تؤثر الحرب على النساء والرجال بشكل مختلف، ولكن النساء والأطفال يعانون بشكل غير متناسب أثناء الحرب وبعدها، فغالبًا ما يكون النساء والأطفال أكثر الفئات ضعفًا وأكثر عرضة للإصابة، حيث تضطر النساء اللواتي نجون من هذه الفظائع إلى العيش مع الصور الحية والمرعبة للحرب والموت لبقية حياتهن، كما يواجهن مهمة شاقة تتمثل في الحفاظ على تماسك العائلات بعد النزوح، وتوفير الطعام والملبس والمأوى في البنية التحتية المدمرة لأطفالهن وعائلاتهن، وهو ما يحدث بشكل كامل داخل فلسطين، حيث عانت المرأة الفلسطينية من ويلات الحرب ابتدءً من النكبة عام 1948 إلى الآن، سواء كانت معاناة مباشرة تجاه المرأة أو غير مباشرة من خلال الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي خلّفها الاحتلال وأدت إلى تدهور الوضع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والأمني داخل الأراضي الفلسطينية، مما ساهم بشكل كبير في سوء أوضاع النساء الفلسطينيات من حيث السلامة والأمن والحصول على أبسط حقوقهن من الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، إلى جانب الأعباء المضافة التي تتحملها النساء عند استشهاد أو اعتقال أحد أفراد الأسرة، وتتحول في معظم الحالات إلى المعيلة الوحيدة للأسرة.
واقع معاناة المرأة الفلسطينية
تتمثل التحديات الرئيسية التي تواجه المرأة الفلسطينية في السياسات التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلية، فأكثر من عُشر المنازل في فلسطين تعيلها النساء اللاتي تعلمن تقديم الدعم النفسي والعاطفي لأطفالهن الذين يعانون من العنف والضغوط النفسية الناتجة عن الاعتقالات والترهيب المستمر، كما أن النساء اللواتي هدمت إسرائيل منازلهن منذ احتلال القدس في عام 1967 يتعرضن لضغوط إضافية، حيث يتطلب ذلك منهم القيام بالعديد من الأدوار، بما في ذلك رعاية أطفالهن والتأكد من سلامتهم وأمانهم، إلى جانب مواجهة الناشطات والمدافعات لظروف الاعتقالات العشوائية وتقوض حقهن في لم شملهن مع عائلاتهن. فمنذ عام 1967، تم احتجاز أكثر من 17000 امرأة في السجون الإسرائيلية، وحدث أكبر عدد من الاعتقالات في الانتفاضة الأولى (1987-1993)، والتي تم خلالها اعتقال 3000 امرأة، وفي الانتفاضة الثانية (2000-2005) حيث تم اعتقال حوالي 1000 امرأة، وفي عام 2019 اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي نحو 1600 فلسطيني بينهم 230 طفلًا و40 امرأة، والآن في عام 2021 هناك 35 امرأة فلسطينية في السجون الإسرائيلية، يتعرضن وغيرهن من الأسيرات الفلسطينيات بشكل دائم للتعذيب وسوء المعاملة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ لحظة اعتقالهن مما تسبب في تدهور أوضاعهن وحرمانهن من الزيارات العائلية أو حتى المكالمات الهاتفية، وتعرضن لمراقبة مكثفة تنتهك خصوصيتهن، وتحرمهن من التعليم، ويُحتجزن في ظروف غير صحية، ويتم منعهن من الوصول إلى المرافق الصحية. كما تتعرض الفتيات اللواتي يسافرن من منازلهن إلى الجامعة للمضايقات عند نقاط التفتيش التابعة للجيش الإسرائيلي، ونتيجة لذلك بدأ العديد من الآباء في إبقاء بناتهم في المنزل، وحتى تزويجهن في سن مبكرة. ومع تدهور الوضع الاقتصادي كانت فرص عمل المرأة أقل، كما ارتفعت حالات الإصابة بالأمراض العقلية، بالإضافة إلى أن عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي هو التحدي الأكبر بسبب التضييق على مجالات الحياة بشكل عام، والحدّ من الحركة والضرائب المفروضة والحياة المعيشية المرتفعة الثمن مقارنةً مع الدخل للأفراد.
