بعد أيام من المعارك في العاصمة السودانية ومدن أخرى، يمكن القول أن جوهر الخطة الأساسية لقوات الدعم السريع كان مستوحى من خطة تحرك قوات “المعارضة السورية” خلال السنوات الأولى من المعارك في سوريا، ألا وهو تحييد القواعد والمطارات الجوية الأساسية في السودان، وهو ما فشلت هذه القوات في تنفيذه، حيث لم تفلح سوى في أقتحام مطار مدينة “مروى” شمال البلاد، وقاعدة “جبل أولياء” الجوية جنوب العاصمة، بجانب مطارين في إقليم دارفور غرب البلاد، هما مطار “الفاشر” في ولاية شمال دارفور، ومطار “صبيرة” الدولي في ولاية غرب دارفور.
فشل هذه القوات في السيطرة على كافة القواعد الجوية، وفر للقوات الجوية السودانية فرصة لأستخدام مقاتلات “ميج-29” والمروحيات القتالية “مي-35″، لاستهداف تمركزات وسيارات قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وهي آليات لا تتميز بالتدريع او التصفيح وبالتالي كان من السهل تدمير اعداد كبيرة منها عن طريق الجو، رغم بعض العوائق التي تتعلق بطبيعة ميدان القتال الحضري، والكفاءة المحدودة لسلاح الجو السوداني على المستوى الفني والعملياتي.
استخدام سلاح الجو ساهم بشكل كبير في تمهيد الطريق أمام قوات الجيش السوداني للسيطرة على المقرات الرئيسية الست لقوات الدعم السريع في محيط العاصمة، خاصة معسكر منطقة “سوبا” جنوب العاصمة، و”معسكر طيبة” شمالها، ومعسكر “صالحة” في أم درمان، بجانب أكبر معسكرات قوة الدعم السريع، الذي يقع في قاعدة “قري – كرري” العسكرية شمال أم درمان. يضاف إلى ذلك عدم تمكن قوات الدعم السريع من الحفاظ على مقراتها – التي تحتوي على احتياطيات لوجيستية – في كل من ولايتي النيل الأزرق والنيل الأبيض، ومدينة بورسودان شمال البلاد، وولاية القضارف، و”كادوقلي”، عاصمة ولاية جنوب كردفان، ومدينة كسلا عاصمة الولاية التي تحمل نفس الأسم، ومدينة “كوستي”، أكبر مدن ولاية النيل الأبيض.
من النقاط التي أثرت على تحركات قوات الدعم السريع، مسألة نقص الذخائر ومحدودية الدعم المعلوماتي واللوجستي، حيث كانت تحركات هذه القوات على شكل مجاميع صغيرة تتحرك بشكل كامل بسيارات بيك آب خفيفة التسليح، وبالتالي وجدت هذه القوات بعد انفتاحها في شوارع العاصمة وفي مناطق بعيدة مثل مدينة مروى شمال البلاد، ومدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان، صعوبة في تأمين احتياجاتها من الذخائر ومواد الإعاشة والمواد الطبية، وكذا مشاكل في التواصل مع قيادتها الميدانية وغرفة العمليات المركزية لقوة الدعم السريع، وهو ما قد يعزى في جزء منه إلى احتمالية أن يكون تحرك هذه القوات قد تم “بناء على خطة معدة مسبقاً”، لا تتضمن توجيهات ميدانية مباشرة بعد بدء العمليات، وهذا ما اوحى به حديث ادلى به المستشار السياسي لقوات الدعم السريع لقناة الجزيرة القطرية.

– أظهر الوضع الميداني الحالي أن قوات الدعم السريع في مرحلة لاحقة من اليوم الأول للمعارك، قد حاولت ايضاً قطع التواصل بين شمال العاصمة وجنوبها، عبر تعطيل حركة المرور التي تربط بين جنوب العاصمة ومنطقتي “بحري” و”أم درمان” شمالها، وتحديداً جسر “نمر” الرابط بين الخرطوم وبحري، وجسر النيل الأبيض بين الخرطوم وأم درمان، وجسر “شميرات” بين أم درمان والخرطوم بحري، وذلك بهدف منع القوات النظامية من تحريك قواتها لتأمين مبنى التلفزيون الحكومي، لكن فشلت قوات الدعم في تحقيق هذا نتيجة لافتقارها للآليات العسكرية الثقيلة، ما أفضى في النهاية إلى فشلها بالتالي في السيطرة على مبنى التلفزيون.
– افتقار قوة الدعم السريع للدعم المدفعي الثقيل والدبابات كان عاملاً حاسماً ايضاً، حيث يقتصر تسليحها على أقل من 50 مدرعة خفيفة، وأعداداً كبيرة من سيارات الدفع الرباعي من طراز «لاندكروزر» مسلحة براجمات صواريخ من عيار 107 و122، ورشاشات متوسطة مضادة للطائرات، ومدافع عديمة الارتداد مضادة للدروع، في حين تمتلك القوات النظامية قوة مدفعية كبيرة، وقوة مدرعة متماسكة، تمكن من الدفع بدبابات “تي-55″ و”تي-72” لتقديم الدعم الناري المباشر.
– على المستوى البشري، وبالإضافة إلى حقيقة أن ميزان القوى البشرية يميل بشدة لصالح القوات النظامية، التي تمتلك نحو 205 آلف جندي، من بينهم 100 ألف جندي قوات عاملة، و55 ألف جندي ينتمون لقوات داعمة شبه عسكرية، مقابل ما لا يزيد عن مائة ألف جندي في صفوف قوات الدعم السريع، قسم كبير منهم يتمركز في دارفور، يمكننا القول أن قسم مهم من قوات الدعم السريع، ينتمى في الأصل لأجهزة عسكرية نظامية سودانية، مثل جهاز المخابرات واجهزة عسكرية اخرى، وتم الحاقه بقوة الدعم السريع، وبالتالي كان قرار حل جهاز الدعم السريع محفزاً لهؤلاء للعودة إلى جهاتهم الأصلية في السلك العسكري النظامي، وهو ما أثر على أداء قوة الدعم السريع، خاصة على المستوى المعلوماتي والاستخباراتي.
– إذن بالنظر لما سبق، يشير تقدير الموقف إلى أنه على الرغم من طبيعة الميدان العسكري الحالي في المدن السودانية، والذي يحيد إلى حد كبير دور سلاح الجو، ساهمت العوامل السالف ذكرها في عدم تحقيق قوات الدعم السريع لأهدافها الميدانية، وفشلها في تحقيق مبدأ “الصدمة” واستغلال الوقت بشكل فعال لفرض أمر واقع على المستوى الميداني، وبالتالي فإن المُرجح هو أن تميل كفة ميزان القوة لصالح قوات الجيش السوداني على الأرض، بشكل يجعلها في النهاية تحقق انتصاراً مرحلياً في العاصمة والولايات القريبة، لكن ستبقى معضلة التعامل مع الوضع في كل من مدينة “مروى” وولاية شمال كردفان، وولايات دارفور، خاصة مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ومدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، ومدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، حيث قد تلجأ قوات الردع إلى التمترس في ولايات دارفور، وخلق واقع مشابه لما كان الحال عليه في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، خاصة أن القطاعات السبع العسكرية التي تمتلكها قوات الدعم، يقع أغلبها في إقليم دارفور.