تُقدم الدولة المصرية تجربة فريدة في دعم اللاجئين بصفة عامة والأطفال منهم بصفة خاصة، فمصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تخلو تمامًا من مستعمرات أو مستوطنات أو خيام للاجئين، فهم منصهرون في المجتمع المصري، بل ويتمتع معظمهم بحقوق المواطن المصري كخدمات الصحة والتعليم، لذا فالتجربة المصرية لاحتواء ودعم اللاجئين أضحت شاهد عيان على تطبيق مبادئ حقوق الإنسان.
شكل (1) نسب الأطفال اللاجئين في مصر.
وتضم مصر نحو 97 ألف طفل لاجئ من 58 جنسية مختلفة وفق الإحصاء الصادر عن السفارة الهولندية في يونيو الماضي. وينقسم الأطفال اللاجئون إلى فئتين من حيث خطط الاستجابة والدعم: الأولى تضم الأطفال الذين انفصلوا عن ذويهم وليس لديهم من يرعاهم، ويبلغ عددهم نحو 4 آلاف طفل. والثانية للأطفال الذين بصحبة أسرهم وذويهم.
المصدر: التقرير الإحصائي الشهري للمفوضية السامية لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة مارس 2019
التشريح الديموغرافي
قبل الخوض في تحليل التشريح الديموغرافي للأطفال اللاجئين في مصر، يجب التمييز بين بعض المصلطات المتعارف عليها دوليًا، والتي حددتها اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2005، حيث عرفت الطفل اللاجئ بأنه كل إنسان لم يتجاوز سن الثامنة عشرة، ولم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب قانون الدولة المستضيفة. فقانون الدولة المستضيفة يحدد سن الرشد، ويتبين بموجبه حقوق الطفل اللاجئ. أما مصطلح الأطفال غير المصحوبين فيتضمن القُصَّر غير المصحوبين، ويضم الأطفال المنفصلين عن كلا الأبوين وعن أقربائهم الآخرين، ولا يقوم على رعايتهم راشد مسئول بحكم القانون أو العرف. وعن مصطلح الأطفال المنفصلين عن ذويهم فهو يُقصد به الأطفال المنفصلون عـن كـلا الأبوين، ولا يوجد أي شخص مسئول عن رعايتهم الأولية، سواء بموجب القانون أو العـرف، ولكـنهم غير منفصلين عن أقربائهم الآخرين. ولذلك يمكن أن تشمل هذه الفئة الأطفال الذين يرافقهم أحد أفراد أسرتهم الراشدين.
يتباين التشريح الديموغرافي للأطفال اللاجئين في مصر، سواء من حيث السن أو الجنس بتباين الجنسيات المختلفة، فقد سجلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في مصر، حتى ديسمبر 2019، نحو 83،612 طفلًا سوريًا يمثلون الشريحة الأكبر من إجمالي اللاجئين بواقع 35% من إجمالي اللاجئين السوريين. وتأتي في المرتبة الثانية الجنسيات الإفريقية المختلفة بإجمالي 26.554 طفلًا في سن المدرسة، بالإضافة إلى 3474 طفلًا من المنفصلين عن ذويهم، ومنهم نحو 2501 طفل غير مصحوب، وتكاد تتساوى النسب بين الجنسين من الأطفال الأفارقة اللاجئين، لكنهم يعانون من ارتفاع نسب ذوي الإعاقات المختلفة، حيث تبلغ نسبتهم نحو 19% وفق الإحصاء الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في مصر عام 2018.
أما بالنسبة للعراقيين فيبلغ عددهم نحو 1636 طفلًا تتراوح أعمارهم بين ست سنوات وحتى سبع عشرة سنة، منهم أربعة أطفال فقط منفصلون عن ذويهم وواحد فقط من غير المصحوبين، ولا تتخطى نسبة ذوي الإعاقة منهم الواحد في المائة وفق ذات الإحصاء السابق. وعن الأطفال اليمنيين، فهم الفئة الأسرع نموًا بين اللاجئين في مصر، وذلك بفضل الأحداث المواتية في اليمن، فقد بلغ عددهم عام 2018 نحو 2178 طفلًا في سن المدرسة، وتتفوق نسب الذكور على إجمالي نسب الإناث بفارق ضئيل لا يتخطى 1%، ونحو 1% من ذوي الإعاقات المختلفة من إجمالي عدد الأطفال. ويبلغ عدد الأطفال اليمنيين المنفصلين عن ذويهم في مصر نحو 48 طفلًا، منهم 17 طفلًا غير مصحوب.
