تسعى وزارة التربية والتعليم المصرية لإصلاح نظام التقييم في جميع المراحل الدراسية منذ سنوات، وقد ترجمت الوزارة هذا الهدف إلى خطوات واقعية من خلال وضع نظام تقييم جديد كليًا لتلاميذ نظام التعليم الجديد 2.0 الذين أنهوا الصف الرابع الابتدائي بنهاية العام الدراسي 2021/2022، وإصلاح امتحانات الثانوية العامة لتركز على مهارات التفكير العليا بدلًا من الحفظ من أجل رفع مستويات ثقة المواطنين في النظام التعليمي؛ إلا أن هذه الجهود ما زالت تصطدم بمحاولات الغش ونشر أسئلة الامتحانات وإجاباتها على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي من شأنه أن يحد من فاعلية جهود الإصلاح ويضعف ثقة المجتمع في نزاهة نظام التقييم وعدالته. وقد أعاد مشهد تسريب امتحانات إتمام المرحلة الإعدادية للعام الدراسي 2021/2022 في بعض المحافظات إلى الأذهان من جديد الخبرة السيئة التي مرت بها وزارة التربية والتعليم في إدارة امتحانات الثانوية العامة للعام الدراسي 2015/2016، حين تم تسريب الامتحانات عن طريق أحد العاملين في المطبعة السرية لامتحانات الثانوية العامة وقتها، وصدر بحقه حكم قضائي بالحبس المؤبد تم تخفيفه في نوفمبر 2020 إلى حبس مشدد لمدة 15 سنة.
انتشرت منذ ذلك الوقت صفحات الغش الإلكتروني على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة، وخلطت وسائل الإعلام بين مفهومي تسريب الامتحانات والغش الإلكتروني، بما وضع وزارة التربية والتعليم في دائرة اتهام دائم بعدم القدرة على إدارة الامتحانات أو تحقيق أهداف تعليمية تتماشى مع متطلبات العصر؛ لتبدأ في العام التالي محاولات السيطرة على الغش وتسريب الامتحانات بتطبيق نظام “البوكليت” الذي اعتمد على أربعة نماذج امتحانية تختلف فقط في ترتيب الأسئلة، ثم تطبيق نظام التقييم الجديد للثانوية العامة على طلاب الصف الثالث الثانوي في امتحانات 2020/2021. لكن تغيير نظام الامتحانات في المرحلة الثانوية لم يكن كافيًا للقضاء نهائيًا على ظاهرة الغش الإلكتروني، كما امتدت الظاهرة إلى امتحانات المرحلة الإعدادية بشكل أكثر فجاجة خلال امتحانات نهاية العام الدراسي 2021/2022.
اختلاف المعنى لا يغير الواقع
تتمثل المشكلة الرئيسية التي نواجهها في تداول الامتحانات بين أشخاص غير معنيين بها، ومحاولة طرح حلول مبتكرة تمنع تكرار ذلك مستقبلًا. تشمل الظاهرة التي نتحدث عنها تسريب الامتحانات، والمقصود به وصول الطلاب أو غيرهم من أصحاب المصلحة إلى أسئلة الامتحان أو جزء منها قبل التوقيت المقرر لبدء الامتحان، كما تشمل أيضًا الغش الإلكتروني، والمقصود به تصوير أسئلة الامتحان وتداولها على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي وتلقي الإجابات باستخدام الهواتف المحمولة أو سماعات الأذن الدقيقة. في كلتا الحالتين فإن الواقع يشير إلى وجود خلل في منظومة إدارة الامتحانات يستوجب تسريع وتيرة إصلاح نظام التقييم الذي يمثل عنصرًا أساسيًا في برنامج إصلاح التعليم؛ وقد اتضح هذا في امتحانات الشهادة الإعدادية في مختلف المحافظات، وامتحانات الدبلومات الفنية والصفين الأول والثاني الثانوي، وصولًا إلى امتحانات الثانوية العامة.
