برعاية وحضور رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيسي؛ استضافت مصر على مدار يومين (٢٩-٣٠ يونيو الماضي) المؤتمر الأول للاستثمار المصري الأوروبي والذي شهد حضور ما يجاوز ١٠٠٠ مشارك من الوزراء المصريين وقادة الاتحاد الأوروبي برئاسة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين، بالإضافة إلى ممثلي القطاع الخاص والمستثمرين من الجانبين المصري والأوروبي.
صفقة رابحة
جاء المؤتمر كصفقة رابحة للجانبين المصري والأوروبي على السواء في نسخته الأولى. فمن ناحية شكل الحدث منصة ثرية لمجتمع الأعمال الأوروبي لاستكشاف الفرص الاستثمارية التي في قطاعات عديدة بالسوق المصرية، التي تعد بوابة العبور للعديد من الأسواق حول العالم مع تطبيق الموجة الثانية من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية المدعومة من صندوق النقد الدولي، والتي تتضمن دورًا أكبر للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي المصري ليصبح قائدًا لنمو البلاد وخلق الوظائف فيها.
ومن ناحية أخرى تسعى مصر حاليًا لاستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر كوسيلة مهمة لتحقيق النمو الاقتصادي المنشود فضلًا عن ضمان استدامة الموارد الدولارية التي أدى شحتها على مدار أكثر من عامين إلى أزمة شديدة عانت منها كافة القطاعات الاقتصادية. فيما يتكامل تنظيم هذا المؤتمر مع جهود الحكومة الحالية والسابقة لعقد صفقات استثمار مباشر واعدة كتلك التي تم توقيعها مع الجانب الإماراتي فبراير الماضي لتطوير منطقة رأس الحكمة.
وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، فقد تم توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم وخطابات نوايا بقيمة إجمالية تتعدى ٦٧ مليار دولار مع الكيانات التابعة للاتحاد الأوروبي وغير التابعة ومع عدد كبير من الشركات الأوروبية. كما تم خلال المؤتمر التوقيع على اتفاقية صرف الشريحة الأولى (مليار يورو) من حزمة التمويل التي أقرها الاتحاد لمصر بقيمة ٧.٤ مليارات يورو (٨ مليارات دولار) لدعم الاقتصاد المصري في ظل الاضطرابات الجيوسياسية العالمية والإقليمية.
حزمة التمويل الأوربية تعادل في قيمتها الحزمة المقررة من صندوق النقد الدولي بعد زيادة قيمة القرض الممنوح لمصر بموجب اتفاق التسهيل الائتماني الممتد في مارس الماضي من ٣ مليارات دولار إلى ٨ مليارات دولار.
كاستجابة لتداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة على الاقتصاد المصري؛ أعلن الجانبان المصري والأوروبي رفع مستوى العلاقات بين الجانبين لمستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة وذلك خلال القمة المصرية الأوروبية التي عقدت مارس الماضي بالقاهرة.
وقع الوثائق الخاصة بالشراكة كلٌّ من الرئيس المصري السيد عبد الفتاح السيسي ورئيسة الاتحاد الأوروبي السيدة أورسولا فون دير لاين بحضور وفد أوروبي رفيع المستوى.
وعملًا بالاستراتيجية؛ فقد أقر الاتحاد الأوروبي حزمة تمويلية استثمارية لمصر بقيمة ٧.٤ مليارات يورو (حوالي ٨ مليارات دولار) حتى عام ٢٠٢٧ مع العمل من الجانبين على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والفرص المتكافئة. قيمة هذه الحزمة مكافئة للحزمة المعلن عنها لمصر من قبل صندوق النقد الدولي تحت برنامج التسهيل الائتماني الممتد الذي من المنتظر أن يشهد اكتمال مراجعته الثالثة خلال أيام.
يتضمن التمويل الآتي:
٥ مليارات يورو حزمة مساعدة مالية كلية في صورة قروض ميسرة بفائدة منخفضة وفترة سماح لا تقل عن ٢٠ عامًا. وقد شهد مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي إقرار مليار يورو من إجمالي هذا التمويل.
١.٨ مليار يورو استثمارات إضافية وفقًا لخطة الاتحاد الاقتصادية والاستثمارية لدول الجوار الجنوبي” Southern
Neighborhood Economic and Investment Plan”.
٦٠٠ مليون يورو في صورة منح لا ترد؛ تتضمن ٢٠٠ مليون دولار لإدارة ملف الهجرة.
ترتكز الشراكة الاستراتيجية المعلنة على ٦ محاور رئيسية:
** العلاقات السياسية
** الاستقرار الاقتصادي
** التجارة والاستثمار
** الهجرة غير الشرعية
** تحقيق الأمن
**تنمية المهارات والتدريب
كما تتضمن الحزمة تشجيع الشركات الأوروبية الكبرى على الاستثمار في مصر، خاصة في مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة والزراعة وتوطين صناعات الأدوية والسيارات والرقمنة والذكاء الاصطناعي.
