شنّت مجموعة مُسلحة مُكونة من 24 شخصًا – يُشتبه انتماءهم لجماعة بوكو حرام – مساء الأربعاء الموافق 8 يناير 2025، هجومًا استهدف القصر الرئاسي في العاصمة التشادية نجامينا، ودارات اشتباكات بينهم وبين قوات الأمن أسفرت عن سقوط أحد أفراد الأمن الرئاسي و3 مصابين، فيما تمكنت القوات الحكومية من القضاء على غالبية مُنفذي الهجوم الذين سقطوا بين قتيل وجريح، وأعلنت السيطرة على الوضع وإنهاء ما وصفته بـ “محاولة زعزعة الاستقرار”. وفي هذا السياق تُقدّم هذه الورقة قراءة تحليليّة حول دلالات وسياقات الهجوم على القصر الرئاسي في تشاد في ضوء المعلومات المتوفرة بشأنه، وتناقش كذلك تداعياته المُحتملة على المشهد الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي خلال الفترة المُقبلة.
حيثيات وسياقات الهجوم
ثمّة معلومات مُتباينة حول الجهة الضالعة في تنفيذ الهجوم، فعقب وقوعه توالت أنباءً، نقلًا عن مصادر أمنية تشاديه عديدة، أفادت بأن المُهاجمين جميعهم ينتمون إلى جماعة بوكو حرام الإرهابية التي تستهدف تشاد في المناطق الحدودية المتاخمة للكاميرون والنيجر، وأنهم كانوا مُدججين بالأسلحة. لكن عاد وزير الخارجية التشادي، عبد الرحمن كلام الله، لينفي تلك التكهنات بقوله إن الهجوم لم يكن على الأرجح إرهابيًا، وأن المُهاجمين هم مجموعة من المجرمين، كانوا تحت تأثير المُخدرات، ولم تكن بحوزتهم أي أسلحة حربيّة، وأتوا بملابس مدنية من حي فقير في جنوب العاصمة حاملين أسلحة وسواطير وسكاكين، وأن قوات الأمن تمكنت من القضاء عليهم بسهولة شديدة، كما حرص على التأكيد على أنه “لا يوجد حاليًا أي تهديد للبلاد ومؤسساتها”. لكن يبدو أن تصريحات وزير الخارجية التشادي لا تتناغم من بعض المعطيات التي يمكن ملاحظتها من حيثيات الهجوم وسياقاته، وهو ما يمكن توضيحه على التفصيل التالي:
1. استمرّت الاشتباكات بين المُهاجمين وقوات الأمن قرابة ساعة حاولت فيها العناصر المسلحة مُهاجمة الجزء الداخلي من القصر الرئاسي، بعد طعنهم لأربعة من الحراس. وأفادت بعض المعلومات الواردة من سكان الأحياء القريبة من القصر الرئاسي، بسماع دوي إطلاق النار بكثافة أثناء الاشتباكات، وبعدها شوهدت أعداد كبيرة من القوات الحكومية وأرتال مركبات عسكرية وهي تتجه نحو موقع الهجوم. وتعكس التفاصيل المذكورة أن الهجوم لم يكن بنفس الدرجة من البساطة والعشوائية التي أشار إليها وزير الخارجية التشادي، بل كان مدفوعًا بدوافع خطرة؛ إذ يمكن الاستدلال على وجود هدف مُسبق للمهاجمين من تصريحات الرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي، بأنهم كانوا يسعون إلى اغتياله غير أن قوات الأمن نجحت في إفشال مخططهم. وعليه، يمكن إيعاز محاولة وزير الخارجية التشادي للتقليل من درجة تأثير الهجوم أو الإدلاء بتصريحات مغايرة للمصادر الأمنية التي نسبته لجماعة بوكو حرام، إلى رغبته في تجنب الغضب والتوتر الشعبي بشأنه، خصوصًا أن الانتقادات الداخلية لمقاربة الحكومة التشادية في مكافحة الإرهاب تصاعدت خلال الأشهر الفائتة، على خلفيه تعرض قوات الجيش لهجمات دامية من بوكو حرام، فضلًا عن تصاعد الجدل حول الغارات الجوية الحكومية التي تستهدف الجماعة، حيث أفادت بعض التقارير بأنها أحيانًا تحيد عن أهدافها بشكل خاطئ وتتسبّب في سقوط المدنيين.
