أقامت مكتبة الإسكندرية فعاليات ندوة «مستقبل دراسات الشباب في مصر والمنطقة العربية: نظرة في العمق»، الأربعاء 12 نوفمبر 2025، والتي نظمها قطاع البحث الأكاديمي بالتعاون بين مركز الدراسات الاستراتيجية وبرنامج دراسات التنمية المستدامة وبناء قدرات الشباب ودعم العلاقات الأفريقية، في إطار اهتمام المكتبة بدعم الحوار الأكاديمي وتعزيز الدراسات المتخصصة في قضايا الشباب والتنمية.
وتعد الندوة استكمالًا لأعمال الورشة التحضيرية التي عُقدت بمكتبة الإسكندرية حول مستقبل الشباب في مصر والمنطقة العربية، وآليات تطوير بحوث الشباب، وأهمية إشراك الشباب كفاعلين في عملية التنمية. وشارك في الندوة مجموعة من كبار الخبراء والأكاديميين والمتخصصين في مجال دراسات الشباب لمناقشة ثلاثة محاور رئيسية؛ هي: «واقع وآفاق تطوير الأطر النظرية والمنهجية لدراسات الشباب في مصر والمنطقة العربية»؛ و«من دراسات الشباب إلى السياسات العامة: نحو أجندة بحثية عربية قائمة على الأدلة»؛ و«تجارب عربية رائدة في مجال دراسات الشباب».
وشارك من المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الباحثة هبة زين، باحث أول ببرنامج السياسات العامة، ضمن فعاليات المحور الثاني للحديث حول “مستقبل سياسات الشباب بين الاستمرارية والتحول: الحاجة إلى تأهيل يسبق التمكين”. وأكدت خلال مشاركتها أنه بالنظر إلى التحولات الديموغرافية والاجتماعية العميقة في المنطقة العربية، تبرز فئة الشباب بوصفها محورًا رئيسيًا في معادلة التنمية المستدامة؛ إذ يشكلون أكثر من ثلث السكان؛ مما يجعلهم طاقة إنتاجية ومعرفية هائلة قادرة على إحداث نقلة نوعية في البنية الاقتصادية والاجتماعية، إذا ما أُحسن تأهيلهم قبل تمكينهم. فغياب التأهيل الكافي يُفقد عملية التمكين معناها، ويحوّل الطاقات الشبابية إلى مورد غير مُستثمر على النحو الأمثل.
وأشارت إلى أنه رغم إدراك صانعي القرار لأهمية الشباب، فإن ضعف الأطر المؤسسية وتشتّت السياسات والبرامج الموجهة لهم جعل كثيرًا من الجهود تُترجم إلى مبادرات آنية تفتقر إلى الاستدامة والفاعلية. لذا؛ تبرز الحاجة إلى منظور جديد يجعل التأهيل خطوة سابقة وأساسية على طريق التمكين؛ بحيث يُعاد بناء قدرات الشباب التعليمية والمهنية والاجتماعية بما يتلاءم مع متطلبات الاقتصاد المعرفي والتحول الرقمي.

في هذا الإطار، ركزت على تحليل الاتجاهات الراهنة واستشراف مستقبل سياسات الشباب في العالم العربي، مع اقتراح إطار معياري لتقييم فاعليتها، وأجندة بحثية عربية قادرة على دعم صنع القرار وتطوير نموذج تنموي أكثر شمولًا واستدامة. وقد تم تبني إطار مفاهيمي يعتبر الشباب فاعلين اجتماعيين لا مجرد فئة عمرية، ويُعرّف سياسات الشباب بوصفها منظومة وطنية متكاملة تضم الإجراءات الحكومية والمجتمعية والقطاع الخاص، بهدف تأهيل الفئة العمرية (15–29 عامًا) ومن ثمّ تمكينها لضمان مشاركتها الفاعلة في التنمية والمواطنة.
ولفتت إلى أن الأدبيات الحديثة تؤكد أن فشل الحكومات في تأهيل الشباب قبل تمكينهم وإشراكهم في صنع القرار قد يحوّل ما يُعرف بالطفرة الشبابية إلى عبء اقتصادي واجتماعي. وعلى الرغم من تبنّي عديد من الدول العربية استراتيجيات وطنية للشباب، فإن فاعليتها تبقى محدودة بسبب تشتّت المسئوليات وضعف التنسيق وغياب مؤشرات التقييم والتمويل المستدام.
وترتكز سياسات الشباب على خمسة أبعاد جوهرية: التعليم والمهارات، التشغيل وريادة الأعمال، المشاركة المدنية والسياسية، العدالة والتمكين الاجتماعي، والصحة والرفاه في السياق الرقمي، وكلها أبعاد لا يمكن تفعيلها بفاعلية من دون مرحلة تأهيلية متكاملة تمكّن الشباب معرفيًا ومهاريًا وسلوكيًا قبل الانتقال إلى مرحلة التمكين.
وقد استند التحليل إلى ثلاث مقاربات نظرية رئيسية:
- مقاربة الجيل والتحولات الاجتماعية التي تعيد تعريف الشباب كفاعلين في التحول المجتمعي.
- مقاربة القدرات التي تركز على توسيع حرية الاختيار والتنمية البشرية وفق نظرية “أمارتيا سن”؛ حيث يُعد التأهيل المسبق شرطًا لتحقيق الحرية الفعلية للتمكين.
- مقاربة الحوكمة التي تشدد على الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني والشباب أنفسهم لضمان استدامة التأهيل والتمكين معًا.
في السياق العربي، تواجه سياسات الشباب تحديات مفاهيمية وهيكلية، منها غياب تعريف موحّد للشباب، وضعف البيانات التفصيلية، والقصور في تكييف النماذج الغربية مع الخصوصيات المحلية. كما تتجلى التحديات البنيوية في ارتفاع معدلات البطالة، وضعف المواءمة بين التعليم وسوق العمل، ومحدودية المشاركة السياسية، وغياب آليات الرصد والتقييم، وتعدد الجهات المعنية دون تنسيق فعلي، وكلها مشكلات تُبرز غياب منظومة التأهيل المتكاملة كشرط أولي للتمكين الحقيقي.
وتُظهر المقارنة بين التجارب الوطنية في مصر والمغرب وتونس والأردن ولبنان أنّ معظم السياسات العربية تعاني فجوة بين الخطاب والممارسة؛ حيث تبقى المشاركة الشبابية رمزية، والسياسات مركزية الطابع، والشباب يُنظر إليهم بوصفهم فئة تحتاج للرعاية لا شركاء للتنمية. كما أن ضعف الحوكمة وغياب العدالة النوعية والإقليمية يحدّ من شمولية السياسات وفاعليتها.
ختامًا، يعكس المشهد العربي الراهن اتساع الفجوة بين التخطيط والتنفيذ، وضعف الاعتماد على البيانات والتحليل الإحصائي؛ مما يجعل الحاجة ملحّة لتبني نموذج عربي جديد لسياسات الشباب يرتكز على مبدأ “التأهيل قبل التمكين”، بحيث تُبنى الحوكمة التشاركية على أسس علمية قائمة على الأدلة، ويُعاد تعريف العلاقة بين الدولة والشباب كشراكة استراتيجية في التنمية المستدامة، لا علاقة رعاية أو تبعية.


