شنّت طائرات إسرائيلية مساء يوم 2 مايو 2025، سلسلة غارات على مواقع عسكرية ومدنية في سوريا، تُعد هي الأعنف منذ بداية العام 2025؛ حيث أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن أكثر من 20 غارة جوية استهدفت عدة مواقع سورية شملت جبل قاسيون وبرزة وحرستا بريف دمشق؛ حيث يقطن الفوج 41 بالقرب من مستشفى حرستا العسكري، بالإضافة إلى مكان تجمع الدبابات في إزرع والكتيبة الصاروخية في موثبين في درعا، وكتيبة الدفاع الجوي في جبل الشعرة في اللاذقية، بالإضافة إلى استهداف ثكنات تدريب للفصائل في حماة وتلال الحمر الشمالية في القنيطرة. علاوة على ذلك، كشفت شبكة “شام” الإخبارية عن هبوط طيران إسرائيلي في موقع في محافظة السويداء لوقت قصير بالتزامن مع الغارات الجوية، ليعود بعدها إلى الجولان المحتل، بينما أفاد إعلام سوري بأن طائرتين إسرائيليتين دخلتا أجواء سوريا فوق دمشق ودرعا وحمص وحماة، كما شنت طائرة غير مأهولة إسرائيلية غارة على أهداف أرضية قرب مدينة السويداء جنوبي سوريا، استهدفت وحدات من قوات الأمن الخاضعة لسيطرة السلطات السورية الجديدة، والتي كانت متمركزة في منطقة كناكر.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما نفذ الطيران الإسرائيلي غارات جوية على منطقة مجاورة للقصر الرئاسي في دمشق، في قصف يأتي بعيد تهديده الحكومة السورية بضربات انتقامية إذا لم تحمِ الأقلّية الدرزية في البلاد؛ حيث تأتي الضربات الجوية الإسرائيلية عقب اشتباكات دموية عنيفة شهدتها بدايةً منطقة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية الواقعة في جنوب دمشق، عقب ظهور تسجيل طائفي يُسيئ إلى سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) منسوب إلى أحد شيوخ الدروز، رغم نفي الأخير، لكنه أشعل نمطًا جديدًا من الصراع الطائفي بعد أزمة الساحل السوري؛ حيث اتجهت مجموعة مسلحة متدفقة من مناطق قريبة ومحيطة بجرمانا، أبرزها بلدة المليحة نحو المدينة؛ مما أسفر عن مقتل 13 شخصًا من بينهم عناصر من الأمن العام.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، عقد اجتماع بين ممثلين عن الحكومة السورية ووجهاء دروز يوم 29 أبريل انتهى باتفاق تهدئة مؤقت مع نشر قوات الأمن العام في المدينة، لكن سرعان ما تدهور الوضع سريعًا يوم 30 أبريل في بلدة أشرفية صحنايا جنوب غرب دمشق التي تضم كذلك أغلبية درزية، بعدما هاجمت مجموعات مسلحة حاجزًا للأمن العام؛ مما أدى إلى مقتل 16 عنصرًا، وفق وزارة الداخلية، فضلًا عن مقتل ستة مدنيين بعد إطلاق نار على مركبات في المنطقة، وتصفية رئيس بلدية صحنايا في ريف دمشق، وابنه، رميًا بالرصاص عقب ساعات من دخول قوات وزارتي الدفاع والداخلية المنطقة.
وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة في جنوب سوريا التي يقع في القلب منها الدروز، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس يوم 30 أبريل عن تنفيذ عملية تحذيرية في ريف دمشق استهدفت مجموعة وصفها البيان بـ”المتطرفة”، كانت تستعد لشن هجمات ضد السكان الدروز في أشرفية صحنايا، كما وجهت تل أبيب رسالة للحكومة السورية تُطالبه بـ”التحرك الفوري” لحماية أبناء الطائفة الدرزية، مؤكدة أن أمن دروز سوريا يشكل “خطًا أحمر” لتل أبيب، في ظل الروابط العائلية التي تجمعهم بدروز “إسرائيل”، لتتوالى الضربات الإسرائيلية والتي وصلت لحد قصف محيط القصر الرئاسي يوم 2 مايو، في تطور لافت ومهم يحمل العديد من الدلالات ويكشف عن الكثير من الأهداف الإسرائيلية في معادلتها للتصعيد في سوريا ضمن مخططها الإقليمي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهو ما يدفع للتساؤل التالي؛ ما حملته الضربات الإسرائيلية الأكبر في سوريا منذ بداية العام 2025، عقب أحداث جرمانا وصحنايا، من دلالات كاشفة؟
دلالات الضربات الإسرائيلية في سوريا
بالنظر إلى طبيعة الأهداف العسكرية الإسرائيلية في أعنف الضربات الإسرائيلية على سوريا خلال العام 2025، يُمكن الخروج بعدد من الدلالات الكاشفة للاستراتجية الإسرائيلية تجاه سوريا، وكذلك ما تعتمده من أدوات في تنفيذها، والتي إن كانت تتضمن في القلب منها دروز سوريا، لكنها تكشف كذلك عن المنظور الدرزي للإدارة السورية الجديدة ودورها في القيام بدورها في توفير الحماية والأمن لكافة فئات المجتمع السوري بما في ذلك دروز سوريا. وهو ما يُمكن مناقشته كالتالي:
- فرض الوصاية الجبرية الإسرائيلية على دروز سوريا:
منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام الرئيس السابق “بشار الأسد” في 8 ديسمبر 2025، واستندت التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري إلى خطاب سياسي مفاداه؛ أنه على الحكومة السورية الجديدة أن تولي اهتمامًا بالغًا بحماية الأقليات في سوريا، مع إيلاء خصوصية بالغة بدروز سوريا المتمركزين في الجنوب السوري وعلى مقربة من الحدود الإسرائيلية السورية، مع انتهاج سياسية تُدعي “لم الشمل” في إشارة إلى إعادة الجمع بين عائلات الدروز في سوريا مع عائلات الدروز في إسرائيل، لا سيما القاطنين في الجولان المحتل الذي يقطنه أكثر من 24 ألف درزي، والعمل على ضمهم تحت مظلة وتوجيهات الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل “موفق طريف” الذي ينتهك سياسة متماهية وداعمة لتل أبيب، وهو ما يُستدل عليه في الزيارة التي نظمتها تل أبيب في 14 مارس 2025 لوفد ضم نحو 60 رجل دين من الدروز السوريين في 3 حافلات رافقتها مركبات عسكرية إسرائيلية إلى بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، والتي كانت هي الأولى من نوعها منذ حوالى 50 عامًا، للقاء دروز سوريا بدروز إسرائيل، مع إجراء زيارة لمقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا، ولقاء الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف”، بما يكشف عن توظيف تل أبيب لدروز إسرائيل لتمرير المخطط الإسرائيلي تجاه جنوب سوريا، ولإذابة الجليد بين شيوخ عقل الدروز في سوريا وتل أبيب، واستمالتهم إلى الصف الإسرائيلي، بما يُضفي الشرعية المجتمعية والسياسية على التحركات الإسرائيلية في سوريا.
علاوة على ذلك، برز جانب آخر من توظيف تل أبيب لدروز إسرائيل خلال اشتباكات جرمانة وأشرفية صحنايا، مع تداول مقاطع فيديو لمجموعات من الدروز في الجولان السوري المحتل يعبرون الشريط الحدودي إلى الجانب السوري، تحت مراقبة الجنود الإسرائيليين، قبل أن يقوموا بدفع البوابة الحدودية المغلقة المؤدية إلى الجانب السوري، في مشهد يعكس جانين رئيسيين؛ أولهما: ما يُمكن تسميته بـ”الصحوة الدرزية” لدروز إسرائيل، نصرة لأهاليهم في سوريا في ظل تعرضهم لحرب طائفية تعمل على تصفيتهم، تأتي اتساقًا مع سياسة “لم الشمل الدرزي” الإسرائيلية السابق الإشارة إليها، وأحد أبعادها المكملة لها.
أما بالنسبة لثاني: الجوانب الكاشفة فتتمثل في التوظيف الإسرائيلي لما تعرض له دروز سوريا من عنف لإضفاء شرعية على ما نفذته من سلسلة ضربات عنيفة في سوريا، بدعوى أنها تأتي تلبية لمطالب دروز الجولان المحتل لحماية أهاليهم في سوريا؛ فلا يُمكن القول إن عبور مجموعات درزية لنقطة الحدود إلى الجانب السوري جاءت دون تنسيق وتوجيه وتخطيط إسرائيلي مسبق، وهو ما يُستدل عليه بتأكيد الجيش الإسرائيلي على مواصلة عملياته في سوريا للدفاع عمن وصفهم بالمدنيين الإسرائيليين -في إشارة إلى دروز سوريا- ثم الإعلان يوم 3 مايو 2025 عن الانتشار في جنوب سوريا، واستعداده لمنع دخول قوات معادية إلى المناطق الدرزية، وأنه يواصل متابعة التطورات مع الحفاظ على الجاهزية للدفاع ولمختلف السيناريوهات، وذلك دون توضيح لعدد القوات المنتشرة أو نطاق انتشارها.
علاوة على ذلك، انكشفت خلال الضربات الإسرائيلية في سوريا جانب آخر من فرض الوصاية الجبرية على دروز سوريا والممثل في سرعة تقديم الدعم الإنساني الإسرائيلي لدروز سوريا؛ حيث نقل الجيش الإسرائيلي 10 مواطنين دروز سوريين مصابين في الاشتباكات الأخيرة، على دفعات إلى إسرائيل لتلقي العلاج داخل تل أبيب، كما أكدت هيئة البث الإسرائيلية هبوط مروحية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي نقلت مساعدات إنسانية ومعدات إلى الدروز في السويداء، وهو ما نفاه وجهاء الدروز والمتحدث الرسمي باسم حركة رجال الكرامة “الدرزية” باسم “أبو فخر”، مع التأكيد على افتقار الإدعاءات الإسرائيلية لأدلة تُثبت صحة هذا الخبر، مع الإشارة إلى أن السلطة الإسرائيلية قامت بالفعل بتوزيع مساعدات في منطقة جبل الشيخ الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
ومن ثَمّ، يُمكن تفسير التصريحات الإسرائيلية حول نقل مساعدات إلى دروز السويداء على أنها تأتي في إطار محاولة إسرائيلية لإضفاء الشرعية على تحركاتها في الداخل السوري تحت دعوى حماية دروز سوريا، بالإضافة إلى أنها تأتي في محاولة لبث الفرقة والانقسام بين شيوخ العقل الدرزية عبر إيصال رسائل بأن تل أبيب على تواصل مع فصائل درزية داعمة للتدخل السوري.
لكن من اللافت في هذه المسألة، أن الحديث الإسرائيلي عن نقل المساعدات لدروز السويداء لم يكن الأول، حيث سبق وأن كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية في 13 مارس 2025، عن تسليم 10 آلاف حزمة من المساعدات الإنسانية للدروز في محافظة السويداء، تضمنت سلعًا أساسية، مثل الزيت والطحين والملح والسكر، وهو ما قد ينطوي على خطرين ضمنيين في حال إن كانت الإدعاءات الإسرائيلية صحيحة؛ أولهما: وجود بالفعل فصائل درزية داعمة للتدخل الإسرائيلي، مرفوضة من جموع شيوخ العقل الثلاثة الدرزية، تتلقى دعمًا إسرائيليًا، أما الخطر الثاني: فيتمثل في محتوى الشاحنات المنقولة والتي قد تتضمن أسلحة، لتعزيز الحماية الذاتية الدرزية في مواجهه أي هجمات من قبل فصائل مسلحة على غرار ما حدث في جرمانا وصحانيا وأشرفية صحنايا، وإخفائها تحت غطاء إنساني، كسبيل لفتح الباب لإشعال الوضع الأمني في جنوب سوريا وخلق بيئة فوضوية مبررة لمزيد من التدخل الإسرائيلي.
وما يزيد الأمور تعقيدًا ويُعظم من خطورة التحركات الإسرائيلية، هو أن تل أبيب تعمل بالتوزاي على مخطط لانفصال السويداء عن محيطه السوري، وتفتيت محاولات شيوخ عقل دروز سوريا للتمسك بالهوية السورية والانتماء الجغرافي والثقافي والمجتمعي للدولة السورية، وضمها إلى البقعة الجغرافية العربية المحتلة من قبل تل أبيب، أو على أقل التقديرات إقامة حكم ذاتي درزي تابع للحكومة الإسرائيلية. ولقد رصدت منصة إيكاد –منصة استخباراتية مفتوحة المصدر- ملامح المخطط الإسرائيلي لانفصال السويداء عن محيطه السوري، والذي يتضمن حملة منظمة تدعو لانفصال السويداء تقودها شبكة مكونة من الشخصيات الدرزية في السويداء، وشخصيات إسرائيلية قاطنة في أوروبا وإسرائيل، لدعم السردية الإسرائيلية الرامية نحو انفصال السويداء، إلى جانب إضفاء الشرعية على التدخل الإسرائيلي في الجنوب السوري.
ولقد افادت إيكاد بأن الحملة الإسرائيلية الممنهجة تتكون من ثلاثة أقسام؛ أولها: الشق الاقتصادي الذي يوظف الأوضاع الاقتصادية المتردية في السويداء لاستقطاب دروز سوريا للعمل في إسرائيل عبر نشر إعلانات توظيف بإسرائيل موجهة لدروز سوريا، ودعمها من قِبل شخصيات درزية بمبادرات مجتمعية مشبوهة، وبالتالي تكوين شبكة مجتمعية درزية داعمة لتل أبيب في كل ما تتخذه من سياسات، وبناء موقف درزي متكامل لدروز سوريا.

أما بالنسبة للجانب الثاني فهو الشق الإعلامي الممثل في تكوين صفحات إعلامية ولجان إلكترونية تحمل الهوية الدرزية لترويج السردية الإسرائيلية الداعمة لإنفصال السويداء، ومبررات فرض الحماية الإسرائيلية لدروز سوريا، بينما يُمثل الشق السياسي آخر جوانب الحملة الإسرئيلية، التي تتضمن شخصيات إسرائيلية ضمن الشبكة تُدعم المبادرات الانفصالية الداعية للتدخل الإسرائيلي عبر الدخول العسكري والتطبيع الاقتصادي.
فكانت نقطة البداية في إعلان توظيف إسرائيلي موجه لدروز سوريا، نشره حساب إسرائيلي يُدعى “يامال شيفسكي”، ثم حذفه أو أخفاه عن العامة لاحقًا. لكن من اللافت أن الإعلان تم تداول الإعلان من قِبل شخصيات سورية درزية عديدة، لتنكشف تدريجيًا عناصر الشبكة الداعية لانفصال السويداء وتغيير الواقع في جنوب سوريا، فكانت أولى الصفحات المعنية صفحة تُدعى “ناقد Critic”، التي أنشئت في فبراير 2025 مع تصاعد دعوات الانفصال في السويداء، والمحدد موقعها على الصفحة في كل من جرمانا الواقعة في ريف دمشق والسويداء، وأنه بتتبع رقم الهاتف الظاهر في بياناتها، عبر البرامج المتخصصة، تبين أن الصفحة تعود لشخص يُدعى “مشعل الشعار”.

وبالبحث عن معلومات حول “مشعل”، توصلت المنصة إلى أن “مشعل الشعار” يقيم في السويداء ويروج لروايات التطبيع مع إسرائيل، وكان يضع على غلاف حسابه صورة تحمل شعار “المجلس العسكري للسويداء” لكنه حذفها لاحقًا. كما توصلت المنصة إلى تدشين “مشعل” صفحة أخرى باسم “الحركة الشبابية الخدمية” في 4 مارس 2025، وذلك قبل أيام قليلة من أول إعلان رسمي إسرائيلي يدعو لعمل الدروز في قطاعي الزراعية والبناء في إسرائيل يوم 9 مارس، قبل إلغائه في 2 أبريل 2025 إثر انتقادات ورفض من قيادات أمنية وعسكرية إسرائيلية لتجنب التصعيد مع الإدارة السورية الجديدة.
وتفاعل مع صفحتي مشعل مجموعة من الشخصيات تُعد جزءًا من شبكة أوسع للحملة الإسرائيلية الممنهجة، منها حساب يُدعى “أبو كنان ملا”، الذي ينشط بكثافة في حملات مضادة ورافضة للإدارة السورية الجديدة، ويدعو للانفصال ويروج للرواية الإسرائيلية، بالإضافة إلى حساب يُدعى “طاهر غزالي” الذي غادر سوريا في العام 2017، متوجهًا إلى هولندا، إلى أن نشر في مارس 2025 صورة بمقام النبي شعيب من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب نشره صورًا أخرى مع شخصيات درزية إسرائيلية معروفة مثل الشيخ “أبي يوسف القضماني”، وهو ما يكشف عن شبكة تنسجها تل أبيب، تضم شخصيات درزية سورية محلية، وبدعم من الشيوخ الدرزية الإسرائيلية.


كما كشف تحقيق منصة إيكاد عن صفحة أُخرى ضمن شبكة المتفاعلين مع “مشعل” منسوبة لشخص يُدعى “فؤاد مراد” المُقيم في هولندا، والداعم بشكل واضح لإسرائيل في كافة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و” وانستجرام”، بالإضافة إلى الكشف عن صفحة لـ “حمزة معروف”، وهو شخصية درزية متطرفة معادية للإسلام يعمل كاتبًا في صفحة Druze Press” التي تدعي أنها قناة إعلامية، ويعمل على الترويج للسردية الإسرائيلية الانفصالية. علاوة على ذلك، ضمت الشبكة “شادي أبو عمار”، وهو ناشط يقيم في هولندا، يدير حسابات تتبنى سردية التطبيع والولاء لإسرائيل، مثل “الحركة الشبابية الدرزية”، ويعمل كاتبًا في حساب “وحيد”؛ مما يعني أن الحساب يتبع لشبكة أكبر تكتب فيه.


