في شهر أكتوبر من كل عام، لا يزال يدور الحديث عن كواليس حرب السادس من أكتوبر عام 1973، وكيف تمكنت القاهرة من تضفير مقوماتها العسكرية والبشرية والشعبية في إطار استراتيجية مُحكمة ومحددة المقومات، نجحت في كتابة سطور من ذهب في آيات النصر والعزة والكرامة أمام العدو الإسرائيلي، في حرب لايزال يتحاكي عن بطولاتها وما قدمته من دروس وعبر.
فلقد ضم الجزء الثاني لموسوعة حرب أكتوبر 1973 كيف حققت مصر الانتصار ؟ ملحمة العبور.. النصر العسكري، 10 فصول، شارك فيها كوكبة من الخبراء والباحثين السياسيين والعسكريين، بدأت بالفصل التاسع الذي جاء تحت عنوان” الحرب..قرار محسوم“، لتناول كافة الخطوات والترتيبات التي اتخذتها مصر على المستويات الميدانية والخطط والمناقشات في سبيل اتخاذ قرار الحرب، بما في ذلك المباحثات الدائرة في اجتماع الثلاثين من سبتمبر عام 1973 والذي خرج من رحمه قرار الحرب.
ناهيك عن مناقشة ما واجهته هذه الخطوة المصيرية المهمة من تحديات وصعوبات، لاسيما في ظل حالة الوفاق الدولي بين الاتحاد السوفيتي آنذاك والولايات المتحدة الأمريكية التي كان لها انعكاسات ضاغطة على صانع القرار المصري. ومن ثم، هدف الفصل نحو مناقشة كواليس اتخاذ مصر قرار الحرب، وكيف تمكنت القاهرة من الحفاظ على عنصر الخداع الاستراتيجي الخاص بساعة الصفر، رغم الرصد الأمريكي الدقيق للترتيبات العسكرية المصرية على جبهة سيناء وفي الداخل المصري، والتي هدفت مصر من خلالها نحو تغيير واقع الجبهة في سيناء، واستعادة مصر لأرضها وكرامتها وعزتها مرة أُخرى.
وتحت عنوان ” فلسفة الخداع الاستراتيجي وبناء السلام“، ناقش الفصل العاشر كيف تمكنت مصر من تحقيق وتقديم نموذج فريد للخداع الاستراتيجي على مستويات عدة سياسية وإعلامية وعسكرية، بهدف ارباك العدو الإسرائيلي، بالإضافة إلى مناقشة دور المعلومات في تحقيق عنصر المفاجأة بمستوياتها الثلاثة (الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية)، بالتوازي مع دراسة ما حمله الرئيس الراحل محمد أنور السادات من سمات وصفات قيادية (مدرسة السادات) لعبت دوراً مهماً في تحديد الأهداف واستخدام الوسائط المصرية وما تملكه الدولة من أدوات لتحقيقها، استناداً لعدد من الركائز المفاهيمية، والتي لعبت دوراً في تحقيق مفاجأة أكتوبر، إلى جانب مناقشة دور المخابرات المصرية الذي لا يزال غامضاً حتى الآن، والاستخدام الحكيم للأداة الدبلوماسية.
وتحت عنوان ” ملحمة العبور..أولى خطوات النصر“، ناقش الفصل الحادي عشر، ملحمة العبور بدايةً من مرحلة الإعداد للحرب منذ هزيمة حرب عام (1967)، مروراً بوضع خطة استراتيجية هجومية، تضمنت عدة أهداف، تم تطويع إمكانيات وقوات الجيش المصري من أجل تحقيقها ، بمشاركة 9 دول عربية ، والتي يأتي من بينها؛ تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي، وإرغام الجيش الإسرائيلي على القتال على الجبهتين المصرية والسورية، وإغلاق باب المندب، بالإضافة إلى محورية عنصر الخداع الاستراتيجي في التخطيط والإعداد للعمليات الهجومية، رغم ما واجهته مصر من تحديات عدة. كما قام الفصل برصد خطوات تنفيذ خطة العبور “بدر”، ودور الأفرع الرئيسية، انتهاءاً بمناقشة أسباب وكيفية اضطرار مصر لتطوير الهجوم شرقاً لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وملامح وكيفية الهجوم الإسرائيلي المضاد.
