المقدمة
تشهد الصين نموًا اقتصاديًا هائلًا نتج عنه ارتفاع مستويات المعيشة، وسعي مواطنيها لتجربة السفر واستكشاف مقاصد جديدة سواء داخلية أو خارجية؛ مما أدى إلى تطور صناعة السياحة الصينية وتفردها بصدارة قائمة الدول الأكثر تصديرًا للسائحين الدوليين منذ عام 2013، كما أصبح التنافس على جذب السائح الصيني شديدًا من قبل المقاصد السياحية المختلفة نظرًا لقدرته الإنفاقية العالية التي جعلت منه السائح الأكثر إنفاقًا.
أهمية السوق السياحية الصينية
استطاعت السياحة الصينية أن تستحوذ على مكانة كبيرة داخل سوق السياحة الدولية، فقد أصبحت الصين المصدر الرئيسي للسياحة الدولية الخارجية، سواء من حيث الإيرادات أو أعداد الزائرين. حيث قُدرت أعداد السائحين الصينيين الدوليين بحوالي 150 مليون سائح في عام 2019 قبل جائحة كورونا مقابل حوالي 87 مليون سائح لعام 2023 كما هو موضح بجدول الدول الأكثر تصديرًا للسائحين نظرًا للتأخر في رفع قيود السفر، بالإضافة إلى القدرة الإنفاقية الهائلة التي جعلت السائحين الصينيين في صدارة قائمة السائحين الأكثر إنفاقًا لعام 2019 بما يقدر بحوالي 255 مليار دولار والتصدر أيضًا لعام 2023 بحوالي 196.5 مليار دولار طبقًا لتقرير منظمة السياحة العالمية. أدى هذا الأداء للسياحة الصينية إلى تنافس الدول السياحية على اجتذاب أكبر قدر ممكن من هذا السوق العملاق.
الدول الأكثر تصديرًا للسائحين
| 2019 (بالمليون) | 2023 (بالمليون) | |
| الصين | 150 | 87 |
| الولايات المتحدة الأمريكية | 99.7 | 98.5 |
| ألمانيا | 99.5 | 0000 |
| المملكة المتحدة | 93.1 | 77.3 |
| فرنسا | 30.4 | 54.87 |
السائحون الأكثر إنفاقًا
| 2019 (بالمليار) | 2023 (بالمليار) | |
| الصين | 255 | 196.5 |
| الولايات المتحدة الأمريكية | 132 | 150 |
| ألمانيا | 93 | 111.9 |
| المملكة المتحدة | 85.9 | 110.3 |
| فرنسا | 50.5 | 49 |
وفقًا لأحدث مقياس للسياحة العالمية، فإن انفتاح الأسواق الآسيوية بقيادة الصين وتخفيف الحكومات لقيود السفر أدى إلى استعادة أعداد السائحين الدوليين في الربع الأول من عام 2024 بنسبة 97٪ من مستويات عام 2019 قبل جائحة كورونا. وتشير توقعات منظمة السياحة العالمية لعام 2024 إلى التعافي الكامل للسياحة الدولية مع نمو عدد الوافدين بنسبة 2٪ فوق مستويات عام 2019، مدعومًا بـ الطلب القوي، وتعزيز الاتصال الجوي، والانتعاش المستمر في الصين وغيرها من الأسواق الآسيوية الكبرى.
مميزات السوق السياحية الصينية
إن الاستحواذ على نسبة كبيرة من السوق السياحي الصيني ليس مجرد فكرة جيدة، بل إنها استراتيجية تسعى لها المقاصد السياحية لاقتناص المميزات العديدة التي يوفرها السوق الصيني مثل تشجيع الحكومة الصينية السياحة الخارجية كجزء من استراتيجيات التنمية الاقتصادية من خلال مبادرات مثل “مبادرة الحزام والطريق” التي سهلت السفر بين الصين والدول الأخرى، بالإضافة إلى التوسع في طرق السفر الجوي ووجود العديد من شركات الطيران الدولية في السوق الصيني جعل الوصول إلى الوجهات الدولية أكثر سهولة وبأسعار مشجعة للمسافرين الصينيين. كما أدت زيادة المشاركة في برامج التعليم الدولي والأنشطة التجارية إلى زيادة سفر الطلاب ورجال الأعمال الصينيين إلى الخارج.
