في يونيو 2024، أصدر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي قرارًا بتأسيس بعثة جديدة لدعم الاستقرار في الصومال تحت اسم “أوصوم”، على أن تبدأ مهامها في يناير 2025، خلفًا لبعثة “أتميس” التي اختُتمت أعمالها في 31 ديسمبر 2024 بعد 18 شهرًا من العمل الميداني. جاء هذا التطور متزامنًا مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2767 الصادر في 27 ديسمبر 2024، والذي أيّد استبدال “أتميس” بـ “أوصوم”، ومنح تفويضًا للدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي لاتخاذ “جميع التدابير اللازمة” لدعم البعثة الجديدة لمدة أولية تمتد عامًا واحدًا بدءًا من 1 يناير 2025. ويستند هذا القرار إلى سابقة أممية مماثلة هي القرار رقم 2719 الصادر في ديسمبر 2023، والذي دعا إلى إنشاء آلية تمويل مستدامة وقابلة للتنبؤ لعمليات حفظ السلام بقيادة الاتحاد الأفريقي، لا سيما في البيئات الهشة والمعقدة مثل الصومال. ومع ذلك، واجهت بعثة “أوصوم” منذ انطلاقتها تحديات كبيرة على المستويين الهيكلي والتمويلي؛ مما أعاق سرعة انتشارها الكامل على الأرض، في وقت يشهد فيه الصومال تصاعدًا خطيرًا في التهديدات الأمنية، ويفرض ضرورة ملحة لتعزيز القدرات العسكرية والدعم اللوجستي الدولي.
أولًا: مسار تشكيل بعثة أوصوم
شهدت آلية التدخل الإقليمي في الصومال تطورًا ملحوظًا منذ عام 2007، بدءًا من بعثة “أميصوم” التي أُطلقت تحت مظلة الاتحاد الأفريقي لدعم الحكومة الانتقالية ومواجهة تهديدات حركة الشباب، مرورًا بتجارب سابقة مثل بعثتي “يونوصوم” و”إيغادصوم” ذات الطابع الإنساني. وفي عام 2022، تم الانتقال إلى بعثة “أتميس” بهدف تنفيذ استراتيجية للخروج التدريجي من المشهد الأمني، عبر تسليم المهام الأمنية للقوات الصومالية بصورة مرحلية، وفقًا لقرارات دولية أبرزها القرارين 1173 و1177.
إلا أن التحديات البنيوية التي تعاني منها المؤسسات الأمنية الصومالية، ولا سيما ضعف الجاهزية الفنية واللوجستية، دفعت الاتحاد الأفريقي إلى تبني مقاربة جديدة؛ حيث أعلن في يونيو 2024 عن إنشاء بعثة جديدة تُعرف باسم “أوصوم” (بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال)، بقوام قُدّر بنحو 13 ألف جندي. وتم اعتماد البعثة الجديدة بموجب القرار رقم 1225، والذي جاء تتويجًا لمسار طويل من المراجعات والتقييمات الاستراتيجية السابقة، بما في ذلك القرارات 1217 و1205، بهدف الحفاظ على المكتسبات الأمنية ومواكبة المرحلة الانتقالية الصومالية بتوفير الدعم العملياتي والفني والاستخباراتي للقوات الوطنية.