ومن الشخصيات التي كشفتها منصة إيكاد هي الدرزي “معضاد خير” مؤسس صفحة “الدرع السيبراني الدرزي”، والتي وصلت إلى 100 ألف متابع خلال فترة وجيزة عبر تضخيم غريب، بينما ذكر مقربون من الحكومة الإسرائيلية أنه عُين مستشارًا لوزير الاتصالات الإسرائيلي الدرزي “أيوب كارا”، الذي أعلن في فبراير 2024، عن محادثات لاستقدام العمال الدروز من السويداء إلى إسرائيل، بدلًا من عمال الضفة، كما أنه هو الشخص نفسه الذي ارتبط به “فؤاد مراد” الذي ذكرناه سابقًا، بما يكشف عن شخصيات إسرائيلية تقود هذه الشبكة، يليه “أبو شعيب عزام”. الذي أنشأ حسابه على فيسبوك في ديسمبر 2024، مُعرفًا نفسه بأنه من السويداء ويعيش في إسرائيل، وسخر في أحد منشوراته من رموز إسلامية، وتربطه علاقة صداقة ومتابعة من قِبل حسابات عديدة وصفحات للشبكة مثل “معضاد خير” وصفحة “السويداء جبل الدروز” و”سويداء الكرامة” و”شادي أبو عمر” .
أما بالنسبة لثالث الشخصيات الإسرائيلية التي تقود هذه الشبكة فيدعى “مندي الصفدي“، وهو إسرائيلي درزي يشغل مدير “مركز الصفدي” للدبلوماسية الدولية، وينشط بقوة على مواقع التواصل مثل فيسبوك ويوتيوب، من خلال محاورات يجريها مع شخصيات درزية أخرى، وينشر فبركات حول الرئيس السوري “أحمد الشرع”، ويروّج لما أسماه مجزرة المسيحيين، والتوتر مع الدروز، ويدعو إسرائيل بألا تفوت فرصة هذه التطورات، وتجمعه علاقة مع باقي أعضاء الشبكة الذين يروّجون بدورهم لحواراته ومنشوراته.

بينما تعود رابع الشخصيات الإسرائيلية التي كشفها تحقيق منصة إيكاد لـ “ناجي حلبي”، وهو شخصية درزية، على ارتباط مع باقي أفراد الشبكة مثل “أبو كنان ملا” وصفحة “السويداء جبل الدروز”، وروج بشكل واسع لمقاطع الفيديو الخاصة بزيارة الوفد الدرزي لإسرائيل، لكن من اللافت على صفحته هو الترويج لأحد شيوخ العقل الدرزي الثلاثة “حكمت الهجري”، رغم أن الأخير متمسك بالموقف الدرزي السوري الموحد الرافض للتدخل الإسرائيلي في سوريا، وهو ما يُمكن تفسيره بأنه شيخ العقل الذي من المجدى لتل أبيب استقطابه؛ نظرًا لما يتبناه من آراء، وانتهاجه للخطاب التصعيدي الانتقادي؛ حيث سبق وأن أعرب الهجري عن رفضه القاطع للإدارة السورية الجديدة لحد وصفه بأنها حكومة “متطرفة ومطلوبة للعدالة الدولية”، كما رفض الاعتراف بالإعلان الدستوري، ووصفه بأنه “غير منطقي”، وهو ما يعني وجود مساحة مشتركة من التوافق مع الرؤية الإسرائيلية التي قد تكون نقطة انطلاق لتعاون درزي سوري إسرائيلي، وهو ما تعمل تل أبيب على تحقيقه عبر أذرعها الإلكترونية، لإحداث الفرقة والانقسام بين شيوخ العقل الدرزي الثلاثة كسبيل لتفتيت الموقف الدرزي الموحد الرافض لتل أبيب.
ومن ثَمّ، يُمكن القول إن مواقع التواصل الاجتماعي تُعد إحدى الأدوات المُستخدمة للترويج للسردية الإسرائيلية، عبر شبكة مكونة من شخصيات إسرائيلية ودرزية سورية خارجة عن الصف السوري الدرزي، كسبيل لزرع تيار معارض داخل الفئة الدرزية الموحدة والرافضة للتدخل الإسرائيلي، وهو ما يُستدل عليه بعدد من المؤشرات الدالة والكاشفة؛ أولها: وجود هوية بصرية موحدة لكافة الحسابات التابعة لعناصر الشبكة، ثانيها: تغيير الحسابات لصورة البروفايل الخاصة بهم في وقت متزامن، إلى صور مرتبطة بإسرائيل، وبالتزامن مع إعلانات التوظيف الإسرائيلية لدروز سوريا في الجولان المحتل، ثالثها: تنشر هذه الحسابات منشورات وفيديوهات موحدة تهاجم الإدارة السورية وبشكل متزامن.
