استمرت الاشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في السودان لليوم الثاني، وقد ازدادت حدتها بعد فترة من الهدوء النسبي خلال الساعات الأخيرة من ليل 15 أبريل 2023. أما على المستوى السياسي فقد استمرت النداءات والتحركات الدولية الهادفة إلى حلحلة الموقف والتوصل إلى وقف إطلاق النار بين الجانبين، والعودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات لتسوية الأزمة في السودان.
أولًا: التطورات الميدانية
عادت خلال ساعات الليل وصباح اليوم “الأحد”، الاشتباكات في محيط مبنى القيادة العامة للجيش السوداني في العاصمة الخرطوم، حيث اشتعلت النيران في برج “القوات البحرية” وهو أحد مباني القيادة العامة، وادعت قوات الدعم السريع أنها استولت على المبنى، في حين قال الجيش السوداني إن اشتعال المبنى كان بسبب الاشتباكات. استمر استخدام الطيران الحربي لليوم الثاني، وحاولت قوات الدعم السريع تحجيم هذا النشاط الجوي عن طريق استخدام المدافع المضادة للطائرات.
كذلك شهدت العاصمة خلال تلك الفترة اشتباكات في عدة مناطق أخرى، خاصة في محيط المدينة الرياضية وتقاطع شارع المك نمر مع شارع الجامعة، وفي محيط السوق العربي، وهي مناطق قريبة من القصر الجمهوري. كذلك شهد حي “شمبات” في منطقة “الخرطوم بحري” شمال العاصمة اشتباكات مماثلة، واستخدم الجيش السوداني صباح اليوم دبابات “تي-72” ضد عناصر الدعم السريع على طريق العاصمة الدائري. وقد تمكنت قوات الجيش خلال الليلة الماضية من تأمين محيط مبنى الإذاعة والتلفزيون في أم درمان.
أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية اليوم، ارتفاع عدد قتلى اشتباكات السودان إلى 56 والإصابات إلى 595.
تراجعت وتيرة بيانات قوات الدعم السريع خلال هذه الفترة، واقتصرت على بيان أعلنت فيها نفيها مقتل قائدي قواتها في إقليم شمال وغرب دارفور، وأكدت على استمرار المعارك هناك، بجانب بيان آخر أعلنت فيه عن اسقاط مقاتلة سودانية في الخرطوم، لكن نفى الجيش السوداني هذا الادعاء. كذلك تحدثت قوات الدعم السريع عن تعرضها لهجوم جوي في بورتسودان مساء أمس، وحذرت من “مغبة ذلك التدخل الأجنبي”، وأعلنت إسقاط طائرة بدون طيار في قاعدة “قري” العسكرية شمال مدينة أم درمان الواقعة شمال العاصمة الخرطوم، لكن لم تتوفر معلومات موثقة حول هذا الأمر.
الجيش السوداني أعلن عن استسلام عشرات من منتسبي قوة الدعم السريع، وتسلمه عدد من مواقع هذه القوة في عدة مناطق، توفر في بعضها تسجيلات مصورة تؤكد ذلك، وهي على النحو التالي:
مقرات في مدينة بورسودان شمال البلاد – والتي شهدت للمرة الأولى اشتباكات منذ مساء أمس قرب القاعدة البحرية الموجودة في المدينة.
كادوقلي“، عاصمة ولاية جنوب كردفان.
الدمازين، عاصمة ولاية النيل الأزرق – والذي احتوى على عشرات العربات والشاحنات.
القوة في مدينة كسلا عاصمة الولاية التي تحمل نفس الأسم.
قري – كرري” العسكرية شمال أم درمان الواقعة شمال العاصمة الخرطوم.
من التطورات اللافتة تحرير قوات الجيش السوداني لكل من اللواء ركن الصادق سيد والعميد عثمان عوض الله، اللذين كانا معتقلين في سجن تابع لقوة الدعم السريع منذ أربعة اعوام، وهما من قيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل.
