تأتي جائحة “كوفيد 19” في وقت لا تزال القارة الإفريقية تتصارع فيه مع الأعباء الخطيرة الموجودة بالفعل والتي تهدد الأمن الغذائي في القارة، فحتى قبل “كوفيد 19” كانت القارة الإفريقية تُعاني من انعدام شديد في الأمن الغذائي، مدفوعًا بتغير المناخ والصدمات الاقتصادية والصراعات والحروب، حيث تسببت التغيرات المناخية في حدوث فترات جفاف ممتدة في معظم بلدان شرق ووسط إفريقيا تبعها هطول أمطار غزيرة تسببت في فيضانات في بعض المناطق، فضلًا عن غزو الجراد الصحراوي لمنطقة شرق إفريقيا، الذي من المتوقع أن يؤدي إلى معاناة أكثر من 25 مليون شخص في شرق إفريقيا من انعدام الأمن الغذائي في عام 2020، مع تحقيق خسائر قدرها 8.5 مليارات دولار في المحاصيل والماشية.
وحتى قبل ظهور وباء “كوفيد 19″، وبالرغم من معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة التي حققتها الدول الإفريقية في العقد الأخير، ووجود أكثر من نصف الأراضي الخصبة في العالم في إفريقيا، إلا أن عوامل مثل تغير المناخ وعدم الاستقرار السياسي والأمني والأزمات الاقتصادية دفعت حوالي 20% من إجمالي سكان القارة إلى المعاناة من نقص التغذية، ومن بين 37 دولة حول العالم تكافح الأشكال الثلاثة لسوء التغذية تقع 27 منها في القارة الإفريقية، وتُشير أحدث التقديرات إلى معاناة أكثر من 277 مليون مواطن إفريقي في عام 2019 من انعدام الأمن الغذائي المزمن، بالإضافة إلى حوالي 74 مليونًا آخرين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد بسبب الأزمات، بينما يعاني ما يزيد على 400 مليون إضافيين من انعدام الأمن الغذائي بدرجة معتدلة في إفريقيا، أي إنهم لم يحصلوا بانتظام على الغذاء المغذي والكافي، مما يعني أن أكثر من نصف سكان القارة الإفريقية يواجهون درجة من درجات انعدام الأمن الغذائي. وبالإضافة لتلك التهديدات جاءت جائحة “كوفيد 19″، لتضيف عبئًا جديدًا على الأمن الغذائي في القارة.
أولًا- حجم التأثير المتوقع لفيروس “كوفيد 19” على الأمن الغذائي الإفريقي
يعتبر قياس تأثيرات أزمة “كوفيد 19” على الأمن الغذائي أمرًا صعبًا، لأن الآثار الكاملة للأزمة لم تتضح بعد، ولكن من المرجح أن تنمو معدلات انعدام الأمن الغذائي الموجودة حاليًّا في إفريقيا بسرعة بسبب تأثيرات جائحة “كوفيد 19”. فوفقًا لبرنامج الأمن الغذائي العالمي دفعت أزمة “كوفيد 19” منذ فبراير وحتى مايو 2020 حوالي 10 ملايين مواطن في إفريقيا جنوب الصحراء إلى حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما حذرت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) من أن تأثير جائحة “كوفيد 19” يمكن أن يزيد عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في غرب إفريقيا من 17 مليون إلى 50 مليون شخص بين يونيو وأغسطس 2020.
