مع تزايد عدد السكان في مصر باعتبارها من الدول الأكثر اكتظاظًا بالسكان في شمال إفريقيا والعالم العربي، وتماشيًا مع رؤية مصر 2030 التي تم إطلاقها في عام 2016، قامت الدولة بتغيير تصميم وتنفيذ ونطاق برامج الحماية الاجتماعية الوطنية والبرامج المتعلقة بتوفير الغذاء بهدف القضاء على الجوع. وساهم ذلك في تحسين الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وتحقيق معدلات نمو اقتصادي جيد، إلا أنه لا تزال مصر تواجه مجموعة من التحديات التنموية طويلة الأمد، بما في ذلك الفقر وتحقيق الأمن الغذائي، وسوء التغذية والتفاوت المكاني والاجتماعي وكذلك الصدمات المناخية. ووفقًا لمؤشر الجوع العالمي لعام 2020، فقد حققت مصر مستوى معتدلًا عالميًا، إلا أنه لا تزال أمام مصر تحديات على رأسها القدرة على تحمل تكاليف الغذاء وجودته وسلامته نتيجة الاعتماد في توفير أكثر من نصف المواد الغذائية الأساسية على الأسواق العالمية.
أولًا– أهم أبعاد مشكلة الأمن الغذائي في مصر:
يواجه القطاع الزراعي في مصر عدة تحديات والتي تعمل سياسات الإصلاح الزراعي على مواجهتها بهدف تحقيق التنمية الزراعية المرجوة، ومن تلك التحديات:
على جانب العرض: يعتمد إنتاج الغذاء على عدة عوامل، منها توافر المواد الخام الجيدة والآمنة، والسلع الوسيطة (بما في ذلك التعبئة والتغليف)، والمعدات، سواء المحلية أو المستوردة، ومدى القدرة على الوصول إلى تلك العناصر، ويتميز التصنيع الغذائي في مصر بالاعتماد القوي على السلع الوسيطة المستوردة، فوفقًا لغرفة الصناعات الغذائية فقد شكّلت الواردات الغذائية 24٪ (16.8 مليار دولار أمريكي) من إجمالي واردات مصر البالغة 71.3 مليار دولار أمريكي.
ويرجع اعتماد مصر لإنتاج الغذاء على السلع الوسيطة المستوردة إلى عدم جودة السلع الوسيطة المحلية، وبالرغم من إحراز مصر لبعض التقدم في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بجودة السلع الوسيطة، إلا أنه ما زالت هناك ممارسات زراعية سيئة، وتدني الجودة، ومحدودية توافرها، ونقص الآلات الزراعية الحديثة، وعدم كفاية جهود الإرشاد للمزارعين، وضعف أساليب الحصاد، ونقص ضمان الجودة ومراقبتها، والمهارات المحدودة، وعدم كفاية مرافق البنية التحتية.
على جانب الطلب: هناك طلب مستدام من قبل المستهلكين والصناعة، إلا أن هناك ضرورة أيضًا لأن تكون هناك سهولة في حركة صادرات المنتجات الغذائية الزراعية والمصنعة، وتمثل الصادرات الغذائية 14٪ (1.8 مليار دولار أمريكي) من إجمالي صادرات مصر من حيث القيمة عام 2020، لتحتل المرتبة الثالثة بين صادرات مصر غير البترولية.
ووفقًا للبيانات المتاحة للربع الأول من عام 2020، فإن صادرات مصر من المنتجات الزراعية الطازجة قد تراجعت بشكل طفيف بنحو 8-10٪ في الربع الأول من عام 2020، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، كما انخفضت صادرات مصر من المنتجات الغذائية المصنعة بنسبة 5٪ في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020، وفي نهاية النصف الأول من عام 2020 فقد سجل نموًا إيجابيًا بنسبة (2.2٪).