فيما يتعلق بامتحانات الشهادة الإعدادية، فقد تم تداول بعضها قبل وأثناء وقت الامتحان في عدد من المحافظات على تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أدى إلى إلغاء امتحان اللغة الإنجليزية في محافظة مطروح وإعادة امتحان الطلاب مرة أخرى بعد 48 ساعة فقط، وتحويل أحد العاملين بمديرية التربية والتعليم بالبحيرة للنيابة بسبب تصوير امتحانات الشهادة الإعدادية ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وإحالة رئيس لجنة في قنا للتحقيق. ولم يكن رد فعل وزارة التربية والتعليم مكافئًا للفعل، حيث صرح الدكتور طارق شوقي بأن امتحانات الشهادة الإعدادية هي امتحانات لا مركزية وتتحمل مسئولية وضعها وتنفيذها وتصحيحها المديريات التعليمية والمحافظون؛ ولم تتخذ المديريات الإجراءات اللازمة لضمان تكافؤ الفرص بين جميع الطلاب، ولكنها في المقابل حصلت على اعتماد المحافظين للنتائج وأعلنتها كما لو أن الامتحانات قد أُجريت في ظروف طبيعية.
علاوةً على ما حدث في امتحانات الإعدادية، فقد أجريت امتحانات الصفين الأول والثاني الثانوي إلكترونيًا بنسبة 70% وورقيًا بنسبة 30%؛ وتمكن مئات الطلاب من استخدام هواتفهم المحمولة لتصوير الأسئلة المعروضة على شاشة التابلت وتداولها على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، كما تم تداول بعض أسئلة الامتحان الورقي بنفس الطريقة. وعلى الرغم من وجود صور موثقة لحالات الغش داخل اللجان عرضها السيد الوزير على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه لم يتم الإعلان عن تطبيق قانون مكافحة الغش على المتورطين، وحمّلت الوزارة الإدارات التعليمية مسئولية تنفيذ هذه الامتحانات باعتبارها امتحانات نقل وليست على مستوى قومي. وقد يرجع التهاون في التعامل مع مثل تلك الحالات إلى عدم استقرار نظام التقييم الجديد في المرحلة الثانوية، حيث يواجه مشكلات تقنية وإدارية قد تتغلب عليها الوزارة باستكمال برنامج إصلاح التعليم في مارس 2025.
أما فيما يتعلق بامتحانات الثانوية العامة، فقد شهدت الامتحانات 226 حالة غش بين طلاب الشعبتين العلمية والأدبية في العام الماضي 2020/2021، وانخفض عدد الطلاب الذين تم تحرير محاضر غش ضدهم بنهاية امتحانات العام الدراسي 2021/2022 وفقًا لوزير التربية والتعليم إلى 85 طالبًا، لكن هذا الانخفاض لم يؤثر على الانطباع العام حول الامتحانات، حيث تم تداول أسئلة الامتحانات وأجوبتها على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي بعد بدء الامتحان بحوالي 20 دقيقة فقط على الرغم من زيادة مستويات تأمين طباعة ونقل الامتحانات واستخدام أجهزة إلكترونية لتفتيش الطلاب قبل دخول اللجان، ما يعني أن إدارة امتحانات الثانوية العامة ما زالت تعاني بعض الخلل الإداري الذي يتطلب تغييرًا في الإجراءات الحالية أو اتخاذ إجراءات إضافية لمنع تداول الأسئلة خارج اللجان.
التقييم في مشروع إصلاح التعليم وإغفال المرحلة الإعدادية
شرعت وزارة التربية والتعليم في تنفيذ برنامج إصلاح التعليم منذ بداية العام الدراسي 2018/2019، وتضمن البرنامج مكونًا رئيسيًا يستهدف إصلاح نظام التقييم الشامل من أجل تحسين التحصيل العلمي للطلاب؛ وتضمنت النسخة الأولى للمشروع ثلاثة مكونات فرعية فيما يتعلق بالتقييم، هي: إصلاح نظام الامتحانات في المرحلة الثانوية، وتصميم وإعداد وتنفيذ التقييمات الوطنية للصفين الرابع والتاسع، وإعادة هيكلة المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، إلا أن الوزارة تخلت عن فكرة التقييم الوطني للصف التاسع في تعديلات المشروع ليبقى وضع امتحانات الشهادة الإعدادية على ما هو عليه، وتتحمل مسئولية إعداده وتنفيذه وتصحيحه المديريات التعليمية.