2. لا ينفي نجاح القوات التشادية في صد الهجوم، أنه يشكل ضربة نوعية من حيث الموقع المُستهدف، فعلى الرغم من أن مشاهد أحداث العنف واستخدام السلاح والهجمات الإرهابية ليست بالجديدة على الساحة التشادية، غير أن الهجوم على القصر الرئاسي في العاصمة نجامينا، يعد الأول من نوعه إذا ما انتهت تحقيقات السلطات التشادية إلى أنه كان مدفوعًا بدوافع إرهابية، وأن بوكو حرام هي المسؤولة عن تنفيذه. كما تعكس قدرة المهاجمين على استهداف مقر الرئاسة – حيث توجد التحصينات الأمنية رفيعة المستوى – وجود ثغرات أمنية وتكتيكية ساعدت هؤلاء على تجاوز الحواجز الأمنية والتسلل لتنفيذ الهجوم. ومن شأن هذا النوع من الهجمات على مؤسسات الدولة الحساسة رفع حالة القلق والتوتر الأمني لدى السكان المحليين، ما يُفسر حرص التشادية على التأكيد على أن الهجوم أُحبط بالكامل والأمور أصبحت تحت السيطرة.
3. يعكس نسب الهجوم فور وقوعه إلى جماعة بوكو حرام، تنامي المخاطر الإرهابية المرتبطة بنشاط الأخيرة في تشاد ونيجريا والنيجر والكاميرون. فعلى الرغم من تعرض الجماعة – منذ مقتل زعيمها التاريخي “أبو بكر شيكاو” في اشتباكات مع تنظيم ولاية داعش غرب أفريقيا في يونيو 2021 – لضربات أمنية عديدة في مناطق انتشارها، أسفرت عن زعزعة قدراتها اللوجستية، وتحييد العديد من عناصرها وقادتها، فضلًا عن استسلام عدد كبير من عناصرها وذويهم وتسليم أسلحتهم للقوات الأمنية نتيجة الضغوط التي مورست على جيوب انتشارهم؛ إذ أفاد رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى بأنه “بين 10 يوليو و9 ديسمبر 2024 استسلم نحو 30426 مقاتلًا من بوكو حرام، إلى جانب 36774 امرأة و62265 طفلًا”، غير أن تهديد الجماعة لا يزال قائمًا، ولا تنقطع عن شن هجماتها ومواصلة نشاطها، لاسيما في منطقة بحيرة تشاد ذات الأهمية الاستراتيجية، للتأكيد على قدرتها على البقاء والصمود أمام الضربات الأمنية، وللحفاظ على جاذبيتها الجهادية في مواجهة غريمها داعش غرب أفريقيا. وقد تصاعدت خلال عام 2024 المُنقضي المؤشرات الدّالة على شروع الجماعة في ترميم صفوفها، وتعزيز نشاطها، لعل أبرزها:
أ. انتقال نشاط بوكو حرام إلى فضاءات جغرافية غير تقليدية؛ ففي السابق كان عناصرها يتمركزون بشكل رئيسي في مناطق شمال شرق نيجيريا، لكن بعد تعرضهم لضربات أمنيّة على يد قوات مُكافحة الإرهاب في المنطقة، اتسعت التمركزات الجغرافية لنشاط الجماعة بعد تشتت عناصرها إلى مناطق الأطراف، لتشمل تشاد والنيجر والكاميرون، وكذا حاولت الجماعة تعزيز حضورها العملياتي في ولاية نيجر وولاية كادونا المحاذية للعاصمة النيجيرية أبوجا، لاستيعاب ضغوط داعش على معاقلها التقليدية بالمناطق الشمالية. ويستدل على اتساع جغرافية نشاط بوكو حرام من سلسلة الهجمات التي شنتها الجماعة خلال عام 2024 لاسيما تلك التي استهدفت دول الجوار النيجيري. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، هاجم عدد ضخم يقدر بالمئات من عناصر الجماعة في 27 أكتوبر 2024، قاعدة عسكرية للجيش التشادي في جزيرة باركركم الواقعة أقصى بحيرة تشاد، ما أسفر عن مقتل نحو 40 جنديًا تشاديًا. وفي 29 يوليو الماضي شنت بوكو حرام هجومًا بالقنابل استهدف مدينة جاروا شمال الكاميرون، لكن قوات الأمن تمكنت من صد الهجوم. كما تصاعدت أنشطة الجماعة بما في ذلك سرقة المركبات في منطقة ديفا الواقعة جنوب شرق النيجر.
ب. استمرار تفاقم تهديد الجماعة في الداخل النيجيري؛ إذ تسيطر الآن على مدن ريفية عدة في شمال شرق نيجيريا، وتواصل شن هجمات نوعية مؤثرة ضد قوات الجيش والسكان المحليين. فعلى سبيل المثال نفذ مسلحو بوكو حرام في فبراير 2024 سلسلة من الهجمات في منطقة داماتورو عاصمة ولاية يوبي شمال شرق البلاد، ما أسفر عن سقوط خسائر مادية وبشرية كبيرة، بعد أن قام المهاجمون بإضرام النيران في قصر رئيس المنطقة، واقتحام المنازل، ونهب المواد الغذائية بها ثم إحراقها. كما شهدت الولاية ذاتها، في سبتمبر 2024، قيام الجماعة بشن هجومًا مسلحًا استهدف إحدى القرى في ولاية يوبي ما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 80 شخصًا، ردًا على مقتل 2 من عناصرها على يد حراس القرية. وينعكس تطور تهديد بوكو حرام كذلك في قدرتها على المبادرة بالهجوم على بعض القواعد العسكرية في نيجيريا، فعلى سبيل المثال في يناير 2025، سيطر عدد كبير من مسلحي الجماعة على قاعدة عسكرية في سابون جاري، بمنطقة دامبوا التابعة للحكومة المحلية في ولاية بورنو النيجيرية، مما أسفر عن مقتل العشرات من الجنود والمتطوعين، والاستيلاء على الأسلحة العسكرية الموجودة في القاعدة، رغم الدفاعات القوية لقواتها.
كما تستمر بوكو حرام في شن هجمات ذات طابع اقتصادي كاستهداف البنية التحتية بشكل متكرر، فعلى سبيل المثال، قام مسلحو الجماعة في فبراير 2024 بتدمير برجين لنقل الكهرباء في ولاية يوبي باستخدام عبوات ناسفة، وبعد تمكن الحكومة من إعادة تشغيلها مرة ثانية، كررت الجماعة الهجوم ذاته في سبتمبر الماضي ما أدى إلى إغراق سكان الولاية في الظلام.
ج. تعمل الجماعة على إعادة بناء قدراتها اللوجستية من خلال إمداد عناصرها بالمعدات والأسلحة عبر شبكات التهريب النشطة في منطقة الساحل الأفريقي، حيث أعلن الجيش النيجيري في نوفمبر 2024، نجاحه في اعتراض 6 درجات نارية وهواتف محمولة تم شراؤها في مدينة كانو، وكانت متجهة إلى جيوب الجماعة في مثلث تمبكتو، في قرية كوكاريتا. وفي السياق ذاته، أفادت بعض التقارير بأن قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات اعترضت في النيجر في فبراير العام الماضي شحنة أسلحة تضم 6 بنادق هجومية من طراز AK-47، و11 مخزنًا، و50 طلقة ذخيرة، قادمة من ليبيا عبر شبكات تهريب الأسلحة، وكانت متجهة إلى بوكو حرام في بحيرة تشاد. كما قالت القوات المُسلحة الكاميرونية في يناير 2025 أنها “صادرت مئات الأسلحة والمواد المستخدمة في صناعة المتفجرات والملابس القتالية في مدينة ماروا الواقعة أقصى شمال الكاميرون، والتي كانت تُهرب إلى مخابئ بوكو حرام في غابة سامبيسا في نيجيريا، وتشير المصادر الرسمية الكاميرونية إلى أن بعض هذه الأسلحة يتم تهريبها عبر ميناء دوالا البحري (الميناء الرئيسي في الكاميرون، ويعد من أهم الموانئ في منطقة غرب إفريقيا).
