طالب الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكومة فى اجتماعه بها عقب اداء اليمين الدستورية «بضرورة الاصلاح الاقتصادى على جميع الاصعدة مع إعطاء اولوية للتخفيف عن المواطنين وتحقيق طفرة ملموسة فى المجالات الخدمية، وعلى رأسها الصحة والتعليم مع العمل على تطوير الصناعة وتشجيع الاستثمارات المحلية والاجنبية وتحسين الاداء المالى والاقتصادى الشامل للدولة».. وتعد هذه المحاور بمثابة برنامج عمل قومى يجب الالتزام به للخروج من الازمة الاقتصادية الحالية. وهو ما يحتاج الى استخدام كل مالديها من خبرات وحكمة للمرور الى بر الامان فى الاجل القصير ثم بعد ذلك يتم الحديث عن رؤية تنموية طويلة الاجل. وبعبارة اخرى فاننا يجب ان نبحث عن افضل السبل للتعجيل بالإصلاحات وتحسين سبل كسب الرزق ورفع مستويات المعيشة للسواد الاعظم من الشعب وضمان استمراريتها. وبالتالى بث الامل فى المستقبل وزيادة ثقة المواطنين فى الحكومة. وكلها امور تتطلب تعديل المسار الاقتصادى الحالى لعلاج الاختلالات التى يعانى منها والتى ابرزت مشكلات التضخم والفقر والدين العام مع تراجع وتدهور البنية الإنتاجية فى المجتمع، بحيث أصبح الإنتاج المحلى لا يكفى لتغطية الاحتياجات المحلية مما يزيد من فاتورة الواردات وعجز الميزان التجارى. ناهيك عن تآكل الأراضى الزراعية نتيجة للزحف العمرانى عليها، فضلاً عن تراجع مستويات الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وغيرها. ومن حسن الطالع ان يتزامن تشكيل الحكومة مع التحسن فى بعض المؤشرات الاقتصادية المهمة، حيث من المتوقع ان يتراجع عجز الموازنة العامة للدولة إلى 3.6% عام 2023/2024 مقابل 6% عام 2022/2023، وكذلك ارتفع الفائض الاولى إلى 5.6% مقابل 1.6% خلال نفس العامين. وازداد الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى الى 46.4 مليار دولارفى نهاية يونيو 2024 فيما يعد الاعلى منذ فترة طويلة، ناهيك عن انخفاض حجم الدين العام الخارجى إلى 160.6 مليار دولار نهاية مارس 2024 مقابل 168 مليار نهاية ديسمبر 2023 وتحول عجز الاصول الاجنبية لدى الجهاز المصرفى إلى فائض بنحو 14.3 مليار دولار لأول مرة منذ 28 شهرا. وكلها امور ساهمت فى ارتفاع مؤشر مديرى المشتريات لاعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات مسجلا 49.9 نقطة وارتفعت سندات مصر الدولارية بالاسواق. ومع تسليمنا الكامل بأن الجزء الأكبر من هذا التحسن يعود الى التدفقات النقدية التى حصلت عليها البلاد كنتيجة لصفقة رأس الحكمة والتمويل من بعض مؤسسات التمويل الدولية، الا انها تمثل اضافة يمكن البناء عليها والاستفادة منها لمواجهة المخاطر الجيوسياسية ولتحديث مكونات البناء الاقتصادى وإعادة ضبط العديد من الامور المهمة واعداد الدولة لمواجهة المنافسة الشرسة وتحقيق امال المواطنين وتطلعاتهم نحو مستقبل افضل. وهنا تجدر الاشارة الى ان المشكلة الاساسية تكمن فى نمط النمو السائد منذ فترة، فعلى الرغم من وصول معدلات النمو الى معدلات موجبة تراوحت بين 6.6% عام 2021/2022 قبل ان تهبط الى 3.8% عام 2022/2023 والى 2.9% عام 2023/2024 الا انه يتسم بعدم الاستدامة والتذبذب بصورة كبيرة وأكثر عرضة للتأثر بالصدمات الخارجية. كما انه يعانى انخفاض مساهمة قطاعات الاقتصاد الحقيقى ذات الأولوية فى الهيكل الإنتاجى، خاصة ان هذا النمو يأتى من الاستهلاك الذى أسهم بنسبة 2.9% فى النمو عام 2022/2023 بينما كانت مساهمة الاستثمارات سلبية (ناقص 3.1%) وساهم صافى التجارة الخارجية (الصادرات ـ الواردات) بنسبة %4.5 ليحقق النمو الاقتصادى 3.8% خلال عام 2022/2023، وعلى جانب العرض كانت القطاعات الرئيسية القائدة للنمو هى القطاعات العقارية والسياحة والاتصالات وانخفضت مساهمة القطاعات الإنتاجية (الصناعة التحويلية غير البترولية والزراعة). ويرجع السبب فى ذلك الى تراجع معدلات الاستثمار من 17% عام 2010/2011 الى 12.9% عام 2022/2023، وهنا تجدر الاشارة الى العلاقة الطردية بين معدل الاستثمار ومعدل النمو الاقتصادى، حيث انهما يتحركان معا صعودا وهبوطا. وبالتالى فان جزءا كبيرا من حل ازمة مصر الاقتصادية يتطلب بالأساس زيادة معدل الاستثمار بما يتراوح بين 25% و30%، مقابل 13% فى الوقت الحالى وهو معدل متدن لا يتناسب مع طبيعة الاحتياجات التنموية. ويرجع السبب الجوهرى وراء ذلك فى انخفاض معدل الادخار المحلى والذى يعد أحد أهم مصادر تمويل الاستثمارات، ولا يتناسب بأى حال من الأحوال مع معدلات الاستثمار المطلوبة لرفع معدل النمو. وبالتالى اتسعت فجوة الموارد المحلية وهذه الفجوة يتم تمويلها إما عن طريق الاستثمار الأجنبى او بالاقتراض الخارجى ولكل منهما مشاكله وقضاياه وحدوده ايضا، خاصة ان الدين الخارجى قد تزايد بصورة كبيرة خلال الآونة الحالية كما اختلفت تركيبته، بحيث اصبح الدين قصير الاجل يمثل نسبة لا بأس بها من الإجمالى وهى كلها أمور تشير الى صعوبة الاستمرار فى سياسة الاقتراض الخارجى ومن ثم يجب العمل بقوة على زيادة المدخرات المحلية ويرجع السبب فيما سبق إلى سيادة اعتقاد جازم بان السوق هو الذى يقرر ما يجب انتاجه وفقدان معنى المنفعة العامة، الأمر الذى أدى إلى سوء توزيع الدخل والنظر إلى تكلفة الحماية الاجتماعية على انها عبء لايمكن تحمله مع محاولة تجريد الدولة من مهامها، وهى النظرة التى ثبت خطؤها تماما. فالسوق هونتيجة طبيعية لتطور طويل المدى ينبغى ان تتوافر لديه العديد من الشروط لكى يصبح فاعلا ويحقق الأهداف المنوطة منه. لان السوق يعنى وجود نظام تنافسى قائم على توحيد قواعد اللعبة بين كل المشتركين وتشمل جوانب مؤسسية واحترام القوانين والانسيابية الكاملة للمعلومات. ومادام السوق لا يلبى جميع الاحتياجات فان الدولة تتدخل، بطريقة مختلفة عن القديمة، للإصلاح. من هذا المنطلق يصبح للدولة عدة أدوارأساسية ورئيسية منها ضمان كفاءة آلية السوق بما يعنيه ذلك من توفير الظروف التى تجعل تفاعل العرض والطلب يتم فى إطارحقيقى مع ضمان التخطيط الاستثمارى السليم عن طريق توفير البيانات والمعلومات الأساسية عن القطاعات الاقتصادية بالمجتمع. وبمعنى آخر فانه بقدر ما لا يمكن إهمال آلية السوق وجهاز الثمن، إلا انه لا يمكن ان يستمر ذلك دون التدخل الذكى والمنظم من جانب الدولة. فعلى الرغم من أهمية هذه الآلية فإن اللجوء إليها فى كل الأمور يُعد من قبيل الخطأ القاتل.
الحكومة الجديدة والتحديات الاقتصادية

عبد الفتاح الجبالي
- عضو الهيئة الاستشارية
وقت القراءة: 7 دقيقة
استمع للمقال
عبد الفتاح الجبالي
تابعنا
تابعنا علي وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة
احدث إصدارات مكتبه المركز
Sale
0%
EGP140.00
EGP0.00
Sale
43%
EGP350.00
EGP200.00
Sale
50%
EGP100.00
EGP50.00
Sale
0%
EGP140.00
EGP0.00
Sale
0%
EGP140.00
EGP0.00
Sale
0%
EGP140.00
EGP0.00
No products found