مقدمة:
فصل من فصول الحياة المستحيلة التي يعيشها الفلسطينيون مع الممارسات الإسرائيلية خلال ما يقرب من 80 عامًا، ولكن هذه المرة في قطاع غزة بالتحديد في ظل تزايد المخاوف من تهجير المواطنين من منازلهم وأرضهم، والاعتماد على سياسات العقاب الجماعي في ظل صمت تام من المجتمع الدولي بشأن ما يمارس ضد المدنيين والفئات الأكثر ضعفًا.
فبموجب القانون الدولي، لا يزال قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي بالرغم من الانسحاب أحادي الجانب من القطاع عام 2005، إذ احتفظت إسرائيل بالسيطرة الكاملة على منافذ القطاع البرية والبحرية والجوية. وبالمثل، فهي تسيطر على السجل السكاني في غزة وشبكات الاتصالات والعديد من الجوانب الأخرى للحياة اليومية والبنية التحتية، حيث فرضت إسرائيل على السكان في قطاع غزة شكلًا غير مسبوق من أشكال العقاب الجماعي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
تطورات الأوضاع الحالية في قطاع غزة
فضيحة إنسانية يتأثر بها المدنيون في قطاع غزة وتتحدى ضمير الإنسانية جمعاء، حيث يواجه سكان غزة أزمة إنسانية عميقة، بعدما انقطع عنهم الطعام والكهرباء والمياه وكافة الإمدادات، إثر غارات جوية شنتها إسرائيل يوم 7 أكتوبر، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن، وعرفت باسم ” السيف الحديدي” حيث أدت إلى مقتل أكثر من 3300 فلسطيني وفقًا لوزارة الصحة في غزة، ووصل إجمالي عدد المصابين في القطاع إلى أكثر من 13 ألف مصاب وجريح بينهم أطفال ونساء.
جدير بالذكر أن القطاع يعاني من أزمات عدة لفترات زمنية طويلة، وجاءت التصعيدات الأخيرة لتقوض آمالنا في تحسين الأوضاع، فوفقًا للبنك الدولي قطاع غزة هو واحد من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم فهو يعاني من أعلى معدلات للبطالة حيث يعيش هناك نحو 2.3 مليون مواطن، أي أن هناك حوالي 80 بالمائة من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية، بسبب الفقر وارتفاع معدلات البطالة وعوامل أخرى ناجمة إلى حد كبير عن الحصار المفروض على القطاع هذا وفقًا للأمم المتحدة في 2022، هذا إلى جانب افتقار أكثر من 95% من سكان القطاع الحصول على مياه نظيفة.
إن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة لم تكن تحتمل أية تصعيدات جديدة، وبعد عمليات القصف الأخيرة وانقطاع كافة الخدمات من طعام ومياه وكهرباء، بالإضافة إلى إعاقة وصول الإمدادات، أدت إلى تفاقم الأوضاع ممهدة إلى كارثة إنسانية في انتهاك صارخ لكافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وتحدٍ عنيف من قبل إسرائيل للمجتمع الدولي بأكمله. فأزمة انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود ستؤدي بالتبعية إلى أزمة في حصول المواطنين على المياه، بالإضافة إلى تردي الأوضاع الصحية داخل المستشفيات حيث شددت الأونروا في بيان لها أن هناك أزمة مياه في مختلف قطاع غزة، بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية ونقص الكهرباء اللازمة لتشغيل المضخات ومحطات تحلية المياه ومحدودية إمدادات المياه الحالية، فلا يمكن إعادة التزود بالمياه بسبب الحصار الكامل الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية على قطاع غزة. ولا يمكن جلب الوقود ولم يعد بإمكان موردي المياه الإسرائيلية توصيل المياه إلى داخل القطاع.
القانون الدولي الإنساني ومنع التهجير والسياسات العقابية
وفقًا لسلسلة معاهدات معاملة المدنيين والجنود وأسرى الحرب، أو ما يعرف إجمالًا باسم “قانون النزاعات المسلحة” يتعين أن تكون الهجمات على الأهداف العسكرية متناسبة، مما يعني أنها يجب ألا تؤدي إلى خسائر فادحة في أرواح المدنيين، أو إلحاق أضرار بالممتلكات المدنية مقارنة بالمكاسب العسكرية المباشرة المتوقعة، وبالتالي فالاستهداف المتعمد من قبل القوات الإسرائيلية للمدنيين، والهجمات والعشوائية يرقى إلى جرائم حرب بموجب القانون الدولي الإنساني، وبسبب القصف الجوي العشوائي الذي تنفذه إسرائيل، لم تعد المستشفيات ملاذات آمنة، بالإضافة إلى افتقارها إلى الأماكن الشاغرة، وعجزها عن معالجة المرضى، ونقص العديد من الأدوية فيها، حيث وثقت “منظمة الصحة العالمية” أكثر من 25 هجومًا على منشآت صحية في غزة منذ 7 أكتوبر. والأمر نفسه ينطبق على مخيمات اللاجئين، والمدارس، ومجمعات الأمم المتحدة، التي تعرضت جميعها للقصف في الأيام الأخيرة.
إن القانون الدولي الإنساني ينص صراحة على حظر الترحيل، أو النقل القسري للأشخاص المحميين في الأرض المحتلة، والمادة 49 من اتفاقية جينيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المحميين وقت الحرب للعام 1949، والتي تعتبر ملزمة لإسرائيل، وتنص على حظر النقل القسري أو الجماعي أو الفردي للمواطنين أيًا كانت الدواعي، كما أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يجرم عمليات الترحيل أو النقل القسري، ويعتبرها جريمة ضد الإنسانية، وفي ظل كل هذه الاعتبارات أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سينفذ عمليات عسكرية في مدينة غزة خلال الأيام المقبلة، حيث دعا الجيش في بيان له “على كافة سكان مدينة غزة إخلاء منازلهم والتوجه جنوبًا، من أجل حمايتهم”، موضحًا أنه “لن يسمح بالعودة إلى مدينة غزة إلا بعد صدور بيان يسمح بذلك”. وبحسب وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) فلقد أدى ذلك إلى نزوح ما يقرب من مليون شخص منذ بدء التصعيد، حيث يقيم أكثر من 400 ألف منهم في منشآت المنظمة غير المجهزة لاستقبال اللاجئين في وقت تعاني فيه غزة بالكامل من ندرة الموارد وانقطاع الخدمات وعرقلة الإمدادات، وبالتالي فهذه الانتهاكات تفرض على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي التحرك سريعًا من أجل حماية المدنيين، فطلب النزوح وتهجير السكان وما سيتبعه من ممارسات سيقوض أمن واستقرار المنطقة بالكامل، وهو ما سيؤثر بالطبع على الأمن والسلم الدوليين.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) تم تدمير أكثر من 800 مبنى بالكامل وتعرض أكثر من 5000 مبنى لأضرار جسيمة بسبب الهجمات الإسرائيلية، حيث تطورت الاستراتيجية القتالية للجيش الإسرائيلي فاستهدفوا مقرات الإغاثات الدولية في قطاع غزة، حيث صرحت وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) بأن مبنى يضم مقر رئاستها في مدينة غزة تعرض لأضرار جسيمة نتيجة الغارات الجوية، وحتى 16 أكتوبر تم قتل 14 من موظفي الأونروا الذين يقدمون الدعم والمساعدات للفلسطينيين، والذي من المفترض أنهم محميون بموجب القانون الدولي الإنساني، فهذه الممارسات الإسرائيلية ما هي إلا انتهاك صريح للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية القضاء على التمييز العنصري، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
ويزداد هذا الأمر سوءًا بعد أن حشدت إسرائيل نحو 300 ألف جندي احتياطي، وتم حشد المركبات والمعدات العسكرية على طول السياج الحدودي مع غزة. وتم إخلاء البلدات الإسرائيلية المتاخمة لغزة بشكل شبه كامل، فيخشى العديد من سكان غزة أن يكون الهجوم البري الإسرائيلي وشيكًا، وهو ما يمهد لحالة إبادة جماعية وتطهير داخل قطاع غزة.
موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية
تنطلق الرؤية المصرية لحل القضية الفلسطينية في أن السلام العادل والشامل القائم على حل الدولتين، هو السبيل لتحقيق الأمن الحقيقي والمستدام للشعب الفلسطيني، وأن مصر لا تتخلى عن التزاماتها تجاه القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، هذا ولم تتوان مصر في إدانة مثل هذه الاستفزازات المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، حيث اعتبرت مصر أن هذه الخطوة تمثل حلقة جديدة من سلسلة الإجراءات التصعيدية، والتي تحمل في طياتها مخاطر تأجيج العنف، والتوتر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما سيقوض أمن واستقرار المنطقة بالكامل.
تركزت محاور الموقف المصري حول أهمية تنسيق جهود الأطراف الإقليمية والدولية لحث الأطراف على الوقف الفوري للتصعيد، باعتباره الأولوية في الوقت الراهن حقنًا لدماء الشعب الفلسطيني والمدنيين من الجانبين، والنأي كذلك عن استهدافهم وتجنيبهم المزيد من المعاناة الإنسانية الناجمة عن المواجهات المسلحة.
جدير بالذكر أن الرئيس السيسي وجه يوم 10 أكتوبر بإرسال قافلة شاملة محملة بكميات ضخمة من المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في قطاع غزّة، وفق ما أعلن التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي المصري، والتي تضم أطباء من جميع التخصصات وأدوية وأجهزة طبية لدعم الشعب الفلسطيني، وهو دومًا ما يؤكد عل موقف مصر الثابت من القضية.
ختامًا، إن ما تقوم به إسرائيل داخل قطاع غزة يعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الإنساني الدولي، ويشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بموجب القانون الدولي، ولإسرائيل المسئولية الكاملة عن تبعات هذا التصعيد الخطير، الذي يقوض كافة الجهود المبذولة للحفاظ على التهدئة الشاملة، ومنع تفاقم العنف الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين.
ويتحتم على المجتمع الدولي -مجتمعًا- تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني ومقدراته، من خلال إيفاد مراقبين دوليين ولجان أممية، وتمكينهم من الدخول للأرض الفلسطينية المحتلة، وكذا الضغط على إسرائيل لوقف جميع الإجراءات العنصرية والتمييزية والتطهيرية الممارسة بحق الفلسطينيين.




