ارتبطت رؤية الأفراد لبعض الأحداث أو السياسات الدولية، وإحساسها بالظلم الذى مورس خلالها أو بسببها على العرب والمسلمين، بإيجاد حالة من الكراهية والعداء تجاه الآخر (الغرب)، ما أدى إلى بروز عقلية نحن ضدهم. ومن هذه الأحداث المؤثرة، هناك القضية الفلسطينية، فى المقام الأول، ثم قضايا وحروب مؤثرة غيرها.
إن الظلم الذى مورس، ولا يزال يمارَس، على الشعب الفلسطينى من طرف المحتل الإسرائيلى، والدمار والقتل والتهجير الذى خلّفته الماكينة الحربية فى أفغانستان والعراق وسوريا، أدى إلى تفاعل الشعوب العربية والمسلمة مع إحساسها بالظلم جراء هذه الأحداث، مما أوجد عند البعض حالة من الكراهية والعداء -وهما أحد أعمدة التطرف الفكري- ضد الغرب. وأوجد، أيضا، حالة من عدم الرضا على المواقف السلبية للأنظمة العربية، مما كرَّس عند أجيال متلاحقة، فكرة أن الجهاد هو الحل لتحرير الأمة من قيود الظلم الذى تتعرض له، بدءا من ظلم الاستعمار الإمبريالى، مرورا بظلم احتلال فلسطين، وصولا الى باقى الحروب التى تشهدها المنطقة.
فى فلسطين، خلّف وعد بلفور، وما تلاه من انتداب بريطانى على فلسطين (بين 1920 – 1948) وفتح باب الهجرة لليهود إليها، وما عكسه ذلك من احتلال الأرض وتهجير الأهالى وارتكاب مجازر فى حق الفلسطينيين، حالة من الغضب فى أوساط المسلمين، والمؤمنين بعدالة القضية الإنسانية الفلسطينية فى كل مكان، مما حرض فكرة العداء لإسرائيل، ثم الدعوة للجهاد لتحرير فلسطين ونصرة أهلها.
على مدار أعوام كثيرة، شكَّلت القضية الفلسطينية أحد المحركات الأساسية للشعور بالكراهية والعداء تجاه الغرب بسبب الظلم الممارس على الفلسطينيين من قبل الاحتلال الإسرائيلى، وعدم قدرة المجتمع الدولى فى شكله الأممى على تقديم حل عادل للقضية الفلسطينية، وسكوت الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، على ممارسات إسرائيل المتحدية للشرعية الدولية، ما دفع أجيالا من الشباب العربى والمسلم إلى تشكيل مفهومها عن الجهاد من باب الرغبة فى تحرير فلسطين.
نفس الإحساس بالظلم هو ما دفع المئات من المقاتلين العرب إلى الالتحاق بأفغانستان، فى حربها ضد السوفيت، لنصرة المجاهدين الأفغان، بعدما أيدت المؤسسات الدينية الرسمية وتيارات الإسلام السياسى، المشاركة فى هذه الحرب، وأعطتها مشروعية دينية باسم «الجهاد». وهو نفس الظلم الذى عزف على وتره صدام حسين، وبعده تنظيم القاعدة، لجلب متعاطفين ومقاتلين للعراق، بعدما احتلت أمريكا الأرض وأسقطت النظام وأسقطت معه مؤسسات الدولة وركائزها الفكرية والثقافية والاجتماعية. وهو نفس الظلم، أيضا، الذى ارتكز عليه تنظيم داعش لاستقطاب وتجنيد مقاتلين من كل العالم من أجل نصرة الشعب السوري.
هناك الكثير من الظلم الذى يمارس فى عالمنا، دون أن ينتبه مرتكبوه ومؤيدوه والمدافعون عنه إلى أنه يغذى مشاعر الكره والعداء عند مجموعة كبيرة من أبناء هذا العالم، الذين يكونون فى طور بناء معتقداتهم ويرون كيف يقاس العالم بميزان القوة، حيث القوى يحتل الضعيف ويسلبه حقوقه المشروعة. وحيث الإنسان يفرم فى صراع المصالح السياسية وفى دائرة الحروب المفتعلة. وهناك فى المقابل من يستثمر فى هذا الإحساس بالظلم وينفخ فيه ليتحول إلى نار تحرق أعداء الدين. وهذا ما نجحت فى استثماره مختلف التنظيمات الارهابية.
إن الإحساس بالظلم (الذى لم يعد حكرا على المسلمين بل أيضا الشباب الغربى الذى بات يعاين اعتداء أنظمته على دول وشعوب اخرى) سرعان ما يتحول إلى حقد وكراهية ورغبة فى الانتقام ثم إرهاب مادى، بعدما يجد بيئة مواتية تدعمه وتمنحه الشرعية الدينية. هنا يصبح العنف هو السبيل الوحيد لمواجهة الظلم.
بسبب هذا الشعور المتراكم، وبسبب ما تشهده غزة الآن من حرب وحشية تستهدف المدنيين والنساء والاطفال، استطاعت وستستطيع تنظيمات إرهابية استقطاب مقاتلين وذئاب منفردة، وتجنيدهم باسم الجهاد، لرفع الظلم عن إخوانهم فى فلسطين، معتمدين فى ذلك على صور ومشاهد القصف والقتل واستهداف الأبرياء، التى سيتم استخدامها كمدخل تحريضى لتوجيه رسائل إلى المتعاطفين كافة. وبعد ذلك سيتم، كما فى كل مرة، توجيه خطابات فى اتجاه ضرورة الرد على هذا الظلم، ليس فقط كخيار نسبى، بل كفعل أخلاقى الوحيد المتاح، وعلى اعتبار الجهاد فرض عين على كل مسلم.
فهل هذا ما يريد الغرب الوصول إليه؟ ألم نكتف بعد من الإرهاب والإرهاب المضاد؟ ام ان الاستثمار فى العنف بات هو الملاذ المفضل للجميع؟