يتميز السائح الصيني أيضًا بالعديد من المميزات مثل القدرة المالية العالية وزيادة الإنفاق على الأنشطة الترفيهية مع تحمل تكاليف السفر إلى الخارج نتيجة ارتفاع مستويات الدخل بالاقتصاد الصيني، بالإضافة إلى تمتع المسافرين الصينيين بفترات ذروة سفر متعددة على مدار العام، يتضمن ذلك السنة الصينية الجديدة والأسبوع الذهبي وأشهر الصيف، وهذا يوفر تدفقًا للإيرادات السياحية على مدار العام. يتمتع السائحون الصينيون أيضًا بميزة قوية للغاية وهي انفتاحهم على منصات التواصل الاجتماعي ومواقع آراء السفر وتبادل تجارب وتوصيات السفر؛ مما أدى إلى زيادة رغبتهم في الاستكشاف الدولي وامتلاكهم قدرة في التأثير العالمي؛ مما يؤثر في أعداد كبيرة في صنع قرار السفر، بالإضافة لاعتباره إحدى أهم وسائل الترويج الأكثر فاعلية في التخطيط للسفر.
كما يُعرف المسافرون الصينيون بتفضيلاتهم وسلوكياتهم المميزة في السفر كما هو موضح بالجدول أدناه، والتي تشمل التركيز على التجارب الثقافية والطهي، الفضول نحو المغامرة للاستمتاع بتجارب جديدة خارج نطاق السياحة المحلية واستكشاف الوجهات الدولية، وغالبًا ما يرتبط السائحون الصينيون بتفضيل الرفاهية والتجارب عالية الجودة وتفضيل البحث عن الماركات العالمية، الاعتماد على وكالات ومنصات السفر عبر الإنترنت الذي سهل عملية التخطيط للرحلات الخارجية وحجزها مثل منصة Ctrip، وعلى الرغم من التنوع الكبير لخصائص السائحين الصينيين، فإنهم غالبًا ما يبحثون عن المقاصد التي تقدم مزيجًا من الأهمية التاريخية والجمال الطبيعي ووسائل الراحة الحديثة.
| سائح الصين | سائح الولايات المتحدة الأمريكية | |
| الإنفاق | الأول في الأعلى إنفاقًا | الثاني في الأعلى إنفاقًا |
| توقيتات السفر | السنة الصينية الجديدة – الأسبوع الذهبي – موسم الصيف – احتفالات السنة الميلادية | احتفالات السنة الميلادية |
| الوجهات المفضلة | تايلاند – اليابان – كوريا الجنوبية – سنغافورة – ماليزيا | المكسيك – كندا – المملكة المتحدة – فرنسا – الدومنيكان |
| غرض السفر | البحث عن الرفاهية والماركات العالمية – التجارب عالية الجودة – الاعتماد على منصات السفر عبر الإنترنت & منصات التواصل الاجتماعي ومواقع آراء السفر | قضاء الإجازات (المعالم السياحية – التسوق – المواقع التاريخية – تجربة تناول الطعام الفاخر) – زيارة الأصدقاء/الأقارب – العمل |
| التخطيط للسفر | الاعتماد على منصات السفر عبر الإنترنت – (90:60) يوم قبل السفر | 102 يوم قبل السفر |
عوامل اجتذاب السائح الصيني
يبحث السائحون الصينيون، باهتماماتهم وتفضيلاتهم المتنوعة، عن مزيج من التجارب ووسائل الراحة التي تلبي خلفيتهم الثقافية من خلال إظهار الفنادق والوجهات تفهمًا واحترامًا لثقافتهم. ويشمل ذلك تقديم موظفين يتحدثون لغة الماندرين، ولافتات ومعلومات صينية، بالإضافة إلى الاحتفال بالأعياد أو المهرجانات الصينية. كما يحرص السائحون الصينيون على استكشاف الثقافة المحلية والتاريخ والجمال الطبيعي بدءًا من العروض التقليدية حتى تذوق المأكولات المحلية. وأيضًا يحرصون على التسوق، خاصة السلع الفاخرة والمحلية الصنع. يبحثون أيضًا عن تيسير عمليات الحجز وتسجيل الوصول والاعتماد على المنصات المحمولة لإدارة ترتيبات السفر، مع ميل قوي نحو منصات مثل WeChat وAlipay للحصول على المعلومات والمعاملات، مع ضرورة توفر عوامل السلامة والخصوصية والنظافة وخدمات الإنترنت والمرافق التي تستوعب الرحلات العائلية.
يمثل جيل الألفية جزءًا متزايد الأهمية من سوق السفر الصيني (والعالمي) عمومًا. حيث تتمثل الأنشطة المفضلة لجيل الألفية الصيني في مشاهدة المعالم السياحية وتناول الطعام والتسوق وزيارة المنتجعات والشواطئ. وهناك أيضًا نمو في الجولات البيئية، حيث صنفها ما يقرب من 20% من الشباب الصيني على أنها نشاط مفضل في أثناء وجودهم بالخارج. ويتمتع الشباب الصيني بخبرة كبيرة في مجال التكنولوجيا. وجد تقرير CITM أن 30% من جيل الألفية يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي في اتخاذ قرارات السفر، وهي نسبة تأتي بعد مواقع التواصل الشفهي والمراجعة بنسبة 44%. وأصبح الاعتماد أقل على وكلاء السفر والباقات، ويستخدم 80% من المسافرين الصينيين عمومًا أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو المكتبية أو المحمولة للتخطيط لسفرهم وحجزه -وهي قفزة كبيرة من 53% في العام السابق. ويعتمدون على منصات سفر محلية مثل Ctrip & SiteMinder والتي تمثل فرصة لاستهدافهم بقوة.