(بعثات حفظ السلام في الصومال)
البعثة | تاريخ التفويض | المهام |
يونوصوم | 1992 | تولت أدوارًا إنسانية وجهود إعادة بناء الدولة |
يونوصوم2 | 1993 | الحفاظ على الأمن العام في الصومال |
إيغادصوم | 2005 | تشكلت قبل سيطرة المحاكم الإسلامية |
أميصوم | 2007 | دعم الحكومة الانتقالية ومحاربة حركة الشباب |
أتميس | 2022 | دعم الحكومة في تنفيذ خطة انتقال مهام الأمن |
أوصوم | يناير 2025 | مكافحة الإرهاب ودعم مؤسسات الأمن الصومالية |
ثانيًا: تحديات أوصوم
بدأت بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة “أوصوم” مهامها في الصومال مطلع عام 2025، خلفًا لبعثة “أتميس”، بهدف دعم السلام ومكافحة حركة الشباب، مع نقل مسئوليات بناء الدولة للحكومة الصومالية. وتمثل البعثة تحولًا نحو مقاربة شاملة للاستقرار ترتكز على تمكين المؤسسات الوطنية. ومع ذلك، تواجه “أوصوم” تحديات كبيرة تعيق انتشارها وفاعليتها في ظل الأوضاع الأمنية المعقدة، ومن بين هذه التحديات:
- تحديات هيكلية
شهد تشكيل بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال جدلًا واسعًا؛ حيث تأجل الإعلان عن قائمة الدول المشاركة وعدد القوات التي يفترض أن تشارك بها؛ لاعتبارات عديدة من بينها: التباين في المواقف السياسية بين الدول المشاركة وبينها وبين الصومال ذاتها. وكان من بين الاعتبارات السياسية، الجدل حول استمرار مشاركة إثيوبيا في البعثة الجديدة. ونظرًا لتخوف الصومال من الانهيار الأمني حال الانسحاب الكلي لأتميس مع استمرار عوائق انتشار أوصوم، أوصت الحكومة الصومالية وفق تقييم مشترك مع الاتحاد الأفريقي في مارس 2025، بتعديل الجدول الزمني للانسحاب بناءً على تقييم الاستعداد والقدرات الفعلية للقوات الصومالية.
ويفترض أن تمهد بعثة أوصوم الطريق أمام تولي مؤسسات الأمن الصومالية، فعلى خلاف بعثة “أتميس”، التي اعتمدت بشكل أساسي على انتشار واسع للقوات القتالية لمواجهة التحديات الأمنية، ترتكز “أوصوم” على دعم القدرات الوطنية الصومالية، من خلال تقديم التدريب والمساندة الفنية واللوجستية للقوات الأمنية، وتعزيز جاهزية مؤسسات الدولة. كما تهدف البعثة إلى تمهيد الطريق لتسليم تدريجي وشامل للمسئوليات الأمنية إلى الحكومة الصومالية، بما يعزز الاستقلالية، ويكرّس السيادة الوطنية. على هذا، وفي يونيو 2025، اجتمعت الدول الرئيسية المسهمة بقوات عسكرية وشرطية، بما في ذلك: مصر وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي ونيجيريا وأوغندا، للتفاوض على مذكرات تفاهم تحدد أدوارها.
وتمثلت واحدة من التحديات الهيكلية المبكرة التي واجهتها البعثة الأفريقية الجديدة في طلب بوروندي الانسحاب، وهي واحدة من الدول المهمة في بعثة أتميس؛ إذ أعلنت انسحابها بعد أن خصص لها حصة قوامها ألف جندي من البعثة الجديدة، في تخفيض واضح لحجم مشاركتها في البعثة السابقة بألفي جندي. وقد رصدت التقارير الميدانية التداعيات السلبية للانسحاب المفاجئ للقوات البوروندية التابعة لأتميس من بلدة هوادلي في إقليم شبيلي الوسطى، في يونيو 2025؛ مما أدى إلى إعادة سيطرة حركة الشباب على البلدة، بما يشير إلى الحاجة الماسة للإسراع في إنهاء الترتيبات والتوافقات المتعلقة بعملية الانتشار.
كذلك أثارت مشاركة مصر وإثيوبيا في البعثة الجديدة جدلًا واسعًا، بعد أن أعلنت مصر في ديسمبر 2024 مشاركتها في بعثة الاتحاد الأفريقي بالصومال، استجابة لطلب الحكومة الصومالية وترحيب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي. في المقابل، مارست إثيوبيا ضغوطًا متزايدة على الصومال، في إطار التوازنات الإقليمية، لتنامي مخاوفها من رفض حكومة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لمشاركتها في بعثة أوصوم، في ضوء التوتر المتصاعد بين مقديشيو وأديس أبابا على خلفية قضايا متعددة من بينها العلاقات بين إثيوبيا وأرض الصومال.
وبعد جدل امتد لأشهر، أعلن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، 2 مايو 2025، عن اعتماد خمس دول للإسهام بقوات عسكرية ضمن البعثة الجديدة؛ إذ من المفترض أن تشارك كل من جيبوتي ومصر وإثيوبيا وكينيا وأوغندا في المهمة الجديدة، التي من المقرر أن تضم نحو 12 ألف جندي؛ إذ تتوزع مشاركات الدول كالتالي: أوغندا (4,500 جندي)، إثيوبيا (2,500)، كينيا (1,410)، جيبوتي (1,520)، ومصر (1,091).
