يُعد الدعم من القضايا الاقتصادية الحرجة في مصر، لما له من آثار مباشرة في عجز الموازنة العامة، وهو الأمر الذي يترتب عليه آثار إيجابية وسلبية في الوقت نفسه على كافة قطاعات الدولة المختلفة. لذلك فإن استمرار دعم المنتجات البترولية يلعب دورًا سلبيًا في قدرة قطاع الطاقة والنفط، حيث يؤثر في قدرته على النهوض. شهد قطاع الطاقة في مصر بعض التغييرات المهمة والتي اقتضت بالضرورة التخفيف التدريجي لقيمة دعم المنتجات البترولية. وذلك لأن مفهوم الدعم هو ما يُمثل قيمة ما تتحمله الدولة نتيجة لبيع هذه المواد بأسعار تقل عن تكلفة توفرها بالأسواق المحلية سواء عن طريق الإنتاج أو استيراد بعضها من خارج الدولة.
سعر أسطوانة البوتاجاز في مصر
لا يزال البوتاجاز يُشكل المنتج البترولي الأكثر استخدامًا فى منازل المصريين، لا سيما في الوجه القبلي، والمناطق البعيدة عن الشبكة القومية للغازات، وعليه، ارتفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي في مصر رسميًا حوالي 50% الأربعاء 18 سبتمبر 2024، في خطوة تسعى الحكومة من خلالها إلى خفض فاتورة دعم الوقود التي ترهق الموازنة العامة للدولة. وعليه، ارتفع سعر أسطوانة البوتاجاز في مصر سعة 12.5 كيلوجرام تسليم المصنع من 100 جنيه (2.06 دولارًا) إلى 150 جنيهًا (3.09 دولارًا)، في حين زاد سعر أسطوانة غاز البوتاجاز التجاري سعة 25 كيلوجرامًا بنسبة حوالي 33%، من 150 جنيهًا إلى 200 جنيه (4.12 دولارًا). كما تم رفع سعر طن المازوت الذي يتم توريده لمحطات توليد وإنتاج الكهرباء من 2500 إلى 6500 جنيه، مع استمرار تثبيت السعر للمصانع، كما تمت زيادة سعر بيع الغاز السائل إلى 12 ألف جنيه للطن الواحد، كما هو موضح في الشكل التالي.
وبالنظر إلى الزيادة الحالية، تُعد زيادة أسعار أسطوانة البوتاجاز محدودة وتكاد لا تذكر مقارنة بالزيادة العالمية في أسعار البوتاجاز والتي وصلت إلى الضعف، ولذا لا بد أن يتم زيادة سعر أسطوانة البوتاجاز بتكلفتها نفسها، وتحويل الدعم العيني إلى نقدي للمستهلكين. وتحريك أسعار أسطوانات الغاز والمازوت خلال الفترات المقبلة بشكل تدريجي وذلك بهدف الوصول إلى تكلفة الأسطوانة الفعلية وإلغاء الدعم عنها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن رفع سعر أسطوانة البوتاجاز في مصر يأتي خطوة من الحكومة لرفع الدعم تدريجيًا عن الوقود، ضمن تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي. حيث تتخطى تكلفة غاز الاسطوانة الوحدة حوالي 450 جنيهًا، وذلك دون حساب تكلفة الصيانة وغيرها من مستلزمات التعبأة لتصل تكلفة الاسطوانة الفعلية بعد التعبأة حوالي 600 جنيه للواحد. ومن ضمن العوامل التي أدت إلى تحريك أسعار أسطوانة البوتاجاز والمازوت، زيادة تكاليف الإنتاج، حيث شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار المواد الخام اللازمة لإنتاج أسطوانات الغاز، بما في ذلك استخراج الغاز، كما أن تكاليف النقل والتوزيع قد زادت بشكل كبير، مما أدى إلى رفع التكلفة الإجمالية للإنتاج والتوصيل للمستهلك النهائي. علاوةً على ذلك، يعود أسباب رفع أسطوانات الغاز والمازوت بشكل رئيسي إلى تحرير أسعار الصرف وزيادة أسعار الدولار بما يزيد على 300% خلال الفترة الماضية. وينقسم الإنتاج المحلي إلى 15% من المعامل و25% من حقول الغاز، وتستورد مصر البوتاجاز من الجزائر ودول الخليج، وفي حال زيادة الطلب يتم الاستيراد من فرنسا حيث إن سعر الطن 1200 دولار.
