شهدت مدينة مالابو عاصمة غينيا الاستوائية انعقاد اجتماعات القمة التنسيقية نصف السنوية السابعة (7th MYCM) للاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والآليات الإقليمية، يوم الأحد 13 يوليو 2025، تحت شعار الاتحاد الأفريقي لعام 2025 “العدالة للأفارقة والأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي من خلال التعويضات”، وذلك بحضور 16 من قادة الدول الأفريقية على رأسهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ضوء رئاسة مصر الحالية لوكالة الاتحاد الأفريقي للتنمية “النيباد” وآلية قدرة شمال أفريقيا.
وتتزامن القمة مع تحولات سياسية مهمة في عدد من الدول الأفريقية، وتحديات أمنية واقتصادية متزايدة، في ظل تطورات الأوضاع في السودان وليبيا والصومال والكونغو الديمقراطية، وتصاعد التوترات في منطقة القرن الأفريقي والساحل، ومع وجود مطالب متصاعدة من الدول الأفريقية بفتح ملف العدالة التاريخية والتعويض عن قرون من الاستعمار والاستغلال.
قضايا القمة وسياقاتها
تعد القمة التنسيقية للاتحاد الأفريقي منصة حيوية لتنسيق الجهود بين الدول الأعضاء، تتميز بطابع خاص، حيث وضع القادة الأفارقة قواعد القمة التنسيقية لأول مرة عام 2017 لتكون المنتدى الرئيسي للاتحاد الأفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية لمواءمة أعمالهما وتنسيق تنفيذ أجندة التكامل القاري، لتحل محل قمم يونيو/يوليو. ويقتصر حضور القمة على عدد محدود من القادة الأفارقة ممثلين عن مكتب جمعية الاتحاد الأفريقي، ورؤساء الجماعات الاقتصادية الإقليمية ومفوضية الاتحاد الأفريقي والآليات الإقليمية.
وعُقدت القمة التنسيقية السابعة هذا العام تحت شعار الاتحاد الأفريقي لعام 2025 “العدالة للأفارقة والأشخاص من أصل أفريقي من خلال التعويضات”، وناقشت القمة عددًا من الملفات الشائكة، أبرزها؛
- جهود التكامل الأفريقي
ركزت مناقشات قمة مالابو بشكل أساسي على تقييم وضع التكامل في القارة ككل، والتكامل الإقليمي حسب المجموعات الاقتصادية الإقليمية والآليات الإقليمية، وتنسيق الجهود وتقسيم العمل بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، وتوحيد السياسات بينهم، بهدف تسريع عملية التكامل في أفريقيا، فضلًا عن مناقشة سُبل مواجهة التحديات الإقليمية والدولية في هذا السياق، وعلى رأسها تحديات البنية التحتية، بالإضافة إلى مناقشة دور وكالة الاتحاد الأفريقي للتنمية- النيباد في تعزيز جهود التكامل والاندماج القاري، وأكدت القمة على ضرورة دفع الدول الأفريقية للإنخراط في التجارة في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
- الأمن والسلم الأفريقي
استأثرت قضية السلم والأمن في أفريقيا بجزء من مناقشات القمة، خاصة في ظل تطورات الأوضاع وتصاعد الصراع في العديد من الدول والمناطق الأفريقية، حيث بحثت القمة سبل تثبيت دعائم الاستقرار في مختلف أنحاء القارة، مع التركيز على الوضع في الصومال والسودان وحوض النيل والساحل الأفريقي.
واتصالًا بذلك، وافق المجلس التنفيذي الأفريقي خلال دورته السابعة والأربعين المنعقدة على هامش القمة، خلال الفترة من 10 -11 يوليو 2025، على دعم بعثة الاتحاد الأفريقي المخصصة للصومال (AUSSOM) بـ 10 ملايين دولار.
- آلية التعويضات للقارة الأفريقية
حملت القمة الأفريقية التنسيقية السابعة في مالابو ذات الشعار الذي أطلقه الاتحاد الأفريقي لعام 2025، “العدالة للأفارقة والمنحدرين من أصل أفريقي من خلال التعويضات”، والذي تصدر قائمة أولويات القارة الأفريقية وشعوبها خلال العام، حيث ناقشت القمة آليات المطالبة بتعويضات من الدول الاستعمارية السابقة عن الجرائم التاريخية والظلم الاستعماري، بما في ذلك الاستعباد والاستعمار والإبادة الجماعية، ويتضمن ذلك الاعتراف القانوني بالجرائم، والتعويض المالي من خلال إنشاء صندوق عالمي للتعويضات وإعادة هيكلة أو إزالة الديون الأفريقية، واستعادة الإرث الثقافي المنهوب.
