تتخذ البنوك المركزية قرارات السياسة النقدية عادةً بناء على العديد من العوامل، أبرزها معدل النمو والتضخم والاستثمارات الأجنبية في أذون الخزانة. فإذا ما أراد البنك المركزي جذب المزيد من الاستثمارات غير المباشرة أو السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة فمن المرجح أن يرفع معدل الفائدة. أما إذا كان يسعى لرفع معدل النمو فإنه سيلجأ إلى خفضها من أجل تشجيع المستثمرين على الاقتراض، وإطلاق المزيد من المشروعات، مما سيؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة، وزيادة معدلات التشغيل، وتعزيز النمو الاقتصادي في نهاية المطاف.
محفزات متعددة
موعد الاجتماع | قرار لجنة السياسة النقدية | سعر الفائدة على الإيداع | سعر الفائدة على الإقراض |
3 فبراير 2022 | تثبيت | 8.25 | 9.25 |
21 مارس 2022 | رفع 100 نقطة أساس | 9.25 | 10.25 |
19 مايو 2022 | رفع 200 نقطة أساس | 11.25 | 12.25 |
23 يونيو 2022 | تثبيت | 11.25 | 12.25 |
18 أغسطس 2022 | تثبيت | 11.25 | 12.25 |
22 سبتمبر 2022 | تثبيت | 11.25 | 12.25 |
27 أكتوبر 2022 | رفع 200 نقطة أساس | 13.25 | 14.25 |
22 ديسمبر 2022 | رفع 300 نقطة أساس | 16.25 | 17.25 |
2 فبراير 2023 | تثبيت | 16.25 | 17.25 |
30 مارس 2023 | رفع 200 نقطة أساس | 18.25 | 19.25 |
كانت لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي المصري، قد قررت في اجتماعها في الثلاثين من مارس 2023 رفع أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس ليصبح سعر عائد الإقراض لليلة واحدة عند 19.25% والإيداع لليلة واحدة عند 18.25% بعدما أبقت عليها في اجتماع فبراير، ليصبح إجمالي النقاط التي تم رفعها منذ عام 2022 وحتى الآن نحو 1000 نقطة أساس، وهو ما يوضحه الجدول الآتي:
ويُمكن تفسير تحركات البنك المركزي الموضحة بالجدول أعلاه على النحو الآتي:
• السياق العالمي: يجتاح العالم منذ انتشار جائحة كورونا حالة من عدم التوازن في جانبي العرض والطلب ناتجة عن تراجع إمدادات العديد من السلع بفعل حالات الإغلاق والإجراءات الاحترازية التي شهدها العالم، بالتزامن مع زيادة الإقبال عليها عقب إعادة افتتاح الاقتصاد العالمي وانتشار عمليات التلقيح على نطاق واسع؛ ولهذا شهدت غالبية الدول حول العالم ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات التضخم، ولا سيما أسعار المواد الغذائية والطاقة. وما فاقم الأمر سوءًا الغزو الروسي لأوكرانيا فبراير 2022 وما تلاه من عقوبات متصاعدة من الأطراف الدولية المنخرطة في الحرب، وهو ما ساهم في حدوث انقطاعات في إمدادات الغذاء والطاقة انطلاقًا من أهمية الدولتين في الأسواق العالمية.
وبناء عليه، قفز مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) خلال 2022 إلى 143.7 نقطة بزيادة قدرها 18 نقطة من 125.7 نقطة خلال 2021 وذلك على الرغم من انخفاض المؤشر الشهري إلى 131.8 نقطة بحلول ديسمبر 2022 مع استمرار الانخفاض إلى 126.9 نقطة في مارس 2023 مدفوعًا بانخفاض مؤشرات أسعار الحبوب والزيوت النباتية والألبان.
وقد حفزت تلك العوامل مجتمعة الاحتياطي الفيدرالي على اتخاذ قرار برفع أسعار الفائدة للمرة التاسعة على التوالي حتى مارس 2023 إلى نطاق 4.75% – 5% ليتبعه عدد كبير من البنوك المركزية عالميًا وإقليميًا للسيطرة على معدلات التضخم المتسارعة باستمرار.
• المشهد المحلي: في ضوء السياق العالمي المضطرب، كان لا بد لمصر أن تتأثر نظرًا لكونها مستوردًا صافيًا للنفط وأكبر مستورد للقمح، حيث شهدت البلاد انخفاضًا في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار يصاحبه ارتفاع في معدلات التضخم خلال العام الماضي وحتى وقتنا الحالي انطلاقًا من مبدأ “التضخم المستورد”، وهو ما يوضحه الشكل الآتي:
الشكل 1- الرقم القياسي لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية (نقطة)

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، النشرة الشهرية للأرقام القياسية لأسعار المستهلكين.