وتزداد الأوضاع سوءًا مع حالة الركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق في العديد من الدول الإفريقية، حيث أشار تقرير “التوقعات الاقتصادية العالمية” الصادر عن صندوق النقد الدولي، إلى أن القارة الإفريقية ستشهد خلال عام 2020 انخفاضًا في الناتج المحلي الإجمالي الإفريقي بنسبة تتراوح بين 8% في أفضل السيناريوهات و12.3% في السيناريو الأسوأ، على أن تكون منطقتا شرق وغرب إفريقيا هما الأكثر تضررًا. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وفقًا لتقديرات المعهد الدولي لبحوث سياسة الغذاء (IFPRI) يمكن أن تؤدي الخسارة المحتملة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 5٪ هذا العام إلى زيادة مستويات الفقر في جميع أنحاء العالم بنسبة 20٪، مما يدفع 147 مليون شخص جدد إلى الفقر المدقع، يقع أكثر من نصفهم (79 مليون شخص) في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، قد يعاني حوالي 12 مليون طفل دون سن الخامسة في غرب إفريقيا من سوء التغذية الحاد في موسم الجفاف (من شهر يونيو إلى أغسطس) بسبب تداعيات أزمة “كوفيد 19″، مقابل 3.8 ملايين طفل مقارنة بالوقت نفسه من العام الماضي.
ثانيًا- مسارات تأثير “كوفيد 19” على الأمن الغذائي للقارة
استجابة لوباء “كوفيد 19″، قامت العديد من الحكومات الإفريقية بتطبيق عمليات الإغلاق المؤقتة على الصعيد الوطني، إلى جانب تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، وإغلاق المؤسسات التعليمية وحظر النقل العام والخاص. وفي حين أنه لا يوجد شك في أن هذه تدابير فعالة للصحة العامة في منع المزيد من انتشار فيروس كورونا؛ فإن التدابير يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الأمن الغذائي.
وبحسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) يحدث الأمن الغذائي “عندما يتحقق لكل الأفراد في كل الأوقات، القدرة الجسدية والاجتماعية والاقتصادية للحصول على غذاء كافٍ وآمن ومغذٍّ يلبي احتياجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية لحياة نشطة وصحية”، وبالتالي يرتبط الأمن الغذائي بوجود 3 عناصر محددة هي: (وفرة الغذاء، القدرة على الوصول إليه، تلبية الاحتياجات الغذائية)، بينما يحدث انعدام الأمن الغذائي عند فقدان أي عنصر من عناصر الأمن الغذائي سابقة الذكر، فإذا أردنا معرفة مسارات تأثير “كوفيد 19” على الأمن الغذائي يجب أن ننظر في التأثيرات على العناصر الثلاثة للأمن الغذائي كما يلي:
1- وفرة الغذاء (جانب العرض)
يعتمد توافر الغذاء على الإنتاج المحلي أو الاستيراد، وقد تأثر كلاهما بجائحة “كوفيد 19″، كالتالي:
فعلى الصعيد المحلي: أدت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول الإفريقية إلى تقييد الحركة في بعض المناطق ومنع التجمعات، وبالتالي عزوف الكثير من العمال الزراعيين (المستأجرين) عن التنقل أو التجمع مع مجموعات كبيرة من العمال كما يحدث في مواسم زراعة وحصاد المحاصيل كثيفة العمالة مثل الأرز والذرة، بالإضافة إلى تعرض عمال النقل إلى العدوى أثناء سفرهم بين المناطق المفتوحة، كما اضطر العديد من المرشدين الزراعيين لالتزام منازلهم، وتولى المزارعون المسئولية الكاملة عن الإنتاج الزراعي.
فضلًا عن أن إغلاق الأسواق تجنبًا لانتقال العدوى، جعل من الصعب على المزارعين كسب الدخل الذي يحتاجونه بشدة. والأسوأ من ذلك، أن غالبية المزارعين الأفارقة يفتقرون إلى مرافق تخزين الطعام الكافية، مما أدى إلى تلف جزء من المحاصيل، كما اضطرت مصانع تجهيز اللحوم إلى الإغلاق في العديد من المواقع بسبب تفشي فيروس كورونا بين العمال. وفي غرب إفريقيا، قال التجار إنهم اضطروا للتخلص من المنتجات الطازجة لأنهم لم يتمكنوا من بيعها عبر الحدود بعد إغلاقها.