أما بالنسبة لرابع المؤشرات فتتمثل في قيام حسابات الشبكة بتضخيم منشورات تدافع عن السردية الإسرائيلية الداعية إلى انفصال السويداء، في مواجهه الرواية السورية الدرزية الداعمة للوحدة السورية، والمتمسكة بالفئة الدرزية ضمن مكونات المجتمع السوري، وهو ما يؤكد في مجمله بأن هذه الحسابات ليست حسابات فردية، بل شبكة إسرائيلية مدعومة من قبل عناصر سورية درزية خارجة عن الصف الدرزي، تعمل على الترويج للسردية الإسرائيلية الداعية لانفصال السويداء عن محيطه السوري العربي، وضمه إلى المناطق المحتلة.
- أزمة ثقة بين الإدارة السورية الجديدة ودروز سوريا
كشفت أحداث مدن جرمانا وصحنايا، عن ثاني الدلالات الكاشفة من الضربات الإسرائيلية الأعنف في سوريا منذ العام 2025، والممثلة في وجود أزمة ثقة بين مواطني سوريا من الدروز والإدارة السورية الجديدة، حاولت الأخيرة معالجتها بشكل مؤقت بالتوصل إلى اتفاق مصالحة بين السلطة الانتقالية وأهالي محافظة السويداء، لإعادة الوضع الأمني المستقر إلى السويداء، وبناء قناة تواصل والحفاظ على نقاط تفاهم بين حكماء السويداء وحكومة دمشق، وهو ما يُستدل عليه بعدة مؤشرات؛ أولها: البيان الصادر عن شيخ العقل الدرزي السوري حكمت الهجري تعليقًا على أحداث جرمانا وصحنايا، والكاشف لحجم الفجوة بين الإدارة السورية الجديدة ودروز سوريا للحد الذي دفعه للقول؛ “لم نعد نثق بهيئة تدعي أنها حكومة لأن الحكومة لا تقتل شعبها بواسطة عصاباتها التكفيرية التي تنتمي إليها وبعد المجازر تدعي أنها عناصر منفلتة ولا نثق بوجود عناصرها بيننا”، مستكملًا بيانه بطلب الحماية الدولية لحفظ السلم ولمنع استمرار هذه الجرائم ووقفها بشكل فوري.
أما بالنسبة لثاني المؤشرات الكاشفة لغياب الثقة بين دروز سوريا والإدارة الجديدة، مع تمسك الأول بانتمائه للدولة السورية، وكونه جزءًا من النسج المجتمعي السوري، فيتمثل في ما ورد من بنود في الاتفاق الموقع بين شيوخ العقل الثلاثة حكمت الهجري، ويوسف جربوع، حمود الحناوي، بالإضافة إلى أعيان من المحافظة، وممثلين عن الفصائل العسكرية في 3 مايو2025، من أجل ضبط الوضع الأمني في السويداء، والتي كان أبرزها؛ تفعيل قوى الأمن الداخلي (الشرطة) من أفراد سلك الأمن الداخلي سابقًا، وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء محافظة السويداء حصرًا وبشكل فوري، بما يكشف عن تمسك دروز سوريا بالحماية الذاتية لأمنهم الداخلي، إلى جانب تمسكهم في الوقت ذاته بالبقاء تحت كنف الدولة والرفض القاطع لأي دعوات للانفصال أو التقسيم.
بينما تتمثل ثالث المؤشرات في الرفض القاطع لدروز سوريا تسليم سلاحهم إلى قوات الإدارة السورية الجديدة وتمسكهم بالحماية الذاتية لمصالحهم دفاعًا عن أبناء السويداء وليس بهدف الهجوم والعدوان، مع التأكيد على عدم مناقشة هذه المسألة في الاتفاق الموقع بين وجهاء السويداء وحكومة دمشق، وأن دروز سوريا ليس لديهم مشكلة بتنظيم السلاح، ولكن ليس تسليمه، بما يضم بقاءه ضمن الحدود الإدارية للمحافظة وتابعًا للدولة، مثلما جاء على لسان المتحدث باسم حركة “رجال الكرامة” باسم أبي فخر، كأكبر حركة درزية مسلحة في السويداء. علاوة على ذلك وفي رابع المؤشرات الكاشفة، أعلن دروز يسكنون بالقرب من العاصمة السورية دمشق في 6 مايو عن رفضهم لطلب الحكومة بتسليم أسلحتهم الخفيفة، قائلين إن السلطات لم تعالج بعد المخاوف من أن يشن متشددون هجمات جديدة؛ مما يدفعهم للتمسك بحق الحماية الذاتية.
