منذ شهر مايو عام 1948 الذي شهد الإعلان عن قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، كانت إسرائيل دائمًا محور الاهتمام العربي انطلاقًا من كون القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب وتحمل دلالة رمزية كبيرة في وجدانهم. وخاضت إسرائيل خلال كل هذه السنوات عدة جولات من الصراع بسبب سياساتها في المنطقة، كان أكبرها احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية عقب عدوان 1967، ثم تحقيق مصر نصرها العسكري على إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 واسترداد أراضي سيناء، ثم تحقيق نصرها الدبلوماسي ورفع العلم المصري على طابا في عام 1989. وكانت آخر فصول ذلك الصراع الحرب على قطاع غزة التي بدأت في أكتوبر 2023 ولا تزال مستمرة حتى اللحظة الراهنة، وما يصاحبها من توترات على مختلف الأصعدة تحمل في مجملها أخطارًا جسيمة على الأمن الإقليمي وفي القلب منه الأمن القومي المصري.
وفي ضوء ما سبق، أصدر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية كتابًا بعنوان “إسرائيل من الداخل” قام على إعداده نخبة من خبراء وباحثي المركز وعدد من المتخصصين في سبعة فصول بهدف التعرف عن قرب شديد وبشكل موضوعي على عناصر القوة الشاملة التي تدعم إسرائيل على المستويين الداخلي والخارجي، والتي تتميز في مجملها بتداخل الأمن الإسرائيلي في الحياة السياسية والاجتماعية.
ويتناول الفصل الأول تحت عنوان “الطريق إلى إنشاء الدولة” المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897 الذي تقرر فيه إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ثم المؤتمرات الأخرى التي عُقدت بعد ذلك وأبرز قناعات الفكر الصهيوني حول حدود الدولة المنشودة، وتسليط الضوء على أبعاد الدور العسكري في إعلان دولة إسرائيل وارتباطه بإنشاء المستعمرات، وتأسيس منظمة “هاجاناه” أول منظمة عسكرية صهيونية سرية في فلسطين والتي لعبت دورًا كبيرًا في إنشاء إسرائيل وفق عدد من الأهداف التي وضعها ديفيد بن جوريون مسئول الأمن في المنظمة حينذاك، بالإضافة إلى التعرف على الدور البريطاني الكبير في دعم اليهود لاحتلال فلسطين بداية من وعد بلفور عام 1917، ودورها البارز بوصفها سلطة انتداب في تكريس مضمونه على مختلف المستويات وتحويله إلى حقيقة تخدم الأقلية اليهودية على حساب الأغلبية العربية الفلسطينية، ثم الإعلان عن قيام إسرائيل وإنهاء الانتداب البريطاني بموجب وثيقة “استقلال إسرائيل”، والتعرف على القانون النظامي وأحكام القضاء المعمول به منذ عام 1948 وأهم القوانين الأساسية الإسرائيلية.
وتحت عنوان “النظام السياسي والأحزاب والنقابات في إسرائيل”، تناول الفصل الثاني من الكتاب السلطات الثلاث الأساسية التي يتكون منها نظام الحكم الإسرائيلي وطبيعة النظام السياسي هناك. ويتناول من جانب السلطة التشريعية طبيعة دور الكنيست واختصاصاته وأهم اللجان العاملة فيه وأنواعها المختلفة وآليات رقابة الكنيست على الحكومة والنظام الانتخابي في إسرائيل. وفيما يتعلق بالسلطة التنفيذية، استعرض أدوار واختصاصات كل من رئيس الحكومة والوزراء وطبيعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ثم التعرف على مؤسسة الرئاسة الإسرائيلية وأبرز اختصاصات رئيس الدولة والتعرف على النظام القضائي الإسرائيلي والانتقال إلى خريطة القوى السياسية الإسرائيلية والتعددية الحزبية التي جسدت واقع التشرذم السياسي هناك، ومعايير تصنيف الأحزاب السياسية الإسرائيلية، وتقديم نبذة عن أبرز الأحزاب داخل اتجاهات اليمين القومي واليمين الديني والوسط واليسار الصهيوني واليسار غير الصهيوني/ العربي، وأخيرًا النقابات العمالية الإسرائيلية ونشأتها والعوامل المؤثرة في الحياة النقابية في إسرائيل وأهم هذه النقابات.
