في تطور مفاجئ، أعلنت قطر أنها ستنسحب من منظمة الدول المُصدّرة للبترول (أوبك) اعتبارًا من يناير 2019، وذلك بعد مرور نحو 57 عامًا على انضمامها للمنظمة في عام 1961. وكانت المنظمة قد تأسست في عام 1960 بعضوية خمس دول (هي: العراق، وإيران، والكويت، والسعودية، وفنزويلا)، بينما كانت قطر أول دولة انضمت إلى المنظمة بعد تأسيسها.
إعلان الانسحاب القطري من المنظمة جاء في تصريحات أدلى بها وزير الطاقة القطري “سعد الكعبي”، في مؤتمر صحفي عُقد يوم الاثنين 3 ديسمبر (2018). “الكعبي” برر قرار الانسحاب بأن قطر تسعى للتركيز على السلعة الأولية التي تبيعها، في إشارة للغاز الطبيعي، لكنه شدد على أن دولته “ستواصل الالتزام بجميع التعهدات مثل أي دولة خارج أوبك”. كما أشار إلى أن انسحاب قطر من المنظمة يرجع إلى أسباب فنية واستراتيجية، و”ليس لأسباب سياسية”.
وبحسب بيانات أوبك، تبلغ احتياطيات قطر من البترول 25.24 مليار برميل، بما يمثل نحو 2.1% من إجمالي احتياطيات دول أوبك، بينما يبلغ إنتاجها اليومي من النفط 600 ألف برميل تقريبًا، أي أقل من 2% من إجمالي إنتاج المنظمة المقدر بنحو 33 مليون برميل يوميًّا. ويُشكل إنتاج المنظمة ككل حوالي 35% من إجمالي إمدادات الخام في السوق العالمية. ومن أصل 15 عضوًا في منظمة أوبك، تأتي قطر في المركز الحادي عشر من حيث الإنتاج، أي إنها خامس أصغر منتج بعد كلٍّ من: الإكوادور، والكونغو، والجابون، وغينيا الاستوائية.