وعلى الصعيد الدولي: تعطلت سلاسل التوريد نتيجة إغلاق الدول لحدودها، وإعلان الكثير من الدول المصدرة الرئيسية للغذاء وقف رحلاتها الخارجية في ظل أزمة كورونا، ووقف تصدير الغذاء من أجل تأمين الحاجة المحلية إلى بعض المحاصيل الغذائية، في الوقت الذي تعتمد فيه القارة الإفريقية بشكل كبير على المواد الغذائية المستوردة من الخارج. فعلى سبيل المثال، استوردت القارة أكثر من 40 مليون طن من الحبوب في عام 2018. ومن المتوقع أن ينكمش الإنتاج الزراعي في إفريقيا بين 2.6% و7% بنهاية 2020 إذا استمرت العوائق التجارية، وهذا يؤدي بدوره إلى نقص الإمدادات الغذائية في القارة.
2- القدرة على الوصول للغذاء (جانب الطلب)
يرتبط جانب الطلب بشكل أساسي بجانب العرض، حيث أدى انخفاض توافر الطعام إلى ارتفاع أسعار الغذاء، في الوقت الذي انخفض فيه دخل كثير من العمال وازدادت نسبة البطالة، حيث تشير تقديرات الاتحاد الإفريقي إلى وجود ما يقرب من 20 مليون فرصة عمل، سواء في القطاعات الرسمية أو غير الرسمية، مهددة بالتدمير بسبب “كوفيد 19″، تترجم الزيادات السريعة في مستويات البطالة المرتفعة بالفعل في معظم أنحاء العالم إلى ضعف الطلب على الغذاء، وخاصة المنتجات عالية القيمة، فأصبح من الصعب على الكثيرين الحصول على الغذاء، نتيجة نقص الدخل أو انعدامه، مما أدى إلى تقليل هؤلاء الأشخاص من استهلاكهم لأنواع معينة من الطعام ترشيدًا للنفقات الضئيلة التي يمتلكونها. وبالتالي انخفاض الطلب على الغذاء بسبب عدم قدرتهم المادية على شراء المتاح من الغذاء، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على الوصول إلى مصادر الغذاء نتيجة إجراءات الإغلاق السابق تفصيلها في جانب العرض.
3- تلبية الاحتياجات الغذائية
في ظل انخفاض الإمكانيات المادية واضطرار الأشخاص إلى الاستغناء عن عناصر غذائية معينة ترشيدًا للنفقات، لا تتحقق الاستفادة المرجوة من الطعام لتحقيق الأمن الغذائي. إضافة إلى ذلك، عادة ما يكون جسم الإنسان غير قادر على الاستفادة الكاملة من الغذاء في حالة المرض، خاصة مع حالة فقدان الشهية الناتج عن فقدان حاستي الشم والتذوق الذي يحدث غالبًا لمصاب كورونا، مما يؤثر على تناول الغذاء بكميات كافية ونوعيات مناسبة.
وبناء على ذلك، يمكن القول إن هناك مجموعة من المسارات التي تؤثر من خلالها أزمة “كوفيد 19” على الأمن الغذائي في القارة الإفريقية، أبرزها: القيود على الحركة، وارتفاع نسبة البطالة، بالإضافة إلى تقلبات أسعار الغذاء، وإغلاق الحدود مع تعطل سلاسل التوريد المحلية، فضلًا عن إغلاق الأسواق، وتقييد التجمعات العامة.
ثالثًا- جهود الاستجابة الأولية
خلال الأسابيع الماضية برزت مجموعة من الاستجابات الأولية على الصعيد الرسمي وغير الرسمي، للحد من تأثير أزمة “كوفيد 19” على الأمن الغذائي في القارة:
1- على مستوى الحكومات الإفريقية
في محاولة لمواجهة تحديات الأمن الغذائي المتعلقة بـ”كوفيد 19″، وضعت الحكومات الإفريقية تدابير محددة للحد من تأثير الجائحة على الأمن الغذائي، تتراوح تلك التدابير بين: السماح بنقل المواد الغذائية عبر الحدود، إلى تقديم الدعم المباشر من المواد الغذائية والنقود والمدخلات الزراعية.
