تعرضت حافلة سياحية لحادث جراء انفجار عبوة ناسفة في محيط مرورها بشارع المريوطية، مساء يوم الجمعة الموافق 28 ديسمبر الماضي (2018)،وكانت تُقل فوجًا سياحيًّا من 14 سائحًا من دولة فيتنام. وقد نتج عن الحادث مقتل ثلاثة من السائحين، بالإضافة للمرشد السياحي، وإصابة سائق الحافلة وبعض السائحين.
ويُثير الحادث عددًا من التساؤلات حول طبيعة هذا العمل الإرهابي، ومستوى التخطيط الذي يقف وراءه، وماهية التنظيم المسئول عنه،وأهدافه، والتكييف الدقيق لحجم هذه العملية، ودلالتها من حيث التوقيت والأدوات المستخدمة ومسرح العملية، ودرجة استجابة الحكومة المصرية.
ويحاول هذا التقرير الذي أعده برنامج الأمن وقضايا الدفاع بالمركز تقديم إجابات موضوعية على أهم هذه التساؤلات، دون تهوين أو تهويل من حجم وطبيعة العملية.
أولًا- طبيعة العمل الإرهابي (درجة التخطيط):
1-فيما يتعلق بالأداة المستخدمة، اعتمد منفذو العملية على عبوة يدوية الصنع، لكن هذالا يعني أن هذا النوع من العبوات التفجيرية محدود التأثير، وهو ما كشف عنه حجم الخسائر المادية والبشرية الناتجة عن هذه العملية (الخسائر البشرية، والتلفيات التي لحقت بالحافلة)، الأمر الذي يشير إلى أن العبوة المستخدمة -على ما يبدو- قامبت صنيعها عناصر متخصصة في صنع العبوات الناسفة. ويؤكد ذلك أيضًا العديد من عمليات الضبط التي قامت بها الأجهزة الأمنية خلال المداهمات والعمليات الاستباقية المنفذة مؤخرًا. ويعكس ذلك مؤشرًا آخر، هو أن التنظيم الذي يقف وراء الحادث إما لديه عناصر مؤهلة على مستوى عالٍ في تصنيع العبوات الناسفة، أو أنه استعان بتنظيمات أكبر أمدّته بتلك الخبرات.
2-فيما يتعلق بالهدف، فإن مسرح العملية وطبيعة الضحايا يشيران بشكل واضح إلى أن هدف العملية هو الإضرار بالاقتصاد المصري، وبقطاع السياحة بشكل خاص. ويتأكد هذا الهدف إذاأخذنا في الاعتبار التحسن الملحوظ الذي بدأ يشهده الاقتصاد المصري، بشكل عام، خلال عام 2018، بما في ذلك قطاع السياحة الذي بدأ يسترد عافيته. وعلى ما يبدو فإن الحضور الأمني المكثف، خاصة في المناطق السياحية، وعمليات التأمين المخططة للرحلات والحافلات السياحية، ضيّعت على الإرهابيين تنفيذ عمليات في مناطق سياحية ذات كثافة سكانية أعلى.
3-يرتبط بالنقطة السابقة ما أثاره البعض عقب العملية بأنها تعكس حدوث تحول في بنك أهداف التنظيمات الإرهابية، أو العودة إلى مرحلة التسعينيات من القرن الماضي. وواقع الأمر أن هذا الاستنتاج يفتقر إلى الدقة؛ لأن احتمالات مهاجمة أهداف أجنبية -خاصة الغربية- من السائحين أو السفارات أو حتى قوات حفظ السلام أو عناصر المنظماتالإغاثية، تزايدت في مصر وفي المنطقة العربية عمومًا منذ منتصف عام 2015، وذلكنتيجة تأثيرات المقاتلين العائدين من سوريا والعراق، الذين قاتلوا داخل صفوف “داعش”،وتشربوا عدائها للغرب. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في صيف 2015 عندما قامت”ولاية سيناء” باختطاف العامل الكرواتي “توميسلاف سالوبيك”،ثم ذبحه بعدها بأيام (12/8/2015). أيضًا ساهم المقاتلون الأجانب والعائدون من سوريافي دفع “ولاية سيناء” نحو استهداف قوة المراقبين متعددة الجنسيات في سيناء.فوفقًا لبعض التقديرات، بلغ عدد المقاتلين الأجانب والعائدين الذين عملوا داخلصفوف “ولاية سيناء” في أبريل 2015، نحو ألف مقاتل. ولذلك لم يمر وقتطويل حتى بدأ أول تهديد حقيقي للقوات الدولية، في 9 يونيو 2015، عندما أطلقالتنظيم قذائفه على مطار الجورة الذي كانت تستخدمه تلك القوات. ولا ننسى -قبل هذاوذاك- أن “داعش” في سيناء كانت قد أسقطت، في 31 أكتوبر 2015، طائرةمدنية روسية كان على متنها أكثر من مائتي سائح.
ومن ثم، فإن القول بأن عملية المريوطية تُمثّل تحولًافي أهداف التنظيمات الإرهابية في اتجاه استهداف السائحين والأجانب، هو استنتاج غيردقيق، ذلك أن استهداف الأجانب يعود إلى منتصف عام 2015 تقريبًا، وكل ما حدث أنه تمتجميد التنفيذ لبعض الوقت (عقب تراجع قطاع السياحة في مصر بعد عملية حادث الطائرةالروسية المذكور) انتظارًا للحظة أخرى مناسبة، جاءت أخيرًا بهجوم المريوطية الذي يتزامن مع انتعاشة نسبية كانت متوقعة -قبل الحادث- لسوق السياحة في مصر.
ثانيًا- من المسئول عن تنفيذ هذا العمل الإرهابي؟
هناك ثلاثة مصادر أساسية للنشاط الإرهابي في مصر:الأول، “داعش” الذي لا يزال يُعتبر التنظيم الأنشط والأخطر والأشد دموية. الثاني، الخلايا الأقرب إلى تنظيم “القاعدة”، والتي نشطت في مصرخلال عام 2017. الثالث، خلايا العنف والإرهاب المنبثقة عن الإخوان المسلمين، فيطبعتها الثالثة (حسم، ولواء الثورة).
في إطار هذه الخريطة، نطرح هنا بعض الاستنتاجات حول طبيعة عملية المريوطية:
1-أن المؤشرات الأولية تؤكد أن الهجوم ليس عشوائيًّا، وذلك استنادًا إلى العوامل التالية:
-أن مرحلة الإرهاب العشوائي في مصر ظهرت من لحظة فض اعتصام رابعة في أغسطس 2013،وامتدت حتى نوفمبر 2014، أي حتى ظهور تنظيم “أجناد مصر” الذي عمل كمفصل أو رابطة أيديولوجية بين الإخوان والسلفية الجهادية، في تلك المرحلة. آنذاك، نُفذت الغالبية العظمى من الهجمات (84% منها) عن طريق مجموعات مجهولة، وبتسميات غيرمعروفة من قبل. واستهدف أغلب هذه الهجمات قطاع الأمن بإطلاق نار أو متفجرات بدائية. وكانت عمليات تلك المرحلة محدودة التأثير والقدرات.
-أن توقيت تنفيذ العملية هو توقيت مقصود، حيث جاءت في ظل الإعلان الرسمي عن تشديدات أمنية قبل رأس السنة الميلادية، بما قد يشير إلى أن الإرهاب يستهدف إثبات قدرته على اختراق الإجراءات الأمنية.
لذلك كلّه، نرى أن الهجوم قد حظيَ بقدر ملحوظ من الإعداد والتخطيط، واختيار التوقيت المناسب للتنفيذ، بهدف التأثير بقوة على الموسم السياحي في مصر، وغير ذلك من أهداف سيتم تناولها لاحقًا.
2-تتشابه المرحلة الراهنة من النشاط الإرهابي في مصر مع المرحلة التي شهدتها البلاد خلال الفترة الممتدة منذ شهر مايو 2015 وحتى النصف الثاني من عام 2016، وذلك منزاوية العلاقات البينية بين التنظيمات، وليس من زاوية معدل النشاط أو كثافةالهجمات الإرهابية ذاتها. فقد توافرت -آنذاك- مؤشرات عدة على وصول جماعات إرهابية متعددة الأهداف والتوجهات إلى نقاط تقارب، أمكن معها القول -حينذاك- إن ثمة”وحدة شبكية” تنتظم حولها المجموعات الإرهابية في مصر. حيث تقاربت تلك الجماعات على اختلاف توجهاتها وأهدافها، وأصبحت أكثر تلاحمًا وتنسيقًا، بل وحاولت أن تستلهم تجارب بعضها بعضًا، وأحيانًا تبادلت الأدوار معًا بشكل مثير، حتى ولو لمتتلقّ تدريبًا مشتركًا.
ثالثًا- الدوافع (السياق العام المحيط):
ارتباطًا بوقائع العملية الإرهابية، يمكن القول إن دوافعها الأساسية ترتبط بالسياق العام الراهن في مصر. وأولها، نجاح الدولة المصرية في تحقيق العديد من الإنجازات على مستويات مختلفة، سواء فيما يتعلق بتنمية البنية الأساسية والمشروعات القومية، أو على مستوى مواجهة الإرهاب والتنظيمات المسلحة، خاصة النجاحات الكبيرة التي حقّقتها العملية الشاملة “سيناء 2018″، أو على مستوى السياسة الخارجية. ويرتبط بالسياق العام وبطبيعة اللحظة الراهنة أيضًا احتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد، والتي ترفع من درجة الاهتمام الإعلامي بأي حادث إرهابي. ويزيد من هذا التأثير، أن مصر بدأت تستعيد نشاطها السياحي، مع بدء الموسم السياحي الجديد، بل ووجود وفود سياحية نوعية مثل وفد العائلة الملكية البلجيكي.
