منذ بداية العقد الحالي، توالت الخطط الاستراتيجية لإصلاح التعليم في مصر، ففي عام 2014 نشرت وزارة التربية والتعليم الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي 2014-2030 بعنوان “التعليم: المشروع القومي لمصر – معًا نستطيع”، وفي مارس 2018، صدرت خطة إصلاح التعليم 2018-2025 بالتعاون مع البنك الدولي، وقبل أن تنقضي مدة تنفيذها صدرت خطة جديدة للتعليم قبل الجامعي 2023-2027 بالتعاون مع صندوق الشراكة العالمية من أجل التعليم The Global Partnership for Education (GPE). تميزت خطة 2014 عن الخطط التي تلتها بأنها كُتِبت باللغة العربية، في حين كُتِبت الخطط التي تلتها باللغة الإنجليزية، فإن كان التركيز على نشر خطط التعليم باللغة الإنجليزية يعكس طموحًا للتواصل مع المجتمع الدولي، إلا أنه يظل حائطًا صلبًا أمام الحوار المجتمعي، والتوافق حول ماهية وكيفية إصلاح التعليم المصري، والمشاركة الفاعلة في التطوير خاصة من قبل المعلمين الذين يمثلون الذراع الأول في تنفيذ الإصلاح.
لطالما كان المعلم في طليعة المستهدفات المنشودة بجميع خطط التعليم السابقة، ولم يتغير ذلك في الخطة الجديدة، فقد اشتملت مستهدفات خطة 2023-2027 على سياسات للتغلب على التحديات الخاصة بالمعلمين، فهل ستنجح في تجاوز هذه العقبات؟ إن هذا التساؤل يحمل في طياته الكثير من القلق المشروع، فبحسب تصريحات الوزارة تجاوزت أعداد العجز في المعلمين 470 ألف معلم. من هنا، تبرز الحاجة إلى تحليل دقيق لهذه السياسات للوقوف على مدى فاعليتها في حل تحديات المعلم المصري من توفر وتأهيل وتدريب قبل وفي أثناء الخدمة.
تحديات الوضع الراهن للمعلمين
يضم قطاع التعليم قبل الجامعي في مصر ما يقرب من مليون معلم، هذا بالإضافة إلى ما يقرب من 500 ألف موظف إداري، وبحسب ما جاء في خطة التعليم 2023-2027 فإن نسبة المعلمين غير العاملين بالتدريس تتناسب عكسيًا مع نسبة المعلمين العاملين بالتدريس، فخلال الخمس سنوات الماضية ارتفع إجمالي عدد الموظفين الإداريين بنسبة 20% وعدد العمال بنسبة 28% بينما انخفض عدد المعلمين بنسبة 8%، كما يبين شكل 1.

شكل (1): التغير في قوة العمل في التعليم العام حسب نوع الموظفين للفترة من 2015/16 إلى 2019/20
المصدر/ خطة قطاع التعليم في مصر 2023-2027 https://www.globalpartnership.org/node/document/download?file=document/file/2023-09-education-sector-plan-2023-2027-egypt.pdf
تنعكس النسب السابقة على إجمالي ساعات التدريس السنوية، وفي هذا الصدد تؤكد نتائج التحليل المدرجة بالخطة أن ساعات التدريس السنوية في مصر تمثل الحد الأدنى مقارنة بالمعايير الدولية، حيث يبلغ متوسط ساعات التدريس السنوية 612 ساعة للمعلمين المساعدين و459 ساعة للمعلمين الخبراء في المرحلة الابتدائية، مقارنة بمتوسط 772 ساعة وفقًا لمعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية Organization for Economic Co-operation and Development) (OECD)، جدول (1) وهذا أيضًا يعد ضمن الفجوات الكبيرة في نظام التعليم المصري والتي تمثل تحديًا آخر يعوق تحقيق معايير الجودة المستهدفة.
المرحلة الابتدائية | المرحلة الإعدادية | المرحلة الثانوية | |||||
معلم مساعد/ معلم | معلم خبير | معلم مساعد/معلم | معلم خبير | معلم مساعد/معلم | معلم خبير | ||
نصاب التدريس الأسبوعي (عدد الحصص الأسبوعية) | 24 | 18 | 21 | 17 | 18 | 16 | |
عدد ساعات التدريس (اسبوعيًا) | 18 | 14 | 16 | 13 | 14 | 12 | |
عدد ساعات التدريس (سنويًا) | 612 | 459 | 536 | 434 | 459 | 408 | |
متوسط عدد ساعات التدريس وفقًا لمعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) | 772 (554 -1176) | 704 (475 – 1254) | 671 (456 -1254) | ||||
جدول (1): ساعات التدريس بحسب المرحلة التعليمية والدرجة الوظيفية
المصدر/ خطة قطاع التعليم في مصر 2023-2027 https://www.globalpartnership.org/node/document/download?file=document/file/2023-09-education-sector-plan-2023-2027-egypt.pdf
يترتب على فجوات الساعات التدريسية معوقات إيجاد وقت كافٍ لتغطية موضوعات المناهج الدراسية، أو لتوفير برامج تعليمية علاجية لدعم الطلاب المتعثرين، حيث أوضحت الخطة أن (90%) من معلمي الرياضيات والعلوم في المرحلة الإعدادية أبلغوا أن نقص الوقت يحول دون مساعدتهم للطلاب المتأخرين دراسيًا، و(82%) منهم أوضحوا أن الساعات التدريسية لا تتناسب مع حجم المناهج الدراسية، وخاصة في المدارس التي تعمل بنظام المناوبات (الفترتين والثلاث فترات)، وتهدر ما يقرب من 190 ساعة سنويًا، مما يشكل تراجعًا كبيرًا في فرص التعلم.