ما الذي يعنيه المؤتمر بالنسبة للاقتصاد المصري؟
خلال اليوم الختامي للمؤتمر، أعلن رئيس الوزراء المصري عن تطلع مصر للنسخة المقبلة من المؤتمر عام ٢٠٢٥ وهو ما يعكس الأهمية التي أكدها المؤتمر في دوره كمنصة للترويج للفرص الاستثمارية المصرية؛ خاصة في مجالات ذات الأولوية بالنسبة للاقتصاد وعلى رأسها الطاقة الجديدة والمتجددة ومنها إنتاج الهيدروجين الأخضر، قطاع النقل، قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ فضلًا عن المشروعات الخاصة بالعمل المناخي وجميعها مشروعات تحتاج لتضافر القطاع الخاص مع الحكومة لتمويلها والانتهاء منها في أسرع وقت ممكن، والتي تشكل علاجا للعديد من الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد؛ كانقطاع الكهرباء وقلة المعروض من السيولة الدولارية في السوق والمشكلات المتعلقة بمنظومة النقل والبنية التحتية التكنولوجية.
إلى جانب ذلك، فإن السوق المصري كما صرح بذلك رئيس الجمهورية خلال المؤتمر تتيح العمالة والكفاءات الماهرة المطلوبة لهذه المشروعات في ظل تعداد سكاني كبير؛ مما ينعكس على معدلات التشغيل بشكل كبير.
كذلك فإن جذب المزيد من الاستثمارات الأوروبية للسوق المصرية وتشجيع القائم منها على التوسع داخل السوق المحلي يدعم بلا شك توجه الدولة لزيادة حصة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري. كما يساعد على جلب المزيد من الخبرات التي يمكن أن تسهم أيضًا في تطوير أداء القطاع الخاص في مصر، ويسهم في تطوير سياسات الإدارة والبنية التحتية للقطاعات بشكل عام والمشروعات بشكل خاص.
ليس ذلك وفقط؛ فإن هذا التوجه سوف يسهم في حصة أكبر للمنتجات المصرية في السوق الأوروبية التي تعد الشريك التجاري الأكبر لمصر خلال السنوات الماضية.
وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة المصرية؛ فإن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول لمصر بحجم تجارة بلغ نحو ٢٧% من تجارة مصر الخارجية؛ إذ بلغ حجم التجارة البينية خلال عام 2023 نحو 32.6 مليار يورو.
بلغ حجم الصادرات المصرية لدول الاتحاد الأوروبي نحو ١١.٥ مليار يورو من بينها نحو ٨.٦ مليارات يورو صادرات غير بترولية، في حين بلغت الواردات نحو ٢١.١ مليار يورو.. جاءت إيطاليا على رأس الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية بنسبة ٢٢.٨% من إجمالي الصادرات المصرية إلى الاتحاد الأوروبي، تلتها إسبانيا بنسبة (١٢.٩%)، ثم اليونان بنسبة (١٢.٣%)، وألمانيا بنسبة (٩.٧%)، وهولندا بنسبة (٩.٦%)، فرنسا بنسبة (٨.٣ %)، ورومانيا بنسبة (٤.٢%)، وبلجيكا بنسبة (٣.٨%)، حيث استحوذت هذه المجموعة من الدول وحدها على ما يقرب من ٨٤% من جملة الصادرات المصرية إلى الاتحاد الأوروبي.
من المنتظر أن تسهم الاستثمارات الأوروبية المرتقبة في تحسين الأداء والبنية التحتية للمشروعات التي ستسهم بلا شك في النظر في تغيير نمط التعامل مع الاقتصاد المصري، من قبل المؤسسات الدولية من دولة مقترضة إلى دولة استثمار في المقام الأول، من خلال مشروعات مربحة للطرفين. كما ستجذب هذه الاستثمارات نظر المستثمر الأوروبي للفرص التي تتيحها الحكومة وفقًا لوثيقة سياسة ملكية الدولة لأكثر من شكل للاستثمار فيها. وهي الفرص التي تسعى مصر لاستغلال ٥٠٪ من حصيلتها للتحكم في المعدل المرتفع للدين الذي قدره صندوق النقد بـ٩٨٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي المنتهي ٢٠٢٢/٢٠٢٣.
كما صرحت وزيرة التعاون الدولي، الدكتورة رانيا المشاط، أن التمويل الخاص بالاستثمارات المتاح من الاتحاد الأوربي بقيمة ١.٨ مليار يورو سوف تولد ١١ مليار يورو استثمار أجنبي مباشر لمصر طوال فترة إتاحة التمويل حتى ٢٠٢٧.
مصر سوق واعدة ومركز إقليمي لإنتاج الهيدروجين الأخضر
٣٣ مليار دولار هي القيمة الاجمالية لأربع اتفاقيات وقعتها مصر مع الشركاء الأوروبيين خلال المؤتمر لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته؛ ومنها الأمونيا الخضراء وهي تعادل حوالي نصف قيمة الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال المؤتمر ككل. يأتي ذلك متماشيا مع استراتيجية مصر للهيدروجين الأخضر التي تهدف إلى تقليل البصمة الكربونية لمصر.
تمتلك مصر رؤية تهدف إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في المنطقة من خلال زيادة استثمارات القطاع الخاص في الطاقة المتجددة.
صرحت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، الدكتورة هالة السعيد، بداية الشهر الجاري حصة الاستثمارات الخضراء إلى إجمالي الاستثمارات العامة تدريجيًا قد ارتفعت من ١٥٪ في السنة المالية ٢٠٢٠/٢٠٢١ إلى ٤٠٪ في السنة المالية ٢٠٢٢/٢٠٢٣ وأنه من المستهدف الوصول إلى نسبة ٥٠٪ خلال العام المالي الحالي ٢٠٢٤/٢٠٢٥، وزيادة توليد الكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة إلى ٤٢٪ بحلول عام ٢٠٣٥، وكذلك توليد ١.٥ مليون طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر والمنتجات المرتبطة به بحلول عام ٢٠٣٠.