ثانيًا: التحركات وردود الأفعال الدولية
تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم اتصالًا هاتفيًا من الرئيس “سلفا كير”، رئيس جمهورية جنوب السودان. تناول التباحث حول مستجدات الأوضاع الأخيرة في السودان. وأكد الرئيسان خطورة الأوضاع الحالية والاشتباكات العسكرية الجارية، مؤكدين كامل الدعم للشعب السوداني الشقيق في تطلعاته نحو تحقيق الأمن والاستقرار والسلام. ووجها نداءً للوقف الفوري لإطلاق النار في السودان، مناشدين الأطراف كافة بالتهدئة، وتغليب صوت الحكمة والحوار السلمي، وإعلاء المصلحة العليا للشعب السوداني. وأعربا عن استعداد مصر وجنوب السودان للقيام بالوساطة بين الأطراف السودانية، حيث أن تصاعد العنف لن يؤدي سوى إلى مزيد من تدهور الوضع، بما قد يخرج به عن السيطرة، مؤكدين أن ترسيخ الأمن والاستقرار، هو الركيزة الضامنة لاستكمال المسار الانتقالي السياسي، وتحقيق البناء والتنمية في السودان.
أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالًا صباح 16 أبريل بالسيد على الصادق وزير خارجية السودان، حيث تناول الاتصال التطورات الجارية على الساحة السودانية، وجهود إنهاء الأزمة. وقد نقل الوزير شكري لنظيره السوداني قلق مصر البالغ من استمرار المواجهات المسلحة الحالية، لما تمثله من تهديد لأمن وسلامة الشعب السوداني الشقيق واستقرار دولته. وأطلعه على المبادرة المصرية السعودية بالدعوة إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، مؤكدًا أن الموقف المصري سيظل دائمًا يدافع عن وحدة وسلامة السودان، وعن مقدرات الشعب السوداني، وضرورة عدم تدخل أي طرف خارجي بأي شكل يؤجج من النزاع الجاري. كما استمع وزير الخارجية إلى تقييم وزير خارجية السودان للأوضاع على الأرض، وللجهود والاتصالات الإقليمية والدولية الجارية في إطار متابعة تطورات الأزمة. وقد تطرق الاتصال أيضًا إلى أوضاع الجالية المصرية في السودان، وأهمية الحفاظ على أمن وسلامة جميع المصريين المتواجدين في السودان في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة.
أعربت المملكة المتحدة عن إدانتها بأشد لهجة للعنف الجاري بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم وفي مدن متعددة أخرى في أنحاء السودان، وتؤكد أن هذا العنف يجب أن يتوقف فورا. كما أعربت المملكة المتحدة عن أسفها لسقوط أرواح بريئة بسبب هذا العنف، وتدعو قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لوقف جميع العمليات القتالية ضد بعضهم البعض، داعية للعودة للحوار بعد شهور من المناقشات السياسية المثمرة، والتقدم الفعلي الحاصل تجاه العودة إلى العملية الانتقالية بقيادة مدنية، وتشدد المملكة المتحدة على أن العمل العسكري قطعًا ليس بحل.
حذرت الأمم المتحدة من تدهور أكثر على صعيد الأوضاع الإنسانية المتدهورة أصلا في السودان، إثر اندلاع القتال في العاصمة الخرطوم ومناطق متعددة من البلاد، قائلة إنه سيزيد عدد المعتمدين على المساعدات الإنسانية.
على حسابه الرسمي بموقع “تويتر”، عبر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن جريفيث، عن قلقه بشأن آخر التطورات في الخرطوم، مؤكدًا أن المزيد من العنف سيجعل الأمور تسوء أكثر، وأضاف أن هناك حوالي 16 مليون سوداني يشكلون نحو ثلث عدد سكان البلاد بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.
قالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، إنها مصدومة من الأخبار القادمة من السودان، حيث يزداد الجوع عاما بعد آخر، مؤكدة أن آخر شيء ينتظره السودانيون هو مزيد من الاضطرابات.
