تنهض الدول بتعافي اقتصادها وازدهار الصناعات الحديثة في قطاعاتها المختلفة وتنوع إنتاجها المحلي، الذي يُمثل المكون الرئيسي في قوة الاقتصاد القومي، والمطور الأول في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتُمثل صناعة البتروكيماويات في مصر إحدى الصناعات العصرية لما لها من ارتباط وثيق بالصناعات التكميلية، ففي أربعينيات القرن الماضي خطت الدولة المصرية خطواتها الأولى نحو صناعة البتروكيماويات، ولامست على استحياء هذا المجال الثري بالقيمة المضافة، وذلك بالتأسيس له في محافظة السويس. توالت الخطوات خلال ما يزيد على ثلثي قرن من الزمان، حتى أصبحت تُمثل حجر الزاوية في الدولة المصرية فهي تُشكل واحدة من أهم أنشطة قطاع الطاقة المصري، والتي يعول عليها لتحقيق قيمة مضافة، مستفيدة في ذلك من توافر الغاز الطبيعي بكميات هائلة، وذلك ضمن استراتيجية تحول مصر لمركز إقليمي لتجارة وتداول النفط والغاز في المنطقة.
مدخل:
تُعد صناعة البتروكيماويات من الصناعات الحديثة إذا ما قورنت بغيرها من الصناعات التقليدية، حيث لم تظهر أهميتها بشكل واضح وقوي إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد البدء في استخراج وتصنيع النفط بشكل كبير وواسع. حيث صارت صناعة الكيماويات العضوية تستخدمه كمادة خام بدلًا من خامات الفحم التي كانت تُستخدم من قبل، وهو الأمر الذي أفرز اليوم صناعة البتروكيماويات، ورغم ذلك فإن صناعة البتروكيماويات تُعد من أكثر الصناعات نموًا وتطورًا على المستوى العالمي في الوقت الحالي. يُستدل على ذلك من خلال المعدلات الكبيرة التي تنمو بها هذه الصناعة على المستوى العالمي، ولذلك فهي من القطاعات التي يعول عليها لقيادة عمليات التنمية والنمو الاقتصادي لما تتمتع به من نمو سريع وتنوع في منتجاتها، وتُساهم بقوة في تنويع مصادر الدخل في البلدان المنتجة للنفط التي تحتل فيها صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي مكانة الصدارة، وتلعب صناعة البتروكيماويات كذلك دورًا مهمًا وحيويًا في تحسين فرص الاستفادة من الثروات الهيدروكربونية (النفط والغاز)، وذلك من خلال زيادة القيمة المضافة المحققة من برميل النفط الخام عندما يتم تصنيعه كمواد بتروكيماوية بدلًا من تصديره كنفط خام.
وعليه يمكن القول، إن النفط الخام سلعة عديمة القيمة دون تكريرها، ولكن يتم اشتقاق منتجات نفطية صالحة للاستخدام في الأجهزة والمعدات المستخدمة في حياتنا اليومية، ووفقًا لعمليات الاستغلال التي تبدأ من الحرق للحصول على الطاقة أو عمليات التحويل لسلع أخرى مثل البلاستيك والأسمدة فإن كل منتج نفطي يلبي الحاجة وفقًا لتقنية استخدام معينة.
الوضع العالمي في صناعة البتروكيماويات:
تُعد سوق البتروكيماويات العالمية جزءًا لا يتجزأ من المجتمعات الحديثة، إذ تشتمل على شريحة واسعة جدًا من المنتجات، مثل: الأسمدة، والتعبئة، والملابس، والأجهزة الرقمية، والأجهزة الطبية، والمنظفات، وإطارات السيارات، وغيرها. حيث تركز كبريات الشركات العاملة في صناعة البتروكيماويات العالمية على تعزيز مستويات إنتاج المواد البتروكيماوية، وذلك بهدف تحسين جودتها.
