أربعة أشهر مرت منذ أن تم الإعلان عن تفشي فيروس “كورونا المستجد” أو “كوفيد-19” بمدينة ووهان بالصين في ديسمبر 2019، والذي أصبح الآن جائحة أصابت العالم كله.
وقد تباينت آليات الاستجابة الدولية لهذا الفيروس، فبينما نجحت بعض الدول في تطبيق سياسات وإجراءات صارمة للسيطرة على الأزمة، سقطت دول أخرى فريسة للفيروس الجديد، ولا تزال تعاني في السيطرة عليه. ووفقًا لصحيفة “النيويورك تايمز”، هناك ثلاث دول آسيوية أثبتت نجاحها -حتى الآن- في التعامل مع تفشي فيروس كورونا المستجد من خلال تطبيق استراتيجيات وسياسات لم تستطع الولايات المتحدة والدول الأوروبية تطبيقها، وهي: سنغافورة، وتايوان، وهونج كونج.
الاستفادة من التجارب السابقة
في عام 2003، تفشّى في الصين فيروس المتلازمة التنفسية الحادة أو ما يُطلق عليه فيروس سارس، وتفشى من بعدها الفيروس في العديد من الدول، لكن التأثير الأكبر كان في الدول الآسيوية المحيطة بالصين (مثل: هونج كونج، وتايوان، وسنغافورة). ولكن بعد تلك الأزمة بدأت تلك البلدان في وضع خطط واستراتيجيات على مدار 17 عامًا، بهدف بناء أنظمة صحة عامة مدعمة بتشريعات قوية ارتكز أساسها على تقديم الصالح العام في مقابل أي مخاوف تتعلق بخصوصيات الأفراد. على سبيل المثال، تم فرض عقوبات جنائية على المخالفين لقواعد الحجر الصحي، والاستعانة بقواعد البيانات المسجلة في كافة مستشفيات التأمين الصحي.
وتتكون الأنظمة الصحية العامة من ثلاثة مكونات رئيسية؛ أولها: عيادات متخصصة للأوبئة، من أجل ترصد وتعقب وكشف الفيروسات. ثانيها: إدارة الأزمات للتخطيط الدائم ووضع خطط استباقية لمواجهة أي أوبئة من المتوقع حدوثها. ثالثها: التوعية المستمرة للمواطنين خلال العام بالإجراءات الوقائية بهدف رفع مستوى الصحة العامة بين المواطنين.
ويُمكن تقييم فاعلية الأنظمة الصحية العامة في مواجهة الأوبئة من خلال مقارنة إحصائيات الإصابة والوفيات الناتجة عن كلٍّ من فيروس سارس في عام 2003 الذي أصاب حوالي 8400 شخص في العالم، وفيروس “كوفيد 19” الذي أصاب -حتى كتابة هذا المقال- حوالي 270 ألف شخص على مستوى العالم. ويتضح من الرسوم البيانية التالية انخفاض أعداد المصابين والوفيات الناتجة عن فيروس كوفيد-19 في هونج كونج، وسنغافورة، وتايوان، على الرغم من ارتفاع أعداد الإصابة به في العالم، وهو ما يؤكد نجاح السياسات الوقائية والصحية المُطبّقة في تلك البلدان حتى الآن.
سرعة الاستجابة والتدخل المبكر
في 31 ديسمبر 2019، عندما تم الإعلان ولأول مرة عن وجود فيروس كورونا المستجد في الصين، بدأت كل من سنغافورة وتايوان وهونج كونج في الاستعداد، وبحلول الوقت الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية العامة في نهاية يناير 2020، كانوا بالفعل على أتم الاستعداد للتعامل مع الأزمة من خلال حزمة من السياسات والاستراتيجيات، شملت ما يلي:
1- التتبع الجيد والتعقب السريع لمسار الفيروس مع الاستغلال الأمثل للبيانات المتاحة من خلال:
– فحص كافة المسافرين القادمين من كافة البلدان داخل المطارات، وعزل المشتبه في إصابتهم فورًا، مع تعقّب وفحص كل الحالات المشتبه بإصابتها بالفيروس، وكذلك التواصل الفوري مع كافة المخالطين والمحتمل إصابتهم بالفيروس.
– جمع ورصد كافة البيانات عن الشخص المصاب في أسرع وقت ممكن (خلال ساعتين على الأكثر): كيف أُصيب؟ أين أُصيب؟ من هم المخالطون له؟
– استخدام قواعد البيانات الخاصة بالتأمين الصحي وبيانات السفر والجمارك للكشف عن أي أشخاص من المحتمل أن يكونوا مصابين بالفيروس.
2- توعية المواطنين بشكل دائم، من خلال:
– الإعلان الفوري عن التفاصيل الخاصة بأماكن عمل وإقامة المصابين بالفيروس، وبالتالي مساعدة الآخرين ممن خالطوهم على حماية أنفسهم.
– توفير الاختبارات الخاصة بفيروس كورونا بالمجان.
– توعية المواطنين بأهمية التباعد الاجتماعي ودوره في الحد من انتشار الفيروس.
3- فرض إجراءات عزل وحجر صحية صارمة، من خلال:
– عزل الأشخاص الذين لديهم نتائج إيجابية في المستشفيات حتى تمام الشفاء.
– الحجر الصحي في المنزل للأشخاص القادمين من الخارج حتى في حال عدم ظهور أعراض عليهم.
– عمل حجر صحي كامل في بؤر تفشي الفيروس داخل المدن، مع التعامل بصرامة وحزم مع المخالفين لقرارات الحجر.
وأخيرًا وليس آخرًا، شفافية الحكومات في التعامل مع الأزمة من خلال الإفصاح أولًا بأول عن أعداد المصابين وحالتهم الصحية، والوضع الحالي للفيروس. هكذا، استطاعت تلك البلدان أن تخلق حالة من الثقة المتبادلة بين الحكومة والمواطنين، وهو ما جعل المواطنين فيما بعد أكثر اطمئنانًا وثقةً في تنفيذ القرارات الحكومية الصادرة مهما بلغت صرامتها بشكل فوري، وهو ما ساهم بالفعل في السيطرة على تفشي الفيروس وانخفاض أعداد المصابين به.