أعرب أعضاء مجلس الأمن عن قلقهم العميق إزاء الاشتباكات العسكرية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وأعربوا عن أسفهم للخسائر في الأرواح والجرحى، بما في ذلك بين المدنيين، وحث أعضاء مجلس الأمن الأطراف على الوقف الفوري للأعمال القتالية، وإعادة الهدوء، ودعوا جميع الأطراف إلى العودة إلى الحوار لحل الأزمة الحالية في السودان، كما شدد أعضاء مجلس الأمن على أهمية الحفاظ على وصول المساعدات الإنسانية وضمان سلامة موظفي الأمم المتحدة.
ناشد البرلمان الأفريقي جميع الأطراف المعنية تسوية خلافاتهم من خلال الوساطة والحوار لمنع أي خسارة أخرى في أرواح السودانيين التي لا تقدر بثمن، والعمل من أجل استعادة السلام والاستقرار الدائمين في البلاد والمنطقة، مؤكدًا أن أعمال العنف الأخيرة لن تؤدي إلا إلى عكس المكاسب الكبيرة التي حققتها الجمهورية في السعي لتحقيق السلام والاستقرار على مدى العامين الماضيين، ولا يمكن أن يكون هناك فائز في هذا الصراع.
أعربت وزارة الخارجية الصينية عن قلق الصين بشأن التطورات في السودان، وتحث طرفي الصراع على وقف إطلاق النار للحيلولة دون تفاقم الوضع. ونقل الإعلام الصيني الرسمي عن السفارة الصينية في السودان قولها إنها لم تتلق أي تقارير عن سقوط ضحايا صينيين بالسودان، وذكّرت رعاياها في البلاد بالحفاظ على سلامتهم.
أكد مندوب مصر في جامعة الدول العربية، السفير محمد مصطفى عرفي، أن الدولة المصرية ساندة وداعمة لتطلعات الشعب السوداني باعتبار أن السودان تمثل العمق الاستراتيجي الطبيعي لمصر سعيا لتحقيق التكامل المنشود بين البلدين في مختلف المجالات الحيوية استنادا لواقع تاريخي وجغرافي أثبت أن مصلحة مصر لا تفترق عن مصلحة السودان وأن مصلحة السودان تكمن في مصلحة مصر وأن مصير أبناء وادي النيل هو مصير مشترك نابع من ماضي متشابك، وشدد على تأكيد مصر بالتزامها الأصيل بدعم واستقرار السودان ووحدة أراضيه، وأنها تؤكد أيضًا على أهمية عدم تدخل أطراف خارجية في الشأن الداخلي السوداني، معربة عن تأييدها المتواصل للنموذج السوداني القائم على الشراكة بين المدنيين والعسكريين في المرحلة الانتقالية.. ووضع الأسس الصلبة لبناء نظام ديمقراطي راسخ ومستقر، كما تؤكد مصر على أهمية قيام الأطراف السودانية بتسوية النقاط الخلافية ووضع الحلول السليمة واجبة التنفيذ للخروج من الأزمة الحالية وضمان عدم تكرارها، وأكد السفير أن مصر ستظل متابعة عن قرب وبشكل مستمر تطورات الأزمة الحالية وتكثيف الاتصالات الثنائية والإقليمية اللازمة لتحقيق ما تقدم مع الترحيب بقيام الجامعة العربية ببذل كافة المساعي من أجل معاونة جمهورية السودان لإنهاء هذه الأزمة بشكل قابل للاستدامة.
