انعقدت قمة القاهرة للسلام 2023 في الحادي والعشرين من أكتوبر الجاري في ظل سياق يتسم بالحساسية، في ضوء انفجار الأوضاع الأمنية في قطاع غزة على إثر الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وفصائل المقاومة منذ الثامن من أكتوبر الجاري، وما نجم عن هذا التصعيد الأمني من أزمة إنسانية بالغة الخطورة، إذ يفرض على حوالي 2.3 مليون شخص مواطن في قطاع غزة عقاب جماعي وحصار وتجويع بوقف إمدادات الغذاء والمياه، وضغوط عنيفة للتهجير القسري. ومن هنا تأتي أهمية انعقاد قمة القاهرة للسلام 2023، لبحث تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية، ومناقشة جذور الصراع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والدفع نحو تفعيل عملية السلام في الِشرق الأوسط للشروع في تسوية عاجلة وشاملة للصراع الممتد لعقود، وذلك وفق مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية التي تبنتها وقمة بيروت عام 2002، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة. ومن هذا المنطلق، سوف تركز هذه الورقة البحثية على استعراض مواقف الدول الأفريقية حيال التصعيد العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة سواء من جانب الدول التي شاركت في القمة، أو تلك التي لم تشارك فيها.
مواقف الدول الأفريقية المُشاركة في قمة القاهرة للسلام
نجد أن أغلب الدول الأفريقية التي شاركت في قمة القاهرة للسلام 2023، هي دول عربية تقع في إقليم شمال أفريقيا، فقد حضر رئيس جمهورية موريتانيا محمد ولد الغزواني، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ووزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة. كما نجد أن هناك حضورًا لدولة واحدة فقط من جانب دول جنوب القارة، وهو ما اتضح من جانب مشاركة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، بالإضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقيه. ويمكن استعراض مواقف الدول المشاركة، وذلك على النحو التالي:
- موقف جمهورية موريتانيا: قد تم وصف الوضع الراهن في قطاع غزة بأنه كارثي بكل المقاييس، كما أن ما تشهده المنطقة من عنف وكوارث ما هو إلا نتيجة حتمية لعدم إنفاذ حق الفلسطينيين في إقامة دولة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية.
- موقف المغرب: دعت المغرب لخفض التصعيد ووقف الاعتداءات العسكرية، كما ركزت على ضرورة السماح بإيصال المساعدات الإنسانية بسرعة، وبكمية كافية لسكان قطاع غزة، ورفض كافة الأفكار الهادفة لتهجير أو ترحيل الفلسطينيين من أراضيهم، وتهديد الأمن القومي للدول المجاورة.
- موقف ليبيا: طالبت ليبيا بالوقف الفوري للعمليات العسكرية على غزة، وإجبار سكانها على النزوح قسرًا إلى شبه جزيرة سيناء أو غيرها، والتوقف عن الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى وبقية المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس الشرقية وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما دعت للبدء الفوري برعاية دولية متوازنة ومشاركة عربية في مفاوضات التسوية الشاملة، والوضع النهائي لقاعدة حل الدولتين وفق المبادرة العربية للسلام وقرارات الشرعية الدولية.
- موقف جنوب أفريقيا: عملت على دعوة المجتمع الدولي للانخراط في عملية دعم عملية السلام وتهيئة الظروف للحوار بشأن القضية الفلسطينية، كما حثت كافة الدول المعنية إلى الامتناع عن مد أي من جانبي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالأسلحة، وقد رفضت قرار تهجير سكان غزة قسرًا.
- رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي: أوضح أن الاتحاد الأفريقي مستعد لبذل كل الجهود الممكنة للتوصل إلى سلام عادل وشامل وحل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. ولفت إلى أن الاتحاد الأفريقي منذ اللحظة الأولى طالب بضرورة الوقف الفوري للعنف، وتعبئة الدعم الإنساني من غذاء وماء ودواء، ومضاعفة جهود التنسيق بين كل مناصري هذا الموقف من كل الفاعلين الدوليين.
ومن خلال استعراض المواقف السابقة للدول المُشاركة في قمة القاهرة للسلام2023، يتضح لنا أن هناك توافقًا في الرؤى بشأن التوقف عن الأعمال العسكرية، وحماية المدنيين وعدم استهدافهم، وضرورة السماح بإيصال المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، بالإضافة إلى رفض كل الحلول والأفكار الهادفة لتهجير أو ترحيل الفلسطينيين من أراضيهم، إلى جانب الحاجة لإطلاق عملية سلام حقيقية، تفضي إلى “حل الدولتين”، دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967، عاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل.
مواقف الدول الأفريقية التي لم تشارك في قمة القاهرة للسلام
نُحاول في هذا الجزء، استعراض أبرز مواقف الدول الأفريقية حيال التصعيد العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي لم تُشارك في قمة القاهرة للسلام 2023، ونجد أن هناك انقسامًا في الموقف الأفريقي، حيث إن هناك عددًا من الدول الأفريقية أظهرت دعمهم لفلسطين، وسعى آخرون إلى اتخاذ موقف أكثر “توازنًا”، بينما أيد آخرون الحرب الإسرائيلية، وهو ما يمكن استعراضه، وذلك على النحو التالي:
- دول تضامنت مع فلسطين: يمكن استعراض أبرز الدول التي صدر عنها تصريحات رسمية حيال أحداث غزة، وذلك على النحو التالي:
- الجزائر: أدانت الحكومة الجزائرية بشدة الغارات الجوية الوحشية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، والتي تسببت في سقوط العديد من الضحايا كما تعهدت بدعمها لفلسطين وحثت المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل بسبب هجماتها المنهجية والعشوائية على فلسطين.
- جيبوتي: نجد أن التصريحات الرسمية تصب في اتجاه إدانة دولة إسرائيل نتيجة عدوانها المستمر وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني ومقدساته. ويتمحور الموقف الجيبوتي حول التأكيد على دعم الشعب الفلسطيني في تحقيق تطلعاته ونيل كافة حقوقه المشروعة، بما في ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
ب- موقف متوازن: يمكن استعراض أبرز الدول الأفريقية التي عملت على اتخاذ موقف متوازن حيال التصعيد العسكري على قطاع غزة، وذلك على النحو التالي:
- أوغندا: صرح الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني على موقع X (تويتر سابقًا): أن “اندلاع العنف المتجدد في إسرائيل وفلسطين أمر مؤسف. لماذا لا ينفذ الجانبان حل الدولتين؟ ما يجب إدانته على وجه الخصوص، هو ممارسة استهداف المدنيين وغير المقاتلين من قبل المتحاربين”.
- نيجيريا: دعا وزير الخارجية النيجيري، يوسف توجار، إلى وقف التصعيد وإعطاء الأولوية لسلامة المدنيين والاعتبارات الإنسانية.
ج- تأييد إسرائيل: هناك مجموعة من الدول الأفريقية التي أصدرت تصريحات رسمية تعبر فيه عن انحيازها التام لإسرائيل، وهو ما يمكن رصده على النحو التالي:
- كينيا: أعرب الرئيس الكيني ويليام روتو عن تضامنه مع دولة إسرائيل، وإدانته للإرهاب الذي يشكل تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن الدوليين، كما حث المجتمع الدولي على حشد الجهود لمحاسبة مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية المشينة ومنظميها ومموليها، وتقديمهم إلى العدالة بسرعة. كما نجد أن كينيا قد حذرت من خطر قيام الجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب بتنفيذ هجمات “تضامنًا” مع حماس.
- الحكومة الرواندية: أعربت عن خالص تعازيها وتعاطفها مع حكومة وشعب دولة إسرائيل في أعقاب الهجمات على الأراضي الإسرائيلية.
- غانا: أعلنت دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، كما شجعت حكومة إسرائيل على ممارسة ضبط النفس في ردها. نجد أن الموقف الرسمي يميل بشدة نحو إسرائيل، لكن مجموعات المجتمع المدني الموجودة على الأرض تعمل على ضمان بقاء النضال من أجل الحقوق الفلسطينية.
- زامبيا: أعرب وزير خارجية زامبيا، ستانلي كاكوبو، عن دعمه لإسرائيل وأدان هجمات حماس.
وفي الختام، يتضح لنا بعد استعراض مواقف الدول الأفريقية التي شاركت في قمة القاهرة للسلام 2023، بالإضافة إلى مواقف الدول الأفريقية حيال التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة، والتي لم تشارك في القمة التي استضافتها القاهرة، أنه يمكن القول إنه لا توجد رؤية موحدة من جانب الدول الأفريقية حيال التصعيد العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما يعني تراجع أولوية القضية الفلسطينية بالنسبة لبعض الدول الأفريقية، نظرًا للتغلغل الإسرائيلي في القارة من خلال استخدام مجموعة من الأدوات التي تتمحور حول عقد صفقات في مجال المساعدات العسكرية إلى جانب مكانة إسرائيل في مجال التقنيات الزراعية، والذي يُعد حافزًا جذابًا للدول الأفريقية التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي.