أعلنت وزارة التربية والتعليم نهاية يونيو 2022 نتائج التقييم الوطني الأول للصف الرابع الابتدائي الذي أجرته الوزارة في ديسمبر 2021 على عينة تجاوزت 12 ألف تلميذ في 490 مدرسة ومعهداً أزهرياً؛ ولم تختلف نتائج التقييم الوطني الأول – الذي يمثل خط الأساس للتعرف على التقدم في مستوى التلاميذ في القراءة والرياضيات – عن نتائج التقييمات الدولية القائمة على العينة التي يشارك فيها التلاميذ المصريون منذ 2003، حيث تشير النتائج إلى استمرار وجود فجوة بين أداء منظومة التعليم بكل عناصرها والنتائج المرجوة، الأمر الذي يؤكد على ضرورة استمرار تنفيذ برنامج إصلاح التعليم الذي بدأته الوزارة بالتعاون مع البنك الدولي في 2018، بل وتسريع وتيرة الإصلاحات بالشكل الذي يمكّن الوزارة من التغلب على العقبات والتحديات التي برزت منذ بداية التطبيق وحتى الآن.
لماذا نطبق تقييماً على المستوى الوطني؟!
تعد فكرة تطبيق التقييم الوطني للصف الرابع الابتدائي جزءاً من المكون الثالث الخاص بإصلاح نظام التقييم ضمن برنامج إصلاح التعليم الذي شرعت وزارة التربية والتعليم في تنفيذه منذ العام الدراسي 2018/2019؛ وتمكنت الوزارة بالفعل من تطبيق هذا التقييم للمرة الأولى على التلاميذ الذين أنهوا دراسة مناهج الصف الرابع الابتدائي، ومعلمي اللغة العربية والرياضيات، ومديري المدارس بهدف جمع البيانات حول مدى التقدم في تعلم التلاميذ اللغة العربية والرياضيات من خلال الاختبار، وجمع البيانات حول السياق التعليمي بما يتضمنه من طرق التدريس وأنشطة التعلم، وأساليب التقييم والمتابعة، وإدارة الصف، وبيئة التعلم ومصادره من خلال الاستجابة لعبارات استبيان مُعد لكل فئة.
ويتمثل هدف وزارة التربية والتعليم من إجراء التقييم الوطني سنوياً في وضع نظام مؤسسي لم يكن موجوداً من قبل لجمع أدلة دقيقة بشكل دوري ومنتظم يساعد في تزويد صانعي القرار بمعلومات تتسم بالصدق والثبات والعدالة حول تحقق نواتج التعلم المتوقعة بنهاية الصف الرابع الابتدائي، ومراقبة التقدم في تعلم التلاميذ على المدى البعيد من خلال مقارنة نتائج التقييمات الوطنية المتتابعة، ولتقييم أثر تطوير مناهج نظام التعليم الجديد 2.0.
جديرٌ بالذكر أن التقييم الوطني الذي تم تطبيقه هو تقييم قائم على العينة شأنه في ذلك شأن التقييمات الدولية التي تشارك فيها مصر منذ 2003، مثل التقدم في دراسة القراءة والكتابة الدولية (PIRLS)، والاتجاهات في دراسة الرياضيات والعلوم الدولية (TIMSS)؛ ولكن أحد الاختلافات يتمثل في أن التقييمات الدولية تتم كل 4 أو 5 سنوات، أما التقييم الوطني فمن المخطط أن يتم سنوياً، ما يسمح بتوفير بيانات دقيقة حول مستوى أداء كل فوج دراسي من أجل التعرف على مدى تحقيق برنامج إصلاح التعليم لأهدافه وتعديل السياسات التعليمية بشكل مستمر في ضوء تلك النتائج، كما تمثل نتائجه مؤشراً موثوقاً للتنبؤ بنتائج التلاميذ المصريين في التقييمات الدولية المستقبلية. علاوةً على ذلك، فإن تطبيق التقييم الوطني يسمح بالتوسع في حجم العينة، ولا يعتبر مكلفاً إذا ما قورن بالرسوم المقررة للمشاركة في التقييمات الدولية.

نتائج خط الأساس: تطبيق ناجح وأداء ضعيف للتلاميذ
لم ترضى نتائج التقييم الوطني للصف الرابع الابتدائي بعض المتخصصين والمعنيين بالعملية التعليمية، وبدت حالة عدم الرضاء تلك واضحة في التعليقات والمقالات المنشورة على صفحات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يمكن أن يرجع إلى اعتقادهم بأن العينة المفحوصة هي لتلاميذ نظام التعليم الجديد، ولأن النتائج جاءت متدنية ولا ترتقي لمستوى التوقعات فيما يتعلق بمخرجات هذا النظام؛ ولكن بالرجوع إلى التقرير الصادر عن وزارة التربية والتعليم يمكن إلقاء الضوء على جانبين رئيسيين من جوانب التقييم، أولهما هو نجاح التطبيق وفقاً للهدف الذي نُفّذ من أجله التقييم وهو جمع البيانات التي يمكن استخدامها كخط أساس لمقارنة الوضع قبل تطبيق نظام التعليم الجديد 2.0 وبعده؛ وبالتالي يمكن الحكم على التقدم في مستوى أداء تلاميذ نظام التعليم الجديد بعد إجراء التقييم الوطني في إبريل 2023.
علاوةً على ذلك، فإن التقييم لم يقتصر على قياس أداء التلاميذ فقط، بل امتد ليشمل قياس عدد من المؤشرات المهمة الأخرى التي تعبر عن مدى فهم المعلمين والمديرين والتلاميذ لأساليب التعلم النشط مثل التعلم في مجموعات والمشاركة في المناقشات الصفية وتطبيقها داخل الفصل، وعلى الرغم من أن النتائج أظهرت اتفاق النسبة الأعلى من بين التلاميذ والمعلمين والمديرين على وعيهم جميعاً بأساليب التعلم النشط، إلا أن ذلك لم ينعكس على نتائج التلاميذ التي جاءت متدنية؛ كما أظهرت النتائج حاجة محور إدارة الصف إلى مزيد من الاهتمام لضمان حسن إدارة الموارد والمصادر المتاحة لتحقيق مستويات أفضل من التعلم.
أما الجانب الثاني، فيتمثل في ضعف أداء التلاميذ الذين خضعوا للتقييم وهم تلاميذ الصف الخامس الابتدائي، حيث جاءت النتائج متدنية في اللغة العربية والرياضيات كما هو موضح في الجدول أدناه.

ويتضح من الجدول السابق أن التقييم الوطني قسّم التلاميذ إلى أربعة مستويات أعلاها “متقدم” الذي لم يضم سوى 3.5% من إجمالي حجم العينة في اللغة العربية، و3.7% في الرياضيات، وأدناها “أقل من مستوى الصف” الذي استحوذ على 30.2% من إجمالي تلاميذ العينة في اللغة العربية و18.2% في الرياضيات؛ وتشير تلك النتائج إلى أن التلاميذ في المستويين مبتدئ وأقل من مستوى الصف لم يصلوا للمستوى الذي يؤهلهم للنجاح في الصف الرابع والانتقال للصف الخامس، ما يعني أن 77.5% من إجمالي حجم العينة لم يستوفوا المعرفة والمهارة المتوقع اكتسابها في اللغة العربية بنهاية الصف الرابع الابتدائي، و67.1% لم يستوفوها في الرياضيات بنهاية نفس الصف.
الجدير بالذكر أن التقييم الوطني يقيم خمسة نواتج تعلم رئيسية في اللغة العربية، هي: الاستماع، والمفردات، والقراءة الأدبية، والقراءة المعلوماتية، والكتابة؛ في حين يقيم أربعة نواتج تعلم في الرياضيات، هي: المفاهيم والإجراءات الرياضية، وحل المشكلات الرياضية، والتواصل الرياضي، والنمذجة الرياضية؛ كما استهدف جمع بيانات عن السياق التعليمي من خلال استبيان التلميذ، واستبيان المعلم، واستبيان المدير، وتضمن الاستبيان أربعة محاور، هي: طرق التدريس وأنشطة التعلم، وأساليب التقييم والمتابعة، وإدارة الصف، وبيئة التعلم ومصادره.