أكد السفير الصادق عمر عبد الله مندوب السودان بجامعة الدول العربية، أن قوات الدعم السريع هو الذي بدأ الهجوم على مقر سكن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في القيادة العامة للجيش في التاسعة من صباح أمس، علما بأنه كان هناك اجتماعا مقررا له مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وأضاف أن الجيش السوداني قام بتحركات لدحر الهجوم وطرد الدعم السريع الذي انتشر بكثافة في المقار والمؤسسات الحكومة، وأوضح أن القوات المسلحة تمكنت من إلحاق خسائر فادحة بالمتمردين وما تزال تمشط بعض المناطق، كما فشلت كل الوساطات الوطنية والاقليمية والدولية في اقناع الدعم السريع المحلول بالاندماج في الجيش الوطني حسب نص الاتفاق الإطارية، كما أوضح أن الجيش السوداني يعتمد الأن استراتيجية قتالية تهدف إلى تقليل الخسائر وسط المدنيين والمرافق الحكومية والممتلكات الخاصة إلى حدها الأدنى لذلك يلاحظ أن إنهاء التمرد وطرده من المواقع التي سيطر عليها أو يحتمي بها أخذ وقتا أطول، وأكد أخيرًا أنه يجب على الجميع التأكيد على أن ما يحدث في السودان شأن داخلي غير أن جهود الدول العربية مطلوبة للمساعدة في تهدئة الأحوال، مطالبًا بالتوصية بترك الأمر للسودانيين لإنجاز التسوية فيما بينهم بعيدا عن التدخلات الدولية.
ذكر مجلس الأمن والسلم الأفريقي أنه بصدد عقد جلسة طارئة اليوم لمناقشة تطورات السودان، والأحداث التي تجري بها، وفق ما ذكرت وسائل إعلام عدة، وحث المجلس الدول الإفريقية الأطراف على الهدوء ووقف النار، والنقاش حول الممكن الفترة المقبلة.
ثالثًا: مواقف القوى السياسية السودانية
نشرت قوى الحرية والتغيير السودانية بيانًا عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”، حيث دعت فيه قيادة القوات المسلحة السودانية وقيادة قوات الدعم السريع لتحكيم صوت الحكمة ووقف المواجهات العسكرية فورًا والعودة لطاولات التفاوض، فالقضايا العالقة لا يمكن حلها حربًا والخيار الأفضل هو معالجتها سلمًا عبر الحلول السياسية، كما دعوا الشعب للتصدي لمخططات فلول نظام المؤتمر الوطني البائد وعدم السماح بتمريرها تحت أي غطاء كان، واعتزال خطابات الكراهية والتهييج وتأجيج الحرب.
أشار الحزب الشيوعي إلىأن الخيار المتاح الذي أفرزته العمليات الحربية الدائرة، يتمثل في إسقاط ما سماه “العصابات”، قبل أن يبلغ صراعهم نقطة الانفجار، “بما يجعلنا من دون وطن نتمسك به أو شعب ندافع عن أمنه، أو عدالة نرتجيها لشهدائنا الأبرار”.
نشر حزب بناء السودان، نشر الحزب بيانًا عبر موقعه الإلكتروني، نص البيان “نحن نشهد الأحداث التي انتجتها العملية السياسية المعطوبة التي لا تنتج غير الحرب، ونعلن كامل دعمنا للقوات المسلحة السودانية في التصدي لأي تمرد يستهدف وحدتها وتماسكها، إذ نؤمن إيمانا صادقا بضرورة وجود جيش واحد محتكر للعنف وسلسة قيادة وسيطرة موحدة على جميع القوات الحاملة للسلاح، حيث ترتكز فلسفتنا في صناعة التغيير الاصلاحي في حزب بناء السودان على تقوية مؤسسات الدولة وحوكمتها ونرفض وجود تهديد للقوات المسلحة ووحدتها وتماسكها أو أي مؤسسة أخرى من مؤسسات الدولة، ونهيب في حزب بناء السودان بكل فئات الشعب السوداني إظهار دعمهم للقوات المسلحة السودانية، حفظ الله وطننا السودان وأهله من الفتن والحروب”
قال رئيس حركة تحرير السودان، مصطفى تمبور، إنه يؤيد الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات المسلحة السودانية في مواجهة ميليشيا الدعم السريع التي خرجت عن أمرة الدولة، وتخوض حربًا لتدمير السودان. وأضاف أن هناك تقدمًا ميدانيًا كبيرًا لقوات الجيش، والمعركة شبه محسومة بنسبة 90% لصالح القوات المسلحة السودانية