يشهد العالم تحولًا ملحوظًا نحو مصادر الطاقة النظيفة، معززةً بجهود دولية للحد من الانبعاثات الكربونية وتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ. تلعب المعادن دورًا حاسمًا في هذا التحول، حيث تُستخدم في تصنيع تقنيات الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية، توربينات الرياح، والمركبات الكهربائية وتقنيات تخزين الطاقة وأجهزة التحليل الكهربي. ومع ذلك، فإن الطلب المتزايد على هذه المعادن يثير تحديات جديدة تتعلق بالأمن المعدني والاستدامة البيئية والاجتماعية.
من المتوقع أن ينمو الطلب على هذه المعادن بسرعة مع تسارع وتيرة التحول في مجال الطاقة النظيفة. إن نظام الطاقة الذي يعمل بتقنيات الطاقة النظيفة يختلف اختلافًا كبيرًا عن النظام الذي يعمل بالوقود الأحفوري. وتختلف أنواع الموارد المعدنية المستخدمة باختلاف التكنولوجيا. فالليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز والجرافيت تشكل أهمية بالغة لأداء البطاريات وطول عمرها وكثافة الطاقة بها. كما تشكل العناصر الأرضية النادرة أهمية بالغة في تصنيع المغناطيسات الدائمة التي تشكل أهمية حيوية لتوربينات الرياح ومحركات السيارات الكهربائية. ويعتبر السيلكون المادة الأساسية في تصنيع الخلايا الشمسية، أما اليورانيوم والزركونيوم فمن المكونات الأساسية في المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء. وتحتاج شبكات الكهرباء إلى كميات هائلة من النحاس والألمنيوم، حيث يشكل النحاس حجر الأساس لجميع الأنظمة المتعلقة بالكهرباء.
الإنتاج العالمي للمعادن
يتركز إنتاج العديد من المعادن في عدد محدود من الدول، ووفقًا لآخر بيانات الوكالة الدولية للطاقة IEA، بالنسبة لليثيوم والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة، تسيطر دول ثلاث منتجة على أكثر من ثلاثة أرباع الإنتاج العالمي. وفي بعض الحالات، تكون دولة واحدة مسئولة عن حوالي نصف الإنتاج العالمي. وتتحمل جنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية مسئولية حوالي 70% من الإنتاج العالمي من البلاتين والكوبالت على التوالي، وتمثل الصين أكثر من 60% من إنتاج العناصر الأرضية النادرة في عام 2019، (وإن كان ذلك بلغ أكثر من 80% في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين).
جدول 1: إنتاج المعادن عالميا عام 2020 وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة (IEA)
% للإنتاج | الدول الرئيسية المنتجة | الإنتاج العالمي 2020 | المعدن |
80% | أستراليا، تشيلي، الصين | 0.5 مليون طن مكافئ كربونات الليثيوم | الليثيوم |
75% | الكونغو، روسيا، الصين | 150 ألف طن | الكوبالت |
50% | إندونيسيا، الفلبين، روسيا | 2.5 مليون طن | النيكل |
70% | الصين، الهند، البرازيل | 1.1 مليون طن | الجرافيت |
90% | الصين، ميانمار، الولايات المتحدة | 240 ألف طن | العناصر الأرضية النادرة |
50% | تشيلي، بيرو، الصين | 20.8 مليون طن | النحاس |
75% | جنوب أفريقيا، أستراليا، الصين | 20 مليون طن | المنغنيز |
70% | الصين، روسيا، النرويج | 8 ملايين طن | السيليكون |
50% | الصين، أستراليا، بيرو | 13 مليون طن | الزنك |
توقعات الطلب العالمي على المعادن
التحول إلى نظام الطاقة النظيفة يتطلب زيادة هائلة في الطلب علي المعادن؛ مما يعني أن قطاع الطاقة يبرز كقوة رئيسية في أسواق المعادن. وحتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان قطاع الطاقة يمثل جزءًا صغيرًا من الطلب الإجمالي لمعظم المعادن. ومع ذلك، ومع تسارع وتيرة التحول في مجال الطاقة، أصبحت تقنيات الطاقة النظيفة أسرع شريحة نموًا في الطلب. ووفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة فتشير التقديرات مضاعفة الطلب علي المعادن اللازمة لتقنيات الطاقة النظيفة أربع مرات بحلول عام 2040. وسوف يتطلب التحول الأسرع للوصول إلى صافي الصفر الكربوني عالميًا بحلول عام 2050، ستة أضعاف المدخلات المعدنية في عام 2040 مقارنة بما هو عليه الآن. وترتفع حصتها من الطلب الإجمالي بشكل كبير على مدى العقدين المقبلين.
