أعلن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الثلاثاء الموافق 11 مارس 2025 عن اكتمال المراجعة الرابعة لبرنامج التسهيل الائتماني الممتد والذي يدعم الموجة الثانية من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تتبناها مصر حاليًا بقيمة إجمالية 8 مليارات دولار. هذه المراجعة هي الأولى للبرنامج بعد موافقة الصندوق في أبريل الماضي على طلب الحكومة المصرية بزيادة قيمة التمويل الممنوح من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار، وبالتالي تتيح هذه الموافقة لمصر الحصول على شريحة بقيمة 1.2 مليار دولار وهي الشريحة التي أعلنت مسئولة بعثة الصندوق لمصر “إيفانا هولار” أنها ستُصرف لمصر خلال مارس الجاري، وبصرف هذه الشريحة؛ يصل إجمالي ما حصلت عليه مصر بموجب هذا البرنامج على مدى أربع مراجعات حوالي 3.2 مليارات دولار من أصل 8 شرائح وفقًا لخطة الصرف والتي تتم بناءً على مراجعات دورية حتى نهاية البرنامج في سبتمبر 2026.
آلية التسهيل الائتماني
آلية التسهيل الائتماني هي آلية تهدف إلى تقديم المساعدة للبلدان التي تعاني من اختلالات كبيرة في ميزان المدفوعات بسبب معوقات هيكلية أو بطء نمو الناتج المحلي الاجمالي وضعف جوهري في مركز ميزان المدفوعات، تدعم هذه الآلية البرامج الاقتصادية الشاملة مع التركيز على السياسات اللازمة لتصحيح الاختلالات الهيكلية على مدار فترة ممتدة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن آلية التسهيل الائتماني الممتد هي الآلية ذاتها التي مولت مصر من خلالها موجتها الأولى من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية خلال الفترة من 2016 – 2019 قبل جائحة كورونا بقيمة تمويل بلغت حينها 12 مليار دولار، يوضح جدول رقم (1) المُراجعات السابقة لبرنامج التسهيل المُمدد من جانب صندوق النقد الدولي إلى مصر خلال المراجعات الثلاث السابقة والمراجعة الرابعة التي تم الانتهاء منها.
جدول رقم (1): المراجعات الأربع لبرنامج التسهيل المُمدد من صندوق النقد الدولي إلى مصر:
القيمة المالية من قبل الصندوق إلى مصر | مراجعة برنامج تسهيل الصندوق المُمدد |
1.25 مليار دولار أمريكي | المراجعة الأولى |
820 مليون دولار أمريكي | المراجعة الثانية |
820 مليون دولار أمريكي | المراجعة الثالثة |
1.2 مليار دولار أمريكي | المراجعة الرابعة |
المصدر: صندوق النقد الدولي، 2025
تمويل جديد ضمن آلية المرونة والاستدامة
بالإضافة إلى ذلك، وافق صندوق النقد الدولي في اجتماع مجلسه التنفيذي على طلب مصر للحصول على تمويل جديد بموجب آلية المرونة والاستدامة، والذي يتيح لمصر الحصول على تمويل بقيمة 1.3 مليار دولار، وبذلك، تبلغ إجمالي التمويلات الخاصة بالمراجعة الرابعة وآلية المرونة والاستدامة حوالى 2.5 مليار دولار (1.2 مليار دولار تمثل الشريحة الرابعة و1.3 مليار دولار كجزء من اتفاق جديد ضمن آلية المرونة والاستدامة).
وفقًا لتصريحات “هولار” خلال المؤتمر الصحفي والبيان المشترك الذي أصرته وزارتا المالية والبيئة، فإن هذا التمويل يتضمن 10 إجراءات إصلاحية تلتزم بها مصر خلال عام ونصف هي مدة البرنامج، سيتم صرف قيمة التمويل بموجب شرائح وفقًا لمراجعات سيتم الاتفاق عليها بين الجانبين.
خلال الاجتماع وافق المجلس التنفيذي للصندوق على طلب الجانب المصري الخاصة بإعادة تقييم التزاماتها المالية متوسطة الأجل وعليه تم تعديل مستهدف الفائض المالي الأولي (الفارق بين الإيرادات والمصروفات بعد استبعاد مصروفات الديون مع استبعاد عائدات برنامج التخارج وفقًا لنتائج المراجعة (ليصبح 4% بدلًا من 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي) خلال السنة المالية المقبلة 2025/2026 على أن يتعافى إلى 5% في السنة المالية التالية لها وهو المستهدف الذي يتماشى مع التزامات الجانب المصري الأساسية.
