شهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، خلال يناير الماضي، مراسم توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا) وشركة “كونيكتا مصر” لخدمة العملاء التابعة لمجموعة “كونيكتا” الإسبانية، الرائدة عالميًا في مجال خدمات التعهيد وحلول تجربة العملاء الرقمية القائمة على الذكاء الاصطناعي، وذلك بحضور نور الدين بيهمان، الرئيس التنفيذي لمجموعة “كونيكتا” العالمية.
يأتي توقيع هذه الاتفاقية تأكيدًا وترسيخًا للمستهدف الذي تعمل عليه الحكومة حاليًا بجعل مصر مركزًا للتعهيد، ليس للمنطقة فقط، ولكن للعالم أجمع، وهو ما يعزز النمو الاقتصادي لمصر، خاصة مع تعاظم الاعتماد على السوق المصري فيما يتعلق بخدمات التعهيد، ويعزز من التدفق الدولاري إلى الداخل، حيث أصبحت هذه الصناعة من أهم مصادر الدخل الدولاري لمصر بجانب قناة السويس، وتحويلات المغتربين، والسياحة.
بموجب مذكرة التفاهم، ستطلق مجموعة “كونيكتا” عملياتها في مصر من خلال تأسيس مقر رئيسي جديد بالقاهرة الجديدة، ليكون مركزًا إقليميًا لخدماتها التي ستغطي أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا والأمريكيتين. حيث تخطط المجموعة لاستثمار حوالي 100 مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع توفير 3000 فرصة عمل متخصصة لتقديم خدمات رقمية وتقنية متطورة تشمل حلول الذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي، وتحليل البيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، والدعم الفني، وخدمات العملاء متعددة اللغات (الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والإسبانية).
كما ستقوم الشركة بإنشاء أول مركز عالمي لها للتميز في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي في مصر، حيث تخطط الشركة لنقل المعرفة والخبرات إلى الكوادر المصرية في مجالات تشمل الذكاء الاصطناعي التفاعلي (Conversational AI)، وتحليل البيانات، وغيرها من التقنيات الناشئة.
تأتي هذه الخطوة في أعقاب إعلان مماثل من العملاق الأمريكي في مجال صناعة التعهيد “كومفلت”، خاصة في مجالي أمن المعلومات والأمن السيبراني، وذلك من خلال افتتاح مركزه العالمي للتميز في ديسمبر الماضي. يُعَد هذا المركز مؤهلًا لتقديم حلول لسوق الولايات المتحدة، بالإضافة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لمواجهة التهديدات الإلكترونية المتزايدة. كما يُعد هذا المركز الأول والوحيد في منطقة الشرق الأوسط، والذي تعتمد عليه الشركة في تغطية الأسواق المذكورة.
الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ضمن أولويات الإصلاح الهيكلي في مصر
تضع الحكومة المصرية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على رأس أجندة أولوياتها، ضمن أربعة قطاعات تستهدفها في خطط الإصلاح الهيكلي، والتي تتضمن الصناعة، والزراعة، والسياحة، خاصة مع ما تتمتع به مصر من ميزات تنافسية في هذا القطاع؛ أهمها العنصر البشري وانخفاض تكاليف التشغيل مقارنةً بالأسواق المناظرة في المنطقة والعالم.
نمو ملحوظ
في هذا السياق، ذكر تقرير حديث صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، بعنوان “صناعة التعهيد في مصر”، والذي أعدّه المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن صناعة خدمات التعهيد نمت بمعدل 54.2% في السنة المالية 2022/2023، مسجلة 3.7 مليار دولار كقيمة مضافة، مقارنة بـ 2.4 مليار دولار في السنة المالية السابقة عليها.
ووفقًا للتقرير، فقد زاد عدد مراكز خدمات التعهيد في مصر بنسبة 24.4%، كما زاد عدد الشركات العاملة في هذا المجال بنسبة 25% خلال الفترة نفسها. وأوضح التقرير أن مصر تُعد من أبرز الوجهات التي تقدم خدمات التعهيد وتكنولوجيا المعلومات عبر الحدود، والتي تُسند إلى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مشيرًا إلى أن مصر تمكنت من جذب العديد من الشركات العالمية لإنشاء فروع لها داخل البلاد، بفضل مزاياها الفريدة مثل الخبرة البشرية الرقمية واللغوية، والبنية التحتية المتكاملة.
وأشار التقرير إلى أنه خلال السنة المالية 2022/2023، بلغت القيمة المضافة لقطاع تكنولوجيا المعلومات في مصر 275.5 مليار جنيه، مقارنةً بـ 209.5 مليار جنيه في السنة المالية 2021/2022، بمعدل نمو قدره 31.5%.
وأوضح التقرير أن صناعة التعهيد، التي تُعد واحدة من الاستراتيجيات الرئيسية لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ستتوسع في الأسواق الأجنبية، مع زيادة صادرات مصر الرقمية ثلاثة أضعاف بمعدل نمو سنوي مركب قدره 19% حتى عام 2026.