وتناول الفصل الثالث بالتفصيل أحد أبرز عناصر قوة إسرائيل منذ نشأتها وحتى اللحظة الراهنة وحمل عنوان “المؤسسات والأجهزة الأمنية في إسرائيل”، ويبدأ الفصل بالتعرف على نظرية الأمن الإسرائيلي وخصائصها الجيوبوليتيكية ومصادرها المختلفة، ثم تناول نشأة الجيش الإسرائيلي منذ نشأته كمنظمة عسكرية صهيونية سرية وتحوله إلى قوة نظامية دائمة وجيش مستديم وتطور تنظيمه القانوني، وكذلك تفصيل هيكل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وسلسلة قيادتها ونظام الخدمة العسكرية وتوزيع القوات الإسرائيلية، وشركات التسليح الإسرائيلية وأبرز مجالاتها، ثم الانتقال للتعرف بنظرة عن قرب على الأجهزة الاستخباراتية والأمنية والمعلوماتية الإسرائيلية وتاريخ نشأتها وبنيتها الأساسية وأقسامها المختلفة والمهام التي يكلف بها كل جهاز، واستعراض تاريخ إخفاقات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بما يكشف أن تاريخ الأجهزة الإسرائيلية ممتلئ بالفشل؛ منها ما هو معلن ومنها ما لا يزال طي الكتمان؛ حيث اتضح أن الفشل لم يكن في العمليات الكبرى التي أعلن عنها فقط ولا في عدم القدرة على التنبؤ بالكثير من الأحداث والعمليات التي حدثت منذ نشأة هذه الأجهزة، بل وهناك الكثير من الفشل على مستوى العملاء والجواسيس وغيرها، ويُختتم الفصل باستعراض العلاقات المدنية – العسكرية الإسرائيلية ومحدداتها وتطور أنماطها بين النشأة والاندماج.
واستعرض الفصل الرابع طبيعة كافة مكونات المجتمع الإسرائيلي والديموجرافيا والسياسة في الدولة العبرية بوصفها مسألة أمن قومي لإسرائيل لأنها تعتبر جوهر الصراع مع الفلسطينيين وفق وجهة النظر العبرية، واستُهل الفصل بالتأكيد على أن إسرائيل شهدت منذ نشأتها تحولات سكانية واجتماعية متسارعة نتيجة كونها مشروعًا “استيطانيًا” لتجميع المهاجرين من كافة أنحاء العالم، وهو ما جعل دراسة مجتمعها بمثابة رصد للتحولات المتسارعة بحيث لا تظل الفرضية قائمة لعقد من الزمان أو أكثر، وتناول الفصل تركيب وخصائص الشعب الإسرائيلي والنمو السكاني ومعدلات الخصوبة بين اليهود والعرب، وكذلك معدلات الهجرة وتأثيرها في تراجع التركيبة السكانية الإسرائيلية، ومتوسط التركيبة العمرية لإسرائيل، ثم تسليط الضوء على انقسامات القبائل الإثنية والدينية في المجتمع الإسرائيلي وتقسيم السكان وتصنيفهم، وكيف أن التركيبة اليهودية الديموجرافية في إسرائيل بالإضافة إلى عرب 48 صنعت خريطة اجتماعية/ سياسية تتسم بالتشرذم والتغير المستمر، وهو ما تدلل عليه الانتخابات المتكررة ونتائجها خلال السنوات العشر الماضية، ثم تناول الفصل مسار التعليم الإسرائيلي وإنجازاته وانقساماته وقطاعاته المختلفة، والتعرف على طبيعة منظمات المجتمع المدني في إسرائيل من حيث العدد والقانون المنظم لها، والاتهامات المتعددة التي توجهها الحكومة الإسرائيلية وأحزاب اليمين المتشدد للمجتمع المدني المؤيد لحقوق الفلسطينيين، وكيف أن تنوع المجتمع المدني في إسرائيل كشف عن انقسامه لمجموعات ومجموعات فرعية محددة حسب العرق أو الهوية أو الدين أو الأيديولوجية أو التوجه السياسي.