شكل (2) نسب الأطفال اللاجئين غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم في مصر
المصدر: التقرير الإحصائي الشهري للمفوضية السامية لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة مارس 2019
التوجه الاستراتيجي المصري
تتبنى مصر توجهًا استراتيجيًا يعتمد على خطط رعاية شاملة للأطفال اللاجئين بمختلف فئاتهم وجنسياتهم، وتتضمن هذه الخطط توفير الدعم الكامل، وخاصة في مجالي الصحة والتعليم. فعلى الصعيد الصحي، أطلقت مصر المبادرة الرئاسية “ضيوف مصر” لكشف وعلاج فيروس الكبد الوبائي خلال حملة “100 مليون صحة”، وتم فحص نحو 35 ألف طفل لاجئ تراوحت أعمارهم ما بين 12 إلى 18 عامًا، من جنسيات مختلفة، والنسبة الأكبر منهم من سوريا والسودان وفلسطين، وفق إحصاءات وزارة الصحة المصرية. وتم تحويل الحالات المصابة منهم إلى الوحدات الصحية المختصة لتلقي العلاج اللازم بالمجان. وفيما يخص حملات التطعيم تم تطعيم نحو 16 ألف طفل لاجئ بالمجان في مارس الماضي ضد مرض شلل الأطفال، تراوحت أعمارهم بين يوم إلى 5 سنوات بجميع محافظات مصر أسوةً بنظرائهم المصريين دون تمييز.
وعلى صعيد التعليم، يحظى الأطفال اللاجئون من سوريا والسودان وجنوب السودان واليمن بامتياز الالتحاق بالتعليم في المدارس الحكومية المصرية، حيث أصدرت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني قرارات لمعاملة الطالب اللاجئ من هذه الدول معاملة الطالب المصري بكافة المدارس المصرية الحكومية، وبلغ عدد الطلاب اللاجئين بالمدارس المصرية نحو 37 ألف طالب وطالبة خلال العام الدراسي 2019 طبقًا للإحصاء الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في مصر عام 2019. وعلى الرغم من نجاعة قرار دمج الأطفال اللاجئين بالمدارس المصرية على المستوى الإنساني؛ إلا أن ثمة آثارًا سلبية نتجت عنه تمثلت في ارتفاع كثافة الفصول بالمدارس، وزيادة الضغط والأحمال على البنية التحتية بشكل عام، علاوة على أن اللغة حالت دون تحقيق أهداف دمج الطفل اللاجئ بالتعليم المصري.
تسعى الدولة المصرية إلى تلبية احتياجات جميع اللاجئين على قدم المساواة من خلال إقامة شراكات متعددة مع كافة المؤسسات الدولية المعنية، ومنها: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وهيئة إنقاذ الطفولة، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، وهيئة كير الدولية، وبرنامج الغذاء العالمي، وغيرها. هذا بالإضافة إلى تسخير الجهود المحلية من خلال تفعيل السياسات والمؤسسات الوطنية المعنية بالأطفال في مصر وفي مقدمتها المجلس القومي للطفولة والأمومة. لكن يظل التمويل العائق الأكبر في تنفيذ خطط الاستجابة لدعم الأطفال اللاجئين، خاصة مع تزامن جائحة كورونا، لذا لا بد من زيادة الموازنة الدولية المخصصة لرعاية اللاجئين من الجهات المانحة، وإحاطة الأمم المتحدة بمناقشة خطط عاجلة لدعم توطين اللاجئين وتيسير عودتهم إلى أوطانهم، وكذلك مناقشة سبل إدارة الهجرة غير الشرعية فهي مدخل لتصدير اللاجئين إلى مصر.