على سبيل المثال، قامت غانا بتأمين البذور والأسمدة للمزارعين، ودعم مطاحن الأرز بالأموال لمواصلة شراء الأرز من المزارعين، كما قدمت حكومة مدغشقر دعمًا نقديًّا مباشرًا لسكانها الضعفاء لتعزيز قدرتهم الشرائية للوصول للسلع الأساسية. بينما تقوم دول مثل إثيوبيا ورواندا وأوغندا بتوزيع المساعدات الغذائية على الأفراد ذوي الدخل المنخفض من السكان والأشخاص الذين فقدوا مصادر رزقهم نتيجة انتشار الوباء أو بسبب الإجراءات الاحترازية.
بالإضافة إلى ذلك، سعت مجموعة من الدول الإفريقية منفردة إلى تقديم مساعدات غذائية لجيرانها وأشقائها في القارة. على سبيل المثال، أرسلت مصر مساعدات غذائية لعدد من الدول الإفريقية، منها كينيا وزامبيا والكونغو الديمقراطية.
2- على مستوى المؤسسات غير الرسمية
على صعيد آخر، شهدت الأسابيع الماضية في مختلف دول القارة الإفريقية، حالة من زيادة نشاط العديد من الجمعيات الأهلية، وبنوك الطعام، التي ضاعفت من كميات الوجبات الغذائية التي تقدمها لخدمة المتضررين من انتشار وباء كورونا وغير القادرين على الحصول على الطعام. على سبيل المثال، زادت منظمه ” Food for all of Africa” في غانا عدد الوجبات اليومية التي تقدمها من 150 وجبة يوميًا إلى 3500 وجبة يوميًا، 75٪ من هذه الزيادة كانت لأشخاص تضرروا من الفيروس.
3- الاستعانة بالتقنيات الرقمية
في ظل الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا، واجه النظام الغذائي للدول الإفريقية أزمة مزدوجة في جانبي العرض والطلب، وبرزت أهمية التقنيات الرقمية في محاولة للتخفيف من حدة تلك الأزمة، حيث نشط كثير من شركات التكنولوجيا الإفريقية عبر التطبيقات والمواقع والجروبات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتساعد تلك الشركات الناشئة عبر الإنترنت الناسَ في الحصول على الطعام الطازج أثناء الوباء وبأسعار مُخَفّضة، من خلال الاستفادة من الارتفاع السريع في استخدام الهواتف الذكية عبر إفريقيا، فوفقًا لمركز “Pew Research Center”، فإن حوالي ثلث الأشخاص في إفريقيا جنوب الصحراء قد حصلوا على هاتف ذكي في عام 2018، أي أكثر من ضعف الرقم قبل أربع سنوات.
فعلى سبيل المثال، برزت تطبيقات مثل: (Fresh in a Box) في زيمبابوي، وتطبيق (Market Garden) في أوغندا، والذي يربط النساء اللواتي ينتجن بموجة جديدة من العملاء عبر الإنترنت، كما شهدت ناميبيا أيضًا ارتفاعًا في شعبية الأسواق عبر الإنترنت تحت الإغلاق. كما برز دور مجموعة من التطبيقات التي تساعد المزارعين في الوصول إلى الخدمات الزراعية، مثل: خدمات الإرشاد، وتأجير المعدات الزراعية كالجرارات، مثال على ذلك، تطبيق “hello tractor” في نيجيريا وغانا وكينيا، الذي ربط بين نصف مليون مزارع ومالكي المعدات الزراعية، وساهم في دعم 60% من المزارعين.
4- على مستوى الاتحاد الإفريقي
حرص قادة الاتحاد الإفريقي خلال لقاءاتهم الافتراضية على إدراج أزمة الأمن الغذائي في كثيرٍ من النقاشات، وتم إدراجها ضمن استراتيجية “كوفيد 19” التي وضعها الاتحاد الإفريقي للتعامل مع الوباء. وفي 16 أبريل 2020، وبالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وشركاء دوليين آخرين عبر اجتماع افتراضي، أعلن الاتحاد الإفريقي عن اتفاق لدعم الوصول إلى الغذاء للسكان الأكثر ضعفًا، وتزويد الأفارقة بالحماية الاجتماعية، وإبقاء الحدود مفتوحة أمام المنتجات الغذائية.