في ذات السياق، رصدت الخطة تحديات تتعلق بارتفاع نسب غياب المعلمين، ففي المرحلة الابتدائية، حيث تبلغ نسب غياب المعلمين نحو 36% مقارنة بـ 47% في المرحلة الإعدادية، هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسب تأخر المعلمين عن مواعيد العمل الرسمية بالمدارس سواء المعلمين الذين يصلون متأخرين و/أو يغادرون مبكرًا، حيث تبلغ نسبتهم نحو 33% في المدارس الابتدائية و48% في المدارس الإعدادية.
أما على صعيد التخصص الأكاديمي والتربوي، فقد أوضحت نتائج تحليل الوضع الراهن للمعلمين في خطة 2023-2027 أن الأغلبية العظمى من المعلمين في القطاع الحكومي يحملون مؤهلًا تربويًا “دبلومة تربوية”، وبشكل عام، هناك خياران للالتحاق بمهنة التدريس قبل الجامعي وهما: إما الالتحاق بإحدى كليات التربية لمدة أربعة سنوات دراسية، والتخصص في أحد المواد الأكاديمية مثل اللغة العربية واللغة الإنجليزية والتاريخ والجغرافيا والرياضيات والعلوم والأنشطة المختلفة؛ أو يمكن إكمال درجة جامعية غير تربوية ثم الحصول على دبلوم تربوي لمدة عام دراسي واحد على الأقل إما قبل المهنة أو في أثناء الثلاث سنوات الأولى من مزاولة التدريس.
يقع معلمو مرحلة رياض الأطفال في المرتبة الأولى ضمن الأكثر تأهيلًا بنسبة 98٪ ممن لديهم مؤهل تربوي جامعي أو دراسات عليا مقارنة بـ 62٪ من معلمي المرحلة الابتدائية من بينهم 31٪ لديهم دبلوم تربوي، بينما تبلغ نسبتهم نحو 84% في المرحلة الإعدادية والثانوية العامة، وهناك (34٪) من المعلمين الذين لا يحملون أي مؤهل تربوي يتركزون في المدارس المجتمعية في القرى والمناطق النائية (مدارس الفصل الواحد) التابعة لوزارة التعليم والتعليم المهني.
في التعليم الفني، يتم توظيف معلمي هذا القطاع عادة من خلال حصولهم على شهادة دبلوم فنية، إلا أن الغالبية العظمى في المدارس الفنية الزراعية والتجارية والسياحة والفنادق هم من خريجي الجامعات، وهذا يشير إلى قلة خبرتهم الفنية والتخصصية، حيث تعتمد الدراسة في التعليم الفني على الخبرة التطبيقية الميدانية أكثر من التخصص الأكاديمي، وعلى الرغم من جهود الوزارة في تدريب المعلمين فإن التطوير المهني المستمر للمعلمين لم يتم دمجه في نظام التعليم بشكل كامل، حيث لا تزال فرص التدريب العملي محدودة وتعتمد على المشاريع والمنح الدولية، بالإضافة إلى ذلك، هناك تفاوتات في توزيع مراكز تدريب المعلمين جغرافيًا، لذا تعتمد الوزارة بشكل كبير على التدريب عن بعد من خلال المنصات الإلكترونية.
في هذا الصدد، تشكل الأمية الرقمية لدى المعلمين تحديًا يحول دون فاعلية استخدام التكنولوجيا في التعليم بشكل عام، ولا سيما تكافؤ فرص التدريب والتأهيل الإلكتروني، وبينما كانت هناك تحسينات كبيرة في دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النظام التعليمي مثل توفير بنك المعرفة المصري EKB والسبورات الذكية داخل الفصول، ظلت نسب الاستخدام الفعلي للتكنولوجيا في التعليم محدودة، فبحسب خطة 2023-2027 بلغت نسبة استخدام معلمي الرياضيات للسبورات الذكية 62٪، وانخفضت هذه النسبة إلى 47٪ بين معلمي العلوم، وبلغت نسبة المدارس الإعدادية التي استخدمت نظام إدارة التعلم عبر الإنترنت لدعم التعلم نحو36٪ فقط.