الدول المشاركة في بعثة أوصوم
الدولة المشاركة | عدد القوات | مواقع الانتشار |
أوغندا | 4500 | مقديشيو وشبيلي السفلى |
إثيوبيا | 2500 | إقليم جدو، باكول، باي |
كينيا | 1410 | إقليم جود، جوبا السفلى، جوبا الوسطى |
جيبوتي | 1520 | هيران، جلجدود |
مصر | 1,091 | مناطق جنوب وجنوب غرب5000 جندي خارج البعثة في هيران |
- تحديات التمويل
ظهر التمويل كعقبة رئيسية منذ أن قرر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في أغسطس 2024 التمديد لبعثة ” أتميس” حتى 31 ديسمبر من العام نفسه، وفق القرار رقم 2748 الذي طالب الأطراف أصحاب المصلحة بما في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وحكومة الصومال، بالتشاور من أجل الاتفاق على تصميم البعثة الجديدة. ووفق القرار، استضافت مقديشيو اجتماعات بدأت في 24 سبتمبر 2024، وبمشاركة ممثلين للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والصومال؛ حيث ركز النقاش على تخطيط الانتقال وتصميم هيكل البعثة والبحث عن نماذج للتمويل.
بينما كان هناك توافق على نشر البعثة كان هناك تباين في تصورات تمويلها؛ حيث يطالب الصومال والاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن بتمويل البعثة الجديدة من اشتراكات الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما هو معمول به في البعثات التي تقودها الأمم المتحدة، مقابل ذلك ترى الولايات المتحدة والشركاء الغربيين ضرورة البحث عن خيارات تمويلية جديدة، بما في ذلك المانحون الدوليون في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبحث عن مانحين جدد مثل دول الخليج والصين، بالإضافة إلى حثّ الاتحاد الأفريقي عن تقديم إسهامات مالية أكثر.
وتستند وجهة النظر الأفريقية في التمويل إلى قرار مجلس الأمن رقم 2791، الذي وافق على منح تمويل أممي لعمليات السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي باعتبارها جزءًا من منظومة السلم والأمن الدولي، لكنه حدد نسبة 75% تمويل أممي والنسبة المتبقية يبحث الاتحاد الأفريقي في آليات تمويلها. ومع ذلك، فإن القرار السابق ليس إلزاميًا؛ إذ ينظر مجلس الأمن في كل حالة على حدة، وله منح الإذن للبعثات التي يقودها الاتحاد الأفريقي وتمويلها من اشتراكات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حسب الحاجة.
ومع تنامي دعوات البحث عن خيارات تمويل بديلة، دعا الاتحاد الأوروبي الممول الرئيسي لبعثة ” أتميس”، للبحث عن شركاء وآليات جديدة للتمويل، وقد موّل الاتحاد الأوروبي البعثة في الصومال بأكثر من 2.5 مليار يورو على مدار 15 عامًا لدعم المكونات العسكرية والشرطية والمدنية، وفي عام 2023، قدم الاتحاد الأوروبي دعمًا للمكون العسكري في إطار مرفق السلام الأوروبي قدره 85 مليون يورو، وقدم 33 مليون يورو إضافيين في عامي 2023 و2024.
تشهد بعثة “أوصوم” أزمة تمويلية حادة في عام 2025؛ حيث يُقدّر العجز بنحو 190 مليون دولار، مع حاجة ماسة إلى 90.4 مليون دولار في النصف الأول من العام لم يُوفر منها سوى 16.7 مليون دولار فقط. وتُعد هذه الأزمة امتدادًا للضائقة المالية التي واجهت بعثة “أتميس” السابقة، التي أنهت ولايتها في أكتوبر 2024 وسط عجز مالي بلغ أكثر من 150 مليون دولار؛ مما أدى إلى تأخر الرواتب وتراكم الديون التشغيلية، وأثر سلبًا في معنويات القوات، مهددًا بحدوث انهيار أمني إذا لم تُطلق “أوصوم” في الموعد المقرر.
