أصدر صندوق النقد الدولي تقرير الخبراء الذي يتضمن التفاصيل والمناقشات والإجراءات الفنية ونتائج المراجعة الثالثة في إطار برنامج التسهيل الائتماني الممتد الممنوح لمصر بقيمة 8 مليارات دولار والذي أشاد بأداء الجانب المصري في الالتزام بمتطلبات المراجعة فضلًا عن مراعاة التحديات الاقتصادية غير المسبوقة التي تواجه الاقتصاد المصري نظرًا للتوترات الجيوسياسية العالمية والإقليمية؛ حيث خفف الصندوق من بعض المتطلبات.
يذكر أنه نظرًا للتوترات الإقليمية؛ وافق الصندوق في مارس الماضي على طلب الجانب المصري بزيادة قيمة الحزمة التمويلية للبرنامج -الذي أقره الصندوق في ديسمبر 2022 من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار لتمويل الموجة الثانية من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية لمصر وتمكين اقتصادها من مواجهة تبعات التوتر الجيوسياسي في المنطقة والذي أفقد مصر أكثر من نصف إيراداتها من قناة السويس -على سبيل المثال- أحد أهم مصادر الدخل القومي وتوفير العملة الصعبة للبلاد.
مرونة في جدولة المتطلبات
بالعودة للتقرير؛ كشف التقرير عن إعادة جدولة شرط ضمان النشر في الوقت المناسب لتقارير تدقيق الحسابات المالية الصادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات بحلول نهاية مارس 2024 ليتم إصدارها بحلول نهاية نوفمبر 2024، وتم تعديله ليكون أكثر تحديدًا؛ لأن السلطات تقوم حاليًا بتعديل القانون الذي ينظم عمل الهيئة وتخطط لإدراج هذا الشرط في القانون ذات الصلة بدلًا من تنفيذه من خلال مرسوم.
والجهاز المركزي للمحاسبات هو جهة مستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة تتبع رئيس الجمهورية مباشرة وهو المختص بتحقيق الرقابة على أموال الدولة وأموال الأشخاص العامة الأخرى وغيرها من الأشخاص المنصوص عليها في القانون المنظم لعمله، كما يعاون مجلس الشعب في القيام بمهامه من خلال دوره الرقابي، حيث يشرف الجهاز على إدارة شركات القطاع العام والكيانات التابعة للحكومة والتوابع الحكومية.
وفقًا لسياسة ملكية الدولة؛ تتبنى مصر خطة شاملة لزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري للوصول بها إلى 65٪ بحلول عام 2026/2027 بما يجعل القطاع الخاص شريكًا حقيقيًا للاقتصاد المصري وقائدًا لنموه، فضلًا عن خلق المزيد من الوظائف. وقد قدر تقرير الخبراء نمو الاقتصاد المصري وفقًا لذلك ليصل إلى 5.5٪ على المدى المتوسط وهو معدل قريب جدًا من معدلات ما قبل جائحة كورونا.
إعادة رسملة البنك المركزي المصري
وفقًا لتقير خبراء صندوق النقد؛ فقد تمت إعادة جدولة متطلب إعداد خطة لإعادة رسملة البنك المركزي المصري لتكون في نهاية أغسطس 2024؛ حيث أعدت السلطات تقديرًا أوليًا لاحتياجات إعادة الرسملة للبنك المركزي، لكن التقرير أفاد بأنها تحتاج إلى مزيد من الوقت لوضع التقدير ووضع خطة لاستراتيجية إعادة رسملة فاعلة.
رأس مال البنك المركزي المصري يُشير إلى الأموال التي يمتلكها البنك لتمويل عملياته وضمان قدرته على تنفيذ سياساته النقدية بشكل فعال. رأس المال هذا يلعب دورًا أساسيًا في تمكين البنك المركزي من مواجهة التحديات المالية وضمان استقرار النظام المالي خاصة في أوقات الأزمات على المستوى الاقتصادي.
ونظرًا للدور الذي يقوم به البنك المركزي لضمان سلامة الجهاز المصرفي واحتواء التضخم فضلًا عن سلامة السياسة النقدية في ظل تحديات متتالية منذ أزمة جائحة كورونا 2020 مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على غزة فمن الطبيعي إعادة رسملة البنك بزيادة رأس ماله لضمان قيامه بدوره وفقًا للقانون المنظم له.
إعادة الرسملة تهدف بشكل أساسي إلى ضمان قدرة البنك المركزي على أداء وظائفه بشكل فعال ودعم استقرار النظام المالي.
ووفقًا للأدبيات المنشورة وتقارير البنوك المركزية على مستوى العالم يمكن إجمال الحالات التي يمكن بموجبها إعادة رسملة البنك المركزي في أية دولة وفقًا للآتي:
تدهور الوضع المالي: عندما يواجه البنك المركزي خسائر كبيرة تؤثر في قدرته على الحفاظ على رأس المال اللازم لعملياته.
زيادة الأعباء المالية: إذا زادت أعباء البنك المركزي، مثل التزامات الديون أو خسائره الناتجة عن تدخلات السوق، قد يحتاج إلى إعادة رسملة لتعويض هذه الأعباء.
الاستجابة للأزمات الاقتصادية: خلال الأزمات الاقتصادية أو المالية الكبيرة، قد يتطلب الأمر إعادة رسملة لتعزيز قدرة البنك المركزي على تنفيذ سياساته النقدية ودعم الاستقرار المالي.
توسيع السياسات النقدية: عندما يتطلب الأمر تنفيذ سياسات نقدية موسعة، قد يكون من الضروري تعزيز رأس المال لدعم هذه السياسات.
تغييرات تنظيمية أو قانونية: أحيانًا، قد تستدعي التعديلات في القوانين أو السياسات الاقتصادية إعادة رسملة البنك المركزي لضمان توافقه مع المتطلبات الجديدة.
التسعير العادل للمحروقات
فيما يتعلق بأسعار المحروقات؛ أشار التقرير إلى أنه تم تعديل الالتزام الخاص بربط أسعار المحروقات بالتجزئة بشكل ربع سنوي وصولًا إلى رفع الدعم الكامل على المحروقات لتصل هذه الأسعار بعد التعديل إلى مستويات تعويض التكاليف بحلول ديسمبر 2025، وهو ما يتماشى مع توجه الدولة الهادف لتحريك أسعار المحروقات والكهرباء تدريجيًا حتى نهاية العام المقبل تخفيفًا للأعباء على المواطنين في ظل ارتفاع مستويات التضخم وتداعيات التسعير العادل للعملة المحلية.
في يوليو، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن نية الحكومة تطبيق زيادة تدريجية في أسعار المنتجات البترولية وإدارة معدلات التضخم لتخفيف العبء على المواطنين، بهدف الوصول إلى نقطة التعادل لدعم الوقود بحلول ديسمبر 2025. جاء ذلك بعد الزيادة الثانية التي طبقتها الحكومة على المنتجات البترولية في السوق المحلي بنسبة 10 – 15٪ خلال الشهر ذاته.
الاحتياطيات الدولية
قال تقرير خبراء صندوق النقد: إن مصر استوفت شرط الاحتياطيات الدولية الصافية بفارق كبير حيث تم تعزيز الاحتياطيات بزيادة تدفقات غير المقيمين إلى سندات الخزانة بالعملة المحلية في مارس 2024. كما استوفت مصر شرط تقليل رصيد تسهيلات السحب على المكشوف للبنك المركزي وإقراض البنك المركزي للهيئات الحكومية، لكنها لم تستوفِ مقياس الرصيد الأساسي بشكل رئيسي لأن سعر الصرف المحقق المستخدم لتحويل عائدات الدولار أمريكي من صفقة رأس الحكمة كان أقل من التقديرات الافتراضية للبرنامج.
وصلت الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي المصري لمستوى غير مسبوق مقتربًا من 46.5 مليار دولار بنهاية يوليو الماضي وهو مستوى تخطى مستويات ما قبل جائحة كورونا. فضلًا عن ذلك تسلمت مصر كامل قيمة صفقة رأس الحكمة التي وقعتها مع الجانب الإماراتي في فبراير الماضي؛ حيث تسلمت مصر كامل السيولة النقدية الدولارية بإجمالي 24 مليار دولار؛ كما تم تحويل 5 مليارات دولار من قيمة الودائع الإماراتية بإجمالي 11 مليار لصالح الاستثمار المحلي في السوق المصرية؛ فيما سيتم تحويل الـ 6 مليارات المتبقية من الودائع في آجالها المستحقة.
أكد التقرير أن البرنامج نجح في تحقيق نتائج إيجابية للاقتصاد المصري؛ مشيرًا إلى أن توحيد سعر الصرف مع تشديد السياسة النقدية المصاحبة قلل من المضاربات، وجلب تدفقات أجنبية، وقلل من نمو الأسعار، حيث انخفض التضخم في مارس وأبريل ومايو ليصل إلى أدنى مستوى له منذ يناير 2023.
وقد حافظت مستويات التضخم في مصر على مسارها النزولي في يونيو ويوليو لتسجل 25.7% للتضخم العام في الحضر و25.2٪ للتضخم العام على مستوى الجمهورية و24.4٪ للتضخم الأساسي مقابل مستويات تخطت 30٪ يناير وفبراير، كما قام البنك المركزي المصري بتطبيق الموجة الرابعة من التسعير العادل للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي في مارس، مما أسهم إلى حد كبير في القضاء على السوق الموازية لتجارة العملة التي تخطى فيها الدولار بداية العام مستوى 70 جنيهًا لكل دولار أمريكي.
وفي هذا الصدد؛ قال التقرير: إنه نظرًا لأن السياسة النقدية هي حجر الزاوية في البرنامج، فإن إعدادات السياسة الحالية مناسبة، وإنه بعد زيادات أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 8٪ (800 نقطة أساس) في الربع الأول من عام 2024، تظل السياسة النقدية الحالية مناسبة لوضع التضخم في اتجاه هبوطي، مشددًا أن السياسة النقدية الصارمة ستظل ضرورية لضمان انخفاض مستدام في التضخم الأساسي.
من جهة أخرى، قال التقرير: إن عائدات صفقة رأس الحكمة البالغة 35 مليار دولار، التي وقعتها مصر مع الإمارات في فبراير، مهدت الطريق لتقليص كبير في تسهيلات السحب على المكشوف في البنك المركزي إلى الحدود القانونية وزيادة كبيرة في الاحتياطيات الإجمالية.
فيما يتعلق بأداء القطاع الخاص، أشار التقرير إلى أن نمو القطاع الخاص من المتوقع أن يتعافى، حتى لو كانت البيانات المتاحة لا تزال تشير إلى ضعف النشاط. وقد ظل مؤشر مديري المشتريات العالمي للأعمال غير النفطية في مصر حول علامة 50 في الأشهر القليلة الماضية، مسجلًا 49.7 في يوليو، بانخفاض من 49.9 في يونيو.