رغم المؤشرات الإيجابية العديدة التى أشار إليها بيان البنك المركزى المصرى عن أداء ميزان المدفوعات خلال الفترة يوليو / مارس 2022/2023 والتى أبرزها تراجع عجز الحساب الجارى من نحو 13.6 مليار دولار الى 5.3 مليار وبنسبة تراجع تصل الى نحو 61.2%، وكذلك تراجع عجز الميزان التجارى بنسبة 29.8% ليصل الى 23.6 مليار مقابل 33.5 مليار خلال نفس الفترة من العام السابق، فإنها عكست ظاهرة مهمة وخطيرة وهى استمرار تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتى تراجعت من نحو 23.6 مليار خلال نفس الفترة من العام السابق الى 17.5 مليار خلال هذه الفترة وبنسبة تراجع تصل الى 26.1% وترجع المشكلة فى ضوء ما تشكله هذه التحويلات من أهمية نسبية للاقتصاد المصرى، حيث تعد أحد المصادر الأساسية للنقد الأجنبى جبنا الى جنب مع السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة والصادرات وعائدات قناة السويس، حيث تشكل نحو 27.6% من إجمالى هذه المصادر، ويأتى نحو 83% منها من أربع دول رئيسية (السعودية بنسبة 43%، الكويت 19%، الامارات 15% وقطر6%) مع ملاحظة تراجع معدل النمو السنوى لها من 13.2% عام 2020/2021 إلى 1.6% عام ٢٠٢١/٢٠٢٢. لذلك تراجعت الودائع غير الحكومية بالعملات الأجنبية خلال مايو 2023 الى 48.9 مليار دولار مقابل 49.5 مليار فى ابريل الماضى، وهو التراجع الأول منذ ديسمبر 2022. بسبب التغييرات فى سعر صرف الجنيه المصرى امام عملات هذه الدول وكذلك معدلات التضخم المرتفعة، جنبا الى جنب مع عدم توفير أوعية ادخارية ذات عائد مميز.وغياب أدوات الاستثمار المناسبة والملائمة للمدخر الصغير فى المجتمع عموما، وفى القرى والنجوع على وجه الخصوص، وارتفاع نطاق القطاع غير الرسمى. وهو ما حاولت البنوك العامة معالجته مؤخرا بإصدار الشهادات الاستثمارية الدولارية الجديدة بأسعار فائدة مرتفعة (7% تصرف كل ثلاثة أشهر بالدولار و9% تصرف بالجنيه المصرى مقدما عن السنوات الثلاث، اى 27%، وكذلك الاقتراض بضمانها حتى 50% من قيمتها بالجنيه المصرى لأغراض استثمارية وذلك بحد اقصى 10 ملايين جنيه وبسعر عائد اقل من سعر الإقراض بنسبة 2.25%). وهى خطوات مهمة ولكنها ليست كافية فى ظل ما يحدث فى سوق الصرف الأجنبى واتساع الهامش بين السعر الرسمى للجنيه مقابل الدولار وسعر السوق السوداء، وهى النقطة التى يستغلها المضاربون بشدة. وهو ما يحرم البنوك من جانب لا بأس به من المدخرات نتيجة لتسربها الى خارج الجهاز المصرفى، وهى النقطة التى تحسن شركات توظيف الأموال استغلالها تماما، خاصة انها تركز على العلاقات الشخصية والتعامل المباشر مع الافراد، كل هذه العوامل وغيرها أدت الى هروب الافراد من الجهاز المصرفى. وذلك نظرا لتعقيدات المعاملات البنكية او لسيادة انطباع لدى البعض بسوء المعاملة وتكلفتها وهو ما عبر عنه البعض فى أحد التحقيقات الصحفية حين سأله الصحفى حول ما إذا كان يقوم بتحويل الاموال التى يرغب فى إيصالها الى والده، عن طريق البنوك ؟ أجاب بالنفى معللا ذلك بان والده رجل مسن ولا يتحمل تعقيدات البنوك والتى ترهق المستفيد من الحوالة للحصول على الاموال، إذ إنه يضطر الى الذهاب عدة مرات حتى يحصل على أمواله. إذ إن المسألة ببساطة تكمن فى كيفية تنظيم وترشيد تدفق المدخرات المالية لدى هؤلاء وجذبها داخل دولاب الاقتصاد القومى، وهو ما يتطلب تحقيق مصلحتين، الأولى مصلحة الافراد فى الحصول على العائد المناسب من استثمار هذه الأموال، والثانية ضمان حسن استخدام هذه الموارد بما يعود بالنفع على المجتمع، حيث يسهم فى توسيع القاعدة الإنتاجية. وهو الدور الذى كان يجب ان يقوم به الجهاز المصرفى من جانب وسوق المال، من جانب آخر باعتبارهما الوسيلتين الاساسيتين لتحقيق الأهداف المشار اليها آنفا ولكنها لم تتحقق او على الأقل لم تتحقق بالقدر الكافى. حيث نلحظ ان معظم قرى صعيد مصر لا يوجد بها أى فرع او نشاط لأى بنك من البنوك العاملة فى مصر، بل إن أقرب فرع لبنك يبعد عشرات الكيلومترات عن سكن هؤلاء، فرغم توسع البنوك فى إنشاء العديد من الفروع والتى وصلت فى نهاية يونيو 2022 الى 4598 فرعا فإنها مازالت لا تتناسب مع عدد السكان. اذ وصلت الكثافة المصرفية الى 33.3 لكل ألف مواطن دون البنك الزراعى ونحو 22.6 لكل ألف مواطن بإضافة البنك الزراعى. وايضا تعانى من مشكلة التركز، إما فى القاهرة الكبرى او بعض المحافظات الحضرية وفى مدن هذه المحافظات، ولم تحقق الانتشار المصرفى المطلوب فى جميع مدن وقرى مصر. (تستحوذ القاهرة على نحو 33% من الفروع بينما عدد سكانها يمثلون 10.5% من إجمالى السكان، وكذلك الإسكندرية تستحوذ علي10% من الفروع مقابل 5.4% من السكان، والجيزة 14% من الفروع مقابل 8.6% من السكان، وعلى النقيض من ذلك تستحوذ محافظة قنا على 1.7% من الفروع بينما يسكن بها نحو3.5% من السكان، ونفس القول على سوهاج والتى يوجد بها 2.2 % من الفروع مقابل 5.3% من السكان والبحيرة 2.2% من الفروع مقابل 6.6% من السكان. وينطبق نفس القول على ماكينات الدفع الآلى حيث استحوذت القاهرة على 35.5 % والجيزة على 12.4% والاسكندرية 9.5%. يضاف الى ما سبق عدم نجاح الجهاز المصرفى حتى الآن، فى تقديم الخدمات المصرفية المطلوبة فى الريف والقرى. وبالتالى ورغم الاجراءات العديدة التى يقوم بها الجهاز المصرفى، فإن الطريق مازال طويلا وشاقا ويحتاج الى تضافر الجهود بغية تغيير العادات السائدة، وكذلك قيام البنوك بتوسيع دائرة الاهتمام لتشمل جميع قرى ومدن مصر مع إزالة العقبات امام تسهيل المعاملات. وهو ما يتطلب التوسع فى إنشاء شبكة من مزودى الخدمات المالية بما فى ذلك فروع البنوك وشركات الصرافة ومكاتب البريد بجانب زيادة عدد ماكينات الصرف الآلى على أن تمتد لتشمل الريف المصرى. والتوسع فى الخدمات المالية الرقمية المقدمة عبر الهاتف المحمول والشبكة الإلكترونية.
سبل جذب تحويلات المصريين العاملين بالخارج

عبد الفتاح الجبالي
- عضو الهيئة الاستشارية
وقت القراءة: 7 دقيقة
استمع للمقال
[
]
عبد الفتاح الجبالي
تابعنا
تابعنا علي وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة
احدث إصدارات مكتبه المركز
Sale
0%
EGP140.00
EGP0.00
Sale
43%
EGP350.00
EGP200.00
Sale
50%
EGP100.00
EGP50.00
Sale
0%
EGP140.00
EGP0.00
Sale
0%
EGP140.00
EGP0.00
Sale
0%
EGP140.00
EGP0.00
No products found