تُواجه مقاطعة كابو ديلجادو في شمال موزمبيق، تصاعدًا حادًا في الهجمات الإرهابية وأعمال العنف ضد المدنيين، وتداعياتها على مشاريع التنقيب عن الغاز الرئيسية، وعدوى الانتقال إلى البلدان المجاورة، حيث شكّل استيلاء الجهاديين على ميناء بالما الساحلي في الرابع والعشرين من مارس 2021 نقطة تحوّل غير مسبوقة في الصراع بين حكومة مابوتو وحركة أهل السنة والجماعة الإرهابية المبايعة لتنظيم “داعش”، مما ضغط على الرئيس الموزمبيقي “فيليبي نيوسي” لطلب الدعم الإقليمي والدولي بهدف احتواء نشاط الحركة الإرهابية.
أبعاد مُتعددة للأزمة
اتخذّت الأزمة في موزمبيق أبعادًا غير مسبوقة في ظل تنامي نشاط حركة أهل السنة والجماعة واستهدافها مواقع حيوية في موزمبيق وتداعياتها على الاستثمارات الأجنبية وتفاقم الأزمة الإنسانية، بما في ذلك تزايد أعداد النازحين واللاجئين وحالات انعدام الأمن الغذائي، فضلًا عن التكلفة الكبيرة لاستعادة الأمن التي تلقي عبئًا على الاقتصاد الموزمبيقي الهشّ، ويمكن توضيح هذه الأبعاد كما يلي:
تصاعد نشاط الإرهاب: نفذّت حركة أهل السنة والجماعة عملياتها العسكرية بشكل مُتزايد من خلال استهداف مواقع استراتيجية من الناحيتين العسكرية والاقتصادية. كما قام المسلحون بتحسين تكتيكاتهم وأسلحتهم، واستغلال الحدود التنزانية الهشّة، فضلًا عن قيام الحركة الإرهابية بأنشطة غير مشروعة بحثًا عن التمويل، بما في ذلك الابتزاز والاختطاف مقابل فدية. إضافة إلى ذلك، فرض صعود النشاط الإرهابي في موزمبيق مخاطر تمدد الصراع إلى المقاطعات المجاورة الغنية بالموارد الطبيعية واستغلال المقاتلين لهذه الموارد، والتداعيات السلبية على الأمن البحري في قناة موزمبيق (بين سواحل موزمبيق ومدغشقر) التي يمر بها سنويًا حوالي 5000 ناقلة نفط، بالإضافة إلى السفن التجارية الأخرى.
تكلفة الاعتماد المفرط على الشركات العسكرية الخاصة: فَضلت مابوتو استخدام الشركات العسكرية والأمنية الخاصة للمُساعدة في مُكافحة الإرهاب، بالرغم من التكلفة الباهظة لهذه الشركات، واعتمادها نهج السرية العامة في عملياتها، وعدم مُشاركتها للمعلومات مع القوات الوطنية، وافتقارها المعرفة بالتضاريس المحلية لموزمبيق، مثل مجموعة “فاجنر” الروسية، والمجموعة الجنوب إفريقية “ديك”، حيث تلقت موزمبيق عروضًا من شركات من دول أخرى، ولكنها فضلت عروض الشركات الروسية في ظل مؤشرات على مواقف روسية مرنة في ملف إسقاط ديون موزمبيق المستحقة لمدى موسكو.
تفاقم الأزمة الإنسانية: تُشير التقديرات إلى نزوح أكثر من 570.000 شخصًا بسبب العنف في شمال موزمبيق بما في ذلك عمليات الاختطاف والهجمات الوحشية، ويعاني غالبية السكان من ظروف قاسية في المعسكرات المؤقتة، التي غالبًا ما تنقطع عنها المساعدات الحيوية من قِبل المجموعات المسلحة. وقد تدهورت الأزمة الإنسانية في شمال موزمبيق بشكل مُتسارع خلال العام الماضي، ويرجع ذلك إلى تصاعد الصراع بين الحركة الإرهابية وقوات الأمن الموزمبيقية. ومنذ يونيو 2021، ما يُقدر بنحو 1.3 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وأكثر من 700000 نزحوا داخليًا، وواجه أكثر من 900000 شخص حالات طارئة من انعدام الأمن الغذائي. وعلاوةً على ذلك، تفاقمت مشكلات البنى التحتية والخدمات الأساسية، حيث يفتقر 45 % من السكان للمرافق الأساسية. ومنذ يوليو 2021، لا تزال خطة الاستجابة الإنسانية في موزمبيق تُعاني من نقصٍ حادٍ في التمويل، حيث تم تلقي 38.5 مليون دولار تشكل (15.2 %) فقط من المبلغ المطلوب البالغ 254.1 مليون دولار.
الاستجابات الإقليمية
كان الرئيس الموزمبيقي “فيليبي نيوسي” مترددًا في طلب المساعدة الإقليمية والدولية لاعتبارات السيادة الوطنية، وبدلًا من ذلك، استخدم شركات الأمن الخاصة منذ سبتمبر 2019، للمساعدة في جهود مُكافحة الإرهاب، لكن مع تفاقم الإرهاب في شمال البلاد، بات الرئيس نيوسي أكثر مرونة في الانفتاح على الدعم الإقليمي، وفي سياق تعزيز الحضور والفاعّلية في موزمبيق، جاءت التدخلات والاستجابات الإقليمية سواء على المستوى الثنائي أو المستوى التنظيمي، على النحو التالي:
- الدعم على المستوى الثنائي:
في التاسع من يوليو 2021، أرسلت رواندا ألف جندي وشرطي للقيام بعمليات قتالية وأمنية في موزمبيق، ولكن أثار وصول الجنود الروانديين انتقادات شديدة من أحزاب المعارضة والمنظمات الحقوقية الموزمبيقية، حيث قال “أوسوفو موماد”، زعيم حزب المقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو) أكبر أحزاب المعارضة في موزمبيق، إنه من غير القانوني إرسال قوات رواندية إلى موزمبيق دون استشارة البرلمان الموزمبيقي، في ظل اتباع الجيش الرواندي نفس نمط السرية المُستخدم في الشركات الأمنية الخاصة، ولم يتم إبلاغ دافعي الضرائب الموزمبيقيين بأهداف البعثة أو مدتها أو تكاليفها. في حين لم تؤكد مابوتو نشر القوات الرواندية حتى إعلان “نيوسي” وصول القوات بمدينة مويدا شمال شرق موزمبيق، كما ساعدت القوات الرواندية بسرعة القوات المسلحة في موزمبيق على تحقيق انتصارات ضد المتمردين من خلال استعادة السيطرة على بلدة “موسمبوا دا برايا” الساحلية بمقاطعة كابو ديلجادو.
وتُعد أنجولا أحدث دولة ترسل جنودًا إلى موزمبيق، حيث وافق البرلمان الأنجولي في السابع والعشرين من يوليو 2021 على هذه الخطوة بعد أن طلب الرئيس الأنجولي “جواو لورينكو” إرسال قوات إلى الخارج من خلال نشر 20 ضابطًا وطائرة نقل عسكرية، كجزء من بعثة سادك لمدة ثلاثة أشهر، بتكلفة حوالي 575 ألف دولار أمريكي. وتتمتع أنجولا بخبرة كبيرة من الناحية التكتيكية للقتال في المناطق الوعرة مثل شمال موزمبيق.
- التدخل على المستوى الجماعي:
في إطار التعاون السياسي والأمني والدفاعي لمجموعة التنمية للجنوب الإفريقي (سادك)، وكرد إقليمي على الأنشطة الإرهابية في موزمبيق، في الثامن من أبريل 2021، التقى قادة “سادك” (بوتسوانا، وملاوي، وجنوب إفريقيا، وزيمبابوي) مع رئيس موزمبيق “نيوسي” للنظر في الخطوات التالية فيما يتعلق بالأزمة في مقاطعة كابو ديلجادو، حيث أقرّت جماعة سادك ميزانية قدرها 12 مليون دولار لنشر بعثة القوة الاحتياطية في موزمبيق، وإرسال حوالي 3000 جندي ومروحيات وطائرات وسفن بحرية، وكان من المفترض أن تبدأ القوات الإقليمية في الانتشار في الخامس عشر من يوليو 2021، ولكن تأخر رد الحكومة الموزمبيقية بشأن السماح لهذه لقوات بالانتشار في جميع أنحاء البلاد، وجاءت الموافقة على بعثة سادك في الثالث والعشرين من يونيو 2021 مع بدء نشر القوات في موزمبيق اعتبارًا من يوليو 2021.
