أظهرت البيانات تحقيق فائض كلي لميزان المدفوعات بلغ نحو 9.7 مليارات دولار خلال العام المالي الماضي مدفوعًا بصافي تدفق لحساب المعاملات الرأسمالية والمالية سجل نحو 29.9 مليار دولار. إلا أن البيانات كشفت عن ارتفاع عجز حساب المعاملات الجارية ليسجل 20.8 مليار دولار استجابة للتصعيد بالمنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة.
عكست بيانات ميزان المدفوعات الصادرة عن البنك المركزي المصري للعام المالي المنتهي في يونيو الماضي 2023/2024 عن عدد من المؤشرات الإيجابية التي تعكس استقرار وضع الاقتصاد المصري في خضم تحديات عالمية وإقليمية غير مسبوقة والتي أثرت بدورها في بعض المؤشرات، أظهرت البيانات تحقيق فائض كلي لميزان المدفوعات بلغ نحو 9.7 مليارات دولار خلال العام المالي الماضي مدفوعًا بصافي تدفق لحساب المعاملات الرأسمالية والمالية سجل نحو 29.9 مليار دولار. إلا أن البيانات كشفت عن ارتفاع العجز حساب المعاملات الجارية ليسجل 20.8 مليار دولار استجابة للتصعيد بالمنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة.
يشمل حساب المعاملات الجارية المعاملات السلعية والخدمية ودخل عوامل الإنتاج والتحويلات الخاصة متضمنة تحويلات المصريين العاملين بالخارج والتحويلات الحكومية بما تشمله من منح حكومية سلعية ونقدية. فيما تشمل المعاملات المالية والرأسمالية تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والاستثمارات في محفظة الأوراق المالية، وصافي الاقتراض الخارجي، إلى جانب إجمالي التغير في صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي.
كيف جاء أداء ميزان المدفوعات؟
أظهرت بيانات المركزي المصري أداءً إيجايبًا لميزان المدفوعات خلال العام المالي المنتهي 2023/2024 خاصة في النصف الثاني (يناير- يونيو 2024) مسجلًا نحو 10.1 وقد عزا المركزي ذلك إلى الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذت في مارس الماضي في إطار الموجة الثانية من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تنفذها مصر مدعومة ببرنامج التسهيل الائتماني الممتد الممنوح لمصر بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي والذي يشهد إجراء مراجعته الرابعة قبل نهاية العام الجاري.
في 6 مارس الماضي؛ طبق البنك المركزي الموجة الرابعة من التسعير العادل للجنيه المصري أمام العملات الأجنبية فضلًا عن تحريك أسعار الفائدة الرئيسية بنسبة 6٪ (600 نقطة أساس) ليصبح إجمالي نسبة التحريك في أسعارها المطبقة منذ بداية العام 8٪ (800 نقطة أساس) و19٪ (1900 نقطة أساس) من بداية سياسة تشديد السياسة النقدية في مارس 2022.
جاء الأداء الإيجابي لميزان المدفوعات أيضًا مدعومًا بالزيادة التاريخية في معدل الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر الذي سجل بنهاية العام المالي 2023/2024 نحو 46.1 مليار دولار، 40.5 مليار دولار منها تحققت خلال النصف الثاني من السنة المالية، مقابل 10 مليارات جنيه تحققت في السنة المالية السابقة عليها، فضلًا عن تحقيق الاستثمارات بمحفظة الأوراق المالية صافي تدفق 14.5 مليار دولار.
أرجع المركزي هذا التطور في الاستثمارات بمحفظة الأوراق المالية في مصر إلى ثقة المستثمر الأجنبي في أداء الاقتصاد المصري خاصة بعد إجراءات الإصلاح الاقتصادي المطبقة منذ مارس الماضي.
لماذا ارتفع العجز في المعاملات الجارية للاقتصاد المصري؟
وفقًا للتقرير؛ فإن ذلك جاء مدفوعًا بتبعات التوترات الإقليمية وتبعاتها المتمثلة في انخفاض إيرادات قناة السويس؛ حيث قفز العجز في الميزان التجاري بنحو 8.4 مليارات دولار ليصل إلى 39.6 مليار دولار بنهاية العام المالي 2023/2024 مقابل 31.2 مليار دولار في العام المالي 2022/2023 خاصة مع وصول العجز في الميزان التجاري البترولي لمستوى عجز 7.6 مليارات دولار بنهاية العام المالي الماضي مقابل فائض قدره 410 مليون دولار بنهاية العام المالي السابق عليه نظرًا لانخفاض الصادرات البترولية مع استقرار الواردات البترولية بفعل التوترات الإقليمية.
كما ارتفع العجز في الميزان غير البترولي بنحو 354.8 مليون دولار ليسجل 31.9 مليار دولار بنهاية السنة المالية 2023/2024 مقابل 31.6 مليار دولار في السنة المالية 2022/2023 لارتفاع الواردات غير البترولية بمعدل أعلى من معدل الصادرات.
قناة السويس تتحمل تبعات التوتر الإقليمي
أظهرت بيانات المركزي تراجع إيرادات رسوم المرور بقناة السويس بمعدل 1.3% بنهاية العام المالي 2023/2024 لتنخفض إلى 6.6 مليارات دولار مقابل 8.8 مليارات دولار سجلتها في العام المالي السابق عليه نظرًا لانخفاض الحمولة الصافية بالممر الملاحي للقناة -التي تعد من أهم مصادر التدفق الدولار للبلاد ومُسهمًا رئيسيًا لناتجها الإجمالي المحلي- وكذلك تراجع عدد السفن العابرة بمعدل 22.2٪ خاصة في النصف الثاني من العام المالي الذي شهد تراجعًا بنسبة 61.7٪ بفعل توترات البحر الأحمر التي أجبرت العديد من شركات الشحن العالمية لتحويل مسارها الملاحي.
خلال أكتوبر؛ قال رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أن تبعات التصعيد الإقليمي كلف قناة السويس خسائر تقدر بـ 6 مليارات دولار من إيراداتها خلال الأشهر الثمانية الأخيرة والتي جاءت نتيجة انخفاض معدل السفن العابرة في الممر الملاحي للقناة إلى النصف تقريبًا ما تبعه انخفاض عائدات القناة بما يتراوح بين 50% و60%.
يذكر أن إيرادات القناة كانت قد سجلت بنهاية العام المالي 2023/2024 نحو 7.2 مليارات دولار وهو ما يعد تراجعًا عن المسجل في السنة المالية السابقة عليها التي شهدت تحقيق إيرادات بقيمة 9.4 مليارات دولار والتي وصفت حينها بالتاريخية. كافة الأرقام في هذا الصدد تعكس شدة التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري نظرًا للتصعيد الإقليمي وخاصة موارد البلاد الرئيسية وعلى رأسها الممر الملاحي لقناة السويس.
كما أسهم ارتفاع عجز ميزان دخل الاستثمار أيضًا في زيادة عجز المعاملات الجارية؛ حيث ارتفع بنسبة 1.3% مسجلًا 17.5 مليار دولار مدفوعة بانخفاض متحصلات دخل الاستثمار بنسبة 9.7% مع استقرار مدفوعات دخل الاستثمار.
كذلك؛ فقد تراجعت تحويلات المصريين بالخارج بنهاية العام المالي المنتهي 2023/2024 هامشيًا بنسبة 0.6% مسجلة 21.9 مليار دولار مقابل 22.1 مليار دولار في السنة المالية السابقة. إلا أن البيانات أظهرت تحسنًا في أداء التحويلات خلال الربع الرابع من العام المالي 2023/2024 (أبريل- يونيو 2024) حيث قفزت بنسبة 61.4%.
كان المركزي قد أعلن الشهر الماضي ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج في يوليو -وذلك للشهر الخامس على التوالي- بنسبة تقترب من ٨٧٪ وهي زيادة كشف المركزي أنها هي المرة الأولى التي تشهدها تحويلات المغتربين منذ بداية رصد بياناتها.
عوامل حدت من اتساع العجز في ميزان المعاملات الجارية
وفقًا للتقرير؛ فقد حدت زيادة إيرادات قطاع السياحة من اتساع العجز في ميزان المعاملات الجارية؛ حيث حقق قطاع السياحة -الذي يعد ثاني أكبر القطاعات المتضررة من تبعات التوتر الإقليمي بعد قناة السويس- نموًا بمعدل 5.5% مسجلة 14.4 مليار دولار بنهاية العام المنتهي 2023/2024 مقابل 13.6 مليار دولار نظرًا لزيادة عدد السياح الوافدين إلى مصر بنسبة تفوق 7%. هذا إلى جانب التطور الإيجابي في المعاملات الرأسمالية والمالية بما فيها ارتفاع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر للقطاعات البترولية وغير البترولية والفائض المتحقق من الاستثمار في محفظة الأوراق المالية المصرية؛ فضلًا عن زيادة الأصول الأجنبية بالبنوك لتسجل 18.4 مليار دولار بنهاية العام المالي 2023/2024 مقابل 1.4 مليار دولار بنهاية العام المالي السابق عليه ما يعزز المركز المالي للبنوك.
إضافة إلى ذلك التزامات البنوك بنحو 2 مليار دولار وكذلك تقلصت التزامات البنك المركزي المصري بنحو 7.8 مليارات دولار ما أسهم في الحد من اتساع عجز المعاملات الجارية أيضًا.
الخلاصة
يبدأ صندوق النقد الدولي في نوفمبر إجراءات المراجعة الرابعة لبرنامج التسهيل الائتماني الممتد الممنوح لمصر بقيمة 8 مليارات دولار وذلك بعد الانتهاء من اجتماعاته السنوية المنعقدة في واشنطن بالتنسيق مع البنك الدولي في الفترة 21-26 أكتوبر وهي المراجعة التي تجرى في إطار خطة الإصلاح الاقتصادي والهيكلي المدعوم من الصندوق والتي تتضمن أربعة مستهدفات رئيسية. تمهد هذه المراجعة حصول مصر على شريحة من قيمة القرض الاجمالية بقيمة 1.3 مليار دولار وهي الشريحة الأولى التي تصرف بعد الخطوة التي اتخذها الصندوق في مارس الماضي.
تتضمن المستهدفات الرئيسية للبرنامج:
** التحول المستدام إلى نظام سعر صرف مرن؛ مما يساعد الاقتصاد المحلي في مصر على التكيف بشكل أكثر سلاسة مع الصدمات الخارجية، ودعم قدرة الشركات المصرية على بيع سلعها وخدماتها في الخارج، وتشجيع الاستثمارات الأكبر.
** فضلًا عن ضرورة تشديد السياسة النقدية والمالية، بما في ذلك من خلال احتواء النفقات الرأسمالية خارج الميزانية، للحد من التضخم والحفاظ على استدامة الديون مع إدارة تدفقات رأس المال الكبيرة بحذر للحد من الضغوط التضخمية وتقليل نقاط الضعف الخارجية المستقبلية.
** التوسع في مظلة منظومة الحماية الاجتماعية نظرًا للتأثير السلبي الكبير الذي يسببه ارتفاع التضخم على القوة الشرائية للمواطنين.
** تحقيق توازن أفضل بين أدوار القطاعين العام والخاص، مع التركيز على تعزيز المنافسة والسماح بدور أكبر للقطاع الخاص في دفع النمو الاقتصادي للبلاد؛ مما يساعد ذلك في خلق المزيد من الوظائف والفرص للجميع، لا سيما الشباب.
لا شك أن التزام مصر بهذه الرؤية سيساعد بشكل كبير في وضع الاقتصاد المصري على مسار تصحيحي في ظل توترات عالمية وإقليمية أثرت في الاقتصاد المصري بشكل كبير.