مستقبل المعلمين في خطة التعليم 2023-2027
ارتكزت فلسفة التطوير في خطة التعليم 2023-2027 على نظرية التغيير Theory of Change (ToC) وشكلت منطق سياسات الأولويات الموضوعية والبرامج الاستراتيجية المرتبطة بها، فحددت أربعة مجالات في السعي لتحقيق أهداف التعليم 2.0، بما يتوافق مع نتائج تحليل قطاع التعليم Education Sector Analysis (ESA) وبما يتماشى مع إطار نظرية التغيير (ToC) هذه المجالات هي: (1) الوصول والمشاركة؛ (2) جودة التعليم والتدريس؛ (3) الإنصاف والشمول؛ و(4) الحوكمة والإدارة، مع التركيز على المعلمين كأولوية موضوعية متقاطعة، وأداة رئيسية للإصلاح، شكل (2).


شكل (2): نظرية تغيير قطاع التعليم
المصدر/ خطة قطاع التعليم في مصر 2023-2027 https://www.globalpartnership.org/node/document/download?file=document/file/2023-09-education-sector-plan-2023-2027-egypt.pdf
من جانب آخر، تضمنت مستهدفات خطة إصلاح التعليم 2018 – 2025 تطبيق نظام التعليم 2.0 وتحديد مخصصات للتطوير المهني للمعلمين وقادة المدارس والمشرفين، بيد أن التنفيذ الفعلي لتطبيق هذه المخصصات بدأ في مايو 2020، حيث أطلقت الوزارة مشروع “التعليم من أجل الغد” الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والبنك الدولي، واستهدف المشروع تطوير إطار شامل للتنمية المهنية للمعلمين يضم مجموعة من المعايير المهنية والتدريبية قبل و في أثناء الخدمة، وقد تم تنفيذ المشروع في ست محافظات كمرحلة أولية على أن تُعمم نتائجه بعد الانتهاء منه بشكل كامل.
في الوقت الحالي، يستهدف المشروع تدريب المعلمين في أثناء الخدمة لتحسين ممارسات التدريس من خلال التعلم المدمج (المختلط) بنسبة (80٪ تدريب إلكتروني عن بعد، 20٪ تدريب وجهًا لوجه) بحيث يحصل المعلمون في نهاية التدريب على رخصة لمزاولة مهنة التدريس، وبناءً على نتائج هذا البرنامج اشتملت خطة 2023-2027 على ثلاثة إصلاحات موجهة للمعلمين على النحو التالي:
- التطوير المهني المستمر (CPD) Comprehensive Professional Development لقادة المدارس والمشرفين: تم خلال السنوات الماضية تقديم برامج تدريبية متخصصة لأكثر من 75 ألف معلم في تقنيات التعليم الدامج والأساليب التربوية الفاعلة للطلاب ذوي الإعاقة، ويجرى حاليًا الاستعداد لتدريب 100 ألف معلم آخر.
- توظيف وتوزيع المعلمين: سيتم معالجة نقص المعلمين من خلال خطة 2023-2027 من خلال ضمان تنفيذ خطة الحكومة لتوظيف 150,000 معلم خلال السنوات الخمس المقبلة كأولوية، حيث يتم تخصيص التوظيف في السنوات الأولى من تنفيذ الخطة للمعلمين بالمراحل الدنيا (رياض الأطفال – المرحلة الابتدائية)، وفي المناطق المحرومة من التعليم، وفي تخصصات ومجالات محددة مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، بما يتماشى مع توجهات نظام التعليم 2.0.
- إدارة المعلمين: سيتم تطوير وتنفيذ سياسة شاملة لإدارة المعلمين تتضمن التوظيف، وتطوير المسار الوظيفي، وتطوير ظروف العمل، وتدشين نظام المكافآت والترقيات بحسب المعايير والمساءلة، كذلك سيتم تطوير نظام رقمي بالكامل لإدارة مسار المعلم المهني، وسيعمل هذا النظام كمنصة للتطوير المهني المستمر للمعلمين وإدارة تعلمهم من خلال دمج هذا النظام في نظام إدارة الموارد البشرية، مما سيسهم في تحسين التعلم من خلال تبادل الخبرات عبر بث الدروس والحصص النموذجية وإقامة المؤتمرات عن بُعد.
في الختام، يتضح أن خطة التعليم 2023-2027 تمثل خطوة مهمة نحو معالجة التحديات التي تواجه المعلم المصري في ظل الوضع الراهن، ومع التركيز على تطوير قدرات المعلمين وتحسين ظروف العمل، تبقى التحديات المتعلقة بتنفيذ السياسات المعلنة وتوزيع الموارد بشكل عادل من أهم العقبات التي قد تعيق تحقيق الأهداف المرجوة، لذا فإن نجاح هذه الخطة يتطلب تكاتف الجهود من جميع الأطراف المعنية، بدءًا من وزارة التربية والتعليم، مرورًا بالمعلمين أنفسهم، ووصولًا إلى المجتمع المدني، فعلى الرغم من التفاؤل الذي قد يحمله البعض تجاه مستقبل التعليم في مصر، فإن الواقع يتطلب مراقبة دقيقة وتقييمًا مستمرًا لضمان تحقيق النتائج المرجوة.