ويعد التراجع عن إجراء تقييم وطني يتحمل مسئوليته المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي لطلاب الصف التاسع خطوة للخلف في برنامج إصلاح التعليم؛ فعلى الرغم من أن لامركزية امتحانات الشهادية الإعدادية من شأنه أن يقلل من مخاطر تسريب الامتحانات والغش، إلا أن ما يحدث هو العكس تمامًا، الأمر الذي يتطلب تطوير قدرات المسئولين عن تصميم وإدارة هذه الامتحانات في المديريات التعليمية بنفس القدر الذي يتم في المركز القومي للامتحانات، أو إسناد المهمة بالكامل للمركز بعد التوسع في فتح أفرع له في جميع المحافظات.
أما فيما يتعلق بإصلاح نظام التقييم في المرحلة الثانوية، فإن الاعتماد على استخدام أجهزة التابلت الخاصة بالطلاب في إجراء الامتحانات، وضعف البنية التكنولوجية في عدد من المدارس، وضعف القدرات على التعامل مع نظام الامتحانات الإلكتروني، أدى إلى زيادة حالات الغش بين طلاب الصفين الأول والثاني الثانوي، وتمكن الطلاب من تداول أسئلة الامتحانات وإجاباتها إلكترونيًا قبل وأثناء وقت الامتحان، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من الرقابة على المدارس الثانوية خلال فترات الامتحانات، أو الاعتماد على أجهزة ثابتة مخصصة لإجراء الامتحانات بديلًا عن أجهزة التابلت الخاصة بالطلاب.
مستقبل الظاهرة في ظل التشريعات الحالية
على الرغم من إصدار القانون رقم 205 لسنة 2020 الخاص بمكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات، وتحديد العقوبة بالحبس لمدة تتراوح بين سنتين و7 سنوات، وبغرامة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف جنيه لكل من يقوم بطبع أو نشر أو ترويج أسئلة الامتحانات أو أجوبتها بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحانات، إلا أن هذا القانون ما زال غير كافٍ للقضاء على ظاهرة الغش الإلكتروني أو تسريب الامتحانات، ولا يتم تطبيقه بالفعالية المطلوبة، حيث يقوم عدد كبير من مستخدمي مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي بنشر أجزاء من أسئلة الامتحانات وإجاباتها أثناء وقت الامتحان، ولا تتم ملاحقتهم قضائيًا. وهناك من يطالب أولياء الأمور والطلاب بتحويل مبالغ مالية على أرقام هاتفية معلنة مقابل نشر الأسئلة والإجابات دون أن يتم تتبع تلك الأرقام أو القبض على أصحابها إلا في حالات نادرة؛ ولم تطبق الوزارة هذا القانون على طلاب الصفين الأول والثاني الثانوي ومسئولي المراقبة على لجان الامتحان برغم وجود أدلة مصورة على الغش وتصوير الأسئلة ونشرها على تطبيقات التواصل الاجتماعي، مما يشير إلى عدم تفعيل القانون الذي من شأنه أن يحد من انتشار الغش في الامتحانات واتساع نطاق الظاهرة إلى الصفوف الدراسية الأدنى.
ويعد الامتحان الموحد المنصوص عليه في قانون التعليم أحد العوامل الرئيسية في تنامي ظاهرة الغش؛ فعلى الرغم من إعادة هيكلة المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي وتطوير بنوك الأسئلة التي يمكن من خلالها تصميم مئات الامتحانات بنفس مستويات الصعوبة، إلا أنه من غير الممكن أن يتم تطبيق امتحانات متكافئة بأسئلة مختلفة بسبب القانون الذي ينص على أن يكون الامتحان موحدًا مراعاةً لمبدأ تكافؤ الفرص بين جميع الطلاب، وهو ما يستدعي إعادة النظر في قانون التعليم بشكل عام والبنود المتعلقة بالامتحانات والتقييم بشكل خاص.