د. تمكنت بوكو حرام خلال عامي 2023 و2024 من استعادة العديد من الجزر الرئيسية في بحيرة تشاد والتي كانت قد خسرتها في السابق لصالح تنظيم داعش غرب أفريقيا؛ إذ نجحت في إحراز بعض الانتصارات في مواجهات القتال الميدانية التي وقعت بينها وبين داعش في غابة سامببيسا وشواطئ بحيرة تشاد. فعلى سبيل المثال: نفذ مقاتلو الجماعة في 23 و24 ديسمبر الماضي سلسلة من الهجمات المُنسقة ضد معاقل داعش في شمال ولاية بورنو النيجيرية، ما أدى إلى مقتل العشرات من مسلحي التنظيم الذين تخلوا عن معسكراتهم لتقع في قبضة بوكو حرام. كما تفيد بعض المصادر بأن عدد من العناصر التي كانت قد انشقت عن الجماعة في السابق عادت مجددًا لصفوفها.
ه. أفادت بعض التقارير بأن جماعة بوكو حرام تستخدم طائرات الاستطلاع بدون طيار بشكل متزايد مؤخرًا، كي يتسنى لها اختيار أهدافها بدقة، ودراسة مواقع هذه الأهداف وجمع المعلومات الاستخباراتية بخصوصها قبل شن الهجمات ضدها.
و. رغم أن المؤشرات سالفة الذكر تعكس حقيقة استمرار المخاطر المرتبطة بنشاط جماعة بوكو حرام، لاسيما في منطقة بحيرة تشاد، إلا أن حقيقة الأوضاع على الأرض قد تبدو أكثر خطورة، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن قادة الجماعة في الوقت الراهن يتّبعون نهج إخفاء الهجمات التي ينفذها عناصر بوكو حرام، ولا يتم الإعلان إلا عن عدد قليل منها، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء بعض العوامل: أولها، ربما ترغب الجماعة في ثني أنظار قوات الأمن قدر الإمكان عن جهودها في استعادة مقدراتها المادية والبشرية مُجددًا بعد النكسات التي لحقت بها على يد قوات الأمن وعناصر داعش غرب أفريقيا. وثانيها، يتكهن البعض بأن السبب وراء محاولة إخفاء الهجمات التي تنفذها بوكو حرام، هو عدم قدرتها في الوقت الراهن على شن هجمات ذات خسائر مادية وبشرية فادحة على غرار ما كان يحدث في السابق خلال فترة “أبو بكر شيكاو”. وثالثها، تشير بعض المصادر إلى أن جماعة بوكو حرام لا تمتلك في الوقت الراهن جهاز إعلامي قوي تستعرض من خلاله نشاطها، كما لا تحظى باهتمام وزخم إعلامي كبير من وسائل الإعلام المُختلفة على النحو الذي تحظى به الجماعات الإرهابية الأخرى النشطة في منطقة الساحل وفي مقدمتها أفرع تنظيم داعش.
تداعيات محتملة
ينطوي الهجوم على القصر الرئاسي التشادي، مضافًا إليه مؤشّرات تنامي مخاطر وتهديدات جماعة بوكو حرام على جملة من التداعيات السلبية على المشهد الأمني في تشاد وفي منطقة الساحل الأفريقي بشكل عام، أبرزها مما يلي:
• استعادة عناصر بوكو حرام المنشقين: أدى تدهور وضع الجماعة بعد مقتل زعيمها أبو بكر شيكاو، إلى استسلام الآلاف من مقاتليها خلال الفترة (2021 – 2023) للسلطات في نيجيريا والكاميرون. ومع عودة الجماعة لاستعادة بعض قوتها وشن هجمات مؤثرة، قد تجد بعض العناصر المنشقّة نفسها مدفوعة للانضمام مجددًا إلى صفوفها، خاصة أن بعضهم قد عبّر عن شعوره بتحسن وضعه تحت حكم الجماعة مقارنة بالمناطق الخاضعة للسلطات الحكومية.