ويفاقم هذا الوضع تراجع الزخم السياسي والعسكري؛ مما تسبب في إرهاق واضح لدى المانحين الغربيين بعد سنوات من الدعم دون تحقيق نتائج ملموسة. وفي ظل احتمالات انسحاب الاتحاد الأفريقي دون خطة بديلة، تتصاعد المخاوف من حدوث فراغ أمني تستغله الجماعات المتشددة لتعزيز نفوذها. وفي هذا السياق، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، خلال القمة الـ 38 للاتحاد الأفريقي في فبراير 2025، إلى ضرورة توفير تمويل مستدام ومتوقع لبعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لتحقيق الاستقرار في الصومال.
كما قدم صندوق السلام التابع للاتحاد تمويلًا قدره 3.5 مليون دولار خلال عام 2023 لبعثة أتميس، وقد تعهد بإسهام قدره 19 مليون دولار عام 2024، لذا يسعى الاتحاد الأفريقي لتأمين تمويل البعثة وفق القرار رقم 2719، باعتباره إطارًا يسمح بتمويل بعثات حفظ السلام الأفريقية من ميزانية الأمم المتحدة. وقد أوصى مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في أكتوبر 2024 بمواصلة الاتحاد دفع تكاليف البعثة التي لا تزال منتشرة على الأرض ” أتميس”، من خلال الاستعانة بصندوق السلام التابع للاتحاد؛ حيث تعاني البعثة السابقة من مأزق تمويلي يصل إلى 100 مليون دولار. وخلال قمة رؤساء دول بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الصومال في أوغندا، إبريل 2025، تمت مناقشة عوائق التمويل حينها والتي تعيق تطبيق قرار مجلس الأمن بشأن بعثة دعم الصومال، وتوصل المشاركون إلى عدة اتفاقيات شملت تنفيذ استراتيجية جمع التبرعات للبعثة؛ مما يفتح الباب أمام سيناريوهات التمويل البديل، فضلًا عن التوافق على ضرورة تسريع دعم تدريب وتجهيز الجيش الوطني الصومالي، وتعزيز الدعم الجوي والقدرات الاستخباراتية لعمليات مكافحة الإرهاب، بما يؤكد الدور المنوط بالبعثة الجديدة في نقل مهام الأمن للمؤسسات الصومالية.
تُعد المعارضة الأمريكية عقبة رئيسية أمام تمويل بعثة “أوصوم”؛ إذ ترفض واشنطن تطبيق القرار 2719 على الحالة الصومالية، وتُحمّل الاتحاد الأفريقي مسئولية “ضعف الكفاءة وتقاسم الأعباء”. وقد عبّرت عن هذا الموقف خلال لقاءات مع الاتحاد الأفريقي وفي اجتماع كمبالا. وعلى الرغم من دعوة مصر لتمويل دولي كافٍ خلال لقاء الرئيسين المصري والصومالي، لم تستجب واشنطن، فيما قرر الاتحاد الأفريقي تخصيص 10 ملايين دولار من صندوق الطوارئ لتغطية الاحتياجات العاجلة للبعثة، وذلك خلال دورته السابعة والأربعين المنعقدة في مالابو، غينيا الاستوائية، وسيتم سحب هذا المبلغ من صندوق احتياطي الطوارئ التابع للاتحاد الأفريقي، بهدف تلبية المتطلبات التشغيلية للبعثة.
ثالثًا: سيناريوهات المستقبل
في الأخير، لم تعد أزمة “أوصوم” مسألة تمويلية أو تشغيلية فحسب، بل تحولت إلى اختبار سياسي واستراتيجي للإرادة الدولية إزاء الصومال، الذي لا يزال يواجه تحديات أمنية، كشف عنها التقدير الذي في ضوئه تقرر إنشاء بعثة بديلة عن “أتميس”، يكون من مهامها نقل مهام الأمن إلى المؤسسات الصومالية تدريجيًا؛ مما يؤكد أن الانسحاب الكلي والفراغ الأمني قد يؤدي إلى انتكاسة أمنية، يمتد مداها إلى منطقة القرن الأفريقي برمتها، في ظل أهمية المنطقة لمعادلة الأمن الإقليمي والعالمي. وعليه، يمكن استشراف مستقبل أوصوم وفق عدد من السيناريوهات، يتجلى أبرزها في الآتي:
- التعثر بسبب التحديات الهيكلية والتمويلية
تكشف المؤشرات الراهنة عن صعوبات تأمين مصادر بديلة لتمويل البعثة بعيدًا عن الإطار الأممي وفق القرار 2719، والتي كشف عنها إخفاق وفد الاتحاد الأفريقي في إقناع الإدارة الأمريكية بتأمين التمويل، واستمرار الاتحاد الأوروبي في بحث خيارات التمويل، فضلًا عن عدم خروج مؤتمري كمبالا والدوحة بنتائج واضحة بشأن مسار تمويلي بديل. ويضاف إلى ذلك، محدودية القدرات التمويلية للاتحاد الأفريقي، فعلى الرغم من الإعلان عن تخصيص تمويل طارئ إضافي بقيمة 10 ملايين دولار لدعم بعثة “أوصوم”، فإنه أقل بكثير من حجم التمويل المطلوب هذا العام، والبالغ نحو 166.5 مليون دولار بعد التخفيض، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى فجوات أمنية تعيد سيناريو خسارة المناطق المستعادة من الجماعات الإرهابية، مع فتح الباب أمام الاعتماد على مليشيات الدعم العشائرية، في ضوء التحديات التي تواجهها المؤسسات الأمنية الصومالية.