دور السياسات الاقتصادية المصرية
وفقًا لبيان الصندوق، فقد اتخذت مصر إجراءات حاسمة خلال العام الجاري والتي تضمنت تنفيذ عدد من الإصلاحات الهيكلية التي أشار إليها الصندوق بأنها بالغة الأهمية، بما في ذلك الخطوات التي تم اتخاذها نحو تعزيز الاستقلالية التشغيلية لجهاز حماية المنافسة المصري، بهدف تحسين المنافسة في أسواق المنتجات والخدمات، بالإضافة إلى اختيار شركة استشارية دولية لإعداد دراسة عن ممارسات الحوكمة ذات الصلة بالبنوك العامة لرفع مستوى الكفاءة وزيادة الشفافية في القطاع المالي.
كما أشاد الصندوق بجهود الجانب المصري نحو تطبيق إصلاحات ذات تأثير بالغ في الاقتصاد الكلي لمعالجة تغير المناخ، وفي هذا الصدد، من شأن الاتفاق في إطار آلية المرونة والاستدامة أن يدعم أهم الإصلاحات لتعجيل وتيرة خفض انبعاثات الكربون، وتعزيز إدارة المخاطر البيئية، وتقييم آثار خطط الاستثمار على تحقيق القدرة على الصمود.
وفي هذا الصدد، صرح “نايجل كلارك”، نائب المدير العام ورئيس المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بالإنابة أنه “منذ مارس 2024، أحرزت السلطات تقدمًا ملموسًا نحو تحقيق استقرار الاقتصاد وإعادة بناء ثقة السوق برغم البيئة الخارجية المليئة بالتحديات والتي اتسمت بصدمات خارجية مستمرة ومتوالية، بما فيها الصراعات الإقليمية واضطرابات التجارة في البحر الأحمر”.
وأضاف “كلارك” أنه بدت علامات على تعافي نمو إجمالي الناتج المحلي مع تراجع معدلات التضخم بالتدريج، كما أن احتياطيات النقد الأجنبي في مستويات ملائمة، حقق كذلك ضبط أوضاع المالية العامة تقدمًا في ظل البرنامج؛ حيث سجلت الحكومة فائضًا أوليًا بلغ 2.5% من إجمالي الناتج الإجمالي المحلي (بدون إيرادات التخارج من الأصول المملوكة للدولة) في السنة المالية المنقضية 2023/2024، إلى جانب تراجع نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي.
كما كشف بيان الصندوق عن تحسن أداء الدين؛ حيث توقع انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عقب تطبيق الموجة الرابعة من التسعير العادل للعملة المحلية أمام سلة العملات الأخرى في مارس 2024، على الرغم من وجود فجوات مع سعر الصرف الموازي، وعليه توقع الصندوق بأن ينخفض معدل الدين العام من مستوى 95.5% في العام المالي 2022/2023 و90.9% في العام المالي 2023/2024 لتصل إلى ما دون 90% في العام المالي الحالي 2024/2025 الذي ينتهي بنهاية يونيو 2025، ليسجل 86.6%. هذه المستويات هي مستهدفات خطة إدارة الدين على المدى المتوسط التي تتبناها مصر بالتعاون مع الإدارة الفنية لصندوق النقد الدولي.
لكنه أشار “كلارك” في الوقت نفسه إلى تزايد معدل الدين الخارجي خلال العام المالي الجاري 2024/2025 لمستوى 41.8% من الدين المحلي الإجمالي من مستوى 39.9% في السنة المالية السابقة عليها.
وأشاد الصندوق في بيانه بالجهد المصري في هذا الصدد من حيث تراكمات الطلب على الواردات غير الملباة؛ إذ نجحت الجهود في الانتهاء منها تمامًا ولم تظهر مجددًا؛ الأمر الذي يعكس تحسنًا ملحوظًا في إدارة التجارة الخارجية وتوفير العملة الصعبة لتلبية احتياجات المستوردين، وكفاية احتياطيات النقد الأجنبي الذي سجل 47.4 مليار دولار في فبراير 2025 مقارنة بـ 47.1 مليار في ديسمبر 2024.
مسار برنامج التسهيل الائتماني حتى اكتمال المراجعة الخامسة
أشار بيان الصندوق إلى مجموعة من التوصيات التي من شأنها أن ترسم مسار السياسة الاقتصادية بموجب برنامج التسهيل الإئتماني المُمتد حتى إجراء المراجعة الخامسة التي من المقرر أن تكتمل خلال ستة أشهر، وفي ذلك؛ أشار البيان إلى أن تعزيز استدامة المالية العامة يتطلب الفاعلية في تعبئة الإيرادات المحلية واعتماد استراتيجية شاملة لإدارة الدين، بالاضافة إلى توسيع الوعاء الضريبي وترشيد الحوافز الضريبية وتعزيز الامتثال، إذ تعد كل تلك العوامل ضرورية لإتاحة حيز من المالية العامة للإنفاق على الاحتياجات التنموية والاجتماعية ذات الأولوية.
