في سلسلة متكاملة عن حرب أكتوبر 1973، ناقشت موسوعة حرب أكتوبر في ثلاثة أجزاء مرحلة النصر مع ربطها بمرحلتين مكملتين؛ وهما مرحلة ما قبل حرب أكتوبر، ومرحلة ما بعدها. لتشمل الأسباب والتداعيات التي أفضت إلى حرب أكتوبر، ثم النتائج التي ترتبت على تلك الحرب ودروسها المستفادة، وأثرها على مجالات الأمن القومي المصري والعربي.
ناقشت الموسوعة في الجزء الأول منها المرحلة من نهاية حرب يونيو 1967 وحتى قبل بدء حرب أكتوبر 1973، من حيث نتائج الهزيمة، والدروس المستفادة لتلافي نقاط الضعف، والبناء على نقاط القوة. وقد تضمن الجزء الأول ثمانية فصول. جاء الفصل الأول بعنوان “ما بعد نكسة يونيو الإعداد لمعركة التحرير“، فقد شكلت نكسة يونيو مفصلًا تاريخيًا صعبًا لمصر والعالم العربي، وصدمة للرأي العام بالرغم من الأداء المصري البطولي بريًا، والتفوق الجوي الإسرائيلي. إذ بذل الجنود المصريون جهدًا كبيرًا لوقف تقدم القوات الإسرائيلية، لكنه لم يثمر القرار المفاجئ بالانسحاب الذي أصدره المشير “عبد الحكيم عامر”، والذي عد قرارًا عسكريًا سيئًا استنادًا إلى المعايير العسكرية.
وقد ساهمت إرادة المقاومة وتحرير الأرض، والرغبة في إزالة آثار العدوان، وقرار القيادة المصرية متمثلة في الرئيسين “جمال عبد الناصر” و”محمد أنور السادات” باتخاذ العديد من الخطوات البارزة لإعداد الدولة بمؤسساتها السيادية، وقواتها المسلحة، وقطاعها المدني في إعادة تنظيم أداء المؤسسات السياسية، وإعادة بناء القوات المسلحة، وتطبيق منهجية جديدة في العلاقات مع العالم العربي والقوي الكبرى متمثلة في الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، بهدف تحقيق تحرير الأرض المحتلة واستعادة كامل السيادة على سيناء، والدفع نحو تسوية شاملة تضمن للفلسطينيين حقوقهم القومية المشروعة.
ثم ناقش الفصل الثاني “حرب الاستنزاف.. الإعداد العسكري لانتصار أكتوبر” ، إذ كان الهدف من هذه الحرب استنزاف العدو ماديًا وعسكريًا ومعنويًا بتدمير قواته، وإلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية به، وبالتالي دفع الثمن غاليًا طالما استمر في احتلال الأرض، وفى الوقت نفسه عدم ترك الفرصة له لكي يثبت مواقعه، ويدعم تحصيناته، خاصة بعد أن بدأ في إقامة “خط بارليف”. إضافة إلى التدريب العملي والواقعي للقوات المسلحة في ساحة القتال الفعلية، والقيام بعمليات عبور متنوعة استعدادًا لتحرير الأرض، وإقناع العالم بنية مصر بعدم التخلي عن حقها في استرداد سيناء وتحرير أرضها.
فيما تضمن الفصل الثالث “استراتيجيات إسرائيل في التعامل مع حرب الاستنزاف“. فمع احتلال إسرائيل لسيناء، والجولان السورية، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، فقد سيطرت على أراضي تفوق بعدة أضعاف مساحة الأرض التي أعلنت قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948 أي في حدود ما سمي بالخط الأخضر، وخطوط الهدنة التي أعقبت حرب 1948، بما مثل فرصة لها لتحقيق الحلم الصهيوني. حيث أتاحت حرب 1967 لإسرائيل فرصة لا تضاهي، إذ تحول الحلم الصهيوني إلى حقيقة ملموسة، وخطوة لتحقيق دولة إسرائيل الكبرى، وكانت في انتظار استسلام الدول العربية كما صرح قادتها آنذاك.
وقد ناقش هذا الفصل؛ السياق العام المحيط بإسرائيل بعد 1967، والاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية للاحتفاظ بالأراضي المحتلة، وكيفية مواجهة إسرائيل لحرب الاستنزاف، وإدارة إسرائيل لمرحلة ما قبل حرب أكتوبر 1973، وإلى أي مدي نجحت في تنفيذ استراتيجياتها.
وفى سياق متصل، ناقش الفصل الرابع “الدور العربي وحرب أكتوبر.. خبرة عسكرية فريدة” فقد مثلت خبرة العمل الأمني العربي المشترك خلال حرب أكتوبر سابقة فريدة، بداية بالحرب العربية –الإسرائيلية في العام 1948، والمشاركة العربية في الحرب في إطار ميثاق جامعة الدول العربية وفق المادة السادسة منه دون التخطيط المسبق بين الجيوش العربية، ناهيك عن الأوضاع الداخلية غير المواتية في الدول العربية آنذاك. فقد مثلت الهزيمة دافعًا لتطوير النظام الأمني الجماعي العربي، وهو ما انعكس في التوصل لمعاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي عام 1950، والتي أقامت نظامًا للأمن الجماعي العربي. وقد سيطرت التباينات العربية على هذه المرحلة، لكن حرص الرئيس “السادات” على توثيق علاقات مصر مع كافة الدول العربية، بغض النظر عن رواسب المرحلة السابقة، وتجلي ذلك في الإعداد للحشد العسكري العربي، وتشكيل آليات سياسية تحقق مشاركة عربية عسكرية قائمة على التخطيط والتنسيق المسبق.
ثم انتقل الفصل الخامس إلى “اتجاهات الدور الأمريكي في حربي يونيو وأكتوبر“، فقد أتاح ظهور الولايات المتحدة في صدارة المعسكر الغربي بسياستها المختلفة عن السياسات الاستعمارية التقليدية فرصة لفتح صفحة جديدة في علاقات مصر بالغرب عبر الولايات المتحدة. فقد كشفت السنوات التالية عن هشاشة هذه الفرصة، وعن عمق التناقض بين زعيمة المعسكر الغربي، وقوى التحرر الوطني في مصر، إذ أن التناقض في الرؤيتين المصرية والأمريكية وضح أكثر في الفترة السابقة لحرب 67 وما بعدها. فكانت الولايات المتحدة ترى في الحياد ثم في صفقات السلاح مع موسكو إضرارًا بمصالحها، بينما كانت مصر ترى أن تحرى المصلحة الوطنية المصرية أينما كانت هو جزء من الاستقلال والسيادة الوطنية، التي باتت تتمتع بهما، وأن عبء التكيف مع الوضع الجديد يقع على عاتق القوي الغربية الكبرى. لكن الانحياز إلى إسرائيل كان سمة مميزة للسياسة الأمريكية بغض النظر عن الهوية الحزبية للإدارة الموجودة في مقاعد السلطة، وكان ذلك واضحًا في صفقة السلاح الجديدة التي وقعتها إدارة الرئيس نيكسون في فبراير 1972 وحصلت إسرائيل بمقتضاها على 124 طائرة أمريكية من طرازات فانتوم وسكاي هوك المتطورة.
واتصالًا بما سبق، تناول الفصل السادس “الدور السوفيتي.. دعم عسكري بطيء بدون بديل” فقد حدث تحولًا إيجابيًا في العلاقات السوفيتية العربية بعد صفقة الأسلحة السوفيتية- المصرية عبر تشيكوسلوفاكيا والتي أعلن عنها عام 1955، وتغير في السياسة السوفيتية تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي. وقد تضاعف آنذاك التأييد السياسي السوفيتي للعرب في كل القضايا، بجانب الدعم العسكري لمصر، خاصة أن موسكو أدركت أن تعميق العلاقات مع مصر يعزز نفوذها في المنطقة. ومن ثم ناقش هذا الفصل؛ محددات سياسة السوفيت إزاء الصراع العربي- الإسرائيلي، ودورهم في إعادة بناء الجيش المصري من حيث الدوافع والنتائج، وتعقيدات العلاقة المصرية- السوفيتية أثناء حرب الاستنزاف، وملابسات إنهاء عمل الخبراء السوفيت وخيار الحرب.
فيما ركز الفصل السابع “إدارة الصمود الاقتصادي.. بين الهزيمة والنصر” على قدرة مصر فى إدارة اقتصادها بعد هزيمة 1967 وحتى نشوب حرب أكتوبر 1973، بما أسهم في صناعة الانتصار. فقد مر الاقتصاد المصري بتحولات جذرية منذ ثورة يوليو 1952 بما أسهم في رسم ملامحه الأساسية خلال الفترة بين الهزيمة والنصر. إذ عزمت القيادة السياسية على تمصير كافة الأنشطة الاقتصادية الزراعية، والصناعية، مع التركيز على توزيع عوائد تلك السياسات على المجتمع. إذ تكبد الاقتصاد المصري خسائر طائلة أثناء هزيمة 1967 نتيجة فقدان الكثير من المقومات الاقتصادية لتشمل الخسائر العسكرية، والهزيمة النفسية، وفقدان جزء كبير من النقد الأجنبي، بما دفع الدولة والشعب للتكاتف والوقوف معًا لتعويض تلك الخسائر، وتعظيم استغلال الموارد المتاحة لإدارة اقتصاد الحشد الدفاعي، والاستعداد للحرب وصناعة انتصار أكتوبر 1973.
وأخيرًا، تضمن الفصل الثامن ” الدعم المجتمعي.. من حرب الاستنزاف إلى أكتوبر” بالرغم من جسامة هزيمة 1967، وتأثيراتها النفسية والاجتماعية العميقة، حيث انتاب المجتمع شعور بالإحباط لكنه لم يستسلم، واتجهت الدولة إلى اتخاذ قرارات لحشد الطاقات الاجتماعية والمدنية من أجل بناء الجيش، واستعادة ثقة المجتمع من خلال معارك حرب الاستنزاف لعبور الهزيمة نحو الانتصار، ولعبت قوى المجتمع والمؤسسات الاجتماعية، والجمعيات التطوعية دورًا مهمًا في الدعم المدني والعسكري للجيش والدولة، فضلًا عن قطاعات الثقافة والفن وغيرها، إضافة إلى دور المنظمات الإنسانية والجمعيات التطوعية في تقديم الدعم والمساندة للمتضررين، عبر توفير المأوي للمهجرين من خلال إقامة مخيمات ومساكن مؤقتة، فضلًا عن توزيع الغذاء والإمدادات الضرورية على المهجرين والمتضررين.