ومع الجهود التي بذلتها الجهات المختصة في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بتحسين سلامة الغذاء لزيادة الصادرات المصرية الزراعية، إلا أنه لا تزال الاختناقات الرئيسية المتعلقة باعتبارات الجودة والسلامة تمثل تحديًا رئيسيًا لزيادة الصادرات الزراعية والغذائية المصرية لبعض الأسواق، ومن ناحية أخرى فقد أتت تلك الجهود بثمارها بقيام دول الخليج بإزالة القيود المفروضة سابقًا على الصادرات المصرية.
العمالة: توافر القوى العاملة المؤهلة والوصول إليها. يمثل النقص في القوى العاملة المؤهلة إحدى نقاط الضعف الرئيسية التي يعاني منها المنتجون الزراعيون ومصنعو الأغذية، ولهذا آثار سلبية مباشرة على إنتاجية وتنافسية النظام الغذائي بأكمله. ويبين الشكل التالي التطور الحادث في عدد العاملين بالقطاع الزراعي كنسبة من إجمالي عدد العاملين بالدولة.
شكل رقم (1): نسبة العاملين بالقطاع الزراعي من إجمالي المشتغلين خلال الفترة 2015-2019
المصدر: البنك الدولي
يبين الشكل السابق تراجع نسبة العاملين بالقطاع الزراعي من إجمالي عدد المشتغلين خلال الفترة المذكورة أعلاه، حيث انخفضت النسبة من 25.82% عام 2015 لتصل إلى 20.62% عام 2019، ويؤثر ذلك التراجع على كفاءة وإنتاجية القطاع والذي سينعكس بالسلب على العائد الاقتصادي للقطاع.
ضآلة الاستثمارات في القطاع الزراعي
بالرغم من التحسن المحقق في حصة الاستثمارات في القطاع الزراعي من إجمالي الاستثمارات، إلا أنه تظل تلك الحصة ضئيلة مقارنة بإجمالي الاستثمارات في مصر، وبالتالي يعد انخفاض الاستثمارات من المشكلات التي تواجه تحقيق التنمية الزراعية في مصر. وفيما يلي تطور نسبة الاستثمارات في قطاع الزراعة من إجمالي الاستثمارات:
شكل رقم (2): تطور نسبة الاستثمارات في قطاع الزراعة من إجمالي الاستثمارات خلال الفترة 2015-2019
المصدر: البنك المركزي المصري.
وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري فقد ارتفع حجم الاستثمارات المنفذة في القطاع الزراعي إلى 2797 مليون دولار امريكي عام 2019، محققة ارتفاعًا عما كانت عليه 1391 مليون دولار أمريكي عام 2018، كما كان هناك تحسن في حصة الاستثمارات في القطاع الزراعي من إجمالي الاستثمارات التي ارتفعت من 3.4% عام 2018 لتصل إلى 5.3% عام 2019، إلا أنه تظل تلك النسبة منخفضة من إجمالي الاستثمارات.
الموارد المائية
يعد توافر الموارد المائية أحد العوامل الرئيسية في تحقيق التنمية الزراعية، وبالتالي فإن محدودية الموارد المائية واستخدام أساليب بدائية في الري قد يشكل عائقًا أمام تطوير القطاع الزراعي، وهو الأمر الذي دفع وزارة الموارد المائية والري لبذل الجهود اللازمة لتوفير الاحتياجات المائية للقطاع الزراعي.
ثانيًا– المساحة المزروعة وإنتاج السلع الغذائية في مصر:
يعد توافر المنتج الزراعي المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات الزراعية المستوردة من أهم العوامل التي تساهم في تحقيق قدر كبير من الأمن الغذائي، كما تعتبر المساحة المزروعة من العوامل التي تؤثر على حجم الإنتاج الزراعي، ومن هنا يمكن تناول إجمالي المساحة المنزرعة وإجمالي الإنتاج الزراعي من خلال التالي:
- إجمالي المساحة المنزرعة خلال الفترة 2015-2018.
جدول رقم (1): إجمالي المساحة المنزرعة خلال الفترة 2015-2018
المساحة: فدان

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
وفقًا للكتاب الإحصائي السنوي لعام 2020 الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد تراجع إجمالي المساحة المنزرعة في مصر من 9.09 مليون فدان عام 2015 لتصل إلى 8.68 مليون فدان عام 2018.