تكامل التقييم الوطني مع التقييمات الدولية والنتائج المتوقعة:
أكد التقييم الوطني لمستوى أداء التلاميذ المندرجين في نظام التعليم القديم قبل الإصلاح نفس النتائج التي أتت بها بشكل متكرر الاختبارات والقياسات التي تم عقدها سابقا، بما يؤكد أهمية خطة الإصلاح وضرورة التمسك بها لأن الوضع السابق عليها يخرج لنا نتائج لا يمكن قبولها. فمستوى التلاميذ في نتائج التقييم الوطني لم يختلف عما كان عليه قبل تنفيذ برنامج إصلاح التعليم في 2018، حيث لم يحقق التلاميذ المصريون نتائج مرضية في جميع مشاركاتهم سواء في دراسة “الاتجاهات في دراسة الرياضيات والعلوم الدولية TIMSS أو في دراسة التقدم في دراسة القراءة والكتابة الدولية PIRLS، وهو ما يشير إلى أن الاستمرار في اتباع السياسات التعليمية القديمة دون إصلاح يعني بالضرورة تدني مستوى التلاميذ المصريين عند مقارنتهم بالتلاميذ من دول أخرى؛ ولكن تطبيق نظام التعليم الجديد 2.0 قد يؤتي ثماره عند تطبيق التقييم الوطني على تلاميذ هذا النظام لأول مرة في إبريل 2023.

بمراجعة المنهجية التي تتبعها التقييمات الدولية، يتضح أن التقييم الوطني للصف الرابع يسير بشكل تكاملي مع تلك التقييمات التي تشارك فيها مصر بشكل منتظم مثل دراسة “التقدم في دراسة القراءة والكتابة الدولية “PIRLS، ودراسة “الاتجاهات في دراسة الرياضيات والعلوم الدولية “TIMSS، حيث شاركت مصر في دراسة “الاتجاهات في دراسة الرياضيات والعلوم الدولية TIMSS” لتلاميذ الصف الثاني الإعدادي في أعوام 2003، و2007، و2015، و2019، وكانت نتائج الطلاب دائماً أقل من المتوسط العالمي في الرياضيات والعلوم، ومن المقرر أن تشارك مصر في الدراسة التالية والمقررة عام 2023.
وعلى الرغم من إمكانية المشاركة في تقييم (TIMSS) لطلاب الصفين الرابع الابتدائي والثاني الإعدادي، إلا أن مصر لم تشارك أبداً في هذا التقييم بعينة من تلاميذ الصف الرابع الابتدائي؛ وكانت مشاركة مصر الأولى والوحيدة بعينة من تلاميذ الصف الرابع في دراسة ” التقدم في دراسة القراءة والكتابة الدولية PIRLS ” في عام 2016، كما شاركتمصر في الدراسة الدولية PIRLS لقياس مدى تقدم تلاميذ الصف الرابع في القراءة في 2021، ومن المتوقع أن يصدر تقرير نتائج هذا التقييم في ديسمبر 2022، ولكن النتائج التي أظهرتها تجربة التقييم الوطني تشير إلى أن نتائج المشاركة الدولية في 2021 لن تختلف كثيراً عن سابقتها في 2016. بالتالي، فإن التقييم الوطني يساعد على التنبؤ بنتائج التلاميذ المصريين المشاركين في التقييمات الدولية، وقد يسهم تعوّد التلاميذ على هذا النوع من التقييمات في تحسن أدائهم في المشاركات الدولية المستقبلية كما هو الحال في تجربة دولة الإمارات.
في الأخير، يمكن القول إن تجربة إجراء التقييم الوطني للصف الرابع هي تجربة تعبر عن جهد إصلاحي حقيقي لابد أن يستمر في الأعوام القادمة نظراً لما توفره من بيانات معبرة عن واقع مخرجات نظام التعليم والإصلاحات المطلوب إجراؤها بشكل مستمر؛ كما أن أبرز ما يميز التقييم الوطني للصف الرابع عن التقييمات الدولية هو أنه يقيس مهارات التلاميذ في القراءة والرياضيات، أي أنه يقوم بوظيفة التقييم الدولي PIRLS الذي يقيس مهارات التلاميذ في القراءة فقط، والتقييم الدولي TIMSS الذي يقيس مهارات التلاميذ في الرياضيات والعلوم فقط. ويضاف إلى ذلك أن التقييمات الدولية تتم بشكل دوري كل 4 أو 5 سنوات، ولكن التقييم الوطني سيتم إجراؤه سنوياً بما يتيح بيانات قائمة على الأدلة لكل فوج دراسي واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة المشكلات التي يظهرها كل تقييم مع بداية كل عام دراسي.