انسحابات سابقة
ليست قطر أول دولة تنسحب أو تعلق عضويتها من أوبك، لكنها تُعد أول دولة عربية تُقدِم على هذه الخطوة، فقد علقت إندونيسيا عضويتها بالمنظمة في يناير 2009، ثم أعادت تنشيطها بعد ثماني سنوات (في يناير 2016)، ثم قررت تعليقها مرة أخرى في الاجتماع رقم 171 لمؤتمر أوبك في 30 نوفمبر من العام ذاته، بعد أن تحولت إلى دولة مستوردة للنفط، ولم يؤثر ذلك القرار على أداء المنظمة أو تحقيق أهدافها، علمًا بأن إندونيسيا اعتادت إنتاج حوالي ضعف إنتاج قطر من البترول.
كما علقت الإكوادور عضويتها بالمنظمة في ديسمبر 1992، بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التي كانت تواجهها، لكنها أعادت تفعيل عضويتها مرة أخرى في أكتوبر 2007. وأنهت الجابون عضويتها بالمنظمة في يناير 1995، لكنها عادت إليها في يوليو 2016.
تداعيات اقتصادية محدودة
من المُقرر أن يُعقد اجتماع أوبك القادم (الاجتماع الاعتيادي رقم 175) يوم الخميس الموافق 6 ديسمبر (2018) في فيينا. وتترقّب كلٌّ من الدّول المصدّرة والمستوردة للنّفط -على حد سواء- هذا الاجتماع، إذ يُتوقّع أن تتمخض عنه قرارات متعلقة بتقليص إمدادات النفط بعد أشهر من زيادتها، خشية تعرض الأسواق لتخمة المعروض، وتجنب حدوث صدمة بالأسعار.
ويعتقد العديد من الخبراء أن خفض الإنتاج سيكون بمستويات تدعم تعافي أسعار النفط، واتجاهها صوب مستوى 70 دولارًا للبرميل، لا سيما بعد التراجع الكبير في الأسعار بأكثر من 30% خلال الأسابيع القليلة الماضية. وكان أعضاء أوبك ومنتجون مستقلون آخرون، على رأسهم روسيا، قد بدأوا مطلع عام 2017 تنفيذ اتفاق لخفض الإنتاج إلى 1.8 مليون برميل يوميًّا، تم تقليصه إلى 1.2 مليون برميل اعتبارًا من يوليو 2018، على أن ينتهي الاتفاق في ديسمبر 2018.
ويأتي اجتماع أوبك القادم في أعقاب قمة مجموعة العشرين التي اختتمت اجتماعها في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس (30 نوفمبر – 1 ديسمبر 2018)، والتي ناقشت السياسة النفطية، بجانب قضايا أخرى مثل الحرب التجارية بين واشنطن وبكين.
في ظل هذه الأجواء، من المتوقع أن يكون القرار القطري محدود التأثير على أسعار وأسواق النفط في ظل وجود منتجين كبار آخرين لا يزالون ملتزمين بالحفاظ على استقرار مستوى العرض. بهذا المعنى، فإن قرار قطر ربما ينتهي عمليًّا إلى تعميق عزلتها في ظل أزمتها مع عددٍ من القوى العربية الفاعلة. كما أنه من غير المتوقع أن يؤثر هذا القرار على اتفاق “أوبك +”، ذلك أن الجانب القطري، حتى وإن انسحب من المنظمة، سيفي بالتزاماته، كغيره من الدول غير الأعضاء في المنظمة.
ومع ذلك، وحتى إذا بدأت قطر في زيادة الإنتاج، فلن تكون هذه الزيادة ذات تأثير خطير على سوق النفط، فقد بلغ حجم خفض الإنتاج القطري 30 ألف برميل يوميًّا، وفي أكتوبر الماضي سجل نحو 40 ألف برميل يوميًّا، مما يشير إلى وجود بعض الصعوبات أمام زيادة الإنتاج.
وفي السياق ذاته، ارتفعت أسعار البترول خلال تعاملات يوم الاثنين 3 ديسمبر الجاري (2018)، بسبب اقتراب موعد اجتماع أوبك. فمن المتعارف عليه أن أسعار البترول تتذبذب قبيل عقد اجتماعات أوبك، حيث تشهد صعودًا وهبوطًا وفقًا لتوجهات المنظمة. ومن المتوقع اتخاذ قرار بخفض الإنتاج لرفع الأسعار، وهو ما يفسر اتخاذ الأسعار اتجاهًا تصاعديًّا منذ نهاية الأسبوع المنصرم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التنبؤ بتوجهات أسعار النفط أصبح قائمًا على معادلات سياسية جنبًا إلى جنب مع المتغيرات الاقتصادية، إذ أصبحت أسواق النفط العالمية ذات طبيعة معقدة في ضوء مركزية دول بعينها، على رأسها: المملكة العربية السعودية، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، باستخدام أدوات ضغط ذات طبيعة سياسية، ما أدى إلى تعطيل ديناميكيات السوق إلى حد كبير، والمتمثلة في دور قوى العرض والطلب في تحديد توجهات الأسعار العالمية.
تقلبات أسعار البترول خلال عام 2018

Source: Bloomberg Energy

Source: Bloomberg Energy
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنه من غير المرجّح أن يؤثر قرار قطر بالانسحاب من منظمة أوبك على الاقتصاد المصري خلال الفترة المقلبة، في حين من المتوقع أن يتأثر الاقتصاد المصري تأثيرًا مباشرًا بقرارات أوبك خلال القمة المرتقبة، لا سيما إذا تم تخفيض الإنتاج، لما يترتب على ذلك من ارتفاع في أسعار البترول العالمية، ومن ثم التأثير على قيمة واردات مصر من البترول الخام. لكن من الجدير بالذكر أيضًا أن الانخفاض الشديد في أسعار البترول ليس أيضًا في صالح الاقتصاد المصري، لما قد ينجم عن ذلك من تراجع في حجم وقيمة استثمارات شركات البترول العالمية العاملة في مصر، نتيجة التراجع في عائد هذه الاستثمارات في حالة الانخفاض الشديد في الأسعار.