وفي الوقت نفسه، فضمان استدامة القدرة على تحمل الدين يحتم اعتماد استراتيجية متوسطة المدى لإدارة الدين، بما في ذلك تعميق سوق الدين المحلي ومواصلة تطويرها، وتحسين الشفافية فيما يخص أنشطة المالية العامة وتعزيز الإشراف على المالية العامة خاصة على الكيانات غير المدرجة في الموازنة وتعجيل التخارج من الأصول المملوكة للدولة.
ولتعزيز القدرة على الصمود والتشجيع على تحقيق نمو ديناميكي شامل للجميع تقوده الصادرات، ذكر البيان أنه يجب انتهاج نموذج اقتصادي جديد دون تحديد طبيعة أو ملامح هذا النموذج، ومن خلال العمل على تقليص بصمة الدولة، وتحقيق تكافؤ الفرص، والسماح ببلوغ أسعار الطاقة مستويات استرداد التكلفة، ومعالجة قضايا الحوكمة والشفافية؛ إذ سيمكن ذلك النموذج القطاع الخاص من أن يصبح المحرك الأساسي للنمو.
وفي هذا السياق، أشار الصندوق إلى أن اعتماد نظام سعر الصرف المرن، مرتكزًا على نظام قوي لاستهداف التضخم مع ضمان استقلالية البنك المركزي وانتهاج سياسات مالية سليمة، يشكل أداة ضرورية على مستوى السياسات تسمح للاقتصاد بالتكيف في مواجهة الصدمات، وفي الوقت نفسه، فإن تطبيق الإصلاحات المناخية ذات التأثير البالغ في الاقتصاد الكلي لتلبية حاجة مصر المتزايدة إلى التكيف وتخفيف الآثار سيزيد من تعزيز القدرة على الصمود.
خلال المؤتمر الصحفي لمسئولة بعثة صندوق النقد إلى مصر، أكدت “هولار” أن الصندوق قد لاحظ منذ مارس 2024 تقدمًا ملحوظًا في جهود السلطات المصرية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وقد أشارت “هولار” إلى أن مراجعات الصندوق لآفاق الاقتصاد المصري كشفت عن بدء تراجع التضخم، خاصة في فبراير 2025، وهو ما يعكس نجاح السياسات الاقتصادية المتبعة، وأكدت أن هذا التقدم تم تحقيقه على الرغم من التحديات الجيوسياسية الصعبة التي تواجه المنطقة، بما في ذلك الصراعات الإقليمية واضطرابات حركة التجارة في البحر الأحمر.
تحديات الاقتصاد المصري وفقًا لرؤية الصندوق
يعتبر التحدي الرئيسي الذي أورده الصندوق هو التوترات الإقليمية ونتائجها الوخيمة خاصة على مسار التجارة بالبحر الأحمر وقناة السويس والتي قال الصندوق إنها من الممكن أن تفرض مزيدًا من الضغوط على إيرادات المالية العامة، والاستثمار الأجنبي المباشر، والاستقرار الخارجي، وعلى المستوى المحلي، فإن الإصلاحات اللازمة لأسعار الطاقة والدعم والسياسة الضريبية تنطوي على تكاليف اجتماعية يجب التعامل معها بحذر، وفقًا للصندوق.
ختامًا، فإن إتمام المراجعة الرابعة لبرنامج التسهيل الائتماني مع صندوق النقد الدولي، إلى جانب إقرار التمويل الجديد بموجب آلية المرونة والاستدامة، يمثلان خطوة مهمة في مسار تعزيز الاستقرار الاقتصادي في مصر؛ إذ تؤكد هذه المراجعة على التقدم الكبير الذي حققته الحكومة المصرية في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية، رغم التحديات الإقليمية والدولية الصعبة.
من خلال هذه الإجراءات الإصلاحية، تسعى مصر إلى تحقيق استدامة مالية واقتصادية طويلة الأمد، مع التركيز على تعزيز القدرة على تحمل الديون وتحقيق نمو شامل يقوده القطاع الخاص، ومع التوقعات الإيجابية بتحسن الاقتصاد الكلي، وتراجع التضخم، وتحسن أداء الدين العام، تبقى التحديات الكبيرة قائمة، خاصة فيما يتعلق بالتحولات الجيوسياسية في المنطقة، وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن التحركات التي تقوم بها مصر في إطار التعاون مع صندوق النقد الدولي، وكذلك التزامها بالإصلاحات الهيكلية، تضعها في موقع يمكنها من مواجهة الأزمات المستقبلية وتعزيز قدرتها على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية.