جهة أخرى.
المعلن عن الوثيقة حتى الآن
وفق تصريحات وزير المالية المصري الدكتور محمد معيط خلال يونيو الجاري، فإن وثيقة السياسات الضريبية «٢٠٢٤/ ٢٠٣٠» لا تزال تحت الدراسة وأن اللجنة العليا لإعداد الوثيقة تعكف حاليًا على وضع اللمسات الأخيرة عليها قبل الإطلاق للحوار المجتمعي خلال الأسابيع المقبلة؛ مؤكدًا على أن الحكومة حريصة على الاستفادة من كل التجارب الدولية المتميزة في ترسيخ استقرار السياسات الضريبية لتحسين مناخ الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات.
تهدف الوثيقة بشكل أساسي إلى تحقيق الاستقرار في السياسات الضريبية وخلق بيئة استثمارية ذي جاذبية أعلى، سواء للمستثمر الحالي في السوق المحلي أو المستثمرين الراغبين في الدخول إلى السوق المصري على أن يكون الحوار هو الأساس في وضع السياسات الضريبية المستهدفة للسنوات الست المقبلة متضمنًا فتح قنوات للحوار مع مسئولي الحوار الوطني والغرف التجارية وجمعيات رجال الأعمال وكافة الأطراف المعنية والمستهدفة بهذه السياسات.
التزامات مصر أمام صندوق النقد الدولي
وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي فإن تشديد السياسة المالية لمصر عملًا ببرنامج التسهيل الائتماني الممتد الحالي بقيمة ٨ مليارات دولار يقابله تحدي معدلات الدين المرتفعة التي سجلت ٩٨٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لمصر في السنة المالية المنتهية ٢٠٢٢/٢٠٢٣. إلا أن عجز الموازنة شهد تقلصًا خلال السنة المالية ذاتها ليسجل ٥.٩٪ من الناتج المحلي الإجمالي نزولًا من معدل ٦.٢٪ في السنة المالية السابقة عليها ٢٠٢١/٢٠٢٢. كما أن المؤشرات الأولية لموازنة العام المالي الجاري ٢٠٢٣/٢٠٢٤ -التي تنتهي بنهاية يونيو الجاري- تشير إلى أن مصر في اتجاه تحقيق مستهدفها لتحقيق فائض يصل إلى ٢.٥٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية ككل.
يشير تقرير خبراء صندوق النقد الدولي الخاص بإتمام المراجعتين الأولى والثانية لبرنامج التسهيل الائتماني المعلن في أبريل الماضي أن معدل الدين المرتفع الذي تشهده مصر يأتي كنتيجة لتخفيض قيمة العملة الذي طبقته مصر منذ مارس ٢٠٢٢ وكذلك مدفوعات الدين.
فائض الموازنة المستهدف للعام المالي الحالي يتضمن العوائد المتوقعة من برنامج التخارج من الأنشطة الاقتصادية وبيع الأصول -الذي من المتوقع أن يدعم الناتج المحلي بنسبة ٠.٤٪ من قيمته الإجمالية- كما يعد الانخفاض المتوقع في الإنفاق الأولي بنسبة ٠.٦٪ من الناتج المحلي الإجمالي هو المحرك الرئيسي في ذلك مقارنة بمعدلات العام المالي المنتهي ٢٠٢٢/٢٠٢٣؛ في حين من المتوقع أن تزيد الإيرادات الضريبية بنسبة ٠.٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي فقط، وذلك بسبب انخفاض الإيرادات الضريبية من هيئة قناة السويس نتيجة للاضطرابات في البحر الأحمر وهي النسبة ذاتها التي من المتوقع أن تنخفض بها الإيرادات غير الضريبية أيضًا وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.
كما ستحصل وزارة المالية على ما يعادل ١٢ مليار دولار من عائدات تدفقات التمويل الجديدة المتعلقة بالتطوير المستقبلي لمنطقة رأس الحكمة؛ مما سيعزز الميزان الأولي بنسبة ٤.٦٪ من الناتج المحلي الإجمالي ويخفض الدين بالمقدار نفسه. ويتوقع الصندوق أن التمويلات المعلنة لمصر بما فيها أموال اتفاق تنمية منطقة رأس الحكمة الساحلية من المتوقع أن تصل بفائض الموازنة إلى ٧.١٪ من النتاج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية الحالية.
يذكر أنه بجانب زيادة قيمة برنامج صندوق النقد الدولي الحالي لمصر بقيمة ٥ مليارات دولار فإن البنك الدولي تعهد لمصر بحزمة مساعدة بقيمة ٦ مليارات دولار حتى ٢٠٢٦، كما تعهد الاتحاد الأوروبي بحزمة انقاذ بقيمة ٨ مليارات دولار حتى ٢٠٢٧، فضلًا عن تقديم الحكومة البريطانية تمويلًا لمصر بقيمة ٤٠٠ مليون دولار، هذا إلى جانب السيولة النقدية بقيمة ٢٤ مليار دولار التي وفرتها صفقة تنمية منطقة رأس الحكمة الساحلية الموقعة مع الجانب الإماراتي في فبراير الماضي.
وبشكل أعم؛ تستهدف الحكومة الوصول بالفائض الأولي للموازنة إلى ضعف المستهدف (٥٪) بحلول العام المالي ٢٠٢٦/٢٠٢٧ -موعد نهاية برنامج الصندوق- مع استبعاد عوائد برنامج التخارج من الأنشطة الاقتصادية وبيع الأصول وبالاعتماد بشكل أساسي على الإيرادات الضريبية.
مستهدفات السنة المالية ٢٠٢٤/٢٠٢٥.. ماذا تعكس؟
تعكس مستهدفات السنة المالية المقبلة ٢٠٢٤/٢-٢٥ -التي يبدأ العمل بها بداية يوليو المقبل- هذا التوجه، حيث تستهدف الحكومة تحقيق فائض أولي يصل إلي ٣.٥٪ من الناتج المحلي الإجمالي ووضع العجز الكلي للموازنة على مسار هبوطي وصولًا لـ ٦٪ على المدى المتوسط مع وضع الدين كذلك علي مسار نزولي ليصل إلى ما دون ٨٠٪ بحلول عام ٢٠٢٧ وذلك من خلال “السيطرة على نمو المصروفات العامة وتعبئة الإيرادات الضريبية وغير الضريبية بالإضافة إلى حصيلة التخارج من الأصول المملوكة للدولة” وفقًا للبيان المالي للموازنة الصادر عن وزارة المالية.
وتحقيقًا لذلك؛ تستهدف الحكومة نموًا في الإيرادات الضريبية في العام المالي المقبل ٢٠٢٤/٢٠٢٥ بنسبة ٣٠٪ مقارنة بالعام المالي الحالي ٢٠٢٣/٢٠٢٤ لتسجل حوالي ٢ مليار جنيه متزامنًا مع زيادة الإيرادات غير الضريبية بنسبة ٦٠٪ لتصل إلى ٦٠٠ مليار جنيه لتنمو الإيرادات العامة للدولة بنسبة ٣٦٪ لتصل إلى أكثر من ٢.٦ تريليون جنيه مقابل نمو المصروفات بنسبة ٢٩٪ لتسجل ٣.٨ تريليون جنيه.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة تستهدف عجزًا كليًا نسبته ٦.٩٪ من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية ٢٠٢٣/٢٠٢٤ وهو الأعلى خلال السنوات المالية الثلاثة السابقة وتتوقع أن يتسع هذا العجز ليصل إلى أكثر من ٧.٢٪؛ نظرًا للتحديات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية العالمية والإقليمية ليصل إلى ١.٢ تريليون جنيه.
الإصلاحات الضريبية
تضع خطة موازنة السنة المالية المقبلة ٢٠٢٤/٢٠٢٥ تصورًا شاملًا لسياسات الإصلاح الضريبي التي تتعهد بها مصر خلال السنة المالية المذكورة وما بعدها عملًا بالسياسات المتفق عليها ببرنامج صندوق النقد الدولي والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
** تبسيط الإجراءات الضريبية وتسهيلها بالنسبة للشركات الملتزمة واستمرار جهود ميكنة النظام الضريبي المصري مع وضع منظومة جيدة لإدارة المنظومة الضريبية بهدف الحد من التهرب الضريبي.
** توسيع القاعدة الضريبية من خلال زيادة معدلات الحصر والتكثيف من جهود ضم النشاط غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي.
** الحد من الإعفاءات الضريبية والجمركية لتحقيق العدالة والشفافية.
** تطبيق نظام ضريبي موحد لكل من ضريبتي الدخل والقيمة المضافة.
** تطوير منظومة الضرائب العقارية على المباني مع تحمل وزارة المالية الضريبة العقارية المقررة على المصانع.
** تبسيط الإجراءات الجمركية واستكمال منظومة النافذة الإلكترونية الواحدة للتيسير على المستوردين.
** زيادة الشفافية الضريبية من خلال نشر عقود التعاقدات الحكومية، وكذلك تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن الوحدات الاقتصادية والشركات المملوكة للدولة والإعلان الدوري عن نتائج تطبيق وثيقة ملكية الدولة، بما فيها إدارة الأصول المملوكة للدولة من قبل الصندوق السيادي المصري مع استحداث نظام مميكن لتسجيل هذه الأصول.
ماذا يخبرنا تقرير خبراء صندوق النقد الدولي عن الاستراتيجية الضريبية لمصر حتى ٢٠٢٦/٢٠٢٧؟
وفقًا للتقرير فإن الهدف من هذه الاستراتيجية هو تدعيم جهود الدولة لزيادة الإيرادات من خلال زيادة الضرائب بنسبة ٣٪ من الناتج الإجمالي المحلي بحلول السنة المالية ٢٠٢٦/٢٠٢٧ التي تشهد نهاية العمل بالبرنامج. تتضمن هذه الإصلاحات إعداد تعديلات من قبل الحكومة على قانون ضريبة القيمة المضافة وطرحه للبرلمان بحلول نوفمبر المقبل، وهي التعديلات التي ستركز على تقليل الإعفاءات من الضريبة وتعزيز كفاءتها، وهي تعديلات من شأنها زيادة الناتج المحلي الإجمالي بـ١٪ بدءًا من العام المالي المقبل ٢٠٢٤/٢٠٢٥ وهي النسبة ذاتها التي تخطط الحكومة استغلالها من عوائد التخارج من الأصول الدولة لتقليل معدل الدين.
يكشف التقرير أيضًا أن هذه الإصلاحات تتضمن تمرير قانون جديد لضريبة الدخل والذي تم إعداده بالتعاون مع إدارة المساعدة الفنية بصندوق النقد الدولي والذي من شأنه تطوير وتقوية منظومة تحصيل هذه الضريبة. تتضمن الإصلاحات أيضًا اعتماد ضريبة الكربون لدعم الحد من الانبعاثات وفي ضوء تنفيذ آلية ضبط الحدود الكربونية للاتحاد الأوروبي، واعتماد ضريبة الاستقطاع على إجمالي مبيعات الصادرات من مناطق التجارة الحرة في مصر إلى السوق المحلية؛ والمشاركة في نظام التبادل التلقائي للمعلومات التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
بالإضافة إلى ذلك، ستقوم السلطات بإجراء تقييم مفصل للفوائد الاقتصادية للمناطق الحرة الحالية بحلول نهاية سبتمبر المقبل (معيار هيكلي)، على ألا تقوم بأي توسع إضافي في المناطق الحرة حتى يتم إجراء هذا التقييم.