الصادرات الرقمية
وفقًا للتقرير، بلغت قيمة صادرات مصر الرقمية 6.2 مليارات دولار خلال السنة المالية 2022/2023، مقارنةً بـ 4.9 مليارات دولار في السنة المالية 2021/2022، بنسبة نمو 26.5%. تتضمن مجالات الصادرات الرقمية خدمات التعهيد للشركات، مثل خدمات الموارد البشرية، وخدمات مراكز الاتصال، بالإضافة إلى تطوير البرمجيات، وخدمات الدعم الفني، وتصميم الأنظمة المتكاملة، والدوائر الإلكترونية.
وبحسب التقرير، بلغت الاستثمارات في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 83.3 مليار جنيه في السنة المالية 2022/2023، مقارنةً بحوالي 56 مليار جنيه في العام السابق، بمعدل نمو قدره 48.8%، مشيرًا إلى أن إسهام القطاع الخاص بلغ 63% من إجمالي الاستثمارات في هذا القطاع.
وكشف التقرير عن أن الحكومة تستهدف الوصول بصادرات صناعة التعهيد إلى 9 مليارات دولار بحلول عام 2026، وهو ما يتجاوز إجمالي الصادرات الرقمية التي تحققت في السنة المالية 2022/2023؛ مما يعكس الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها صناعة التعهيد في خريطة الاقتصاد المصري بحلول العام المقبل.
كان الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، قد صرّح سابقًا بأن إقبال الشركات العالمية على إقامة مراكز لها في مصر لتقديم الخدمات الرقمية المتطورة لعملائها حول العالم يعكس مكانة مصر كمركز عالمي لتصدير الخدمات الرقمية والتعهيد، وأحد أبرز المقاصد المفضلة للشركات العالمية العاملة في هذه الصناعة الواعدة. وأوضح حرص الدولة على تهيئة بيئة أعمال جاذبة للشركات العاملة في هذا المجال، وتقديم الدعم اللازم لتطوير الكوادر المصرية، وتزويدها بالمهارات اللازمة لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة. مضيفًا أن قرار الشركات بالتوسع في عملياتها في مصر سيسهم في خلق فرص عمل جديدة، وتنمية الكفاءات الشابة لتلبية الطلب المتزايد على خدمات التعهيد في الأسواق الأوروبية والأمريكية، بالإضافة إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
تتبنى مصر في هذا الإطار استراتيجية واضحة، وهي “وثيقة ملكية الدولة”، التي ترسم خارطة طريق لزيادة إسهام القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي المصري، لتصل إلى نسبة 65% بحلول عام 2027. وهو التزام واضح من الدولة في سبيل زيادة معدل النمو الاقتصادي من خلال الاستفادة من قدرات وخبرات القطاع الخاص، فضلًا عن زيادة عدد الوظائف في السوق لاستيعاب قوة العمل المحلية.
الخلاصة
في عام 2022، أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات رؤية “مصر الرقمية للخدمات العابرة للحدود (التعهيد) 2022-2026″، بهدف أساسي هو دفع نمو القطاع بوتيرة أعلى، إلى جانب تحقيق عدد من الأهداف التي تصب في تحقيق هذا المستهدف، والتي تتضمن:
- تحقيق ثلاثة أضعاف عائدات التصدير للدولة من الخدمات الرقمية العابرة للحدود، بمعدل 19% من النمو السنوي حتى عام 2026.
- توفير وإضافة فرص عمل مستدامة في صناعة الخدمات العابرة للحدود، مع التركيز على الخدمات عالية القيمة، والتي من المتوقع أن تضيف 215 ألف وظيفة حتى عام 2026.
- الترويج والتسويق لمصر كوجهة جاذبة للخدمات والتقنيات الرقمية الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات المتقدمة، وتصميم الرقائق الإلكترونية، والبرمجيات المدمجة.
تعمل مصر على أن تصبح مركزًا عالميًا للتعهيد وابتكار التكنولوجيا، من خلال المبادرات التي تهدف إلى نمو الصناعة، وتطوير المواهب التكنولوجية والمهارات الرقمية، وتعزيز قدرة مصر التنافسية على الساحة العالمية عبر تنفيذ هذه الاستراتيجية. يتطلب ذلك فتح قنوات تواصل متواصلة ومباشرة مع الشركات العالمية العاملة في هذا المجال لاستعراض الميزات التنافسية لمصر، والترويج لنماذج من الشركات التي اتخذت من مصر مركزًا إقليميًا وعالميًا لأعمالها في تصدير خدمات التعهيد للعديد من الأسواق الإقليمية والعالمية. كما يستلزم ذلك وضع حزمة عاجلة من المحفزات على جميع المستويات، لتتكامل مع الميزات التنافسية التي تتمتع بها السوق المصرية.
علاوةً على ذلك، يعد التوسع في الاستثمار في تحسين شبكات الإنترنت والبنية التحتية التكنولوجية أمرًا ملحًا، بهدف زيادة السرعة والموثوقية، وتطوير مراكز البيانات، ومرافق الحوسبة السحابية لتلبية احتياجات الشركات العالمية. كما ينبغي توسيع نطاق خدمات التعهيد لتشمل أسواقًا جديدة في قطاعات مختلفة، مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات المالية.