- انتشار جزئي للبعثة
يقوم هذا السيناريو على افتراض تراجع الدعم الأممي لبعثة “أوصوم” بشكل جزئي مع إتاحة إمكانية لتقليص حجم البعثة ونفقاتها، مقابل ضمان حضور ميداني محدود في المناطق ذات الأولوية، ويُمكّن من تجنب الانهيار الكامل لمؤسسات الأمن. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو لا يخلو من تعقيدات عملياتية وهيكلية؛ إذ يؤدي إلى تقليص نطاق الانتشار الميداني؛ مما يقلل من السيطرة على المناطق المحررة من سيطرة التنظيمات الإرهابية. ويأتي ذلك في سياق لا تزال فيه التهديدات الأمنية متفاقمة، في الوقت الذي لا تزال فيه القوات الصومالية غير مستعدة لتولي مهام مكافحة الإرهاب بمفردها؛ مما ينذر بانتكاسات أمنية حال وجود فراغ أمني بغياب دعم بعثة “أوصوم”.
- تبني خيارات تمويلية هجينة بمشاركة دولية موسعة
رغم استمرار عوائق انتشار بعثة “أوصوم”، فإن تصاعد المخاوف من الفراغ الأمني وتزايد اهتمام الشركاء الدوليين باستقرار الصومال، دفع نحو البحث عن بدائل تمويلية. وقد حذر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي من أن أزمة التمويل قد تهدد الأمن في القارة بأكملها، كما نبهت “إيجاد” إلى أن اعتماد القادة الميدانيين على تمويل ذاتي قد يعرقل العمليات ويهدد المناطق المحررة بالانتكاس. ويسعى الاتحاد الأفريقي لتأمين دعم بديل، وسط مؤشرات على اهتمام أوروبي متزايد (فرنسا، ألمانيا، الاتحاد الأوروبي) بزيادة الإسهامات، إلى جانب إمكانيات تمويل خليجي كشف عنها مؤتمر الدوحة. ويجري أيضًا بحث نموذج تمويل هجين يشمل إسهام الأمم المتحدة بنسبة 75%.
لكن ما يعيب هذا الخيار هو تعدد الأطراف المشاركة فيه بما قد يخلق تنافسًا بين الممولين بشأن آليات عمل البعثة على الأرض في ظل تعدد الأطراف صاحبة المصلحة في الصومال، ما من شأنه أن يحد من فاعلية البعثة الجديدة، لكنه يضمن ألا يتجمد نشاطها على الأرض. ويعد هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا على الرغم من استمرار الغموض بشأن الموقف الأمريكي، وذلك في ظل أهمية الصومال الاستراتيجية المتزايدة.
وفي الختام، يشكل الانتقال إلى بعثة أوصوم خطوة مهمة في نقل المهام الأمنية للقوات الوطنية الصومالية، مع استمرار الدعم الدولي والأفريقي؛ بما يجنب البلاد الوقوع في فراغ أمني. لكنّ عديدًا من التحديات الهيكلية والتمويلية تظهر لتفرض صعوبات حقيقية على أرض الواقع أمام نجاح البعثة الأفريقية الجديدة، وهو ما يستدعي تضافر جهود الدول المعنية بالأمن والاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي.