خطوات حثيثة وجادة للدولة المصرية في سبيل تطوير قطاعها التعديني ورفع مساهمته في الاقتصاد القومي، بدايةً من تطوير التشريعات ذات الصلة لجذب الاستثمارات، وذلك ضمن استراتيجية شاملة لتطوير القطاع بمختلف أنشطته من جانب. حيث تأتي تلك الخطوات ضمن إطار استكمال الرؤية التنموية للدولة المصرية لبناء الجمهورية الجديدة في كافة قطاعات ومجالات الدولة، والتي تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة من ثروات مصر التعدينية، والعمل على زيادة القيمة المضافة منها وزيادة مساهمة النشاط التعديني في الناتج المحلي الإجمالي، ضمن خطة تحويل مصر إلى مركز عالمي للتعدين.
على النقيض من الحكومات المصرية السابقة، والتي لم يكن دعمها للاستفادة من ثروات مصر التعدينية كافيًا، تبنت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي استراتيجية طموحة متعددة الأوجه لتحقيق الاستفادة الكاملة من ثروات وموارد مصر الطبيعية، وانعكاس ذلك على تعزيز النمو الاقتصادي.
مدخل:
في إطار استكمال الرؤية التنموية للدولة المصرية لبناء الجمهورية الجديدة في كافة قطاعات ومجالات الدولة، جاء الاهتمام بقطاع الثروة المعدنية من خلال صياغة رؤية استراتيجية شاملة لتطوير هذا القطاع، بما يُسهم في استكشاف أهم مناطق الثروات المعدنية الكامنة في ربوع مصر، وبما ينعكس في الوقت ذاته على زيادة نسبة مساهمته في الناتج القومي الإجمالي والتي تقدر الآن بحوالي 0.5% (نسبة لا تتناسب مع مقومات الدولة التعدينية). وعليه، تستهدف رؤية تطوير قطاع التعدين زيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي إلى حوالي 6% خلال السنوات المقبلة.
بشكل عام، تتنوع الكنوز بين باطن الأرض، وفي أعماق البحار، ولكن مصر بها كنز كبير ويُعد من إحدى الثروات المعدنية الواعدة، ألا وهو الكنز الأسود أو الرمال السوداء. كنز قديم تبوح به السواحل المصرية المطلة على مياه البحر الأبيض المتوسط في المناطق الواقعة بين رشيد إلى العريش بطول حوالي 400 كيلومتر، والتي تنتشر في حوالي 11 موقعًا بتركيزات اقتصادية مرتفعة. على سواحل مصر الشمالية المطلة على البحر المتوسط، تنتشر الرمال السوداء، والتي تعد أحد الكنوز المهمة، والتي تسعى مصر إلى استغلالها. فطيلة السنوات الماضية، كانت هذه الثروات مهملة، وتتعرض للسرقة، قبل أن تتحرك الدولة بمشروع عملاق لاستغلال هذه الرمال الغنية بالمعادن المهمة وهو مجمع استغلال الرمال السوداء في محافظة كفر الشيخ، ويوضح الشكل التالي خريطة تمركز الرمال السوداء في مصر.
استنادًا إلى ذلك، تتخطى استثمارات مصر في الرمال السوداء المليار جنيه لتحقيق حلم دام أكثر من حوالي 90 عامًا، بالتعاون بين الشركة المصرية للرمال السوداء كشركة مساهمة مصرية، ومحافظة كفر الشيخ كعضو مساهم بهذه الشركة، مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهيئة المواد النووية، وبنك الاستثمار القومي، والشركة المصرية للثروات التعدينية. حيث تحرص مصر، منذ عام 2014، على تحقيق الاستغلال الصحيح لكنوز مصر، وفي مقدمتها الرمال السوداء، والتي كان يتم استخدامها في السابق للبناء. الآن أصبح تحول مشروع الرمال السوداء من مجرد طموحات إلى مشروع حقيقي على أرض الواقع، حيث أنشأت الدولة الشركة المصرية للرمال السوداء بهدف تعظيم الاستفاد الاقتصادية، ومن خلال الالتزام بمعايير السلامة البيئية والصحية عالميًا، وتحقيق القيمة المضافة للرمال السوداء. ولكن لماذا تُمثل الرمال السوداء مشروعًا استراتيجيًا للدولة المصرية؟
الرمال السوداء
الرمال السوداء هي رواسب شاطئية سوداء ثقيلة، وهي معادن كثيفة تبلغ كثافتها النوعية نحو حوالي 2.8 بالمقارنة مع معدن الكوارتز الذي تبلغ كثافته النوعية نحو حوالي 2.6، تأتي من منابع النيل وتتراكم على بعض الشواطئ، وتسمى بهذا الاسم لأنها يغلب عليها اللون الداكن لاحتوائها على الكثير من المعادن الثقيلة. وتتركز الرمال السوداء على الشواطئ بفعل تيارات المياه التي تصبها الأنهار في البحر، وتتكون من المعادن الثقيلة، وخاصةً معدني الماجنتيت والإلمنيت، وتستغل كخامات للحديد.
وتحتوي عادةً نسبة صغيرة من المعادن المشعة كالمونازيت وغيره، وكلها معادن يغلب عليها اللون الداكن، وتستغل هذه الرمال السوداء من أجل استخراج معادن الحديد والمونازيت. وأهم البلاد التي تستغلها مصر والبرازيل والهند، ومن أهم الدول العربية بالإضافة إلى مصر في عمليات استغلال الرمال السوداء المملكة العربية السعودية واليمن وعمان والمغرب.
وهناك نوعان من الرمال السوداء بحسب تركيز المعادن الثقيلة: النوع الأول وهو نوعية داكنة اللون غنية بالمعادن الثقيلة 70-90%، والنوع الثاني هو نوعية رمادية تحتوي على نسبة أقل من المعادن الثقيلة 40%. وقد أوضحت الدراسات أن أغلب المكونات المعدنية الاقتصادية في رواسب الرمال السوداء المصرية تتركز في الحجم الحبيبي حوالي 0.125 ملم، ومعظمها بين 0.067 و0.124 ملم. وهذا يعني سهولة فصلها ميكانيكيًا، هذا في حين تشير دراسات الجدوى المعدة بمعرفة الرابطة الجيولوجية المصرية إلى احتواء الرمال السوداء المصرية على 6 معادن اقتصادية رئيسة، ويختلف حجم وقيمة متوسط مجموع المعادن الاقتصادية من مكان إلى آخر بامتداد الساحل الشمالي، وقلما يتعدى متوسط القيمة حوالي 5% في المتر العلوي من الرواسب الشاطئية، تنخفض كلما تم التدرج لأسفل، كما يوضح الشكل التالي طبيعة وأهمية الرمال السوداء.
استراتيجية مصر للاستفادة من الرمال السوداء
استراتيجية مصر للاستفادة من الرمال السوداء تُعد من الأفكار المتميزة لاستثمار تلك الثروة المنسية وتعظيم الاستفادة منها، حيث سيتم الاستفادة من الرمال السوداء في إطار ما لدى الدولة من رؤية واضحة للنهوض بقطاع التعدين وزيادة مساهمته في الدخل القومي بما يتناسب وحجم الثروات التعدينية التي تزخر بها مصر، والرؤية الاستراتيجية للتعدين التي تتوافق مع رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة وتوفير مشروعات تعدينية ذات قيمة مضافة أعلى يترتب عليها توفير فرص عمل، وإضافة حلقات صناعية، وجذب استثمارات جديدة مباشرة، خصوصًا أن مصر تمتلك ميزة تنافسية مهمة، وهي توافر بنية تحتية قوية تعمل مصر على تطويرها باستمرار، ومرونة للمستثمرين في النشاط التعديني سواء في أعمال النقل والتصنيع والإنتاج وتوافر الطرق والكهرباء والموانئ.
حيث إن الحاجة إلى هذه الرؤية الاستراتيجية تأتي من منطلقين أساسيين:
- المنطلق الأول وهو مدى أهمية التوافق بين هذه الرؤية والرؤية التنموية المصرية 2030، حيث تستهدف الرؤية التعدينية إقامة مشروعات تعدينية ذات قيمة مضافة أعلى، يترتب عليها توفير العديد من فرص العمل، والعمل على جذب الكثير من الاستثمارات المحلية والأجنبية والتي تؤدي بدورها إلى زيادة حجم مساهمة هذا القطاع في إجمالي الناتج المحلي ليصل إلى حوالي 7 مليارات دولار بحلول 2030.
- المنطلق الثاني وهو أن هذه الدعوة جاءت متزامنة مع كشف تجاري للذهب في الصحراء الشرقية باحتياطي يقدر بأكثر من مليون أونصة من الذهب خلال عام 2023، وأن نسبة الاستخلاص تبلغ حوالي 95%، حيث تعد من أعلى نسب الاستخلاص، وبإجمالي استثمارات على مدى العشر سنوات القادمة أكثر من مليار دولار.
الجهود المصرية في ملف الرمال السوداء (1930-2024)
شهدت مصر بدايات استغلال الرمال السوداء في أواخر الثلاثينات على يد مجموعة من الأشخاص اليونانيين، حيث كانت تنقل الرمال السوداء من رشيد عبر ترعة المحمودية إلى حجر النواتية في محافظة الإسكندرية، بعدها يقوم هؤلاء الأشخاص بفصل المعادن الاقتصادية من هذه الرمال بطريقة بدائية ويتم توزيعها بشكل بسيط. ثم تحول هذا المشروع إلى شركة لاستغلال الرمال السوداء وكان مقرها شارع النبي دانيال بالإسكندرية، واستمر استغلال الرمال السوداء في مصر في فترة الأربعينيات بواسطة شركة الرمال السوداء المصرية حتى تم تأميمها في عام 1961 تحت اسم الشركة المصرية لمنتجات الرمال السوداء.
ومنذ ذلك التاريخ، أخذت الشركة في التعثر وتوقفت خطوط الإنتاج، وتمت تصفيتها عام 1969 تحت اسم مشروع تنمية واستغلال الرمال السوداء. وفي عام 1984، كلفت الحكومة المصرية شركة أسترالية إنجليزية بإجراء دراسات فنية واقتصادية وذلك لبحث كيفية استغلال الرمال السوداء في مصر مع تحديد أفضل الأماكن لإنشاء هذا المشروع. وقد بلغ إجمالي تكليف الدراسة حوالي نصف مليون جنيه دون أن يقام المشروع.
في عام 1995، تبنت وزارة الكهرباء والطاقة المصرية موضوع إنشاء مصنع لاستغلال الرمال السوداء في محافظة كفر الشيخ والتي تمتلك أكبر تركيز للمعادن الاقتصادية في هذه الرمال؛ حوالي 80% في منطقة البرلس. ووضع حجر الأساس لهذا المصنع على ساحل البحر الغربي بالمحافظة، حيث تزامن ذلك مع صدور قرار وزير الصناعة والثروة المعدنية في ذلك التوقيت تحت رقم 20 لسنة 1995 بإجراء تخطيط شامل للساحل الشمالي وتحديد مركز الرمال السوداء بطول الساحل، وقد تكلف إنشاء هذا المصنع وقتها أكثر من حوالي 20 مليون جنيه، وكان من المخطط له أن يتم الانتهاء من عمليات الإنشاء والتجهيز للتشغيل وذلك بحلول عام 1997، إلا أن هذه الخطوة حُكم عليها بالفشل مرة أخرى لعدم وجود إرادة سياسية حقيقية لاستغلال هذه الرمال.
في عام 2008، كلفت الحكومة المصرية شركة (داونر مايننج) الأسترالية بإجراء دراسة شاملة عن الرمال السوداء في مصر وتحديد الجدوى الاقتصادية منها، وأكدت الدراسة أهمية المشروع ولذلك طرح العديد من البنوك المصرية في ذلك الوقت فكرة إمكانية تمويلها للمشروع بالكامل، ولكنه لم يكتمل.
في عام 2010 قامت هيئة المواد النووية بطرح مزايدة علنية لاستغلال الرمال السوداء في منطقة البرلس بمحافظة كفر الشيخ على ساحل البحر الأبيض المتوسط بطول حوالي 19 كم، ولم يتقدم لهذه المزايدة سوى شركة واحدة فقط هي كريستال السعودية، وهي شركة متخصصة في إنتاج وتوزيع ثاني أكسيد التيتانيوم، مما حول الموضوع من مزايدة علنية طرحتها الهيئة إلى قرار بالأمر المباشر لإسناد المشروع لهذه الشركة، مما تسبب في تعطيل المشروع مجددًا، خصوصًا بعد اندلاع أحداث 25 يناير وما لحقها من أحداث وتداعيات على مصر.
في أبريل من عام 2016 تم تأسيس أول شركة مصرية لتعدين الرمال السوداء، وهي الشركة الوطنية للرمال السوداء بالبرلس بمدينة كفر الشيخ، وقدرت تكلفة المشروع استثمارات بحوالي 2 مليار جنيه، وتسهم القوات المسلحة كشريك أساسي بنسبة حوالي 61% منه وأحد البنوك بنسبة حوالي 14% وهيئة المواد النووية بنسبة حوالي 15%.
ويتمثل الهدف من إنشاء الشركة المصرية للرمال السوداء في النقاط التالية:
- تعظيم الاستفادة الاقتصادية من مشروع استغلال المعادن الاقتصادية من الرمال السوداء، مع ضرورة الالتزام بمعايير السلامة البيئية، والصحية المتبعة عالميًا.
- تحقيق القيمة المضافة للمعادن المستخلصة، مع تحقيق الاستفادة القصوي للموارد المصرية الطبيعية.
- خلق استثمارات جديدة تعمل على تنمية وتطوير الاقتصاد المصري وتقدمه.
في عام 2019 صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 8 لسنة 2019 بالترخيص لوزير الكهرباء والطاقة المتجددة في التعاقد مع هيئة المواد النووية والشركة المصرية للرمال السوداء والذي يهدف إلى:
- البحث عن استكشاف وتعدين وتركيز المعادن الاقتصادية والمنتجات الثانوية من ركاز الرمال السوداء.
- الاستغلال الأمثل لها على مستوى الجمهورية.
- اعتزام مصر البحث عن المقدرات الثمينة من الرمال السوداء.
- انطلاق التوجه نحو الاستفادة من تلك الثروات، التي تدر عوائد اقتصادية ضخمة.
في ديسمبر من عام 2021، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تعظيم القيمة المضافة للمعادن الاقتصادية المستخلصة من الرمال السوداء في مصر، مؤكدًا أن المعادن المستخرجة ستحقق للبلاد أكبر فائدة اقتصادية واستثمارية.
إجمالًا لما سبق، تم استيراد الكراكة “تحيا مصر” لصالح مشروع الرمال السوداء، والتي تُعد أول كراكة في مصر والعالم تعمل بالطاقة الكهربائية، ويبلغ وزنها حوالي 550 طنًا وصممت خصيصًا من الشركة المصنعة لها لصالح مشروع الرمال السوداء، بشمال مصر، بمحافظة كفر الشيخ، حيث تبلغ طاقة إنتاجيها يوميًا حوالي 2500 طن رمال سوداء في الساعة، وتم شحنها على سفينة من ميناء روتردام في هولندا، وصولًا إلى ميناء الإسكندرية، ثم قطرها إلى منطقة بوغاز البرلس بمحافظة كفر الشيخ، حتى وصلت أرض المشروع للرمال السوداء بمنطقة ملاحة منيسي، ببلطيم.
حقيقة تري النور في أكتوبر 2022
افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي الأربعاء 19 أكتوبر 2022، مصنع الرمال السوداء في بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، حيث تم تنفيذ المصنع على مساحة حوالي 35 فدانًا باستثمارات مشتركة بين محافظة كفر الشيخ، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، وهيئة المواد النووية، وبنك الاستثمار القومي، والشركة المصرية للثروات التعدينية، وباستثمارات تتخطى مليار جنيه.
يقع المشروع في منطقة البرلس ويتكون من مجموعتين مصانع، المجموعة تضم الكراكة تحيا مصر من إنتاج شركة هولندية، ومصنع التركيز، والمجموعة تقع الطريق الدولي الساحلي وساحل البحر الأبيض المتوسط، على مسافة حوالي 12 كيلو شمال غرب مجمع الفصل، بالإضافة إلى أنه يضم محطة تحلية مياه ومحطة كهرباء بقدرة حوالي 75 ميجاوات، تحتاج 20 ميجاوات والباقي لدعم الشبكة القومية، مجموعة معامل متطورة، بأحدث وأدق أجهزة القياس في هذا المجال، بالإضافة إلى أن المشروع له آثار بيئية إيجابية، وتم الحصول على الموافقات البيئية، فضلًا عن أنه يدعم التحول الرقمي، وفق التطور الهائل في البيانات.
بشكل عام، هناك العديد من الأهداف لإنشاء هذا المصنع العملاق والتي من الممكن تلخيصها في النقاط التالية:
- استخراج المعادن الاقتصادية والتي تصل إلى حوالي أكثر من حوالي 41 عنصرًا معدنيًا والتي تدخل في العديد من الصناعات منها صناعة الصواريخ والطائرات والسيراميك والدهانات، بالإضافة إلى المواد الخام التي تستخدم في الصناعات الحديثة من الرمال السوداء.
- تعظيم الاستفادة من الموارد الاقتصادية المتاحة والقيمة المضافة من المعادن المستخلصة من الرمال السوداء.
- المساهمة في تنويع وتطوير الاقتصاد المصري من خلال الصناعات التعدينية والمعاونة في تفعيل دراسات الجدوى الاقتصادية التي أعدت لاستغلال المعادن الاقتصادية الموجودة بالرمال السوداء.
- تغطية احتياجات السوق المحلي للمعادن، واستغلال تزايد الطلب العالمي عليها بتصدير فائض الإنتاج إلى السوق العالمية.
- ساهم المشروع على توفير أكثر من حوالي 5 آلاف فرصة عمل في كافة التخصصات، بالإضافة إلى تنمية المناطق التي تقع ضمن نطاق المشروع، وفي هذا السياق، تم تدريب الكوادر المصرية العاملة في هذا المجال باستخدام أحدث التكنولوجيا العالمية.
- يدخل المشروع ضمن مصاف الصناعات الخضراء، حيث إنه يتميز بانعدام الانبعاثات الكربونية.
- تشجيع التصنيع المحلي، حيث إن كافة الأعمال تمت بأيدي مصرية خالصة وشركات وطنية، وبلغت نسبة المكون المحلي أكثر من حوالي 60% من إجمالي المشروع.
- تعظيم دور البحث العلمي وذلك من خلال تخليق كيانات صناعية لها مردود صناعي، بالإضافة إلى تطبيق دور التحول الرقمي في كافة مراحل العملية الإنتاجية.
ووفقًا لما سبق نستطيع القول إنه من خلال تنفيذ هذا المشروع تم تحقيق كافة الأبعاد الأساسية لنجاح أي مشروع، وهي البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
أماكن تمركز الرمال السوداء في مصر ومشروع كفر الشيخ
بحسب تقديرات هيئة المواد النووية المصرية من مسح جوي ودراسات، فإن مصر تمتلك ما يقرب من 11 موقعًا على السواحل الشمالية تنتشر بها الرمال السوداء بتركيزات مرتفعة، بدءًا من رشيد حتى العريش بطول ساحل حوالي 400 كيلومتر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، تبدأ من إدكو شمال محافظة البحيرة، وتوزع على 4 مناطق تشمل شمال سيناء بواقع حوالي 200 مليون متر مكعب، ودمياط بواقع حوالي 300 مليون متر مكعب، ورشيد بواقع حوالي 600 مليون متر مكعب، وبلطيم بواقع حوالي 200 مليون متر مكعب.
مراحل استخراج المعادن من الرمال السوداء بكفر الشيخ:
يُنفذ مشروع الرمال السوداء بمحافظة كفر الشيخ على ثلاث مراحل، الأولى هي مرحلة استخلاص المعادن الثقيلة من الرمال السوداء، والثانية فصلها كل على حدة عن طريق عمليات صناعية طبيعية، والثالثة هي مرحلة القيمة المضافة، والتي تعني خلق قيمة مضافة للمعادن المنتجة، بحيث لا يتم بيعها على الصورة الخام المنتجة بها، بل في صورة مصنعة.
ويوجد في محافظة كفر الشيخ مصنعين للرمال السوداء، وموقع تنجيم بجوار بركة غليون ومصنع الفصل الركائز بجوار محطة كهرباء البرلس، وهما تابعان للشركة المصرية الصينية للرمال السوداء:
- حيث يقع المصنع الأول شرق البرلس بملاحة منيسي التابعة لقرية الشهابية على مساحة حوالي 80 فدانًا، وكان أرض دولة منهوبة عبر عشرات السنوات، حيث تمكنت الدولة من استعادتها.
- والمصنع الثاني بشمال الطريق الدولي غرب محطة توليد الكهرباء العملاقة بالبرلس على مساحة حوالي 35 فدانًا والمصنعين الأول بخبرة مصرية أسترالية بشرق البرلس، والثاني بخبرة صينية بشمال البرلس والاستثمارات لمصنع الرمال شمال البرلس قدرها حوالي أكثر من 24 مليون دولار.
وبشكل عام، وفقًا للدراسات والأبحاث التي تمت، يصل الاحتياطي الجيولوجي من تلك الرمال على مستوى السواحل المصرية إلى حوالي حوالي 1.3 مليار متر مكعب، وهذا الاحتياطي موزع على المناطق التالية:
- منطقة رشيد بمحافظة البحيرة ويبلغ حجم الاحتياطي بها حوالي 600 مليون متر مكعب.
- منطقة دمياط بمحافظة دمياط ويبلغ حجم الاحتياطي بها حوالي 300 مليون متر مكعب.
- منطقة بلطيم/البرلس بمحافظة كفر الشيخ ويبلغ حجم الاحتياطي حوالي 200 مليون متر مكعب.
- منطقة العريش/رفح بمحافظة شمال سيناء ويبلغ حجم الاحتياطي حوالي 200 مليون متر مكعب.
عالميًا ينافس مصر في استخدام الرمال السوداء الآن الدول التالية: الهند -استراليا -الولايات المتحدة الأمريكية -البرازيل ولكن مصر هي من تمتلك أكبر احتياطي عالمي وهذه الدول تستخدم الرمال السوداء أفضل استخدام.
وفي هذا السياق، كشفت آخر دراسة جدوى قامت بها شركة (روتش) الأسترالية عن أن العائد الاقتصادي من موقع واحد فقط من الأحد عشر موقعًا ستعود على مصر بأكثر من حوالي 255 مليون جنيه سنويًا. فيما يقدر الاحتياطي التعديني المؤكد في هذه الرمال بأكثر من حوالي 285 مليون طن تحتوي على متوسط قدره 3.4% من المعادن الثقيلة بطول حوالي 22 كم في القطاع الغربي والذي يقع شرق البرلس. وكذلك يوجد احتياطي تعديني مؤكد في القطاع الشرقي بحوالي أكثر من 48 مليون طن حيث تحتوي على متوسط قدره 2.1% من المعادن الثقيلة، هذا بخلاف الامتدادات المستقبلية للرمال السوداء وهي أرقام اقتصادية بشكل جيد طبقًا للدراسات والأبحاث التي أجريت وأكواد التعدين الدولية.
القيمة الاقتصادية للرمال السوداء
استنادًا إلى ما سبق، توجد المعادن الثقيلة في الرمال ضمن أحجام مختلفة، ومن المتعارف عليه أن هناك علاقة عكسية بين الوزن النوعي للمعدن والحجم الحبيبي للرمال الحاضنة للمعادن، ويعتمد وجود وتوزيع المعادن الثقيلة في الترسبات الرملية على عدة عوامل منها:
- صفات موروثة مثل شكل الحبيبات ودرجة التحبب.
- مقاومة المعادن لعملية الحت الميكانيكي أثناء عملية النقل.
- الحجم الحبيبي للمعادن الثقيلة في صخور المصدر.
- الوزن النوعي للمعدن، حيث بزيادة طاقة المياه الحاملة للرمال تزداد القدرة على حمل
حبيبات أكبر وزنًا.
تحتوي الرمال السوداء على معادن اقتصادية تدخل في الكثير من الصناعات المهمة، من أبرزها: معدن الزركون الذي يستخدم في صناعة السيراميك، والعوازل، والخزف، والأسنان التعويضية. ومعدن الروتيل والألمنيت الذي يستخدم في صناعة البويات. كذلك يستخرج من معدن الزركون عنصر الزركونيوم الذي يستخدم في صناعة أغلفة الوقود النووي، وفي العديد من الصناعات النووية والاستراتيجية الأخرى، والجرانيت الذي يستخدم في صناعة فلاتر المياه والصنفرة، والماجنتيت الذي يستخدم في صناعة الحديد الإسفنجي وتغليف أنابيب البترول، بالإضافة إلى معدن المونازيت المشع، وهو مصدر إنتاج العناصر الأرضية النادرة المستخدمة في الصناعات عالية التقنية التي تعتمد أغلبها على الإلكترونيات، ومصدر للحصول على اليورانيوم الذي يصلح كوقود نووي.
وعن محتوى الرمال السوداء من المعادن المشعة، فهي تحتوي على معدن المونازيت والزركون، وبهما نسبة قليلة من العناصر المشعة، مثل الثوريوم واليورانيوم، لذلك سميت بالرمال المشعة، ومعدن المونازيت يوجد به عناصر أرضية نادرة ذات أهمية كبيرة في النواحي الاستراتيجية.
الصناعات التي يدخل فيها الرمال السوداء:
- قوالب الطائرات.
- هياكل السيارات والطائرات.
- العربات المصفحة والعربات الحربية.
- قضبان السكك الحديدية والكثير من الصناعات الثقيلة.
- صناعات السيراميك والبلاط والمنظفات.
- صناعة المواد الحرارية والمطاطات.
- مواد الصنفرة، خاصة صنفرة الحوائط.
- الأرضيات عالية التقنية.
- صناعة الزجاج والكريستال.
- صناعة المعدات الرياضية.
- صناعة أدوات التجميل، والبويات، الذي يتم استخدامه في طلاء الحوائط.
- صناعة البورسلين، والخزف، وأواني الطهي.
فوائد الرمال السوداء الصناعية
- تستخدم الرمال في المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة، بسبب احتوائها على أكسيد الثوريم.
- تدخل الرمال السوداء في صناعة الحديد والصلب، وذلك لأنها غنية بأكاسيد الحديد.
- تحتوي على مادة الماجنيت الذي يستخدم في تغليف أنابيب البترول.
- تدخل في صناعة البويات، والسيراميك، والخزف، والأسنان، وكذلك في صناعة الوقود النووي.
- تحتوي الرمال على معدن التيتانيوم الذي يستخدم في صناعة هياكل الطيارات.
- يستخدم اليورانيوم في صناعة الوقود.
- تساعد الرمال السوداء في التقليل من مشاكل ومخاطر البيئة، والتقليل من الإشعاع النووي.
- تحتوي الرمال السوداء على ثروة كبيرة تسهم في إنتاج الكثير من الصناعات بأقل التكلفة.
- تستخدم في صناعات الذهب والفضة، وصناعات الحديد.
- تستخدم في صناعة الحديد الإسفنجي.
خلاصة القول، الاستغلال الأمثل للثروات التعدينية في أي من الدول يتطلب أمرين؛ الأمر الأول ضرورة تعظيم دور التكنولوجيا وتطوراتها المستمرة في كيفية تعظيم الاستفادة من الثروات والموارد الطبيعية الموجودة في باطن الأرض، والتي تحتاج إلى إمكانيات ضخمة واستثمارات كبيرة تتعدى المليارات، يمكن أن يكون للتكنولوجيا دور مهم في تخفيضها أو تقليصها، بما قد يمكن الدول التي تتواجد على أراضيها مثل هذه الثروات من استغلالها بشكل وطنيًا. والأمر الثاني هو ضرورة تغيير النظرة إلى مشروعات التعدين من مجرد مشروعات اقتصادية وتجارية تدر العوائد الرسوم النقدية لخزانة الدولة، إلى اعتبارها مشروعات قومية كبري تساعد على خلق قيمة مضافة وتنعكس آثارها على خفض فاتورة استيراد الدولة وتساعد على رفع معدلات نمو الناتج القومي وتعمق الصناعات المحلية.
في الأخير، تُشكل الرمال السوداء ثروة ومشروعًا جديدًا يضاف إلى سجل إنجازات الدولة المصرية من المشروعات القومية والتي شهدتها البلاد في الفترة ما بعد عام 2014، فالرمال السوداء التي كانت مهملة لفترة طويلة من الزمن (أكثر من 90 عامًا)، انتبهت الحكومة لها بتوجيه من القيادة السياسية، ليتم سن القوانين والتشريعات التي تسهل تحقيق الاستغلال الأمثل لهذه الثروة. وستنقل الرمال السوداء مصر إلى مصاف الدول الصناعية والاقتصادية الكبرى، إذ تسهم المعادن المستخلصة في دفع عجلة الاقتصاد المصري. فضلًا عن المساهمة في تنويع مصادر الدخل القومي للاقتصاد المصري، وخلق فرص عمل جديدة، وتقليل نسبة البطالة، من خلال تنفيذ مشاريع تعدينية جديدة وما تتطلبه من أيدٍ عاملة كثيفة. وبحلول العام 2030، حيث تستهدف مصر رفع مساهمة قطاع التعدين في إجمالي الناتج المحلي إلى 6%، طبقًا للبيانات الرسمية، والتي تتوقع استثمارات مباشرة بالقطاع تصل إلى حوالي 750 مليون دولار بحلول العام نفسه. يدعم ذلك حالة الاستقرار الأمني وخطة الإصلاح الاقتصادي في مصر، والتي أسهمت في وضع الدولة على خارطة التعدين العالمية.