- إصلاح الاتحاد الأفريقي
اكتسبت قضية إصلاح الاتحاد الأفريقي زخمًا خلال السنوات القليلة الماضية، وعلى الرغم من التقدم المحرز في هذا الصدد لا تزال قضية تمويل الاتحاد الأفريقي وتحقيق الاكتفاء الذاتي إحدى القضايا الإصلاحية التي تحتاج إلى بذل مزيد من الجهد، فخلال دورته السابعة والأربعين التي عقدت في مالابو، ناقش المجلس التنفيذي مسألة تأخر بعض الدول الأعضاء عن سداد مستحقاتها في الوقت المحدد، أو عدم سدادها لها على الإطلاق، ما أدى إلى الاعتماد على الجهات المانحة (خاصة الدول الأوروبية) في تغطية 78% من الميزانية البرامجية للاتحاد في ميزانية عام 2025، ما من شأنه أن يُقوّض دور الاتحاد الأفريقي ومسؤوليته عن برامجه، فضلًا غياب الإرادة السياسية وتباين الالتزامات بين الدول الأعضاء تجاه الإصلاح.
ويذكر أن ذات الاجتماع أقر اقتراح لجنة الممثلين الدائمين بتخصيص ميزانية خاصة قدرها 650 ألف دولار أمريكي للهيئة التشريعية القارية لتغطية المتطلبات التشغيلية العاجلة، والتي يتم تغطية 98% منها من الدول الأعضاء.
- الترشيحات الأفريقية للمناصب الأفريقية
شهدت الاجتماعات استكمال انتخابات مفوضي الاتحاد الأفريقي المتبقيين الذين لم يتم الاتفاق عليهم في قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة في فبراير 2025، حيث تم انتخاب اثنين من المفوضين من أقاليم الوسط، وهما: مفوض التنمية الاقتصادية والسياحة والتجارة والصناعة والتعدين (ETTIM) من دولة غينيا الاستوائية، ومفوض التعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار (ESTI) من دولة بوروندي، وبذلك تكون اكتملت منظومة المفوضية بكامل أعضائها ورئيسها وزير خارجية الجيبوتي السابق محمود علي يوسف.
بالإضافة لذلك، شهدت الاجتماعات مناقشة آخر المستجدات بشأن الترشيحات الأفريقية ضمن النظام الدولي، وفي هذا السياق تم اعتماد مرشح مصر الدكتور “خالد العناني” كمرشح رسمي للدول الأفريقية لمنصب مدير عام منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للفترة (2026 ــ 2031)، للانتخابات التي ستُجرى في الربع الأخير من عام 2025. ويُذكر أن الدول الأعضاء التي لا تمتثل لقرارات المجلس التنفيذي بشأن الترشيحات الأفريقية داخل النظام الدولي يتم تعليق تأييد ترشيحاتها لمدة 5 سنوات.
جهود ودلالات مصرية
شهدت القمة في مالابو مشاركة مصرية نشطة على عدد من الأصعدة، سواء ما يتعلق منها بسلسلة اللقاءات الثنائية التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظرائه من الأشقاء الأفارقه، أو ما يتعلق بعرض ومناقشة دور الآليات الأفريقية في دفع جهود التنمية في القارة الأفريقية، حيث جاءت المشاركة المصرية في القمة التنسيقية السابعة على خلفية تولي مصر رئاسة آليتين مهمتين تابعتين للاتحاد الأفريقي وهما؛ آلية قدرة إقليم شمال أفريقيا، واللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي – النيباد.