- رفض إسرائيلي لتنامي النفوذ التركي في سوريا
إن إحدى الدلالات الكاشفة من حزمة الضربات الإسرائيلية في سوريا، والمنعكسة في تحليق الطيران الإسرائيلي في ريف إدلب وحلب وحمص وحماة، بعيدًا عن مناطق الاشتباكات في مدن جُرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا، والتي جاءت بالتزامن مع تحليق للطيران التركي في الأجواء السورية نفسها، هو الرفض الإسرائيلي للنفوذ التركي في سوريا، وسعى تل أبيب لتحجيم نطاق هذه النفوذ بما يضمن عدم تمدد أنقرة إلى الجنوب السوري، بما يكشف عن أحد الشواغل الإسرائيلية في سوريا؛ حيث نشرت صحيفة “سوزجو” التركية تفاصيل مواجهة كادت أن تحصل بين تركيا وإسرائيل فوق الأجواء السورية يوم الغارات الإسرائيلية الكثيفة على سوريا في 2 مايو، مع قيام طائرات تركية من طراز إف-16 بدوريات في المنطقة التي كانت تُنفذ فيها الطائرات الإسرائيلية غاراتها، وإرسال الطائرات التركية إشارات تحذير عبر أنظمتها الإلكترونية للطائرات الإسرائيلية، وأنه تم التواصل عبر أجهزة اللاسلكي لفترة قصيرة بين الطائرات، مع تجنب الجانبين الاشتباك المباشر، وهو ما يكشف عن حرص تل أبيب في رسم خطوط حمراء للتوغل التركي في سوريا التي يشكل خطورة بالغة على النفوذ الإسرائيلي في سوريا.
علاوة على ذلك، استهدفت الضربات الإسرائيلية في سوريا مليشيات موالية لتركيا تعمل في شمال سوريا، بما في ذلك لواءا السلطان مراد وسليمان شاه، التابعان لأنقرة، واللذان يتلقيان دعمًا لوجيستيًا وتسليحًا تركيًا واسعًا، ناهيك عن خضوعهما لتدريبات تركية، وهو ما يأتي في مجمله جزء من الخطة التركية لتعزيز النفوذ والاختراق التركي في سوريا، والتي تتضمن نشر أنقرة عدة قواعد جوية استراتيجية، منها قاعدة T4 في حمص التي تلقت ضربات إسرائيلية عدة مدمرة وأخرى في حماة، بالإضافة إلى العمل على نشر طائرات غير مأهولة وأنظمة دفاع جوي، ستعمل على تقييد حرية تحرك الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية. كما تخشى تل أبيب من منح الفرصة لأنقرة لتوسيع الوجود العسكري التركي شرقي حمص، بما يُمهد الطريق أمام القوات التركية للتحرك جنوبا، والتمركز على مقربة من مناطق النفوذ الإسرائيلي في سوريا.
- تدمير ترسانة الأسلحة والصواريخ العسكرية السورية
على الرغم من الترويج الإسرائيلي بأن الهدف من شن تل أبيب أعنف ضرباتها في سوريا خلال العام 2025 هو حماية دروز سوريا، فإن الضربات الإسرائيلية الأخيرة عكست أحد الشواغل الإسرائيلية في سوريا، والممثلة في تدمير ما تبقى من المواقع العسكرية التابعة للنظام السوري السابق، لضمان عدم وقوعها في أيدي الإدارة السورية الجديدة التي تنظر إليها تل أبيب على أنها حكومة متطرفة، وهو ما ينعكس في ضم الضربات الإسرائيلية عدة مواقع تابعة للنظام السابق، والتي يأتي من بينها مقر اللواء 47، وهو قاعدة عسكرية في ريف حماة الغربي، ومركبة شيلكا مضادة للطائرات المتمركزة في جنوب دمشق، والتي تأتي كجزء من موقع اللواء 175 التابع للنظام السابق قرب إزرع، بالإضافة إلى استهداف موقع تابع للواء 41 قرب حرستا بدمشق.
فعلى الرغم من أن تل أبيب اعتادت استهداف المواقع العسكرية ومخازن الأسلحة والمراكز البحثية منذ العام 2012 وربما قبل ذلك، فإن تل أبيب وسعت من ضرباتها وأهدافها عقب سقوط نظام الأسد لضمان تدمير القدرات العملياتية واللوجستية العسكرية والبحثية للدولة السورية. لكن مع ذلك لا يزال هناك الكثير من ترسانة الأسلحة والصواريخ البالستية السورية التي نجت من الضربات الإسرائيلية، وتحرص تل أبيب على تدميرها في ضرباتها المستهدفة من حين لآخر. فعلى سبيل المثال، قصفت تل أبيب قاعدة سكود العسكرية في القطيفة، وأجزاء من مصنع سكود في جبل تقسيس، ومصنع الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب في السفيرة، لكن لا يزال هناك بعض قدرات الصواريخ التي نجت من الضربات الإسرائيلية وفق ما ورد في مقاطع فيديو من القطيفة والمسجلة بعد إحدى الضربات، والتي تكشف عن العديد من منصات الإطلاق والناقلات (TELs) من نظام سكود من طراز MAZ-543 التي لا تزال سليمة داخل عمق نفق.
صورة لقاعدة سكود العسكرية في القطيفة قبل وبعد الاستهداف الإسرائيلي

علاوة على ذلك، يبدو أنه من ضمن الشواغل والأهداف الإسرائيلية غير المعلنة من التوغل الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، وحظر نشر أي أسلحة بعيدة المدى مثل منصات إطلاق الصواريخ على مسافة تصل إلى 65 كم من السياج الحدودي، تنتهي عند الطريق الرابط بين العاصمة دمشق ومدينة السويداء الجنوبية، مع احتفاظ تل أبيب بحرية الحركة في الأجواء السورية وتوفير غطاء جوي إسرائيلي لتأمين هذه المنطقة، هو حرص تل أبيب على السيطرة على منشآت برنامج الأسلحة الكيميائية السوري المكونة من مراكز أبحاث عريقة في ضواحي دمشق ومستودعات تخزين نائية مخفية في ريف حمص وطرطوس؛ حيث تتمركز المرافق العلمية الأساسية المرتبطة بالمعهد 6000 الذي يُعد الأساس العلمي للأسلحة الكيميائية السورية، في منطقة دمشق وريفها، بينما تتمركز مواقع الفرع 450 الذي يُعد الجهاز الأمني السري الذي يتولى حماية هذه الأسلحة ونقلها، في حمص.
علاوة على ذلك، تأتي الضربات الإسرائيلية في الجنوب السوري ضمن منطقة النفوذ الإسرائيلي المحددة بـ65 كم داخل الأراضي السورية، بما في ذلك محافظة السويداء وريف دمشق، بهدف الحفاظ على منطقة عازلة بين قواتها، وقوات الإدارة السورية الجديدة، وبالتالي دفع الصراع بعيدًا عن معاقلها من جانب، ولضمان استكمال خطتها في استكمال بناء مزيد من المواقع العسكرية التي بلغت حتى 10 مايو 2025 نحو 14 موقعًا عسكريًا في 20 بلدة وقرية واقعة في مدينتي القنيطرة ودرعا، وعلى طول المنطقة العازلة من جانب آخر.
نهاية القول، إن الإدعاء الإسرائيلي بأن تدخلها في الجنوب السوري، مع نشر مزيد من القوات، وإنشاء الكثير من المواقع العسكرية، بهدف حماية دروز سوريا في الجنوب السوري، لا سيما القاطنين في محافظة السويداء، يحمل من ورائه العديد من الأهداف الإسرائيلية التي تكشف في مجملها جُملة من الشواغل الإسرائيلية العاكسة للخطوط الحمراء الإسرائيلية في سوريا، ومهددات أمنها القومي، والممثلة في استمرار استهداف ترسانة الأسلحة والصواريخ والقواعد العسكرية في سوريا لضمان تقويض سلطة الإدارة السورية الجديدة باعتبارها حكومة متطرفة وفق المنظور الإسرائيلي، إلى جانب تحجيم النفوذ التركي في سوريا، مع الحفاظ على منطقة عازلة بين مناطق النفوذ التركي، ونظيرتها الإسرائيلية في سوريا. يُضاف إلى ذلك، كشفت الضربات الإسرائيلية في سوريا عن حجم الفجوة بين الإدارة السورية الجديدة ودروز سوريا، مع تفضيل الأخيرة إلى الاعتماد على سياسة “الحماية الذاتية” في ظل التمسك بالبقاء تحت كنف الدولة السورية، وهو ما يُمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الإدارة السورية الجديدة، والتي قد تكون في حد ذاتها نواة لمزيد من أعمال العنف والاشتباكات في المستقبل القريب.