جدول رقم (2): إجمالي الإنتاج الزراعي خلال الفترة 2015-2018
الإنتاج: طن

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
يبين الجدول السابق تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية الصيفية وتحسن إنتاج المحاصيل الزراعية الشتوية خلال الفترة 2015-2018، حيث ارتفع إجمالي إنتاج المحاصيل الزراعية الشتوية من 77351 طنًا عام 2015 لتصبح 78163 طنًا عام 2018 لتصل إلى 90832 طنًا عام 2019. وفي المقابل انخفض إنتاج المحاصيل الزراعية الصيفية لتصل إلى 43137 طنًا مقارنة بما كانت عليه 45507 طن عام 2015.
ثالثًا– الفجوة الغذائية ومعدل الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الأساسية في مصر:
تقدر الفجوة الغذائية من خلال الفرق بين كمية الإنتاج المحلي من السلع الغذائية وكمية الاستهلاك، ولسد تلك الفجوة تقوم الدولة باستيراد السلع الغذائية للوفاء بالاحتياجات الاستهلاكية للأفراد، ونجد أنه تعد مصر من الدول التي تعتمد بشدة على استيراد الحبوب من الخارج؛ إلا أن نسبة اعتماديتها في استيراد الحبوب على الخارج تُعد منخفضة نسبيًا مقارنة بالدول العربية، حيث بلغت اعتمادية مصر على الخارج في توفير الحبوب نسبة 44%، ويمكن الاطلاع على المقارنة التالية التي توضح نسب الاعتماد على استيراد الحبوب في بعض الدول العربية:
شكل رقم (3): نسب الاعتماد على استيراد الحبوب في بعض الدول العربية عام 2017
المصدر: منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
وفي ظل أزمة كورونا استطاعت مصر توفير حماية للأسواق المحلية من خلال توفير الإمدادات الغذائية لتغطية الاحتياجات وخاصة من محصول القمح، كما شارك البنك المركزي المصري في مبادرة بقيمة 100 مليار جنيه تهدف إلى تنشيط الصناعات الخاصة بمجالات كالأسماك والدواجن والماشية، وبالتالي تحمي تلك التدابير أسواق الغذاء المحلية في مصر.
وفيما يتعلق بمعدل الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية كالقمح والأرز والذرة والفواكه والخضراوات الطازجة، والموالح والبطاطس، فإنه يمكن الاطلاع على التطور في معدل الاكتفاء الذاتي من تلك المحاصيل من خلال الجدول التالي:
جدول رقم (3): معدل الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية خلال الفترة من 2015-2018

المصدر: المركز المصري للدراسات الاقتصادية بالاعتماد على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
يبين الجدول السابق تراجع معدل الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل الأساسية في مصر، وفي المقابل تحقيق مصر للاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل الأخرى، حيث حققت مصر الاكتفاء الذاتي بالكامل في محاصيل الفواكه والخضراوات والموالح والبطاطس، في حين تراجع معدل الاكتفاء الذاتي من القمح والأرز والذرة خلال الفترة المذكورة أعلاه.
الخلاصة، يمكن القول إنه نظرًا لأهمية دور الأمن الغذائي في قدرة مصر على تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد عملت الدولة على اتخاذ تدابير تهدف إلى التوسع في المخزون الغذائي وتحقيق الأمن الغذائي، خاصة مع ارتفاع عدد السكان وتفاقم مشكلة الغذاء، وبالرغم من تلك الجهود إلا أنه يظل هناك عدد من التحديات التي تتطلب جهودًا إضافية للتغلب عليها للنهوض بالقطاع الزراعي، كتوفير أيدٍ عاملة ماهرة، وضخ المزيد من الاستثمارات في القطاع، وتدريب المزارعين على الطرق الحديثة للري لمنع إهدار المياه، وغيرها.