دعم الوقود في مصر
تضطر الدولة إلى الاعتماد على الاستيراد في توفير احتياجات السوق المحلية، وذلك مع تزايد معدلات الاستهلاك والطلب المحلي في مصر، وهو الأمر الذي يعرض الاقتصاد لتقلبات الأسعار والضغط على بند المصروفات في الموازنة. تنتج مصر من أسطوانات البوتاجاز حوالي 45% من الاحتياج المحلي بحجم استهلاك سنوي يصل إلى أكثر من حوالي 350 مليون أسطوانة. تقوم الحكومة بتوفير نحو 55 – 58% من احتياجات السوق المحلي من البوتاجاز من الخارج، وهو ما يُقدر بنحو 7000 طن يوميًا، حيث يصل الإنتاج المحلي لنحو 5000 طن يوميًا من البوتاجاز. مصر تستهلك سنويًا حوالي 4.3 ملايين طن من غاز البوتاجاز، مع العلم أن نصف هذه الكمية يتم إنتاجها محليًا فيما يُستورد النصف الآخر. وعليه، اعتمدت مصر بشكل رئيسي على استيراد احتياجاتها من البوتاجاز، حيث بلغت نسبة هذا الاستيراد من إجمالي الطلب المحلي نحو 45-50% عام 2024، وارتفعت النسبة مع زيادة معدل الاستهلاك المحلي والتزايد السكاني بصورة ملحوظة.
وعليه يمكن القول، إن زيادة معدلات الاستهلاك وعدم وجود معادلة متزنة بين معدلات الاستهلاك ومستويات إنتاج البوتاجاز للدولة، يترتب عليها زيادة وفجوة كبيرة في فاتورة الاستيراد، بالإضافة إلى أن واردات مصر من المازوت تجاوزت حوالي 210 ألف طن خلال شهر أغسطس الماضي (2024)، مما ترتب عليه أعباء وضغوط على موازنة للدولة. حيث تُشكل فاتورة استيراد المازوت والبوتاجاز في مصر عبئًا إضافيًا على موازنة الدولة التي تواجه عدة تحديات، في مقدمتها زيادة التضخم وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.
استكمالًا لما سبق، ارتفعت قيمة واردات مصر من النفط ومشتقاته، خلال النصف الأول من العام الجاري (2024)، بنسبة حوالي 16%، مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي، على خلفية زيادة الطلب محليًا، وسعي الحكومة لتأمين الوقود لمحطات الكهرباء. حيث بلغت قيمة واردات مصر النفطية حوالي 6.542 مليارات دولار في المدة من يناير إلى نهاية يونيو من العام الجاري 2024. وسجلت واردات مصر من النفط ومشتقاته في النصف الأول من العام الجاري 2024، زيادة قيمتها حوالي 0.9 مليار دولار عن فاتورة المدة نفسها من 2023، البالغة حوالي 5.642 مليارات دولار، كما هو موضح في الشكل التالي.
تبلغ قيمة دعم الوقود في مصر بالموازنة حوالي 154 مليار جنيه (3.17 مليارات دولار)، بالتزامن مع ارتفاع التكاليف، بعد أن كان هذا الدعم يُمثل صفرًا في عام 2021 لكل أنواع الوقود باستثناء أسطوانة البوتاجاز (غاز النفط المسال)، التي كانت مدعومة بنحو 18 مليار جنيه (0.37 مليار دولار).
وعليه، تقوم مصر باستيرد غاز البوتاجاز من الخارج بالعملة الأجنبية، لذلك فإن سبب زيادة سعر البوتاجاز يعود إلى ارتفاع دعم الأسطوانة بالموازنة العامة للدولة، نتيجة انخفاض سعر الصرف، مما كان يتطلب تحريك أسعار البوتاجاز لخفض فاتورة الدعم، حيث يستحوذ البوتاجاز على الحصة الأكبر من دعم المواد البترولية في الموازنة العامة (البوتاجاز أرخص المنتجات البترولية في مصر، إذ يصل سعر اللتر منه أقل كثيرًا مقارنة بالبنزين والسولار، ولذا رفعت الحكومة أسعاره بنسبة كبيرة لتقليل الفجوة بين الإنتاج والسعر البيع النهائي للمستهلك). وذلك بسبب انخفاض سعر البيع مقارنة بتكلفة الإنتاج. مما يجعل من المستحيل تخفيض سعر أنبوبة البوتاجاز إلا بعدة أسباب مثل تخفيض سعره من المصدر أو ارتفاع سعر الجنيه المصري أمام الدولار وغيره من الأسباب.
جهود الدولة في تطوير وكفاءة منظومة البوتاجاز
اتخذت الدولة عدة إجراءات لتطوير ورفع كفاءة منظومة توفير أسطوانات البوتاجاز بالسوق المحلي بشكل آمن ومستقر للمستهلكين خلال السنوات الماضية وتجاوز التحديات والأزمات العالمية (تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والحرب على غزة)، وهو الأمر الذى أدى إلى عدم حدوث أي أزمات فى توفير هذه السلعة الاستراتيجية، كما أن تطوير هذه المنظومة تم جنبًا إلى جنب مع التوسع في مشروعات توصيل الغاز الطبيعي للمنازل والمدن والقرى، والتي أسهمت في تراجع استهلاك البوتاجاز بنسبة حوالي 12% في العام 2022 مقارنة بعام 2016، ثم انخفاض استهلاك مصر من البوتاجاز بنسبة حوالي 5% سنويًا نتيجة زيادة معدلات توصيل الغاز للمنازل (جهود الدولة في توصيل الغاز للمنازل)، وعليه فإن استمرار خطط الدولة لتوصيل الغاز للمزيد من الوحدات السكنية سينعكس على حجم استهلاك مصر من البوتاجاز (مؤشر إيجابي).
من أهم الإجراءات التي تم اتخاذها ما يلي:
في إطار الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة تم إتخاذ قرارًا بخفض دعم الطاقة بشكل تدريجي، وهذا الإجراء رغم صعوبته على المدى القصير، ولكنه يهدف إلى تحقيق وفرة واستدامة مالية على المدى الطويل وتوجيه الدعم والموارد إلى قطاعات أخرى ذات أولوية مثل التعليم والصحة. وعليه اتخذت العديد من الإجراءات التي تهدف إلى التخفيف من حدة التحديات العالمية وتداعيات العديد من الأزمات الخارجية، ومن ضمن تلك الإجراءات:
- زيادة عدد الموانئ التى يمكن استقبال البوتاجاز المستورد عليها حيث نجحت الدولة في تجهيز ميناء وادي فيران، رصيف ميدتاب بميناء الدخيلة، وميناءي سوميد وسونكر بالعين السخنة لاستقبال ناقلات البوتاجاز، وبذلك أصبح هناك أكثر من حوالي 7 موانئ استقبال بوتاجاز على مستوى الجمهورية منها 3 على البحر الأبيض المتوسط و4 على البحر الأحمر.
- زيادة السعات التخزينية للبوتاجاز من 77.7 ألف طن عام 2014 إلى حوالي 220 ألف طن في نهاية عام 2022، وذلك بهدف عمل مخزون استراتيجي من البوتاجاز (هذا بخلاف السعات التخزينية في مصافي التكرير ومصانع معالجة البوتاجاز بالحقول).
- نجحت في توصيل الغاز الطبيعي إلى أكثر من حوالي 13 مليون وحدة سكنية، وتسعى لاستكمال تلك الجهود خلال السنوات المقبلة.
- تسعى الدولة إلى تنفيذ خطة طموحة لتوسيع شبكة الغاز الطبيعي، وتوصيل الغاز إلى المنازل، بالإضافة إلى تزويد المصانع والمشروعات التجارية والصناعية بهذه الخدمة لتخفيف الضغط على موارد الطاقة الأحفورية.
- شهدت مصر في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في سياسات الطاقة، خاصةً في ملف المشتقات والمنتجات البترولية، حيث تسعى الحكومة إلى الوصول إلى معادلة طاقة متزنة ومنظومة مستدامة تحافظ على تأمين موارد الطاقة والحفاظ على إمدادات آمنة ومستدامة، مع تقليل الأعباء المالية الناتجة عن دعم الوقود، بالإضافة لتوفير السيولة النقدية بالعملة الأجنبية.
- رغم الاضطرابات العالمية وتداعيات الحرب على غزة، تعمل الدولة على استيراد غاز البوتاجاز من الخارج بشكل كبير لعدم توفر ما يسد احتياحات السوق المحلية ولمنع حدوث أي خلل.
- زيادة مراكز التوزيع على مستوى الجمهورية وإنشاء مراكز توزيع جديدة ببعض المدن العمرانية الجديدة؛ حيث تم منذ 2014 وحتى عام 2023 تشغيل أكثر من 250 مركزًا جديدًا لتوزيع أسطوانات البوتاجاز ليصل إجمالي عدد المراكز إلى أكثر من حوالي 3100 مركز.
- تدشين أول منظومة إلكترونية لإدارة ومتابعة عمليات تداول وتوزيع البوتاجاز محليًا في كافة مراحلها بهدف تحقيق الضبط للمنظومة والحفاظ على المنتج، وذلك في إطار تنفيذ مشروعات التحول الرقمي في إدارة ومتابعة منظومة تداول البوتاجاز.
- تضخ وزارة البترول والثروة المعدنية ممثلة في شركة بتروجاس ما يقرب من مليون أسطوانة غاز منزلي يوميًا بهدف تلبية الطلب في السوق المحلية، بإجمالي حوالي 350 مليون أسطوانة سنويًا، حيث وصل حجم الاستهلاك إلى حوالي 4.3 ملايين طن بوتاجاز (غاز النفط المسال).
- يهدف مشروع توصيلات الغاز الطبيعي للمنازل الذي تم تدشينه في 2015 إلى زيادة وتسهيل حصول الأسر على إمدادات منتظمة منخفضة التكلفة من الغاز الطبيعي ومرتبطة بالشبكة القومية.
- تدعم الحكومة حاليًا أسطوانة البوتاجاز ويُعد غاز البوتاجاز من أكثر المشتقات البترولية التي دعمتها الحكومة على مدى السنوات الماضية، ولا تزال تدعمها بشكل كبير حتى الآن رغم الزيادات الأخيرة.
- تعزيز الاستثمارات في تطوير البنية التحتية الخاصة بشبكة الغاز الطبيعي، ما يشمل إنشاء محطات ضغط جديدة وتوسيع الشبكات الحالية، بهدف تغطية المزيد من المدن والمناطق الريفية الأكثر فقرًا التي لم تكن تشملها الخدمة سابقًا، خاصةً مبادرة رئيس الجمهورية حياة كريمة، حيث تم توصيل الغاز الطبيعي لأكثر من حوالي 485 قرية ضمن المبادرة الرئيسية، وجارٍ العمل في حوالي 120 قرية أخرى، وذلك لتخفيف المعاناة عن أهالي القرى في الحصول على أسطوانة البوتاجاز، وكذلك تخفيف الأعباء المالية عن ميزانية الدولة.
أمام ما تقدم، تُسهم تلك الخطوة في تقليل الفجوة بين السعر المحلي والسعر العالمي، وكذلك تؤدي لتخفيف الأعباء على الموازنة العامة، حيث إن أسعار طن البوتاجاز وصلت لمستويات قياسية خلال الأشهر الماضية حيث كانت بلغت حوالي 1200 دولار/طن، مما يزيد الأعباء على الدولة. وتعتبر مصر من الدول التي تعتمد بشكل كبير على دعم الوقود، إلا أن الحكومة بدأت في تقليص هذا الدعم تدريجيًا لتخفيف الضغط على الموازنة العامة، وفي المقابل تسعى إلى تعزيز استخدام الغاز الطبيعي كبديل أنظف وأرخص، مما يسهم في تقليل تكلفة الاستهلاك المحلي.
وفقًا لما سبق، من المتوقع أن يكون لزيادة أسعار البوتاجاز سواء للاستخدام المنزلى أو التجارى، أثر مباشر كعنصر مكون لسلة الوقود وكذلك كأثر غير مباشر لتأثيره في المنتجات، ولكن سيكون محدودًا بنسبة حوالي من 3 إلى 5%، في ظل أن الطاقة تُشكل نسبة ملحوظة في تكلفة المنتجات.
مجمل القول، تخيم الحرب الروسية الأوكرانية وتداعيات الحرب على غزة، حيث إنه من المتوقع زيادتها مما يؤدي إلى رفع سعرها عالميًا، ويزيد بالتالي من فاتورة استيراد البوتاجاز في مصر. وعليه، تمضي الدولة المصرية قدمًا نحو بناء جمهوريتها الجديدة، وتولي اهتمامًا بالغًا وكبيرًا بقطاع الطاقة، إيمانًا منها وإدراكًا لدوره الحيوي والفعال كمحرك أساسي ومؤشر للنمو الاقتصادي، واضعةً أمامها أن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة هو إحدى أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما دفعها إلى المضي قدمًا وبخطوات جادة وحاسمة نحو تحقيق هدفها الرئيسي وهو الاكتفاء الذاتي من المنتجات والمواد البترولية، وذلك من خلال خطط عمل شملت التوسع في عمليات البحث والاستكشاف والإنتاج، بالإضافة إلى العمل على رفع كفاءة وتطوير منظومة التكرير المصرية، والعمل على تنويع مصادر الطاقة، وزيادة نشر ثقافة ترشيد استخدام واستهلاك الوقود، وزيادة جذب الاستثمارات لقطاع البترول والثروة المعدنية.