رابعًا- كيف يُمكن أن تُسهم منطقة التجارة الإفريقية في تخفيف الأزمة
تقدم أزمة كورونا فرصة ذهبية للدول الإفريقية لتسريع التحول نحو سوق قارية موحدة، وتقليل الاعتماد على الواردات الغذائية من الخارج، حيث يتمثل أحد الأهداف الرئيسية لاتفاقية منطقة التجارة الإفريقية في توسيع التجارة البينية للدول الإفريقية، وتحسين تدفق السلع والخدمات عبر البلدان وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال زيادة التصنيع الزراعي.
ومع تعطل سلاسل التوريد الغذائية العالمية، واعتماد كثير من الدول الإفريقية على استيراد الغذاء من الخارج، باتت الفرصة سانحة أمام الدول الإفريقية لتسريع إطلاق منطقة التجارة الإفريقية، وإزالة القيود الجمركية وغير الجمركية، خاصة على السلع الغذائية والمستلزمات الطبية والأدوية كمرحلة أولى، لتخفيف الضغط على النظام الغذائي والصحي للدول الإفريقية، وتخفيف حدة آثار “كوفيد 19” على الأمن الغذائي.
وبالتالي، تحتاج الدول الإفريقية تحت مظلة الاتحاد الإفريقي إلى الانخراط سريعًا في المرحلة الثانية من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية من خلال اجتماعات عبر الفضاء الإلكتروني، دون الانتظار إلى حين انتهاء الأزمة، لأننا حينها سنكون تأخرنا كثيرًا.
وجدير بالذكر أنه حتى إذا تم تفعيل منطقة التجارة الإفريقية، يظل هناك تحدٍّ رئيسي وهو أن الصادرات الزراعية في إفريقيا في الغالب تكون من المحاصيل النقدية مثل الكاكاو والبن والتوابل، والتي لديها أسواق محدودة نسبيًا في إفريقيا، بينما يتم استيراد المنتجات الغذائية الأساسية من خارج القارة، مما يشير إلى الحاجة إلى إعطاء الأولوية لسلة تجارية إفريقية أكثر تنوعًا من السلع الغذائية. وتحقيقًا لذلك، تحتاج الحكومات الإفريقية إلى تنفيذ سياسات لدعم الإنتاج المحلي، والسعي نحو تطوير سلاسل القيمة الإقليمية الخضراء، والتي توفر بدورها أساسًا قويًّا للدول لتصدير وتعزيز التجارة بين الأقاليم وداخلها على المدى الطويل، مما يسهم في تحسين الأوضاع الغذائية للسكان الأفارقة، ويقلل من آثار أزمة كورونا على الأمن الغذائي في القارة.
وختامًا، فإن الآثار المعقدة لوباء “كوفيد 19″، مقترنة بالأزمات الأخرى التي تؤثر بالفعل على إفريقيا (الأمن في منطقة الساحل، والجفاف، والفيضانات، والجراد الصحراوي)؛ تجلب خطر دوامة الفقر الجماعي وانعدام الأمن الغذائي على نطاق لم تواجهه القارة في تاريخها الحديث. وبالرغم من التدابير التي اتخذتها بعض الحكومات الإفريقية فإنها حتى الآن تقتصر على توفير الإغاثة على المدى القصير، وبالتالي فهي غير كافية من حيث معالجة تحديات الأمن الغذائي على المدى الطويل. وأمام هذا الوضع تبدو الدول الإفريقية بحاجة لوضع استراتيجية متكاملة تعتمد على التكنولوجيا بشكل واسع، للتعامل مع الأزمة على المدى القصير (المساعدات الطارئة)، والمتوسط (تحسين الانتاجية الزراعية ودعم الزراعة الرقمية)، والطويل (تحقيق التكامل الغذائي القاري)، مع التأكيد على أن منطقة التجارة الإفريقية الحرة قد تكون نقطة البداية التي يمكن أن تُخرج إفريقيا من الأزمة قارة أقوى وأكثر اعتمادًا على الذات.