المرأة الفلسطينية: نضال لا ينتهي
على الرغم من أن الفلسطينيين يميلون إلى أن يكونوا محافظين اجتماعيًا كعادة المجتمعات العربية في وضع المرأة، إلا أن المرأة الفلسطينية تاريخ ممتد من النضال، فمشاركة المرأة الفلسطينية في المقاومة في الوقت الحالي ما هو إلا امتداد للدور التاريخي الذي لعبته منذ الانتداب البريطاني على فلسطين. ففي عام 1925 كان للنساء أول تحرك مؤثر لهن وذلك من خلال مشاركتهن في الاحتجاج لإدانة زيارة وزير الخارجية البريطاني “آرثر بلفور” إلى القدس والتخطيط لزيارة المسجد الأقصى، ومنذ ذلك الحين شهد النشاط السياسي النسائي المنظم نقلة نوعية في أعقاب انتفاضة البراق عام 1929، حيث عُقد أول مؤتمر نسائي فلسطيني في القدس أُنشئ من خلاله اللجنة التنفيذية لجمعية السيدات العربيات، ثم أنشئ في العام نفسه الاتحاد النسائي العربي في القدس، وفي عام 1964 تم تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وفي عام 1965 تم تشكيل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية حيث ساهمت تلك المؤسسات في فتح قنوات المشاركة للمرأة الفلسطينية في الدور النضالي السياسي ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب ذلك تم استحداث وزارة شئون المرأة الفلسطينية التي تُعتبر أداة لتطوير السياسات المحلية المتعلقة بوضع المرأة.
وفي ذلك السياق، بعد قيام دولة إسرائيل في عام 1948، أُجبر غالبية الفلسطينيين على الفرار، وفي ذلك الوقت لعبت النساء دورًا رئيسيًا كحامية لعائلاتهن ومستودعات “للقصة الوطنية” من خلال نقل ذكرياتهن عن فلسطين إلى الأجيال اللاحقة حتى لا ينسى الفلسطينيون أينما كانوا في أي مكان في العالم ما حدث ليستمروا في الإصرار على حقهم في العودة إلى وطنهم.
وفي الستينيات، مع ظهور الحركات التحريرية لاستعادة الأراضي المفقودة ظهرت المناضلة “ليلى خالد” أول امرأة تقوم بخطف طائرة في تاريخ البشرية، والتي تعتبر أيقونة المرأة المناضلة، ففي أغسطس 1969 قامت بخطف طائرة شركة العال الإسرائيلية، وتحويل مسارها إلى سوريا، بهدف إطلاق سراح المعتقلين في فلسطين، ولفتت أنظار العالم أجمع إلى القضية الفلسطينية، وبعد فترة قامت بخطف طائرة TWA الأمريكية التي هبطت في لندن، وبعد ذلك بشكل تدريجي بدأت النساء في الانخراط في السياسة الرسمية من خلال عضوية الفصائل السياسية الفلسطينية الرئيسية، وتضافرت جهود النساء والرجال والأطفال لمقاومة احتلال أراضيهم بأساليب مبتكرة، من خلال إنشاء مرافق تعليمية بديلة للأطفال بعد إغلاق جميع المدارس، وخلق اقتصاد بديل يعتمد على الإنتاج المنزلي، وكذلك الانخراط في احتجاجات واسعة النطاق، كما كانت هناك محاولات للحوار بين النساء الفلسطينيات والإسرائيليات، فعلى سبيل المثال في يوليو 2006، عقد أعضاء اللجنة الدولية للمرأة من أجل سلام فلسطيني-إسرائيلي عادل ومستدام (IWC) اجتماعًا طارئًا في أثينا حثوا من خلاله المجتمع الدولي على ضرورة التدخل لحل القضية الفلسطينية.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة للأسيرات داخل السجون، إلا أنهن استمررن في المقاومة والقيادة، ففي أبريل 1970 شنت الأسيرات الفلسطينيات في سجن نفيه ترتسا أول إضراب جماعي عن الطعام لحركة الأسرى الفلسطينيين عندما رفضن الطعام لمدة تسعة أيام، وطالبن خلال ذلك الاحتجاج بالحصول على المستلزمات الصحية للسيدات، وكذلك وضع حد للضرب والحبس الانفرادي، وتوالت بعد ذلك الإضرابات العامة عن الطعام وأعمال الاحتجاج، في أعوام 1985 و2004 و2019، كما أنه على الرغم من حرمان الاحتلال الإسرائيلي لهنّ من التعليم الرسمي طورت الأسيرات الفلسطينيات تعليمًا موازيًا لجميع الأسيرات.
وغنيّ عن القول، لا يمكن إنكار الدور الذي تلعبه السيدات الفلسطينيات الآن في ضوء اعتداءات الشرطة الإسرائيلية الأخيرة على المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، حيث تواجدت النساء بشكل ملحوظ، وشاركن في المظاهرات، واستخدمن وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة معاناة المدنيين خلال تلك الأحداث.أخيرًا، من الأهمية أن تبدأ النساء في لعب دور مهم في الحد من آثار العنف، ليس فقط لأنفسهن ولعائلاتهن ومجتمعاتهن بشكل عام ولكن ذلك يحتاج إلى أن يتم إشراكهن بشكل أكبر في الجوانب الرسمية لعملية السلام حتى يتسنى لهن الدفاع عن حقوقهن، لذا يجب على المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته فيما يتعلق بمشاركة أكبر للنساء، وأيضًا بالمساءلة من خلال محاكمة المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، مع العمل على تعزيز حماية المرأة في جميع مناطق النزاع المسلح، واتخاذ الإجراءات لفضح الممارسات والجرائم الإسرائيلية التي تُرتكب بحقهن.