بدأت الحكومة المصرية في تطبيق المشروع القومي لتحديث وميكنة منظومة الإدارة الجمركية، والذي يُسهم في مواجهة التحديات السابقة، ومواكبة كافة المستجدات العالمية في مجال التجارة الدولية، من خلال تبسيط الإجراءات الجمركية، وتقليص زمن الإفراج الجمركي، وخفض أسعار السلع بالأسواق المحلية، عن طريق تطبيق الممارسات التي تتم في الدول المتقدمة بداية من إنشاء منظومة إلكترونية بالكامل لعمليات الإفراج الجمركي، للتحول من النظام الورقي إلى النظام الإلكتروني.
مشكلات قادمة وحلول فاعلة
يتمثل ارتفاع التكلفة المالية للمعاملات الجمركية وتعدد الإجراءات الجمركية وعدم وضوحها إلى جانب طول زمن التخليص الجمركي في ضياع الكثير من الوقت والجهد، كما يسهم في زيادة الدافع للتهرب الجمركي وانخفاض معدل تحصيل الضريبة الجمركية، كما تثير الكثير من المنازعات بين التجار ومصلحة الجمارك، وتؤثر تلك المشكلات بصورة سلبية على الاقتصاد المصري، حيث يترتب عليها ارتفاع في تكلفة استيراد المدخلات اللازمة للعملية الإنتاجية وغيرها من الواردات مما يضعف من القدرة التنافسية للمنتجين. كما أنها تدفع الاستثمار إلى الهروب بعيدًا عن مصر، وتهدر قدرًا هامًا من إيرادات الضريبة الجمركية.
ومن هذا المنطلق بدأت الحكومة المصرية في إصلاح وتطوير الإدارة الجمركية، وذلك إدراكًا منها بأن نجاح سياسات التجارة الخارجية في تنمية الصادرات وجذب الاستثمار، بالإضافة إلى توفير حصيلة مناسبة من الإيرادات الجمركية، رهن برفع كفاءة وفاعلية الإدارة الجمركية.
وقد تم إجراء الاختبارات الأولية لتطبيق النظام الإلكتروني الجمركي للتسجيل المسبق للشحنات «ACI» تشمل المنافذ البحرية، وذلك للتأكد من فاعليتها قبل الانطلاق التجريبي في أول أبريل 2021، والإلزامي في أول يوليو 2021. وبذلك سوف تُودع المنافذ الجمركية ما يُعرف إعلاميًا بـ«الكاحول»، ذلك الشخص مجهول الهوية الذى يكون الجاني في قضايا البضائع مجهولة المصدر، والشحنات المخالفة والمجرمة، ومن ثم تتخلص المنافذ أيضًا من البضائع المهملة والراكدة، حيث يلتزم المستوردون والمستخلصون الجمركيون وفقًا للمنظومة الجديدة بتبادل بيانات ومستندات الشحنات إلكترونيًا والحصول على موافقة مسبقة قبل الشحن، مع قيام النظام بمنح الموافقة خلال 48 ساعة من وقت تقديم الطلب، بحيث يتم حماية الحدود المصرية من أي مواد خطرة، وبدء إجراءات الإفراج المسبق عن الشحنات.
كما يُسهم النظام الجمركي الجديد في زيادة معدلات التخليص المسبق للإجراءات قبل وصول البضائع، والإفراج الجمركي عن الشحنات فور وصولها للموانئ، من خلال الاستفادة بما يُتيحه نظام «ACI» من تبادل مسبق لمعلومات ومستندات الشحنات إلكترونيًا؛ بحيث تكون الموانئ بوابات للعبور فقط وليست أماكن للتخزين.
ويهدف قانون الجمارك الجديد لتحقيق العديد من الآثار الإيجابية التي من أهمها تحسين تصنيف مصر في 3 مؤشرات دولية مهمة، وهي: مؤشر التنافسية العالمية، ومؤشر ممارسة الأعمال، ومؤشر بيئة الاقتصاد الكلي، إلى جانب دور القانون الجديد في تشجيع المشروعات الاقتصادية الوطنية بفضل ما يتضمنه من آليات عديدة لتشجيع الصناعات المصرية، ومواجهة الممارسات الضارة بها، وعلى رأسها التهريب الجمركي.
كما يدعم أيضًا جهود الحكومة لتحقيق استراتيجية رؤية مصر 2030 الرامية لزيادة تنافسية الاقتصاد المصري، ووضع مصر ضمن دول الموجة الثانية لأسرع دول العالم نموًا، وهو ما تعمل الحكومة المصرية على تحقيقه عبر تبني أفضل الممارسات الحكومية التي تطبقها مجموعة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية DECO.
أولًا- مؤشر ممارسة الأعمال – Doing Business 2020:
أظهر تقرير ممارسة الأعمال 2020 “Doing business”، الصادر عن البنك الدولي، تقدم مصر 6 مراكز في ترتيب عام 2020، لتحتل المركز 114 من بين 190 دولة، مقابل المركز 120 بتقرير ممارسة الأعمال 2019. ورصد التقرير تنفيذ مصر العديد من الإصلاحات والخاصة بتعزيز حقوق المساهمين أصحاب حصص الأقلية، وتبسيط إجراءات تسجيل النشاط التجاري، وزيادة التيسير على الشركات في استيراد وتصدير البضائع.
ورصد التقرير تقدم مصر في تحسين مناخ الاستثمار وتبسيط الإجراءات والذي تقدمت فيه 19 مركزًا على مستوى العالم، لتحتل المركز 90 بدلًا من 109 في تقرير عام 2019. كما تقدمت مصر في مؤشر الحصول على الكهرباء نحو 19 مركزًا لتصل إلى المركز 77 بدلًا من المركز 96 في عام 2019.
وأوضح التقرير أن مصر تقدمت في مؤشر سداد الضرائب 3 مراكز عن عام 2019 من المركز 159 إلى المركز 156، وذلك نتيجة لتطبيق منظومة إلكترونية جديدة لتقديم إقرارات القيمة المضافة وضريبة الدخل، مع السداد الإلكتروني للمدفوعات المرتبطة بهما، وتطبيق هذه المنظومة بشكل شامل على كافة الشركات في مصر، مما أدى إلى التيسير على المستثمرين وتبسيط تعاملاتهم مع مصلحة الضرائب. وتقدمت مصر في مؤشر حماية صغار المستثمرين نحو 15 مركزًا من المركز 72 إلى 57، وهو ما يرجع إلى التشريعات والقرارات المرتبطة بحمايتهم.
فيما يخص المؤشر الفرعي للتجارة عبر الحدود، والذي يقيس هذا المؤشر الوقت والتكلفة المرتبطين بالعملية اللوجستية لتصدير واستيراد البضائع. فيشير الجدول رقم (1) إلى قيم المؤشرات الفرعية المكونة للمؤشر الفرعي التجارة عبر الحدود وذلك لجمهورية مصر العربية مقارنة بمتوسط الإقليم (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (ذات الدخل المرتفع).
وتشير البيانات إلى أبرز المشكلات التي يعاني منها التجار في مصر عند التعامل مع الإدارة الجمركية، من زيادة الرسوم المالية، وطول الفترة الزمنية التي تستغرقها عملية الإفراج الجمركي عن البضائع، ومن تعدد الإجراءات الجمركية وعدم وضوحها، وقد ظهر ذلك جليًا في تراجع ترتيب مصر في مؤشر التجارة عبر الحدود والذي سجلت مصر الرتبة 171 من بين 190 دولة مسجلة بمؤشر أداء الأعمال لعام 2020، كما لم يشهد أي تحسن أو تغير مقارنة بالعام السابق عام 2019.
وتبدو كل من تكلفة التصدير والاستيراد أكثر ارتفاعًا في مصر مقارنة بدول المنطقة والاقتصاديات المتقدمة، كما يتكبد التاجر -في بعض الأحيان- مدفوعات غير رسمية، وتؤدي هذه الزيادة في التكلفة المالية لتعامل التجار مع الإدارة الجمركية في مصر إلى ارتفاع تكلفة استيراد المدخلات اللازمة للعملية الإنتاجية وغيرها من الواردات، مما ينعكس بصورة سلبية على القدرة التنافسية للصادرات.
كما تستغرق إجراءات التخليص الجمركي للبضاعة الواردة وقتًا طويلًا نسبيًا، حيث تستغرق (نحو 10 أيام في المتوسط) مقارنة بالمتوسط السائد في كل من دول المنطقة (3 أيام) والاقتصاديات المتقدمة والتي قد تصل إلى حوالي 3 ساعات كما يظهر من الجدول رقم (1). وبذلك تعتبر عملية الإفراج الجمركي في مصر أبطأ منها في دول عديدة، مما يمثل إهدارًا للوقت ومزيدًا من التكلفة المالية التي يتحملها التاجر كأرضية ورسوم إضافية. ويترتب على ذلك التسبب في تلف بعض البضائع شديدة الحساسية لعنصر الوقت.
المصدر:
https://arabic.doingbusiness.org/ar/data/exploreeconomies/egypt#DB_tab
ويبين الجدول الوقت والتكلفة للامتثال لقوانين الحدود، والوقت والتكلفة اللازمين للحصول على المستندات وإعدادها وتقديمها أثناء أعمال المناولة في الموانئ أو على الحدود، وكذلك التخليص الجمركي، وإجراءات الفحص والتفتيش، بينما يتضمن وقت وتكاليف الامتثال للمتطلبات والاشتراطات المستندية، والوقت والتكلفة اللازمين للحصول على المستندات وإعدادها وإنجازها وتسليمها.
ثانيًا- مؤشر التنافسية العالمي:
وفقًا لتقرير مؤشر التنافسية العالمي لعام 2019 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، احتلت مصر المرتبة 93 من 141 دولة في المؤشر، وقد تم تجميع محاور التنافسية في أربعة مجالات رئيسية هي:
المجال الأول: “توفير بيئة مواتية” بالتركيز على المؤسسات، والبنية التحتية، واعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واستقرار الاقتصاد الكلي.
المجال الثاني: “الحفاظ على رأس المال البشري” الذي يشمل تطوير القطاع الصحي ومهارات العمال.
المجال الثالث: “الأسواق”، والذي ينطوي على تطوير أسواق المنتجات، وتعزيز أسواق العمل والأنظمة المالية، وتوسيع حجم السوق.
المجال الرابع والأخير في إنشاء “بيئة للابتكار” من خلال ديناميكية الأعمال وتعزيز قدرات الابتكار.
وشهد ترتيب مصر في المحاور الاثني عشر عمومًا نموًا مطردًا، حيث تقدمت مصر 40 مرتبة في محور المؤسسات و46 مرتبة في محور البنية التحتية.
شكل رقم (1) ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمي عام 2019
مما سبق يتضح أن تحديث وميكنة منظومة الإدارة الجمركية أصبح أمرًا ضروريًا لتحسين مرتبة مصر في المؤشرات الدولية، والتي تعد متراجعة مقارنة بدول المنطقة والعديد من الاقتصاديات النامية والمتقدمة، حيث تعاني مصر حاليًا من ضعف مستوى الإدارة الجمركية وارتفاع تكلفة المعاملات الاقتصادية.