يتبين من الرسم أعلاه أن معدل التضـخم السنوي لإجمالي الجمهورية سجل نحو 33.9% لشهر مارس 2023 مقابل 12.1% لنفس الشهـر من العام السابق بدعم من ارتفاع أسعار مجموعة الحبوب والخبز، والأسماك والمأكولات البحرية، والفواكه والخضروات.
وتتزامن معدلات التضخم المرتفعة مع تراجع سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الذي سجل نحو 30.9 جنيهًا لكل دولار في الأول من مايو 2023، مقابل السعر المسجل منذ عام عند 18.4 جنيهًا لكل دولار، كما يُبين الشكل أدناه:
الشكل 2- سعر صرف الجنيه مقابل الدولار

Source: XE, US Dollar to Egyptian Pound Exchange Rate Chart.
ومما سبق يتبين أنه على الرغم من رفع أسعار الفائدة بشكل مستمر إلا أن ذلك لم يسهم في الحد من ارتفاع التضخم بالصورة المرجوة، وذلك لأن التضخم الذي يشهده الاقتصاد المصري حاليًا لا يرجع إلى توافر السيولة النقدية، بل إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج العالمية وارتفاع أسعار الطاقة، وقيام بعض الشركات بتمرير التكاليف المرتفعة إلى العملاء، إلى جانب تراجع معدل الإنتاج بصورة لا تتناسب مع الطلب الكلي إلى جانب عدم القدرة على الوصول بالاحتياطي النقدي إلى مستويات ما قبل الأزمة.
كما يتضح أن خطوة رفع أسعار الفائدة لم تسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بالشكل المتوقع بسبب حالة عدم اليقين التي تنتاب المستثمرين في الوقت الحالي تجاه قيمة العملة المحلية، بالإضافة إلى مساهمة رفع الولايات المتحدة لأسعار الفائدة في نزوح الأموال الساخنة من الاقتصادات الناشئة ومن بينها مصر لنظيرتها المتقدمة.
انعكاسات ممكنة
من الممكن أن يؤثر قرار البنك المركزي المصري بتحريك معدل الفائدة على الاقتصاد المحلي عبر عدة قنوات، ويُمكن استعراض هذه التأثيرات على النحو الآتي:
• التأثير على الاستثمارات الأجنبية المباشرة: يتأثر الاستثمار الأجنبي المباشر سلبًا بالارتفاع المستمر لأسعار الفائدة بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض، وتباطؤ نشاط القطاع الخاص بشكل عام، حيث سجل مؤشر مديري المشتريات للقطاع غير النفطي 46.7 نقطة في مارس 2023 مقارنة بـ46.9 نقطة خلال فبراير، وهي مستويات أقل من المستوى المحايد (50 نقطة) مما يشير إلى انكماش القطاع بشكل مستمر، ويساهم في تراجع وتيرة الاستثمارات الوافدة للدولة.
• زيادة الضغط على الموازنة العامة للدولة: ستؤثر زيادة أسعار الفائدة في مصر على عجز الموازنة نتيجة ارتفاع عبء الدين العام، حيث تستحوذ فوائد الديون التي تدفعها الدولة على القدر الأكبر من المصروفات بالموازنة العامة، حيث قدرت موازنة 2022/2023 قيمة الفوائد المستحقة عند 690 مليار جنيه بنسبة من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ نحو 7.6%. ولهذا فمن شأن رفع سعر الفائدة عالميًا ومحليًا أن يزيد من تكلفة الاقتراض الداخلي والخارجي.
• تباطؤ معدل النمو الاقتصادي: يحفز رفع سعر الفائدة الأفراد على زيادة مدخراتهم لدى البنوك في صورة ودائع بدلًا من استثمارها، مما يؤدي إلى إبطاء وتيرة فتح المشاريع الجديدة، وعليه تباطأ نمو الاقتصاد المصري إلى 3.9% في الربع الثاني من 2023/2022، كما خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العامين الجاري والمقبل بنسبة 0.3%، ليبلغ في العام المالي الحالي نحو 3.7%، و5% في العام المقبل.
• محاولة رفع الطلب على العملة المحلية: يستهدف البنك المركزي برفع الفائدة وإصدار شهادات ذات عائد مرتفع زيادة الطلب على العملة المحلية وتشجيع ممتلكي الدولار على استبداله مقابل الجنيه المصري عبر القنوات الرسمية للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة، إلا أن هذا الهدف غالبًا ما يواجهه تحديان أساسيان؛ الأول: توجه الأفراد على سوق الصرف الموازية للاستفادة من سعر أعلى للدولار. الثاني: تراجع الفائدة الحقيقية في ظل ارتفاع معدل التضخم وتراجع القوة الشرائية للنقود باستمرار مما يحد من المكاسب الحقيقية المتوقعة.
حاصل ما سبق أنه على الرغم من محاولة السياسة النقدية الانكماشية كبح جماح التضخم، إلا أنها غالبًا ما ينتج عنها تباطؤ في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وتراجع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة وارتفاع أعباء الديون.