خطوات مستقبلية تماشيًا مع تطبيق الاختبارات الإلكترونية
من خلال متابعة الخطوات التي تتخذها وزارة التربية والتعليم لتنفيذ برنامج إصلاح التعليم، يسهل التنبؤ بتوجه الوزارة نحو تطبيق الاختبارات إلكترونيًا بشكل موسع في المستقبل القريب، ولكن التطبيق الإلكتروني للامتحانات في مختلف دول العالم أثناء جائحة كوفيد-19 ساهم في زيادة معدلات الغش عما كانت عليه وفقًا لنتائج استطلاع الرأي الذي أجرته “Wiley” -إحدى أشهر الشركات العاملة في مجال البحوث وإنتاج البيانات- في يوليو 2020[1]، الأمر الذي يفرض اتخاذ مجموعة من التدابير المستقبلية التي من شأنها أن تحد من قدرة الطلاب على الغش أثناء أداء الامتحان إلكترونيًا، منها:
- قد يكون الاعتماد على أجهزة ثابتة داخل كل لجنة امتحانية أو مركز امتحانات معتمد بدلًا من الاعتماد على أجهزة التابلت الخاصة بالطلاب في أداء الامتحانات أكثر فاعلية في مكافحة الغش الإلكتروني، ذلك أن طلاب الصفين الأول والثاني الثانوي تمكنوا خلال العامين الماضيين من فك شفرة التابلت واستخدامه وفقًا لرغباتهم وليس لأغراض التعلم وأداء الامتحانات.
- تطوير نظام الامتحانات الإلكتروني الذي بدأت الوزارة في تطبيقه منذ 2018/2019 لاستيعاب دخول جميع الطلاب في نفس التوقيت دون مشكلات تقنية.
- الاعتماد على نظام المراقبة الإلكتروني سوف يساعد في تقليل فرص الطلاب في الغش، حيث يتعرف هذا النظام على اتجاهات وجه الممتحن وإنهاء الامتحان عند محاولته الغش؛ إضافة إلى ذلك، فإن كاميرات المراقبة داخل اللجان سوف تساعد في توفير أدلة على الغش لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد الطالب الذي حاول الغش والمراقب الذي سهل عملية الغش.
- إذا كان الامتحان إلكترونيًا ويتم على جهاز ثابت متصل بنظام الامتحانات الإلكتروني التابع للوزارة، فإن الحاجة إلى وجود إنترنت في نطاق اللجنة الامتحانية أو مركز الامتحانات المعتمد ينعدم أثناء وقت الامتحان؛ وبالتالي فإن اللجوء إلى أجهزة تشويش تمنع الاتصال بالإنترنت طول فترة الامتحان سوف يكون له تأثير إيجابي في منع تداول أسئلة الامتحانات باستخدام الهواتف المحمولة التي يتمكن الطلاب من إخفائها وإدخالها إلى اللجان.
في الأخير، يمكن القول إن ظاهرة الغش هي ظاهرة عالمية تأخذ أشكالًا متعددة وفقًا لمستوى التطور التكنولوجي الذي تتمتع به المجتمعات، وما تشهده لجان الامتحان في مصر من ممارسات خاطئة تسمح بتداول الامتحانات وأجوبتها بعد وقت وجيز من بدء الامتحانات يحتاج إلى اتخاذ إجراءات وقائية تضمن التغلب على المشكلات الحالية ولا تضر بمصالح الطلاب، وهذه الإجراءات تتطلب التعديل التشريعي المناسب الذي يمنح وزارة التربية والتعليم المرونة الكافية في وضع الامتحانات المتكافئة وتصحيحها دون التقيد بامتحان موحد يتم تطبيقه على الجميع.
[1]) Derek Newton 2020: Another problem with shifting education online: A rise in cheating, Washington Post, August 2020.