إذا كنت قد فكرت في تغيير إطارات سيارتك في الفترة الماضية فستكون قد لاحظت الارتفاع الجنوني في أسعار إطارات السيارات والتي وصلت في بعض الأحيان إلى نسبة تتجاوز 300 %، قد يفسر البعض ذلك الارتفاع في الأسعار بأنه يعود إلى الانخفاض في قيمة الجنيه المصري أو الارتفاع في التضخم، لكن واقع الأمر أكبر من ذلك بكثير حيث إنه توجد أسباب تتعلق بعوامل العرض والطلب بتلك الصناعة، بالإضافة إلى ازمة الدولار والعقبات اللوجيستيه.
ملامح صناعة الإطارات
في العام 2022، استهلكت السوق المصرية حوالي 10 مليون إطار في عام 2022، تم إنتاج 15 % منها محليا أي حوالي 1.5 مليون إطار فقط، بينما تم استيراد الباقي، من الناحية الفنية تنتج مصر أنواع محددة من إطارات السيارات والتي يتمثل معظمها في إطارات الشاحنات والمركبات ذات العجلتين (الموتوسيكل) والمركبات ذات الثلاث عجلات ( التوك توك) وتصدر مصر 45 % تقريبا مما تنتجه من ذلك النوع حيث صدرت مصر 680 ألف إطار من هذه الأنواع، ومن ثم فإن استهلاك مصر من سيارات الركوب يأتي بالكامل من الخارج.
يعود جزء من تلك الأزمة إلى توقف إنتاج شركة النقل والهندسة “ترنكو نسر” في عام 2022، والتي كانت تغطي 30 % من الاستهلاك المحلى قبل إغلاقها، حيث يعتمد السوق في الوقت الحالي على إنتاج شركة بيريللو وبيراميدز تايرز وهما المصنعان الوحيدان في الوقت الحالي للإطارات في مصر، حيث تنتج تلك المصانع حوالي 8.2 % من الطلب المحلي. من جانب آخر فكان لتأثر صناعة مدخلات الإنتاج أثر كبير على العملية الصناعية بالسوق بعد توقف إنتاج شركة ” كوردنا ” الذي كان يوفر أسلاك النايلون للإطارات، وقد اضطرت تلك الشركة للتوقف عن العمل مع انخفاض إنتاج الإطارات والأزمات الاقتصادية التي ضربت اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تحديات الصناعة
كان لنقص العملة الأجنبية أثر على إنتاج الإطارات، حيث إن معظم مدخلات إنتاج الإطارات هي مكونات مستوردة، وفي ظل وجود قيود استيرادية في عام 2022 والتي تأتي على خلفية قرار البنك المركزي في فبراير من عام 2022 والذي تم التراجع عنه لاحقا، حيث تسبب ذلك في انخفاض المعروض من الإطارات بنسبة 20 % على أساس سنوي ليصل إلى 8 ملايين إطار في العام المالي 2022، وإذا أضفنا تلك الأزمة إلى جانب أزمة تعطل سلاسل التوريد بشكل عام والتي كانت نتيجة لارتفاع أسعار الوقود عالميا في عام 2022. من جانب آخر فإن عدم توافر العمالة المدربة بالسوق يخلق فجوة معرفية تشكل تحدي كبير لسوق صناعة الإطارات بمصر، حيث إن تلك الصناعة تتطلب عمالة تتمتع بمستويات عالية من الخبرة، وفي ظل حقيقة أن متوسط أعمار العمال بمصنع “ترينكو” هو 55 عاما فإن هناك حاجة ماسة إلى عمالة أصغر ومهارات أعلى تحقق القدرة على المنافسة.
يمكن إضافة مجموعة من الأسباب الأخرى التي تقف عائقا أمام إحراز تقدم ملموس في صناعة السيارات ومدخلاتها بمصر، حيث إن قلة المعرفة الفنية والتقنية الخاصة بصناعة الإطارات، وارتفاع تكلفة الاستثمار المتمثلة في تكاليف التمويل والتكاليف غير الرسمية التي قد يحتاج المستثمرون إلى سدادها لإنهاء إجراءاتهم، والمشاكل الإدارية التي عادة ما تتعلق بالنزاع على الأراضي واختلاف جهات الإشراف عليها، وعدم وجود قاعدة بيانات واضحة للأراضي وملكيتها، وطول إجراءات التقاضي المصرية تشكل أسباب رئيسية أمام فقدان تلك الأصول لقيمتها، ومن ثم تحول عملية إنتاج الإطارات إلى عملية مكلفة للغاية خاصة وأن مشكلة الدولار تزيد من تلك الأزمة.
