تضمنت التطورات التصعيدية في غزة وإسرائيل مجموعة غير مسبوقة من الظواهر التي تمثل سابقة تاريخية. ولكن رسمت تلك الظواهر مظهرًا قاتمًا، ومعقدًا في حسابات المشهد ومساراته المحتملة.
يمكن تقدير تلك المسارات المحتملة على النحو التالي:
السيناريو الأول: استمرار الحرب
يعني هذا السيناريو ألا يمتثل الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني للجهود الدولية، وبالتحديد المصرية لوقف إطلاق النار والاتفاق على الهدنة، بل يعزمان على مواصلة القتال.
** يعزز هذا السيناريو عدة مؤشرات وهي:
* فيما يتعلق بحسابات حماس:
- رغبة حماس في كسب أكبر قدر من الأراضي الإسرائيلية في غلاف غزة، أي الاستيلاء على عدد أكبر من المستوطنات، لا سيما أنّ الجيش الإسرائيلي يحرص على تهجير المستوطنين.
- رغبة حماس في تقوية موقفها في حال حدوث سيناريو التفاوض على صفقة تبادل أَسرى.
- رغبة حماس في استعادة الشعبية بعد فترة طويلة من التنازل عن المقاومة وتركيز الجهود السياسية فقط.
- رغبة حماس في إيفاد رسالة إلى طهران بأنها وكيلها الأقوى في غزة.
- استغلال حماس لحالة الاحتقان الممتدة طيلة شهرين متواصلين في الضفة الغربية ضد إسرائيل؛ بهدف ضمهم إلى حرب متعددة الجبهات.
*أما فيما يتعلق بحسابات إسرائيل:
- اعتزام حكومة “نتانياهو” على مواصلة القتال ولو لفترة محدودة بهدف كسب الثقة السياسية والشعبية بين المستوطنين.
- بُناءً على السوابق التاريخية من المحتمل أن تعتزم إسرائيل استهداف إحدى قيادات حماس أو القسام، وهو ما سيعد خطًا أحمر بالنسبة لحماس قد تضطر لمواصلة القتال.
- إعلان الإدارة الأمريكية عن مساعدة غير مشروطة لإسرائيل لحماية أمنها القومي.
- استغلال إسرائيل للفوضى الأمنية في صياغة اتفاقية دفاع مشترك جديدة مع الولايات المتحدة، تتضمن بنودًا جديدة وتمويلًا أكبر يناسب الظروف الجديدة في المنطقة، خاصّة بعد طلبات السعودية بالتحول إلى دولة نووية في الشرق الأوسط.
- الهروب من سيناريو تشكيل حكومة طوارئ بالتعاون مع المعارضة الإسرائيلية، الذي قد يقلل من شعبية حكومة اليمين المتطرف الحالية برئاسة “نتانياهو”.
**يقلل من احتمالات حدوث السيناريو، المؤشرات التالية:
*فيما يتعلق بحماس:
- احتمال استشهاد قادة من حماس نتيجة الضربات الإسرائيلية المكثفة، وبالتالي تميل حماس لوقف القتال والتفاوض على صفقة تبادل أسرى.
- الضغط الدولي والإقليمي على حماس بضرورة وقف القتال على نحو عاجل.
*فيما يتعلق بإسرائيل:
- احتمال حدوث حرب متعددة الجبهات على إسرائيل، خاصّة من الناحية الشمالية حيث حزب الله في لبنان.
- اتساع هامش الخسائر الثقيلة على إسرائيل في المعدات والأفراد مما يقلل من شعبية الحكومة.
- التعزيزات العسكرية الإسرائيلية بطيئة من حيث تعبئة الاحتياط، وتفرقها على جبهتين في الشمال والجنوب.
السيناريو الثاني: وقف إطلاق النار
ويعني هذا السيناريو أن يمتثل الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني لاتفاق وقف إطلاق النار، وفك الاشتباك.
**يعزز هذا السيناريو عدة مؤشرات وهي:
فيما يتعلق بحماس:
- اقتراب نفاذ الذخائر الصاروخية لدى حماس، وتدمير إسرائيل لبعضها.
- عدم قدرة حماس على السيطرة على عدد أكبر من المستوطنات في غلاف غزة، وحتى الآن استطاعت السيطرة على ثلاث مستوطنات فقط.
فيما يتعلق بإسرائيل:
- ازدياد أعداد القتلى والأسرى بين صفوف المستوطنين والمجندين.
- احتمال فتح حرب متعددة الجبهات.
- يمثل قرار تعبئة الاحتياط إرهاقًا للاقتصاد الإسرائيلي الذي يواجه في الأساس تحديات هيكلية.
**يحدد جدوى هذا السيناريو عدة محددات، أهمها:
- صياغة مصر لاتفاق وقف إطلاق النار، تكون أهم بنوده:
- عقد مفاوضات غير مباشرة بوساطة مصرية على صفقة تبادل أسرى.
- انسحاب حماس من نقاط الاشتباك.
- تسليم المعابر (إيرز، كرم أبو سالم) للسلطة الفلسطينية.
- وقف الضربات الصاروخية لحماس، والقصف المدفعي والضربات الجوية الإسرائيلية.
- أن تتوقف الولايات المتحدة عن دعمها الكامل لإسرائيل في الحرب، وتغير خطابها إلى ضرورة وقف إطلاق النار منعًا من وقوع أزمات منفلتة في الإقليم.
السيناريو الثالث: عمليات نوعية مكثفة
يعني هذا السيناريو أن تتبنى إسرائيل تحقيق عمليات عسكرية نوعية في عدة مناطق، لتحقيق منظومة الردع الإسرائيلية.
**يقوم هذا السيناريو على المؤشرات التالية:
- أن تبدأ إسرائيل في تشكيل قوات دفاع شعبي من الدروز والمستوطنين في الشمال، وتمركزهم في نقاط حصينة لتأمين الجبهة الشمالية حيث حزب الله في لبنان.
- نشر بطاريات دفاع جوي في الشمال لتحييد ضربات صاروخية من جبهة سوريا.
- تكثيف العمل الشرطي وقوات حرس الحدود الإسرائيلية في الضفة الغربية، منعًا من وقوع سيناريو الفوضى في الضفة.
- ضربات عسكرية نوعية إسرائيلية في غزة ضد بنك الأهداف التابع لحماس، مثل: بنية تحتية وقواعد إطلاق الصواريخ.
- محاولة إسرائيل لتصفية عدد من القيادات في كتائب القسام.
- إطلاق تصريحات سياسية إسرائيلية بشأن نية حكومة نتانياهو للتفاوض حول صفقة تبادل الأسرى.
الخلاصة
على الرغم من ضبابية المشهد، وتعقد الحسابات الداخلة في قياس السيناريوهات ومدى تحققها من عدمه. إلا أنّ التقدير يميل إلى ترجيح السيناريو القائم على تبني إسرائيل لعمليات مكثفة، قد تتجاوز الخطوط الحمراء بين الطرفين.
لا سيما أنّ نتانياهو لا يرغب في تشكيل حكومة طوارئ مع زعيم المعارضة الإسرائيلية “يائير لابيد” الذي قد يرفع رصيد الأخير في أي استحقاق انتخابي مستقبلًا.
في الأخير، يقف الجهد المصري كمؤشر في غاية الأهمية في ترجيح السيناريوهات على حسابات أخرى، قد تكون أكثر فوضوية، مع الأخذ في الاعتبار حقوق الفلسطينيين والتحذير من عواقب الانتهاكات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية المحتلة (كما ظهر في بيان وزارة الخارجية المصرية).