وتحت عنوان “القوات البحرية..تخطيط مبتكر ومهام جريئة “، ناقش الفصل الثاني عشر، طبيعة المتغيرات الرئيسية في المشهد العسكري البحري خلال الفترة (1970- 1973)، وما قدمته القوات البحرية من دور بارز في حرب أكتوبر، بينما قدم الفصل الثالث عشر والذي جاء تحت عنوان” حرب أكتوبر73.. دروس مستفادة ميدانياً واستراتيجياً”، حزمة من الدروس المستفادة للقوات البرية والجيوش الميدانية من حرب أكتوبر على عدة مستويات، إلى جانب تناول خبرات التضامن على المستوى العربي والإقليمي، ومدى أهمية إعداد المستوى الداخلي للحرب في العديد من الأبعاد، وفق مفاهيم إدارة الأزمات والتفاوض، إلى جانب مناقشة خبرات المستوى العسكري الميداني، والدروس المستفادة للقوات الجوية، ونظيرتها في مجال الدفاع الجوي.
وفي الفصل الرابع عشر، حرص الكتاب في جزءه الثاني على تقديم شهادات وبطولات وتضحيات من رحم حرب أكتوبر،كتناول استخدام الشفرة النوبية في الحرب كسبيل للتعلب على تحديات الحفاظ على سرية الاتصالات الإشارية، إلى جانب استعراض دور عناصر الاستطلاع وما قاموا به من مهام خطرة كمجموعة النقيب “أسامة المندوه”، ناهيك عن تناول شهادات لعدد من طياري القوات الجوية، وما قدمه السرب المصري (15) من دعم للجبهة السورية. وتحت عنوان “مصر..الإدارة السياسية للحرب والعلاقات مع موسكو وواشنطن“، تناول الفصل الـ15 كيف أدارت مصر النتائج السياسية للحرب، وما بذلته القيادة السياسية من دور للحفاظ على العلاقات مع السوفيت والأمريكان، وتوظيفها في التوصل لقرارات مجلس الأمن ووقف القتال، ناهيك عما بذلته القاهرة من جهود للحفاظ على علاقة قوية مع سوريا بعدما أدت التحركات المصرية المكثفة تجاه الولايات المتحدة إلى إثارة الكثير من الشكوك، انتهاءاً بالتوصل إلى اتفاق النقاط الست وعودة العلاقات مع واشنطن، ثم التوصل لاتفاق فض الاشتباك الأول.
وفي الفصل الـ16 والذي جاء تحت عنوان “الدور العربي..مشاركة عسكرية وحظر نفطي“، تم مناقشة ما قدمته حرب أكتوبر من نموذج فريد للتضامن العربي، عكست ما بذله الرئيس السادات من دور لإعداد الساحة العربية للمعركة، إلى جانب تناول طبيعة الدعم العسكري العربي، وكيف تم استخدام البترول العربي كسلاح في الحرب. وتحت عنوان “الأداء العسكري الإسرائيلي والهزيمة الاستراتيجية“، ناقش الفصل الـ17 مستوى وكيفية الأداء العسكري الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر، ومراحل تطور العمليات على الجبهة المصرية ونظيرتها السورية، وما هي مقومات الخطة السورية خلال الحرب، وما بذلته من محاولات دفاعية ضد العدو الإسرائيلي، ناهيك عن مناقشة الهجوم الإسرائيلي المضاد على الجبهة المصرية، مع تقديم تقييم للأداء العسكري الإسرائيلي خلال الحرب.
وفي الفصل الـ18 والأخير ، ناقش الكتاب كيف دفعت الهزيمة المدوية لإسرائيل تل أبيب نحو تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب الهزيمة، وتحديد نقاط التقصير، مع إجراء مراجعة للأداء العسكري لجيش الدفاع الإسرائيلي، بما في ذلك مناقشة الأسباب المرتبطة بالسياسات العسكرية القائمة، ونظيرتها المرتبطة باستراتيجية القتال العربي، والأخرى المرتبطة بالأداء العسكري الإسرائيلي، وما لكل هذه المراجعات من أثر في تطوير السياسة العسكرية الإسرائيلية، وتطوير عناصر السياسة الدفاعية، ناهيك عن تناول الاستخلاصات الإسرائيلية من حرب أكتوبر. ولقد حرص الكتاب على تقديم حزمة من الوثائق والمرفقات خلال الحرب.