وعليه، أرسلت بوتسوانا 300 جندي إلى موزمبيق، حيث أكد رئيس بوتسوانا “موكجويتسي ماسيسي”، أن القوات البوتسوانية ستعمل مع القوات المسلحة الموزمبيقية والجنود الآخرين من الدول الأعضاء في سادك، وستعمل فرقة قوة دفاع بوتسوانا بشكل وثيق مع قوات الدفاع المُسلحة الموزمبيقية (FADM) وقوات أخرى من سادك. وفي الثالث والعشرين من يوليو 2021 نَشرت دولة جنوب إفريقيا 1500 جنديًا في موزمبيق لمدة ثلاثة أشهر، بتكلفة تُقارب 68 مليون دولار أمريكي، كما وصلت سفن وطائرات وقوافل مدرعة من جنوب إفريقيا إلى مدينة بيمبا بشمال موزمبيق. كما أعلنت زيمبابوي أنها ستُرسل 304 جنود كمدربين ومستشارين بمجرد التوقيع على الوثائق والاتفاقيات اللازمة، للمساعدة في تدريب القوات المسلحة الموزمبيقية لتعزيز قدرتها على مُكافحة الإرهاب.
الدعم العسكري الدولي
يأتي الدعم الدولي لموزمبيق في شكل برامج تدريبية عاجلة لرفع قدرات القوات المسلحة في موزمبيق وبناء القدرات البحرية للتصدي للهجمات الإرهابية، والتدريب على حماية المدنيين في سياق العمليات الأمنية لمُكافحة الإرهاب، حيث أعلن البنتاجون في الخامس عشر من مارس 2021 إرسال فريق مكون من 12 ضابطًا من القوات الأمريكية الخاصة للقبعات الخضراء لتدريب ودعم مشاة البحرية الموزمبيقية في مُكافحة التطرف العنيف لمدة شهرين، على خلفية تصنيف الولايات المتحدة في العاشر من مارس 2021 لفرع داعش في موزمبيق كمنظمة إرهابية، حيث قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية المعدات الطبية والاتصالات، والمُشاركة في برنامج التدريب المُشترك المُتبادل في موزمبيق.
فيما أرسلت البرتغال 60 فردًا من القوات الخاصة في النصف الأول من أبريل 2021 إلى موزمبيق لتدرب القوات المحلية بموجب اتفاق ثنائي يستند إلى الاتفاقات السابقة بين لشبونة ومابوتو، ويحتمل إضافة عناصر جديدة، ويشمل ذلك مشروع تدريب كبير للقوات الخاصة الموزمبيقية، بزيادة بمقدار أربعة أضعاف في عدد القوات المنخرطة، ويستمر الاتفاق حتى عام 2026، لتدريب جنود موزمبيق على مُواجهة المتمردين وتَبادل المعلومات الاستخباراتية واستخدام الطائرات بدون طيار لتعقب تحركاتهم. بالإضافة إلى تدريب وتعليم القوات الخاصة ومشاة البحرية، ويشمل ذلك مجالات أخرى للتعاون العسكري في مجال التدريب، وتحديدًا الصواريخ أرض-جو والاستخبارات، حيث تساهم البرتغال في تدريب وبناء قدرات القوات المُسلحة الموزمبيقية لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر على مدى ثلاث سنوات.
في الثالث من يونيو 2021، رحب “نيوسي” بنشر بعثة التدريب العسكري التابعة للاتحاد الأوروبي في موزمبيق، وتستمر مهمة البعثة لمدة عامين في البداية، وهدفها الاستراتيجي دعم بناء القدرات لوحدات القوات المُسلحة الموزمبيقية من خلال توفير التدريب العسكري بما في ذلك إعداد التدريب والعمليات المُتخصصة في مُكافحة الإرهاب، والتدريب على حماية المدنيين والامتثال للقانون الدولي الإنساني. إضافة إلى ذلك، في الثاني عشر من يوليو 2021، اتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على إرسال من 200 – 300 ضابط إلى موزمبيق بحلول عام 2022 لتدريب قواتها على مُحاربة الجماعة الإرهابية.
وأخيرًا، يبدو الدعم الخارجي الإقليمي والدولي لموزمبيق في حربها على الإرهاب أمرًا ضروريًا، ولا يمكن الاستغناء عنه، لكن في الوقت ذاته يُثير الانتشار الواسع للقوات الإقليمية والدولية في موزمبيق مشكلات في القيادة والسيطرة والمخاوف المُتعلقة بنشر قوات كبيرة ذات معرفة محدودة بالبيئة واللغات والثقافة المحلية، وهو ما يفرض وجود آليات واضحة لضمان التعاون الفعّال بين جميع القوى العاملة في موزمبيق في إطار عملية شاملة، من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الفاعلية لعمليات مكافحة الإرهاب