وجهات السائح الصيني
كشف موقع Trip.com، أكبر وكيل سفر عبر الإنترنت في الصين، أن أفضل 5 وجهات للمسافرين الصينيين خلال عام 2023 هي (تايلاند – اليابان – كوريا الجنوبية – سنغافورة – ماليزيا)، وذلك نظرًا لعامل القرب الجغرافي والرغبة في تخفيض تكاليف السفر في ظل الظروف الاقتصادية الناتجة عن أزمة كورونا، بالإضافة إلى أن تأخر الصين في إلغاء قيود السفر عن السائحين الصينيين أدى إلى التوجه للمقاصد القريبة. كما تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كوجهة رئيسية للمسافرين الصينيين، وفقًا لبيانات من وكالات السفر عبر الإنترنت مثل Ctrip & Tongcheng & Tuniu & Mafengwo & Zuzuche، ويأتي ذلك نظرًا لإعفاء السائحين الصينيين من التأشيرة، إلى جانب رحلات الطيران القوية وخطوط الطيران المتنوعة التي تتميز بها دولة الإمارات.
مصر والسوق السياحية الصينية
كشفت هيئة تنشيط السياحة المصرية عن مجموعة من الاستراتيجيات التي تستهدف بها السوق السياحي الصيني خلال معرض ITB China 2024، ويعتبر برنامج “Cairo City Break” الجديد جزءًا محوريًا من الاستراتيجية، وهو يهدف إلى تحويل القاهرة إلى وجهة حيوية من خلال مزيج من التراث القديم والثراء الثقافي والروح المعاصرة للعاصمة. وقد أكد الرئيس التنفيذي لهيئة تنشيط السياحة المصرية أنه قد زار مصر 230 ألف سائح صيني في عام 2023، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 250%، كما استقبلت مصر 90 ألف سائح صيني في الربع الأول من عام 2024 بزيادة قدرها 178%، ومن المستهدف استقبال حوالي 300 ألف سائح صيني هذا العام، والوصول إلى 3 ملايين سائح صيني سنويًا بحلول عام 2028. شهدت الأعداد السياحية ارتفاع كبير خلال الأسبوع الذهبي لعيد العمال الصيني، وجاء هذا النمو نتيجة لسلسلة من المبادرات التي تأتي في مقدمتها سهولة الحصول على التأشيرة عند الوصول، بالإضافة إلى الاستثمارات الكبيرة في تطوير البنية التحتية لتعزيز تجربة السفر إلى مصر وضمان تمتع كل سائح صيني بتجربة شخصية مميزة في مصر.
يتضح مما سبق أن حصة مصر من السوق السياحي الصيني تشهد نموًا، وإن كانت أعداد السائحين الصينيين القادمين إلى مصر لا تزال ضئيلة جدًا ولا تتناسب مع إمكانات المنتج المصري ولا أعداد السائحين الصينيين عالميًا والتي تقدر بما يعادل 87 مليون سائح لعام 2023، وهي السوق الأكثر تصديرًا للسائحين الدوليين. لذلك يجب زيادة الاستهداف للسوق الصيني من خلال تطوير البنية التحتية للسياحة وفي مقدمتها المطارات وزيادة خطوط الطيران للمقاصد الصينية الأكثر كثافة، بالإضافة إلى التوسع في توفير الإنترنت فائق السرعة لتقديم الخدمات التكنولوجية المتطورة؛ نظرًا لاهتمام السياح الصينيين الشديد بالتكنولوجيا ومنصات السفر والتواصل الاجتماعي، مع زيادة المرافق التي تستوعب اللغة الصينية ومتحدثي اللغة الصينية بصفة عامة. كما يجب تصميم تجارب سياحية توفر متطلبات السائح الصيني في الطعام والتسوق والخدمات المتميزة داخل الفاعليات والأماكن الثقافية.
المصادر :
https://www.unwto.org/un-tourism-world-tourism-barometer-data
https://www.unwto.org/tourism-data/global-and-regional-tourism-performance
https://www.eiu.com/n/in-charts-chinas-outbound-tourism-in-2024
https://www.globaltimes.cn/page/202404/1311502.shtml
https://arabic.news.cn/20231128/41187d35c41b406e9b7e344577e56dca/c.html