• زيادة حدّة التنافس مع داعش غرب أفريقيا: ربما يؤدّي هجوم جماعة بوكو حرام على القصر الرئاسي في تشاد – حال ثبوت ضلوعها في تنفيذه – إلى تحفير تنظيم داعش في غرب أفريقيا على تمديد نشاطه عبر الحدود النيجيرية إلى الداخل التشادي في إطار التنافس والصراع المحتدم بين التنظيمين والذي استمرت جولاته دون انقطاع خلال العام الماضي. ويعزز من احتمالية وقوع هذا السيناريو قيام ولاية داعش غرب أفريقيا خلال الأشهر القليلة الفائتة بتكثيف تحركاتها الميدانية الرامية إلى قضم المزيد من نفوذ جماعة بوكو حرام، لا سيما في مناطق تواجد الأخيرة بالمقاطعات الشمالية في الداخل النيجيري، وكذا في المناطق الحدودية المحاذية لأقصى شمال الكاميرون، وأقصى جنوب شرق النيجر.
ورغم أن بعض التكهنات ترى في جولات الصراع والتنافس المحموم بين التنظيمات الإرهابية، نافذة فرصة لصالح قوات الأمن، كونها تُفضي في النهاية إلى “أكل التنظيمات لبعضها البعض”، غير أنه لا يمكن الجزم بتحقق تلك الفرضية في كل الأحوال، فأحيانًا هذا التنافس لا يؤدي إلى استنزافها، بل يؤدي إلى توسيع نشاط كل تنظيم لإثبات تفوقه على الآخر. وفي حالة القتال الدائر حاليًا بين بوكو حرام وداعش غرب أفريقيا على الصعيدين الميداني والإيديولوجي، نجد أنه تسبب بالفعل في مقتل المئات من صفوف التنظيمين، غير أنه من زاوية أخرى كان دافعًا لتعزيز نفوذهما في منطقة الساحل الأفريقي وليس تطويقه، ذلك لأن هذا التنافس لم تقتصر أبعاده فقط على المواجهات والاشتباكات المسلحة، وتصفية عناصر وقادة الطرفين، بل اشتملت كذلك على مساعي كل طرف للوصول إلى نطاقات جغرافية جديدة لإثبات التفوق الميداني على الطرف الآخر.
• التأثير سلبًا على جهود مُكافحة الإرهاب في المنطقة: ربما يدفع هجوم القصر الرئاسي في تشاد، السلطات التشادية على الانسحاب من قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات الموجودة في منطقة بحيرة تشاد (تتكون من 11 ألف جندي من نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد يضطلعون بمهمة محاربة بوكو حرام)؛ إذ سبق وأن هدّد الرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي، في 4 نوفمبر 2024 بالانسحاب من القوة، بعدما اتهمها بالافتقار إلى التعاون والفشل في منع هجوم جماعة بوكو حرام على معسكر للجيش التشادي في أكتوبر الماضي. ومن شأن تحقق هذا السيناريو مُفاقمة تهديد جماعة بوكو حرام، والجماعات الإرهابية في منطقة الساحل بشكل عام، ذلك لأن التصدي لهذا التهديد – العابر للحدود – يحتاج إلى تنسيق وتعاون أمني على كافة المستويات بين دول المنطقة لتطويقه ودحره.
ختامًا، يمكن القول إن الهجوم الأخير على القصر الرئاسي التشادي في 8 يناير 2025 يُعد مؤشرًا واضحًا على تصاعد التهديدات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي، لا سيما في ظل استمرار نشاط جماعة بوكو حرام وتوسع رقعة عملياتها عبر الحدود إلى دول الجوار النيجيري، بجانب تفاقم التهديدات الأخرى المرتبطة بنشاط أفرع تنظيم داعش الموجودة بالمنطقة فضلًا عن استمرار حالة التنافس بين التنظيمات الجهادية للسيطرة وتوسيع مساحات النفوذ على الساحة الجهادية الأفريقية.