في ضوء ذلك، استعرض الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال فعاليات القمة الجهود التي تبذلها مصر لتطوير الآليتين، بما يعزز من السلم والأمن وربطهما بمسارات التنمية الشاملة والاستقرار السياسي والاقتصادي في أفريقيا، وذلك على النحو التالي:
- لقاءات رئاسية لتعزيز التعاون الثنائي مع دول القارة
شهدت القمة التنسيقيّة للاتحاد الأفريقي عقد سلسلة من اللقاءات الهامة للرئيس عبد الفتاح السيسي مع كل من الرئيس الموريتاني “محمد ولد الشيخ الغزواني”، والرئيس الغاني “جون ماهاما”، والرئيس الجابوني “بريس أوليجي نجيما”، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي “محمد المنفي”، بالإضافة إلى “محمد إيسوفو”، رئيس النيجر الأسبق ورائد منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، ورئيس أنجولا ” جواو مانويل جونسالفيش لورينسو”، فضلًا عن لقائه بـ”تيودورو أوبيانج نجيما” رئيس غينيا الإستوائية (الدولة المضيفة).
تناولت اللقاءات الثنائية التي أجرها الرئيس مع نظرائه الأفارقة على هامش مشاركته في “قمة مالابو”، مناقشة سبل دعم التعاون الأفريقي المشترك وتعزيز التكامل القاري ودفع جهود التنمية، والتباحث بشأن التحديات التي تواجه القارة الأفريقية، وفي مقدمتها قضايا الإرهاب، النزاعات المسلحة، الأمن الغذائي، التغير المناخي، والتكامل الاقتصادي، بالإضافة إلى التباحث حول سبل تعزيز الاستقرار القاري، وضمان السلم والأمن القاريين.
وعكست هذه اللقاءات الاهتمام المصري المتزايد بتعزيز التعاون الثنائي وتطوير العلاقات مع مختلف دول القارة الأفريقية واهتمامها بدفع العمل المشترك وتذليل العقبات من أجل تحقيق التنمية لشعوب القارة الأفريقية.
- الرئاسة المصرية للنيباد – إنجازات هامة
تتولى مصر رئاسة اللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي (النيباد) منذ فبراير 2023، وتُعد النيباد الذراع التنموي للاتحاد الأفريقي، وتلعب دورًا رئيسيًا في تنفيذ المشروعات والمبادرات التنموية القارية، وفي حشد التمويل اللازم لها، وكان من المقرر أن تنتهي الرئاسة المصرية للوكالة في فبراير 2025، ولكن تم مد رئاستها لها لعام إضافي أي حتى فبراير 2026، في خطوة تعكس الثقة الأفريقية في القيادة المصرية.
وباعتباره رئيس الدورة الحالية للنيباد، عرض الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة التنسيقية الدور المحوري الذي تقوم به اللجنة في ظل الرئاسة المصرية، في مختلف المجالات التنموية بالقارة الأفريقية؛ وذلك بالشراكة مع الدول الأعضاء والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بسد الفجوة التمويلية؛ حيث بذلت الوكالة خلال العامين الماضيين جهودًا مكثفة، للانتهاء من إعداد دراسة الجدوى الخاصة بإنشاء صندوق التنمية التابع للوكالة، ليكون أداة إضافية لحشد التمويل للمشروعات التنموية في القارة، ولسد الفجوة الضخمة بين الاحتياجات والموارد.
فضلًا عن جهود الوكالة في دفع تنفيذ الخطة العشرية الثانية لأجندة ٢٠٦٣، وحشد تمويل يصل قيمته إلى 500 مليون دولار لمشروعات البنية التحتية المدرجة في الخطة، فضلًا عن الإسراع بوتيرة تنفيذ ممرات البنية التحتية الخضراء، وخطة الطاقة الرئيسية القارية، والسياسة الزراعية الأفريقية المشتركة، التي تصب جميعًا باتجاه تعزيز جهود الاندماج الإقليمي والقاري.
بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الوكالة عدد من المبادرات في مجالات التعليم والصحة، من بينها؛ تأمين 100 مليون دولار لمبادرة المنحة السكانية الأفريقية لتعزيزالخدمات في مجال الصحة الإنجابية، وكذلك توفير 100 مليون يورو لدعم المشروعات في إطار مبادرة المهارات الأفريقية لبناء القدرات البشرية والفنية، بالتزامن مع الاستثمار المكثف في مجال التحول الرقمي، بغرض توفير ملايين الوظائف لشباب القارة. إلى جانب الإسراع بتدشين مركز التميز التابع للنيباد في القاهرة، فضلًا عن دعم تنشيط وجود مكاتب النيباد في الدول الأفريقية، بناء على طلب الدول ووفقًا لأولوياتها.
