عقدت الأمم المتحدة اجتماعًا بتاريخ 23 فبراير 2024 لمناقشة مسار التسليح للجانب الإسرائيلي في ضوء ما تحظى به إسرائيل من عمليات توريد أسلحة غربية تُستخدم في حربها الممنهجة تجاه فلسطين بما يُعد انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني. وهذا الاجتماع جاء في ضوء ما دعت إليه مجموعة من خبراء الأمم المتحدة إلى فرض حظر فوري على الأسلحة التي تتلقاها إسرائيل.
ولعل هذا الأمر دفع إسرائيل إلى اتهام الأمم المتحدة بانسياقها وتعاونها مع حماس في مقابل عدم تعاطيها مع مصالح إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، وذلك وفقًا لما جاء على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي “إسرائيل كاتس”. ويمكن توضيح مسار مناقشة ملف التسليح لإسرائيل تحت مظلة الأمم المتحدة في النقاط التالية:
أولًا- مرتكزات الأمم المتحدة تجاه عمليات التسليح:
تتحرك الأمم المتحدة في سياق تفاعلها مع عمليات التسليح بصورة عامة تحت مظلة معاهدة تجارة الأسلحة ATT ، Arms trade treaty وهو اتفاق بين الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة يعمل على تنظيم التجارة الدولية بالأسلحة التقليدية من الأسلحة الصغيرة إلى دبابات القتال والطائرات المقاتلة والسفن الحربية، والتي تم التفاوض عليها في مؤتمر عالمي تحت رعاية الأمم المتحدة في 27 يوليو 2012 في نيويورك. ودخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 2014 وذلك بعد أن وقع عليها 130 دولة من بينها لبنان وفلسطين. ومن أهدافها الرئيسية منع واستئصال الاتجار غير المشروع بالأسلحة التقليدية، واتخاذ تدابير لمنع تحويلها، وفقًا للمادة 11 من المعاهدة.
من هذا المنطلق عقد أطراف معاهدة تجارة الأسلحة اجتماعًا يوم الأربعاء الموافق 21 فبراير في جنيف بسويسرا باعتباره المؤتمر العاشر للدول الأطراف في معاهدة تجارة الأسلحة (CSP10) لمناقشة عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل. وبحسب الموقع الرسمي للمعاهدة، يناقش الاجتماع الذي يستمر ثلاثة أيام، وللمرة الأولى رسميًا موضوع عدم الامتثال بموجب معاهدة تجارة الأسلحة والذي ينص على ألا يجوز لكل دولة طرف السماح بأي نقل للأسلحة التقليدية أو الأجزاء أو المكونات ذات الصلة “إذا كانت على علم وقت التصريح” بأنها ستُستخدم لارتكاب إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، وعلى جميع دول الأعضاء أيضًا الالتزام بمنع الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم الدولية.
وانطلاقًا من هذا السياق، فقد تقدم مجموعة من خبراء الأمم المتحدة بمذكرة تتعلق بمسار التسليح للجانب الإسرائيلي وذلك في الثالث والعشرين من فبراير الجاري، وتضمنت تلك المذكرة تحذير الخبراء من نقل للأسلحة أو الذخائر إلى إسرائيل لاستخدامها في غزة، وعلى جميع الدول “ضمان احترام” القانون الإنساني الدولي من قبل أطراف النزاع المسلح، كما تقتضي اتفاقيات جنيف لعام 1949 والقانون الدولي العرفي. وبالتالي، يجب على الدول الامتناع عن نقل أي أسلحة أو ذخيرة أو أجزاء لها، في ضوء الحقائق أو أنماط السلوك السابقة، يعلمون أنها ستُستخدم في انتهاك القانون الدولي. وتم التأكيد على ضرورة التزام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أيضًا بقانون مراقبة تصدير الأسلحة التابع للاتحاد الأوروبي، وأن الدول الأطراف في معاهدة تجارة الأسلحة لديها التزامات تعاهدية إضافية لمنع صادرات الأسلحة.
ومن ثم تعززت الحاجة إلى حظر الأسلحة على إسرائيل بعد الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في يناير 2024 بأن هناك خطرًا معقولًا بحدوث إبادة جماعية في غزة واستمرار الضرر الجسيم الذي يلحق بالمدنيين منذ ذلك الحين. وتتطلب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 من الدول الأطراف استخدام جميع الوسائل المتاحة لها بشكل معقول لمنع الإبادة الجماعية في دولة أخرى.
ثانيًا- الرؤية الإسرائيلية والفلسطينية تجاه ملف التسليح:
- الرؤية الإسرائيلية: برزت تلك الرؤية فيما جاء بورقة العمل الإسرائيلية المقدمة من قبل البعثة الدائمة لإسرائيل لدى المنظمة في يوم 21 فبراير الماضي، وتضمنت بعض الرسائل الهادفة إلى إضفاء الصبغة الشرعية على ممارستها جرائم الإبادة الجماعية، ومقاربة مساعيها للحصول على الأسلحة بما يتم داخل الشرق الأوسط من صفقات وعمليات تسليح للجهات الفاعلة غير الحكومية والمنظمات الإرهابية، الأمر الذي يفرض عواقب وخيمة على الساحة الأمنية الدولية، بل وعاملًا رئيسيًا لتصاعد العنف المسلح، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي.
إضافة لذلك، فقد بينت الورقة أن الأسلحة التقليدية يتم الاتجار بها وانتشارها بشكل غير مشروع في جميع أنحاء الشرق الأوسط بكميات غير مسبوقة، ومن بين النماذج الدالة على ذلك إرسال الأسلحة لجماعة حماس، وهو ما اتضح في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر 2023، حيث تم العثور على كميات كبيرة من الأسلحة التقليدية في حيازة حماس. وقد تم نقل هذه الأسلحة بشكل غير مشروع إلى حماس، وتم استخدامها في الهجوم الذي ارتُكب ضد الإسرائيليين، وذلك وفقًا لما تضمنته الورقة الإسرائيلية.
واتصالًا بالسابق، فقد أظهرت الورقة الإسرائيلية أيضًا العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك روايات تشويه الجثث بطرق قائمة على النوع الاجتماعي، واستندت في إطار تبرير ذلك إلى ما تضمنته المادة 7 من معاهدة تجارة الأسلحة من أهمية أن تأخذ الدول الأطراف في الاعتبار عند إجراء تقييم صادراتها، مراعاة خطر استخدام الأسلحة التقليدية أو الأصناف المشمولة بالمعاهدة لارتكاب أو تسهيل أعمال خطيرة من العنف القائم على النوع الاجتماعي باستخدام الأسلحة التي تم تحويلها بشكل غير قانوني إلى الجماعات الإرهابية.
- الرؤية الفلسطينية: تناولت ورقة العمل الفلسطينية التي تم تقديمها يوم 23 فبراير 2024 من قبل بعثة المراقبة الدائمة لدى الأمم المتحدة، للحد من عمليات نقل وتصدير وتسييس عبور الأسلحة والطائرات والأصناف العسكرية (بما في ذلك المكونات أو قطع الغيار قطع الغيار) والمواد ذات الاستخدام المزدوج إلى إسرائيل خلال الأشهر الاربعة الماضية.
كما بينت الورقة أن التوظيف الممنهج للتسليح من جانب إسرائيل في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة لم يتوقف، بل كثفت إسرائيل من عملياتها العسكرية في غزة والتهديد الصريح بالقيام بعملية عسكرية برية في رفح.
ومن هذا السياق، فقد أدانت الورقة تسهيل إجراءات عبور الأسلحة التي قامت بها بعض الدول المشاركة في معاهدة تجارة الأسلحة وعدم الالتزام بقانون ونصوص المعاهدة، بما في ذلك المادتان 6 و7 من معاهدة تجارة الأسلحة، والمادة 1 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، ومشروع مواد لجنة القانون الدولي بشأن مسئولية الدول، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، مع ضرورة التواصل مع الدول المصدرة أو دول العبور لحثها على توضيح موقفها بما في ذلك: الولايات المتحدة، ألمانيا، المملكة المتحدة، إيطاليا، هولندا، فرنسا، جمهورية التشيك، كندا وأستراليا واليابان والنرويج ودول أخرى قد تشارك باعتبارها “دول عبور” بما في ذلك اليونان وقبرص وبلجيكا.
ولعل هذا التطور في التسليح لإسرائيل، يتطلب وقف جميع عمليات نقل المعدات العسكرية والمساعدات والمكونات والذخائر إلى إسرائيل، حتى تتوقف عن انتهاكها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
ويجب عليهم الامتناع عن إبرام أية اتفاقيات تعاون عسكري، بما في ذلك التدريب والتعاون الاستخباراتي، وعليهم أن يرفضوا استخدام موانئهم ومطاراتهم لنقل الأسلحة إلى إسرائيل.
ثالثًا- أبعاد التحرك الأممي تجاه قضايا التسليح:
هناك تحول نوعي من جانب الأمم المتحدة في تعاطيها مع ملف التسليح داخل إسرائيل، وقد برز في الاجتماع المُشار إليه وذلك إثر عدم الامتثال الإسرائيلي لنصوص تلك المعاهدة، وهذا يُعد بمثابة سابقة في الأمم المتحدة منذ دخول معاهدة تجارة الأسلحة حيز التنفيذ في عام 2014، ففتح باب المحادثات ورد خبراء الأمم المتحدة يبرز مدى خطورة وتصاعد الموقف نتيجة لتعزيز حجم المساعدات العسكرية و”تسييس” نقل الأسلحة لإسرائيل، مما يورط عددًا من الدول الأطراف في المعاهدة في انتهاك القانون الدولي.
ونتيجة لذلك التحرك، فقد تمخض عنه إعلان وزيري خارجية إيطاليا وإسبانيا بالفعل أنهما لن يُصدرا أسلحة إلى إسرائيل، إضافة إلى أنه سبق أن صدر قرار محكمة الاستئناف الهولندية في 12 فبراير 2024 الهادف إلى مطالبة حكومة هولندا بوقف تصدير مكونات الطائرات المقاتلة من طراز F-35 إلى إسرائيل بسبب التزامات هولندا القانونية بموجب معاهدة تجارة الأسلحة وقانون الاتحاد الأوروبي.
واتصالًا بالسابق، سلط البيان الأممي الضوء أيضًا على أدلة الاستخدام المكثف لـ”القنابل الغبية” غير الدقيقة، والهجمات المتعمدة وغير المتناسبة والعشوائية، والفشل في تحذير المدنيين من الهجمات، وتصريحات تدين القادة والجنود الإسرائيليين.
الموقف يتطلب رد فعل صارمًا من قبل الدول للحدّ من ارتكاب القوات والعصابات الصهيونية جرائم انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، مع قيام الاتحاد الأوروبي مؤخرًا بتثبيط صادرات الأسلحة إلى إسرائيل تزامنًا مع تعليق عمليات نقل الأسلحة من قبل بلجيكا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا وشركة إيتوتشو اليابانية.
علاوة على ذلك، فإن الأمر يحتاج إلى وقف الولايات المتحدة من جهة دعمها للقوات الصهيونية بالأسلحة الجوية والبحرية والتعامل معها على أنها ولاية من الولايات المتحدة “خارج أراضيها”، ومن جهة أخرى إلى إعادة النظر في حجم الخسائر التي عانت منها القوات الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط منذ 7 أكتوبر، وبالأخص بعد خوض معارك وضربات مع الحوثيين في البحر الأحمر. حيث تتحمل شركات الأسلحة الأمريكية التي تساهم في إنتاج الأسلحة ونقلها للقوات الصهيونية مسئوليتها الخاصة أمام الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني.
وبناءً على ما سبق، بالرغم من هذا التطور والتنظيم الذي شهده المجتمع الدولي، إلا أنه لا يزال يواجه العديد من النزاعات المسلحة في الكثير من مناطق العالم، ولا سيما النزاعات المسلحة غير الدولية التي يتم فيها ارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية، والتي من أبرزها المجزرة التي يعيشها المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة. فالمتأمل للمشهد السياسي يجد أن الحرب العالمية الأولى أثبتت إخفاق عصبة الأمم في تحقيق الهدف الرئيسي من إنشائها المتمثل في حفظ سلم وأمن المجتمع الدولي من خلال مواجهة النزاعات المسلحة بواسطة آليات الأمن الجماعي المنصوص عليها في ميثاق عصبة الأمم، الأمر الذي دفع إلى إنشاء منظمة الأمم المتحدة عام 1945. وما يزال دور الأمم المتحدة في تدويل النزاعات المسلحة غير الدولية والعمل على تسويتها يثير الكثير من المشكلات القانونية والسياسية، خاصة في ظل تعاملها مع قضايا السلم والأمن الدوليين بازدواجية في المعايير بصفة عامة، ودورها في تدويل النزاعات المسلحة غير الدولية بصفة خاصة. حيث لجأت القوى الدولية الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى تسخير الأمم المتحدة لخدمة مصالحها الوطنية على حساب مصالح الجماعة الدولية، وهذا ما أثبتته الممارسة الدولية، وهو الأمر الذي هز من مصداقية الأمم المتحدة.