وسلّط الفصل الخامس الضوء على الإعلام والرأي العام الإسرائيلي، وذلك من خلال التعرف على خريطة الإعلام الإسرائيلي التقليدي والحديث من حيث النشأة والتمويل والتوجهات، واستعراض الأقسام الخمسة الرئيسية في الإعلام الإسرائيلي، وتقديم قوائم تفصيلية عن وسائل الإعلام المختلفة ومالكيها، سواء كانت الحكومة الإسرائيلية أو رجال أعمال أو أحزاب أو مؤسسات أو جمعيات، والتأثير السلبي لسيطرة رجال الأعمال في الإعلام وبقاء شبكات التواصل الاجتماعي خارج سيطرتهم، والتعرف على اتجاهات الجمهور الإسرائيلي وتفضيلاته الإعلامية وكذلك التوجهات السياسية لوسائل الإعلام الإسرائيلية، ثم الانتقال لمناقشة خصوصية الرأي العام الإسرائيلي في ضوء طبيعة الديمقراطية الإسرائيلية من ناحية، وفي ضوء طبيعة تكوين المجتمع الإسرائيلي من ناحية أخرى، بما يساعد في النهاية على فهم أفضل وأعمق للتوجهات التي يعبر عنها الرأي العام الإسرائيلي، والتعرف بشكل أقرب على بنية المجتمع الإسرائيلي الذي يتكون من لفيف من المجموعات الإثنية التي تشكل فسيفساء غير متجانسة انتمائيًا وثقافيًا، وهو ما يقسم المجتمع شأنه شأن المجتمعات الاستيطانية الأخرى إلى ثلاث فئات؛ الأولى: الأشكيناز، والثانية: العرب الفلسطينيين، والثالثة السفارديم. بالإضافة إلى الانقسام بشأن قضيتي السلام مع الجيران العرب، والدين ودوره في تقرير شئون المجتمع، ويتناول الفصل كذلك تأثير الرأي العام في عملية صنع واتخاذ القرار وأنماط هذا التأثير ودوره في تحديد الممكن سياسيًا الذي يجب على متخذ القرار أن يستهدفه، وطرق قياس اتجاهات الرأي العام في إسرائيل سواء من ناحية الأساليب المعتمدة في القياس أو العملية التنفيذية والإجرائية، وتحليل أسباب انجراف الرأي العام نحو اليمين، واختتم هذا الفصل المهم بتقديم الخريطة المعرفية لمراكز الفكر الإسرائيلية ودورها في صناعة القرار الإسرائيلي وتشكيل الوعي وتوجيه السياسة العامة، والتعرف على أنواع وتصنيفات مراكز الفكر الإسرائيلية وتصنيفاتها المختلفة وأبرز النماذج الدالة عليها، وفلسفة عملها من جانب الدور ومداخل واتجاهات ومظاهر التأثير في عملية صنع القرار وخاصة من جانب مراكز الفكر المتخصصة في الأمن القومي.
وتحت عنوان “الاقتصاد الإسرائيلي”، تناول الفصل السادس الاقتصاد في الدولة العبرية بوصفه من أهم الاقتصادات في الشرق الأوسط، التي شهدت نموًا ملحوظًا مدفوعًا برغبة محلية لبناء الدولة لمواجهة التخوف الإقليمي، ومعتمدًا على المساعدات الغربية والأمريكية السخية من حيث التمويل والتكنولوجيا والأبحاث العلمية، وهو ما خلق في مجمله نموذجًا لدولة سريعة النمو نجحت في توفير مستوى معيشي لمواطنيها يقارب أو يتفوق في بعض الأحيان على بعض الدول الأوروبية، ورغم ذلك لا تزال تشكل التحديات الأمنية والسياسية عائقًا أمام إسرائيل لتوفير معايير الرفاهية الاجتماعية لمواطنيها، خاصة وأنها في حرب مستمرة دون توقف تقريبًا. وتناول طبيعة الاقتصاد الإسرائيلي قبل عام 1990 وبعده، واستعراض المؤشرات الحيوية للاقتصاد الإسرائيلي بكافة أشكالها، وتناول القطاعات الرئيسية للاقتصاد بوصفها الركائز الأساسية التي تدعمه وتحقق استقراره ونموه المستدام، ودورها المحوري في تعزيز الابتكار وتطوير التكنولوجيا. إضافة إلى التعرف على المزايا النوعية للاقتصاد الإسرائيلي وأثرها الإيجابي الكبير في الاقتصاد وخاصة قطاعات الصناعات التكنولوجية عالية التقنية والصناعات الحيوية التي يمكن تصنيفها أن لإسرائيل ميزة نوعية بها، ويختتم الفصل بالتعرف على المشكلات الأساسية التي تواجه الاقتصاد الإسرائيلي وفي مقدمتها المستوى العالي من عدم المساواة، والتباطؤ الحاد في عام 2023 بسبب الحرب على قطاع غزة وارتفاع تكاليف المعيشة.
وجاء الفصل السابع والأخير من فصول الكتاب ليتناول السياسة الخارجية الإسرائيلية وأهم خصائصها وأهدافها، ويعرِّف الدوائر الواضحة التي تحدد أهداف هذه السياسة، حيث هناك الدائرة المعادية التي تحيط بها مباشرة والتي سمَّتها “دول الطوق” أو “دول المحيط”، ثم دائرة “الدعم والتمويل لدول الطوق”، ثم “دائرة ما وراء الدول العربية”، ويستعرض أهم مؤسسات صنع القرار في السياسة الخارجية الإسرائيلية وأدوارها، وطبيعة عملية صنع القرار هناك، ويتناول السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه الدول الكبرى وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والقوى الكبرى الآسيوية وروسيا، ثم يتعرَّف على السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه أفريقيا وتطورها ودوافع اهتمام تل أبيب بالقارة السمراء ومجالاتها المختلفة، وختامًا بالسياسة الخارجية تجاه المنطقة العربية وتطورها وأهم المتغيرات المؤثرة في العلاقات الإسرائيلية العربية، ويتعرَّف بشكل موجز على شكل السياسة الخارجية تجاه تركيا وإيران التي كانت علاقات تعاونية حتى عام 1979 وقيام الثورة الإسلامية هناك واعتبارات أهمية إيران بالنسبة للسياسة الخارجية الإسرائيلية.