الفرص المصرية
في ضوء ما سبق عرضة، فلا يبدو الوضع بذلك السوء، حيث تمتلك مصر صناعة ناضجة جاهزة لإحلال الواردات خاصة في ضوء الشركات العامة والخاصة التي لديها القدرة على التدخل لعلاج تلك التحديات، حيث تتطلع العديد من الشركات والهيئة العربية للتصنيع إلى إنتاج الإطارات، وقد كان أهم تلك المبادرات توقيع شركة الاستشارات الإنشائية وإدارة المشروعات الأمريكية “هيل انترناشونال ” والهيئة العربية للتصنيع عقدا لإدارة مصنع إطارات متنوع يشمل إطارات سيارات الركوب والنقل والأتوبيسات والجرارات الزراعية والمعدات الثقيلة، كما اتفقت الهيئة مع شركتي بلاك دونات ورولاند بيرجر كل على حدة من أجل إعداد دراسات لإنشاء مصانع إنتاج الإطارات، ولا توجد أي بيانات في الوقت الحالي عن الطاقة الإنتاجية لتلك المشروعات أو الخطط الزمنية للانتهاء من تأسيس تلك المشروعات والجداول الزمنية لها، لكن من المتوقع أن تساهم تلك المشروعات في زيادة إنتاج الصناعة المحلية من الإطارات وعلاج اختلالات العجز التجاري به، كما أن تلك المشروعات يمكن أن تكون خطوة أخرى نحو فتح أسواق تصديرية جديدة وهو ما سيعزز من قدرات الاقتصاد المصري على توليد نقد أجنبي، أما عن التكاليف اللوجيستية الكبيرة والتي تؤثر سلبيا على صناعة الإطارات بمصر، فمن المتوقع أن يساهم مثل ذلك المصنع في تجنب أثار اضطرابات سلاسل التوريد والتحول نحو الشبكات اللوجيستية المحلية. وتأتي تلك المساعي لتطوير صناعة الإطارات على خلفية مساع حكومية إلى إطلاق البرنامج المصري لتنمية صناعة السيارات (AIDP) لتوطين صناعة السيارات بشكل عام من خلال عدة محفزات، واستراتيجية تصنيع السيارات المصرية التي تضع خطة لدمج الإطارات كمكون محلي في أي حوافز مقدمة في تلك الاستراتيجية وتهدف إلى تشجيع تجميع الإنتاج المحلي للسيارات، وعلى الرغم من أن تلك السياسات ظلت قيد الدراسة لسنوات إلا أنه يتم التعويل عليه لدعم قدرات التجميع والتصنيع الحالية بالاقتصاد المصري وتعزيز فرص جذب استثمارات جديدة بذلك القطاع ومن ثم التحول إلى توطين صناعة المكونات الأخرى للسيارات.
من جانب آخر، ينظر المستثمرون إلى السوق المصرية كسوق واعدة في مجال صناعة الإطارات لوجود العديد من المميزات التي يتيحها قانون الاستثمار ولائحته التنفيذية بداية من الرخصة الذهبية التي تطبقها الدولة لإنهاء إجراءات تأسيس المصانع على نحو سريع، ومرورا بانخفاض تكاليف العمالة المصرية والأراضي الصناعية، وزيادة الطلب محليا على الإطارات والذي يأتي نتيجة لزيادة النمو السكاني وسياسة الدولة بالتوجه نحو المدن الجديدة، وتحسن مستوى جودة حياة المواطنين، وهو ما يدفع المزيد من المصريين لشراء المركبات الخاصة، ومن ثم زيادة الطلب على الإطارات لزيادة استخدام المركبات في المسافات الأبعد بين المدن، وهو ما يعني وجود طلب مستدام على صناعة السيارات ومدخلات إنتاجها بمصر.