استنادًا إلى هذا السياق؛ يمكن القول إن عملية المريوطية استهدفت تحقيق عددٍ من الأهداف، تدور حول: التشويش على الإنجازات الاقتصادية والأمنية المتحققة، والرغبة في إحداث صدى إعلامي واسع، ومحاولة استنزاف الجهود الأمنية من خلال دفع الأجهزة الأمنية إلى زيادة عمليات التأمين والانتشار على أوسع نطاق ممكن، ومحاولة التنظيمات الإرهابية توصيل رسالة بأنها لا تزال موجودة وقادرة على تنفيذ بعض العمليات رغم ما تعرضت له من ضربات أمنية.
رابعًا- الاستجابة الحكومية:
اتسم رد فعل الحكومة المصرية بدرجةٍ كبيرةٍ من سرعة الاستجابة، والتعامل مع تبعات العملية بشكل سريع ومتكامل. حيث كان لافتًا سرعة صدور بيان وزارة الداخلية الذي مثّل مصدرًا مهمًّا ورئيسًا في الساعات الأولى بعد وقوع العملية. وقد تضمّن البيان عدد الوفيات والمصابين، وبعض الملاحظات الأولية من واقع المعاينة. وفي صباح اليوم التالي، صدر بيان آخر من الوزارة تضمن بيانات تفصيلية عن الضربات الأمنية الاستباقية التي تم تنفيذها ضد عناصر إرهابية في محافظتي الجيزة وشمال سيناء، كانت تستعد لتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية الأخرى خلال الأيام التالية.
وعلى المستوى السياسي، قام الدكتور “مصطفى مدبولي”، رئيس مجلس الوزراء، بزيارة المصابين والاطمئنان على حالتهم الصحية،والتأكد من توفير الرعاية الصحية والطبية الكاملة. كما أصدر النائب العام،المستشار “نبيل صادق”، بعد حوالي ساعتين ونصف من وقوع العملية، بيانًاحول الحادث، تضمن تحديثًا لأعداد الوفيات والمصابين، والإعلان عن بدء التحقيقات الرسمية.
وفي الإطار ذاته، حدث تواصل مع سفارة فيتنام بالقاهرة لتقديم العزاء في الضحايا، وتوضيح ملابسات الحادث، والتأكيد على حرص مصر على سلامة كل مواطنيها وزائريها. وكان رد الفعل الأوّلي من الجانب الفيتنامي، هو تفهم الواقع الراهن لظاهرة الإرهاب في إقليم الشرق الأوسط وفي العالم، إلى جانب مطالبة السلطات المصرية بمعاقبة الجناة الذين سوف تسفر التحقيقات المصرية عن الوصول إليهم. وإلى جانب الأشكال السابقة للاستجابة الحكومية، صدرت بيانات وتصريحات رسمية عن العديد من المسئولين، مثل: وزير الأوقاف، ومفتي الجمهورية، والمتحدث باسم وزارة الخارجية، والتي أدانت جميعها الحادث، وأكدت استمرار جهود مكافحة الإرهاب بأبعادها المختلفة وعلى رأسها التنمية الاقتصادية.
أما على مستوى التغطية الإعلامية للحادث؛ فكان هناكتباين في طريقة المعالجة، تبعًا لطبيعة الأداة الإعلامية، ونمط الملكية الذي يتحكم-إلى حدٍّ كبير- في صياغة الحجم والمحتوى.
في الختام، يمكن القول إنه على الرغم من أن مصر قد شهدت عمليات إرهابية أكبر منالعملية الإرهابية الأخيرة بالمريوطية؛ إلا أن هذه العملية أثارت اهتمامًا كبيرًا،ربما لوجود انطباع بانتهاء الإرهاب في مصر على خلفية النجاحات التي حققتهاالمواجهة الأمنية، وهو ما يتطلب التأكيد على أن عملية مواجهة الإرهاب عملية معقدة بطبيعتها،وتحتاج إلى مدى زمني كافٍ، الأمر الذي يتطلب تقييمًا موضوعيًّا لأي عملية إرهابيةدون تهوين أو تهويل، فضلًا عن ضرورة وضعها في سياق أكبر وفي إطار التطور العاملظاهرة الإرهاب. فحادث المريوطية على أهميته من حيث دلالات المستهدفين، والمكانوالتوقيت؛ ليس معبرًا عن وتيرة متصاعدة أو منتظمة في المشهد المصري خلال العامالأخير. كما أن التقييمات الاستراتيجية للمؤسسات الدولية للبلدان التي تقع فيهاحوادث الإرهاب تتأسس على معيار الانتظام والحدة في العمليات الإرهابية، كدلالة علىعظم تأثير ذلك على حالة الاستقرار.