ووفقًا للتقارير الدولية، سجلت الطاقة الإنتاجية للبتروكيماويات عالميًا ما يقرب من حوالي 2.3 مليار طن متري وذلك في عام 2021، وتشير التوقعات إلى إمكانية نموها بشكل كبير بحلول عام 2030، وذلك نتيجة الطلب المتزايد على منتجات البتروكيماويات، بالإضافة إلى انخفاض استهلاك الوقود السائل المشتق من الوقود الأحفوري في قطاعات النقل المختلفة، الذي بدوره يجعل البتروكيماويات أكبر محرك للطلب على النفط في المستقبل القريب. ومن جهة أخرى، تتوقع وكالة الطاقة الدولية توسع صناعة البتروكيماويات واستهلاكهًا للمواد الأولية من النفط، حيث تستحوذ على أكبر مساهمة في نمو الطلب على النفط خلال الفترة المقبلة حتى 2028، وستشكل المواد الأولية الكيميائية ما يقرب من حوالي 40% من إجمالي نمو الطلب على النفط.
واستكمالًا لما سبق؛ بلغ حجم سوق البتروكيماويات العالمية حوالي 584 مليار دولار أمريكي وذلك في عام 2022، بزيادة قدرها حوالي 5% مقارنة بالعام السابق، وتشير التوقعات إلى زيادة في سوق البتروكيماويات في السنوات المقبلة، حيث من المتوقع أن يرتفع إلى أكثر من تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة بلغت حوالي أكثر من 7% وذلك بحلول عام 2030 نتيجة الطلب على المنتجات من مختلف الصناعات ذات الاستخدام النهائي مثل البناء والمستحضرات الصيدلانية والسيارات، وهو عامل رئيسي يدفع إلى النمو.
وعن التوزيع الجغرافي لمبيعات البتروكيماويات عالميًا، فقد استحوذت الصين على نسبة حوالي 45.6% من مبيعات البتروكيماويات العالمية وذلك خلال عام 2021، كما حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على ثاني أكبر حصة من مبيعات البتروكيماويات عالميًا، حيث شكلت حوالي 8.4% وحلت اليابان ثالثًا وشكلت نسبة حوالي 6%، ثم ألمانيا رابعًا بنسبة حوالي 5.7% وكوريا الجنوبية في المرتبة الخامسة بنسبة 4.5%. بالإضافة إلى استحواذ الصين على نسبة حوالي 14.8% من صادرات البتروكيماويات عالميًا وذلك خلال عام 2021، تليها الولايات المتحدة الأمريكية ثاني أكبر حصة من الصادرات، كما هو موضح في الشكل التالي.
التحديات التي تواجه صناعة البتروكيماويات عالميًا:
تواجه صناعة البتروكيماويات العديد من التحديات في هذه الفترة والتي من الممكن حصرها في النقاط التالية:
ندرة المواد الأولية:
تُعتبر منطقتا أمريكا الشمالية والشرق الأوسط المصدرين الرئيسيين للمواد الأولية المستخدمة في هذه الصناعة، لكن يوجد احتمالية أن تكون الإمكانات الاستثمارية محدودة خلال السنوات الخمس القادمة، كما أنه من المتوقع أن ينخفض توافر المواد الأولية في أمريكا الشمالية خلال السنوات العشر القادمة، وهو ما سيؤثر سلبًا على الصناعة ككل؛ وذلك بسبب الاهتمام العالمي المتنامي بضرورة التحول إلى الطاقة البديلة والنظيفة.
تهميش بعض الصناعات البتروكيماوية:
وذلك لانخفاض أرباحها خلال السنوات الماضية، تم تقليص الكميات المنتجة من بعض المنتجات البتروكيماوية بشكل ملحوظ، وبالتحديد تلك التي تعتمد على مركبات عطرية يرجع ذلك إلى أن شركات البتروكيماويات على مستوى العالم تعاني من تقلص هوامش الربح؛ بسبب ارتفاع تكلفة المواد الخام إلى جانب انخفاض سعر المنتجات، وذلك منذ عام 2016.
تقلب أسعار النفط:
حيث إن أسعار النفط الخام الذي يتم تكريره لإنتاج البنزين والإيثيلين والبروبيلين وغيرها من البتروكيماويات تشهد تقلبًا دائمًا بسبب الصراعات السياسية أو الأوبئة، فقد ارتفعت منذ عام 2005 إلى عام 2008 ووصلت إلى حوالي 137 دولارًا للبرميل، إلا أن الأسعار انخفضت في عام 2014 لتصل من حوالي 108 دولارات للبرميل إلى أقل من 34 دولارًا للبرميل، وذلك عام 2015. وعاد السعر للانخفاض الشديد في بداية جائحة كورونا والإغلاقات العالمية؛ وذلك بسبب تبعات الجائحة على الاقتصاد العالمي. وفي بداية عام 2022 تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في ارتفاع الأسعار، حيث تخطت حاجز 100 دولار للبرميل، كما يوضح الشكل التالي تقلبات الأسعار النفطية منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية.
وعليه يمكن القول، إن سوق البتروكيماويات يتأثر كثيرًا بسبب تلك التقلبات الحادة في الأسعار، مما يؤدي إلى عدم اليقين وفقدان الثقة لدى المستثمرين الجدد، كما يوضح الشكل التالي أبرز انهيارات أسعار النفط العالمية خلال 37 عامًا.
مراحل تطور صناعة البتروكيماويات:
شهدت صناعة البتروكيماويات في مصر تطورًا ملحوظًا وذلك بشكل تدريجي، وذلك منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين، من خلال ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولي: حيث تُمثل نقطة الانطلاق وكانت من محافظة السويس، ثم منتصف السبعينيات إقامة مصنعين لليوريا بطلخا والإسكندرية، والثمانينيات تم إنشاء مجمع البتروكيماويات، وحدة لإنتاج الألكيل بنزين الخطي بشركة العامرية لتكرير البترول بالإسكندرية، ثم انكماش لحقه نشاط في فترة التسعينيات بإنشاء شركة سيدي كرير للبتروكيماويات الاستثمارية بالمشاركة مع قطاع البترول، ثم شركة الشرقيون للبتروكيماويات.
المرحلة الثانية: وذلك في مطلع عام 2000، وتم وضع الخطة القومية لصناعة البتروكيماويات في الدولة المصرية، واستهدفت 14 مجمعًا عملاقًا، وحوالي 24 مشروعًا، و50 وحدة إنتاجية، باستثمارات حوالي 20 مليار دولار على مدى 20 عامًا.
المرحلة الثالثة: تُعد المرحلة الثالثة مرحلة النمو والانطلاق الحقيقي؛ وذلك بسبب الاكتشافات البترولية والغازية التجارية العملاقة، والتي تمثل ركيزة أساسية في صناعة البتروكيماويات، وذلك بداية من عام 2014.
الاستراتيجية المصرية لصناعة البتروكيماويات:
بدأت مصر تنفيذ استراتيجية صناعة البتروكيماويات الوطنية حتى عام 2040، حيث تستهدف الاستراتيجية تعظيم القيمة المضافة من الثروات الطبيعية، وبالأخص الغاز الطبيعي، الذي وضع الدولة المصرية في مصاف الدول المنتجة والمصدرة للغاز الطبيعي؛ وذلك بسبب الاكتشافات الجديدة التي أحدثت طفرة غير مسبوقة بالقطاع، وخاصةً صناعة الغاز الطبيعي بعد عام 2014، ويُعد أهم هذه الاكتشافات وأكثرها أهمية هو حقل ظهر، وما له من دلالات إيجابية كبيرة في تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وفائض كبير للتصدير. وبالإضافة إلى تأهيل الدولة المصرية إلى أن تكون مركزًا إقليميًا لصناعة البتروكيماويات وذلك بحلول 2025. ووفقًا للمؤشرات الاستثمارية للقطاع، وأدت الزيادة الهائلة في معدلات إنتاج الغاز الطبيعي لارتفاع كبير في حجم الإنتاج للمنتجات البتروكيماوية بمعدلات أكثر من حوالي 4.3 ملايين طن في عام 2022، وبمعدلات ارتفاع أكثر من حوالي 50% مقارنة بحجم إنتاج السنوات الماضية.
مشروعات البتروكيماويات ومرحلة النمو:
بلغ إنتاج قطاع البتروكيماويات في مصر حوالي 4.3 ملايين طن العام الماضي، محققًا نموًا في الإيرادات بنسبة أكثر من حوالي 50% على أساس سنوي، وتنفذ الدولة المصرية حاليًا العديد من المشروعات الاستراتيجية في قطاع البتروكيماويات، والتي تهدف إلى تعزيز رغبة الدولة في أن تعزز من مركزها لتجارة النفط والغاز، في ظل موقعها الاستراتيجي المتميز في المنطقة، وشرعت في تنفيذ عدد من مشروعات البتروكيماويات على نطاق محافظات الدولة المصرية. حيث عكست تلك المشروعات مساعي الدولة لتحقيق التنمية الشاملة للمناطق التي تقام لها، وذلك من خدمات مجتمعية وتوفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويبلغ حجم الاستثمارات الخاصة بتلك المشروعات نحو أكثر من حوالي 18 مليار دولار، ويوضح الشكل التالي مراحل وتطور صناعة البتروكيماويات المصرية.
هذا وخلال الفترة من عام 2014 وحتى الآن فقد تم تشغيل أكبر مشروعين في مجال صناعة البتروكيماويات بإجمالي حجم استثمارات أكثر من 4 مليارات دولار، حيث افتتحهما الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية في عام 2016:
مشروع توسعات شرق موبكو (دمياط):
افتتح المشروع في مايو عام 2016، حيث يهدف المشروع إلى إنتاج اليوريا والأمونيا وذلك لتغطية احتياجات السوق المحلي، وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع حوالي 1.38 مليون طن سنويًا، وذلك بتكلفة استثمارية حوالي 1.96 مليار دولار.
مشروع إنتاج الإيثلين ومشتقاته (الإسكندرية):
أُفتتح المشروع في أغسطس من عام 2016، بطاقة إنتاجية حوالي 460 ألف طن سنويًا من الإيثيلين الذي يُستخدم في إنتاج حوالي 400 ألف طن سنويًا من البولي إيثلين منخفض وعالي الكثافة، بالإضافة إلى حوالي أكثر من 20 ألف طن سنويًا بيوتاديين التي تتميز باعتماد العديد من الصناعات الصغيرة والمتوسطة عليها، مثل: صناعات مواد التشييد والبناء، وخطوط المواسير، والتعبئة والتغليف البلاستيكية، والعديد من الصناعات المتنوعة، وبلغت التكلفة الاستثمارية للمشروع حوالي 1.93 مليار دولار.
وتم إنشاء محطة كهرباء بشركة إيثيدكو (المرحلة الأولى والثانية) لتوليد الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل مجمع الإيثيلين ومشتقاته، والتي تشمل المرحلة الأولى إنشاء عدد 3 توربينات بقدرة حوالي 100 ميجاوات. حيث تشمل المرحلة الثانية إنشاء محطة محولات للربط على الشبكة القومية للكهرباء لتصدير الفائض أو لتغطية العجز في حالة توقف التوربينات، حيث تبلغ إجمالي تكلفة المرحلتين حوالي 150 مليون دولار، وقد تم الانتهاء من تشغيل المشروع في مارس عام 2019.
واستكمالًا لاستراتيجية الدولة المصرية للنهوض بصناعة البتروكيماويات وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، تقوم مصر حاليًا بتنمية عدد من المشروعات الجديدة والواعدة، والتي تهدف إلى تعظيم القيمة المضافة، والتي سيكون لها العديد من الإيجابيات والمردود القوي على الاقتصاد القومي، وجاري تنفيذ عدد من المشروعات البتروكيماوية، وبإجمالي تكلفة حوالي أكثر من 8 مليارات دولار ومنها:
مشروع إنشاء الألواح الخشبية متوسطة الكثافة والغراء (MDF) شركة تكنولوجيا الأخشاب، حيث يهدف إلى إنتاج حوالي 205 آلاف متر مكعب سنويًا من الألواح الخشبية متوسطة الكثافة اعتمادًا على حوالي 245 ألف طن سنويًا من قش الأرز المصري كمادة خام بإجمالي حجم استثمارات حوالي 217 مليون يورو.
مشروع إنتاج مشتقات الميثانول (شركة السويس لمشتقات الميثانول)، حيث يهدف إلى إنتاج حوالي 87 ألف طن سنويًا من اليوريا فورمالدهيد، وحوالي 53 ألف طن سنويًا من مادة النفثالين فورمالدهيد المسلفن SNF اعتمادًا على منتجي الميثانول واليوريا المنتجين بشركتي ايميثانكس وموبكو، بإجمالي حجم استثمارات حوالي 119 مليون دولار، ومن المقرر الانتهاء منه في الربع الأخير من عام 2022.
مشروع مجمع البحر الأحمر للبتروكيماويات بالمنطقة الاقتصادية بقناة السويس، الذي يهدف إلى إنشاء مجمع للبتروكيماويات بالمنطقة الاقتصادية بمحور قناة السويس. وذلك في إطار خطة الدولة المصرية لتنمية المنطقة الاقتصادية، وبهدف المساهمة في تلبية احتياجات السوق المحلي من المنتجات البترولية والبتروكيماوية والعمل على تصدير الفائض، حيث تبلغ طاقة المشروع حوالي 4 ملايين طن من الزيت الخام المستورد وذلك لإنتاج حوالي 2.7 مليون طن سنويًا من المنتجات البتروكيماوية، وحوالي 1.2 مليون طن سنويًا من المنتجات البترولية بإجمالي حجم استثمارات حوالي أكثر من 7.5 مليارات دولار، هذا وقد تم وضع حجر أساس المشروع في يونيو عام 2021. حيث يُعد أول مجمع صناعي للمواد البترولية والكيماوية في المنطقة الاقتصادية، كما هو موضح في الشكل التالي.
إنشاء وحدة جديدة بشركة إيثيدكو، باستثمارات تتعدى أكثر من حوالي 50 مليون دولار، وذلك لتصنيع وإنتاج أكثر من حوالي 60 ألف طن سنويًا من مادة البولي إيثيلين الملون عالي ومتوسط الكثافة، والمستخدم في صناعة شبكات مواسير الغاز والمياه والضغط العالي، وشبكات الصرف الصحي والصناعي، وفي مشروعات البنية الأساسية، والبناء ضمن المشروعات القومية الكبرى التي تنفذها الدولة المصرية. فضلًا عن استخدامها في تحلية مياه البحر، مما يقلل من استيراد مثل هذه النوعية من المواسير.
توقيع اتفاقية المساهمين لتأسيس شركة مصر للميثانول والبتروكيماويات، وذلك لإنتاج الميثانول والأمونيا والبتروكيماويات وغيرها بين شركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة حلوان للأسمدة، وشركة الأهلي كابيتال القابضة. حيث يهدف إلى سد احتياجات السوق المحلي من الميثانول ومشتقاته وتصدير الفائض للخارج، حيث تبلغ التكلفة الاستثمارية للمرحلة الأولى حوالي أكثر من 1.6 مليار دولار وبطاقة إنتاجية تقدر بمليون طن ميثانول وحوالي 400 ألف طن أمونيا سنويًا، ومن المخطط إقامة المشروع بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالعين السخنة، مما يمنح المشروع أفضلية تنافسية، نظرًا للميزات الاقتصادية العديدة التي تمنحها الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية.
ووفقًا للخطة القومية للبتروكيماويات 2035، بدأت مصر في إقامة مشروع الصودا آش بإجمالي حجم استثمارات حوالي 420 مليون دولار، ومشروع إنتاج السيليكون المعدني ومشتقاته، ومشروع التيتانيوم داي أوكسيد، وذلك بإجمالي حجم استثمارات حوالي 300 مليون دولار. بالإضافة إلى دراسة مشروعات أخرى مثل إنتاج البلاستيك الحيوي القابل للتحلل المزمع إقامته بشركة سيدبك، ومشروع إنتاج النافتا الخضراء من زيت الطحالب، ومشروع لإنتاج البوليمرات فائقة الامتصاص، كما تم الانتهاء من دراسة مشروع شركة الخدمات اللوجستية للبتروكيماويات. وكذلك الانتهاء من تجديد خلايا مصنع الكلور بشركة البتروكيماويات المصرية، وتطورات مشروع التوسعات بالشركة، وكذا إعادة تأهيل مصنع VMC وتحديث مصنع PVC لزيادة طاقته الإنتاجية إلى حوالي 200 ألف طن سنويًا، كما تم إنشاء وحدتين لإزالة الكلورايد، ومشروع زيادة الطاقة الإنتاجية بإيلاب بحوالي 40% من الطاقة الحالية.
وعليه يمكن القول، إن تلك المشروعات الاستراتيجية تهدف إلى تعظيم القيمة المضافة من الموارد الطبيعية المتاحة بالدولة المصرية، وذلك عن طريق إنتاج منتجات عالية القيمة تُنتج ولأول مرة في مصر والقارة الأفريقية بدلًا من استيرادها من الخارج.
مجمع التكرير والبتروكيماويات بمدينة العلمين الجديدة:
واستكمالًا لنهج الدولة المصرية في دعم توجه الدولة نحو بناء كيانات اقتصادية كبرى تساهم في تحقيق التنمية المستدامة بالمجتمعات العمرانية الجديدة، يشهد مجمع التكرير والبتروكيماويات بمدينة العلمين الجديدة تقدمًا كبيرًا في أعمال تطويره، لا سيما بعد تأسيس شركة مشروع العلمين في سبتمبر من عام 2021 لتنمية المجمع، كما يتم حاليًا اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأسيس شركة للمرافق وفقًا للمخطط العام، وإمداد کامل مشروعات مجمع العلمين باحتياجاتها من المرافق والغازات الصناعية والخدمات اللوجستية. حيث يضم مجمع العلمين العديد من المشروعات بإجمالي استثمارات تتخطى حوالي 10 مليارات دولار، ويضم مشروع مجمع التكرير والبتروكيماويات استثمارات تقدر بنحو حوالي 8.7 مليارات دولار، حيث يهدف إلى إنتاج حوالي 3.2 ملايين طن سنويًا من المنتجات البتروكيماوية المتخصصة، بالإضافة إلى حوالي 1.6 ألف طن سنويًا من المنتجات البترولية اعتمادًا على حوالي 3.8 ملايين طن من الزيت الخام المنتج من حقول الصحراء الغربية. كما تضم مشروعات مجمع العلمين مشروع إنتاج كربونات الصوديوم الصودا آش، والذي يهدف إلى زيادة القيمة المضافة للمصادر الطبيعية المتوفرة في مصر، والمتمثلة في خام الملح والحجر الجيري وذلك بإنتاج مادة الصودا آش بطاقة تصميمية حوالي 600 ألف طن سنويًا، وحوالي 100 ألف طن سنويًا من مادة بيكربونات الصوديوم، و50 ألف طن سنويًا من مواد متخصصة أخرى باستثمارات تقديرية حوالي 480 مليون دولار، كما هو موضح في الشكل التالي.
عائد المشروعات الجديدة على الدولة المصرية وإشادة وكالة فيتش:
تتميز المشروعات الجديدة والمخطط تنفيذها والانتهاء منها بمردود قوي، وستقام على مساحة حوالي 1600 فدان بالمنطقة الصناعية بمدينة العلمين الجديدة، وبإجمالي حجم استثمارات تُقدر بحوالي 10.5 مليارات دولار. وذلك لإنتاج أكثر من حوالي 6 ملايين طن سنويًا من المنتجات البتروكيماوية والكيماوية المتخصصة وغير التقليدية، والتي لا يتم إنتاجها محليًا. مما سينعكس إيجابيًا على منطقة العلمين الجديدة لكونها تُعد ظهيرًا صناعيًا واعدًا لإقامة الكثير من الصناعات الاستراتيجية والرئيسية والتكميلية، والتي تهدف في المقام الأول إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تستهدفها الدولة المصرية بالمنطقة، كما يتم تنفيذ الخطط المحددة لإقامة تلك المشروعات على أعلى مستوى من التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والمتطورة، وكذلك الاستفادة من التجارب الناجحة عالميًا في هذا المجال.
البتروكيماويات الخضراء ورؤية مصر 2030:
في إطار استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030، لإنتاج منتجات متخصصة تتوافق مع المعايير البيئية لمسايرة التوجهات العالمية للحفاظ على البيئة. فقد تم إدراج العديد من المشاريع لإنتاج البتروكيماويات الخضراء ضمن مشروعات تحت التنمية:
الأول: مشروع إنتاج البلاستيك الأخضر القابل للتحلل بطاقة إنتاجية حوالي 75 ألف طن سنويًا، وذلك باستخدام أحدث تكنولوجيات الإنتاج حيث تدخل البوليمرات أو البلاستيك القابل للتحلل في إنتاج أفلام التغليف والأكياس والعبوات والاستخدامات الطبية.
الثاني: مشروع إنتاج النافتا الخضراء من الطحالب، الذي يهدف إلى الاعتماد على زيت الطحالب كمادة خام بديلة في صناعة البتروكيماويات، حيث يُعد أحد مصادر الطاقة المتجددة والبديلة الآمنة على البيئة. وذلك بهدف إنتاج النافتا الخضراء لاستغلالها بمدينة العلمين الجديدة في إنتاج منتجات بتروكيماوية خضراء.
الثالث: مشروع يعمل على تحويل مخلفات البلاستيك إلى زيت، بهدف استخدامه كمادة خام، لتصنيع البولي إيثيلين، حيث يصل حجم الطاقة الإنتاجية له حوالي 30 ألف طن سنويًا، وحجم استثمارات حوالي 50 مليون دولار، ويسعى إلى خفض حوالي 63 ألف طن سنويًا من ثاني أكسيد الكربون.
مقترحات للتطوير:
تُمثل صناعة البتروكيماويات قاطرة التنمية التي تساهم في تعظيم القيمة المضافة للثروات البترولية، حيث تتسم بالعديد من السمات الأساسية من أهمها ضخامة حجم الإنتاج الاقتصادي، كثافة استخدام مواد التغذية العالية، وعلى الرغم من المنافسة التي تشهدها أسواق البتروكيماويات العالمية، ووجود دول متقدمة في هذا المجال إلا أن مصر لديها كل المقومات اللازمة لقيام صناعة بتروكيماوية متميزة في منتجاتها وقوية في اقتصادياتها. ولذلك أخذت مصر العديد من الخطوات الجادة، والتي تهدف إلى إدارة هذا الملف بصورة شاملة لتحقيق التنمية المستدامة، ولكن لا تزال هناك العديد من التحديات والعقبات، ومن هنا يمكن الإشارة إلى بعض المقترحات التي من الممكن أن تُسهم في تذليل تلك العقبات ومنها:
- تحتاج صناعة البتروكيماويات إلى تعزيز وتسريع جهود الابتكار والبحث العلمي، بهدف تطوير مواد أكثر فاعلية واستدامة بتكاليف منخفضة، فإن إنشاء مراكز بحثية يمكن أن يعزز ويكمل البرامج الحالية، ويدفع حدود الابتكار إلى آفاق جدية من خلال التعاون العالمي.
- وفي إطار العمل على التوسع في مشروعات صناعة البتروكيماويات انطلاقًا من عوائدها المتميزة اقتصاديًا وتوفيرها خامات أساسية للسوق المحلي، ولذلك يجب العمل على ضرورة التغلب على تحديات تلك الصناعة، والتي من أهمها توفير المادة الخام، وذلك من خلال تعزيز التعاون مع دول الجوار مثل ليبيا والكويت وغيرها من الدول النفطية الكبرى.
- الاقتصاد المصري من المرجح أن يحقق نموًا مستدامًا مع الانتقال من الاعتماد على الاستيراد إلى التوجه نحو التصدير، وأكدت على أن المنتجات المصنعة محليًا أصبحت أكثر تنافسية في الخارج، ولذلك يجب زيادة العمل على جذب الاستثمارات والشركات الدولية، والتي تهدف إلى توسيع نشاط التصنيع المحلي في مصر والاستفادة من سوق العمل الكبير، والخدمات اللوجستية الجيدة وإمكانية الوصول إلى الأسواق الإقليمية.
- أصبحت المخاوف البيئية بشكل متزايد تحديًا كبيرًا لصناعة البتروكيماويات، ويرتبط إنتاج البتروكيماويات بانبعاثات الغازات الدفيئة وغيرها من القضايا البيئية. ونتيجة لذلك؛ هناك طلب متزايد على المنتجات البتروكيماوية المستدامة والصديقة للبيئة. ولذلك يجب العمل على ضرورة زيادة مخصصات البحث والتطوير بهدف تطوير المواد الخام الحيوية، وتقليل التأثير البيئي لإنتاج البتروكيماويات.
- ضرورة تبني مفهوم الاقتصاد الدائري لخفض كمية النفايات البلاستكية المتولدة، والحد من انبعاثات الكربون؛ لأن تحقيق استدامة مدخلات صناعة البتروكيماويات لا يقل أهمية عن تحول الطاقة لتحقيق الحياد الكربوني، ولهذا تُشكل عملية تدوير النفايات إلى المواد الأولية أمرًا بالغ الأهمية، كما تتطلب تقنيات وشراكات جديدة لتقديم الاستثمارات اللازمة على طول سلسلة القيمة بأكملها.
- الاستفادة من تكامل الإمكانات العلمية المتاحة في الجامعات والمراكز البحثية والصناعية، مع ضرورة العمل على تعزيز التعاون الدولي والإقليمي بين المعاهد البحثية الحكومية، والخاصة والشركات الصناعية.
مجمل القول: مما لا شك فيه إن قطاع البتروكيماويات المصري لا يزال يستشرف آفاقًا واعدة للاستثمار لما يتمتع به من مزايا تنافسية عالية، والتي جعلته يحظى بدعم غير مسبوق على كافة المستويات. ولذلك تخطط الدولة المصرية للتحول إلى تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة، وذلك من خلال التوسع في مشروعات النفط والغاز، حيث تولي الحكومة المصرية اهتمامًا كبيرًا بقطاع الطاقة خلال السنوات الأخيرة. وعليه بدأت في تنفيذ عدد من المشروعات الضخمة في مجال البتروكيماويات، وذلك من أجل هدف توفير احتياجاتها من المشتقات النفطية، والتي تكلف الموازنة العامة للدولة أعباء مضاعفة نتيجة استيرادها من الخارج، وعليه يمكن القول، إن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة يُعد إحدى أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالأخص صناعة البتروكيماويات، حيث إنها تُشكل أهمية كبيرة في تحقيق القيمة المضافة ودفع عجلة الإنتاج وتحسين وتيرة الاقتصاد محليًا وخارجيًا، وهو ما جعلها تخطو خطوات جادة وسريعة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية، وذلك من خلال عوامل عدة شملت عمليات الاستكشاف والإنتاج، ورفع كفاءة وتطوير منظومة التكرير، وتنويع مصادر الطاقة، والتوسع في المشروعات التي تساعد في ترشيد استهلاك الوقود، وأيضًا تلك التي تسهم في جذب المزيد من الاستثمارات لقطاع النفط والطاقة.