تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري أول اجتماعاتها لعام 2025 يوم الخميس 20 فبراير، وسط توقعات متباينة بين تثبيت أسعار الفائدة الأساسية عند المستويات الحالية أو بدء دورة تيسير نقدي، في ظل معدلات تضخم واصلت مسارها النزولي خلال الأشهر القليلة الماضية، وإن كانت لا تزال بعيدة عن مستهدفات البنك المركزي.
بدأت مصر تشديد سياستها النقدية منذ مارس 2022 بهدف احتواء التضخم، الذي تسارع نتيجة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في الشهر ذاته، مما أدى إلى اضطراب وتعطيل سلاسل الإمداد العالمية. وخلال السنوات الثلاث الماضية، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بإجمالي 19% (1900 نقطة أساس). أما خلال العام الماضي، فقد قام المركزي برفع أسعار الفائدة بإجمالي 8% (800 نقطة أساس) لمواجهة التضخم المرتفع، قبل أن يقرر تثبيت الفائدة خلال ستة اجتماعات في 2024، مع إطالة أمد مستهدفات التضخم دون تغييرها، لتصبح 7% (±2%) في الربع الرابع من 2026 بدلًا من 2024، و5% (±2%) في الربع الرابع من 2028 بدلًا من 2026.
وفي اجتماعها الأخير لعام 2024، الذي انعقد في ديسمبر الماضي، قررت لجنة السياسة النقدية تثبيت أسعار الفائدة الأساسية عند مستوياتها الحالية، حيث استقرت عند 27.25% و28.25% و27.75% لأسعار عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي، على الترتيب. كما ثبتت اللجنة سعر الائتمان والخصم عند 27.75%.
انخفض معدل التغير الشهري في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين في الحضر خلال يناير إلى أدنى مستوى له خلال عامين، وفقًا لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مسجلًا 1.5% مقارنة بـ1.6% في يناير 2024 و0.2% في ديسمبر 2024. وعلى أساس سنوي، تراجع معدل التضخم العام في الحضر إلى 24% في يناير 2025، مقابل 24.1% في ديسمبر 2024.
وبحسب حسابات البنك المركزي المصري، فقد واصل معدل التضخم الأساسي تراجعه السنوي -للشهر الخامس على التوالي- في يناير الماضي، مسجلًا 22.6% مقابل 23.2% في ديسمبر 2024. وعلى أساس شهري، تراجع معدل التغير الشهري في الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين إلى 1.75% في يناير الماضي، مقارنة بـ2.2% في يناير 2024 و0.9% في ديسمبر 2024.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة، أشار مدبولي إلى أن التضخم من المتوقع أن يواصل تراجعه في قراءة شهر فبراير، والتي من المقرر إعلانها من قبل كل من الجهاز المركزي للإحصاء والبنك المركزي في 10 مارس المقبل، مشيرًا إلى أن استقرار أسعار بعض السلع وانخفاض أسعار مجموعات أخرى يدلل على استمرار تحقيق مستويات تضخم منخفضة.
تجدر الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي توقع، في آخر تحديث لتقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أن ينخفض معدل التضخم في مصر إلى 16% بنهاية السنة المالية الحالية 2024/2025، التي تنتهي في يونيو المقبل.
ووفقًا لبيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد جاء تراجع التضخم في يناير نتيجة استقرار أسعار اللحوم والدواجن، وخدمات التعليم ما قبل الابتدائي والتعليم الثانوي العام والمهني، والتعليم ما بعد الثانوي والتعليم المهني، والتعليم العالي، والتعليم غير الطبي، إضافة إلى الملابس، وخدمات الاتصالات والإنترنت، التي لم تشهد أي زيادة في الأسعار خلال الشهر ذاته.
وعلى الرغم من ذلك، سجلت بعض السلع والخدمات ارتفاعًا في الأسعار، حيث زادت أسعار الخبز والحبوب بنسبة 1.3%، والألبان والبيض بنسبة 5%، والزيوت والدهون بنسبة 0.3%، والسكر بنسبة 9.8%، والمشروبات والمشروبات الترفيهية بنسبة 0.7%، واللحوم والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 1.2%، والوجبات الجاهزة بنسبة 1.4%، والأثاث بنسبة 1.3%.
في إطار الموجة الثانية من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تطبقها حاليًا الحكومة المصرية، اتخذ البنك المركزي المصري عددًا من الإجراءات التصحيحية بدءًا من مارس 2024 بهدف استعادة استقرار الاقتصاد الكلي. وشملت هذه الإجراءات تحريك أسعار الفائدة الرئيسية لتصل إلى مستوياتها الحالية، إضافة إلى تطبيق الموجة الرابعة من التسعير العادل للعملة المحلية أمام سلة العملات الصعبة الأخرى.
وفي بيانه الأخير لعام 2024، أشار البنك المركزي إلى أن هذه الإجراءات ساهمت في احتواء الضغوط التضخمية وخفض معدل التضخم العام، حيث أدت إلى ترسيخ توقعات التضخم وجذب مزيد من تدفقات النقد الأجنبي.
لم يستبعد البنك المركزي المصري وجود مخاطر مرتبطة بالتضخم، مثل احتمال تفاقم التوترات الجيوسياسية، وعودة السياسات الحمائية، التي بدأ تطبيقها بالفعل من قبل إدارة الرئيس ترامب، إلى جانب تأثير إجراءات ضبط المالية العامة، في ضوء التزام مصر بموجب اتفاق التسهيل الائتماني الممتد مع صندوق النقد الدولي بقيمة تمويل 8 مليارات دولار، والذي يمول بشكل أساسي الموجة الثانية من الإصلاحات الاقتصادية.
وأشار البنك المركزي إلى التوقعات التي تفيد بأن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءًا من الربع الأول من عام 2025، مع تحقيق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والاستفادة من الأثر الإيجابي لفترة الأساس، حيث من المتوقع أن يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026.
وفي تطور مرتبط بمشهد التضخم العالمي، تسارع معدل أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية للشهر الرابع على التوالي، ليصل إلى 3% في يناير الماضي، مدعومًا بارتفاع أسعار الطعام، والغاز، والإيجارات. وهذا ما يفسر تصريحات جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الأخيرة، بأن الفيدرالي قد يضطر للانتظار لفترة أطول مما كان متوقعًا قبل البدء في تخفيف وتيرة التشديد النقدي عبر خفض أسعار الفائدة، وذلك في ظل استمرار ضغوط الأسعار وحالة عدم اليقين الواسعة حول تأثير سياسات إدارة ترامب. وقد أورد البنك المركزي المصري هذا المشهد في بيانه الأخير حول أسعار الفائدة الصادر في ديسمبر الماضي.
محليًا، وخلال فبراير، أعلن المجلس القومي للأجور رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بنحو 17%، ليصل إلى 7,000 جنيه بدلًا من 6,000 جنيه، كما تم تحديد حد أدنى للأجور للعمالة المؤقتة لأول مرة، بحيث لا تقل أجرة ساعة العمل عن 28 جنيهًا. كذلك، أعلن رئيس الوزراء عن حزمة مماثلة سيتم إقرارها قريبًا للعاملين في القطاع الحكومي، على أن يبدأ تنفيذها مع السنة المالية المقبلة 2025/2026 في يوليو القادم. من المتوقع أن تساهم هذه الإجراءات في دعم النشاط الاستهلاكي، الذي تأثر بشدة مع تطبيق التسعير العادل للعملة المحلية، خاصة مع اقتراب شهر رمضان، الذي عادةً ما يشهد زيادة في الإنفاق الاستهلاكي.
بالنظر إلى مسار التضخم خلال الأشهر الخمسة الماضية، خصوصًا التضخم الأساسي، الذي يستبعد السلع ذات التقلبات السعرية الحادة مثل السلع الغذائية والخدمات المحددة إداريًا، بالإضافة إلى تسارع التضخم في الولايات المتحدة بسبب بدء تطبيق الإجراءات الحمائية على الواردات، فإن التمسك بالتشديد النقدي سيكون النهج الغالب في السياسة النقدية المصرية، على الأقل حتى نهاية النصف الأول من العام. ويُقصد بالتشديد النقدي هنا تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية، وليس زيادتها، وذلك حتى تتضح تداعيات السياسات الحمائية على الأسواق المصدّرة والمستوردة للولايات المتحدة، ومنها مصر، خاصة مع إعلان بعض الدول المستهدفة بهذه الإجراءات عن نيتها اتخاذ تدابير انتقامية مماثلة.
من المتوقع أن يشهد الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية، مع استمرار البنك المركزي في سحب أكبر قدر ممكن من السيولة من السوق المحلية عبر العطاءات المفتوحة، إلى جانب استمرار سياسات الانضباط المالي، بما يشمل التقشف الحكومي والحد من الاقتراض إلا للضرورة القصوى.