- رئاسة قدرة إقليم شمال أفريقيا
تكتسب آلية قدرة إقليم شمال أفريقيا أهمية كبرى في ظل ما تشهده دول المنطقة من صراعات متزايدة، خاصة ليبيا والسودان، وتتولي مصر رئاسة هذه الآلية التي يتواجد مركزها في القاهرة، وتعد مهمتها الرئيسية العمل على حفظ الأمن والاستقرار وشيوع السلام في منطقة شمال أفريقيا، حيث توفر قوة متعددة الأبعاد ومتكاملة التجهيز، تتمتع بالقدرة العملياتية، والاستعدادية للانتشار لدعم وحفظ السلام، وتعتبر ركيزة أساسية في منظومة السلم والأمن الأفريقي.
وخلال القمة استعرض الرئيس عبد الفتاح السيسي، بصفته رئيس الدورة الجارية لقدرة إقليم شمال أفريقيا، الجهود المصرية لتعزيز جاهزية القدرة الإقليمية لضمان استعداديتها لتعزيز السلم والأمن بالقارة الأفريقية، في ظل تحديات جيوسياسية معقدة ومتشابكة تشهدها المنطقة، بما في ذلك النزاعات المسلحة، والإرهاب، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتداعيات تغير المناخ، التي تهدد استقرارها وتنميتها.
وتقود مصر جهود تعزيز قدرة إقليم شمال أفريقيا من خلال تحسين جاهزياتها العسكرية والمدنية، وذلك في إطار إيمان مصر الكامل، بأهمية الاستعداد والجاهزية، لحماية مقدرات شعوب القارة الأفريقية، وحمايتهم من مختلف التحديات، وتحقيق تطلعاتهم للأمن والاستقرار والازدهار، مع التأكيد على التزام مصر الكامل بدعم قدرة إقليم شمال أفريقيا، في إطار اهتمامها الأوسع بتفعيل منظومة السلم والأمن الأفريقي، مع ضرورة توفير تمويل مستدام لأنشطة القدرة، لاسيما لبناء القدرات، بما يحقق الجاهزية التامة لها متى اقتضت الضرورة.
وفي سياق متصل، أشار الرئيس السيسي إلى تقدّم قدرة إقليم شمال أفريقيا في ظل الرئاسة المصرية، حيث تم إقرار خطة أنشطة وبرامج في اجتماعات رؤساء الأركان ووزراء الدفاع، التي انعقدت في القاهرة مطلع عام 2025، ودشنت مسارًا للإصلاح المالي والإداري للقدرة، وقامت بمراجعة إجراءات عملها وتحديثها، لتتواكب مع نظيراتها بالاتحاد الأفريقي، وبما يحُقق استدامة مالية، وكفاءة في التخطيط والإنفاق، فضلًا عن نجاح الأمانة التنفيذية في تعزيز الاستعدادات العملياتية، مشيدًا بتنفيذ تمرين ميداني في الجزائر يعزز التنسيق بين المكونات المختلفة للاستجابة لمهام حفظ السلام.
ختامًا، تعكس المشاركة المصرية في القمة التنسيقية نصف السنوية السابعة للاتحاد الأفريقي، محدودة العضوية، ولقاءات الرئيس الثنائية، مكانة مصر المحورية والرائدة في القارة الأفريقية، والتزامها ومساعيها لدعم جهود التنمية وتعزيز أطر التعاون والتنسيق القاري في أفريقيا، بما يحقق مصالح الشعوب الأفريقية. وتأتي المشاركة المصرية ضمن رؤية أوسع لدعم الاستقرار في القارة، انطلاقًا من إيمان مصري راسخ بأن السلم هو أساس التنمية، والتكامل هو الطريق نحو مستقبل أفضل للقارة الأفريقية. كما يعكس التواجد المصري في القمة ممثلًا بأعلى قيادة (رئيس الدولة)، حرص القاهرة على التواجد الفعّال في قلب النقاشات الأفريقية الكبرى، وإعطاء الدائرة الأفريقية أولوية قصوى في تفاعلات مصر الخارجية، وحرص مصر على التنسيق والتعاون مع المؤسسات الأفريقية.










