وفقًا لسيناريوهات العمل المناخي المختلفة، يشكل الطلب على المعادن للاستخدام في المركبات الكهربائية وتخزين الطاقة بالبطاريات قوة رئيسية، حيث ينمو بما لا يقل عن ثلاثين مرة بحلول عام 2040. ويشهد الليثيوم أسرع نموًا، حيث ينمو الطلب بأكثر من 40 مرة بحلول عام 2040، يليه الطلب علي الجرافيت والكوبالت والنيكل (حوالي 20-25 مرة). كما أن التوسع في شبكات الكهرباء يعني أن الطلب على النحاس لخطوط الشبكة يتضاعف بأكثر من الضعف خلال الفترة نفسها، حيث تشكل شبكات الكهرباء قوة دافعة رئيسية أخرى، فهي تمثل 70% من الطلب على المعادن اليوم من تقنيات الطاقة. ومع ذلك تعتبر المركبات الكهربائية والتخزين الأبرز في النمو السريع.
جدول 2: توقعات الطلب على المعادن حتى عام 2040 وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة (IEA)
الاستخدامات الرئيسية | زيادة الطلب بحلول 2040 | المعدن |
بطاريات السيارات الكهربائية وأنظمة تخزين الطاقة | أكثر من 40 ضعف | الليثيوم |
بطاريات الليثيوم أيون | 20-25 ضعف | الكوبالت |
بطاريات السيارات الكهربائية، تخزين الطاقة، والسبائك | 20 ضعف | النيكل |
أقطاب البطاريات في خلايا الليثيوم-أيون | 25 ضعف | الجرافيت |
المغناطيسات الدائمة لتوربينات الرياح والمحركات الكهربائية | 3-7 أضعاف | العناصر الأرضية النادرة |
الكابلات الكهربائية والمكونات الكهربائية الأخرى | أكثر من الضعف | النحاس |
البطاريات وتقنيات تخزين الطاقة | 8 أضعاف | المنجنيز |
تصنيع الألواح الشمسية والخلايا الضوئية | 25 ضعف | السيليكون |
تقنيات تخزين الطاقة وحماية المكونات المعدنية | زيادة كبيرة | الزنك |
شكل 1: المعادن المستخدمة في تقنيات الطاقة وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة IEA
تأمين سلاسل التوريد العالمية
التحول في مجال الطاقة سوف يتطلب إمدادًا آمنًا وفيرًا وبأسعار معقولة من المعادن الأساسية. وضمان ذلك من شأنه أيضًا أن يساعد في بناء القدرة على الصمود مع تحول الطاقة. في مع توقعات زيادة الطلب العالمي على المعادن الحيوية اللازمة لانتقال الطاقة، رُصدت حوالي 200 سياسة ولائحة في جميع أنحاء العالم تهدف إلى ضمان الإمدادات المعدنية الكافية والمستدامة. وتشمل هذه القوانين قانون المواد الخام الحرجة للاتحاد الأوروبي، وقانون خفض التضخم في الولايات المتحدة، واستراتيجية المعادن الحرجة في أستراليا، واستراتيجية المعادن الحرجة في كندا. بالإضافة إلى تقليل القيود المفروضة على العرض فيما يتصل بالمعادن الحيوية. وارتفع الإنفاق على المعادن الحيوية بين الشركات الخاصة أيضًا، حيث سجلت الشركات المتخصصة في تطوير الليثيوم على سبيل المثال زيادة في الإنفاق بنسبة 50%.
ووفقًا للتقرير فإن هناك عددًا من الدول التي تلعب دورًا محوريًا في جميع مراحل سلاسل التوريد للمعادن، كما أن الانتقال إلى نظام الطاقة النظيفة يجلب أنماطًا جديدة لتجارة الطاقة. ويشير الشكل التالي إلى سلاسل التوريد الإرشادية للنفط والغاز وتقنيات الطاقة النظيفة.
شكل 2: سلاسل التوريد الإرشادية للنفط والغاز وتقنيات الطاقة النظيفة
التحول السريع لتقنيات الطاقة النظيفة معتمد بشكل رئيسي على إنتاج وتأمين إمدادات المعادن، وتعد تقنيات طاقة الرياح أول تقنية من حيث كثافة المعادن تليها تقنيات الطاقة الشمسية الفوتوفلطية خاصة مع الإضافات المتزايدة من القدرات المركبة سنويًا. ولا تقدم الطاقة الكهرومائية والكتلة الحيوية والطاقة النووية سوى إسهامات طفيفة بالنظر إلى متطلباتها المعدنية المنخفضة نسبًيا وإضافاتها المتواضعة في القدرات المركبة.
كما أن النمو السريع لاستخدام الهيدروجين في منطقة جنوب شرق آسيا يدعم النمو الكبير في الطلب على النيكل والزركونيوم لاستخدامهما في أجهزة التحليل الكهربائي، وعلى النحاس والبلاتين لاستخدامها في المركبات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود. وعلى الرغم من الارتفاع السريع في المركبات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود والانحدار في محولات السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل، فإن الطلب على البلاتين في السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي يظل أعلى من الطلب على المركبات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود في منطقة جنوب شرق آسيا بحلول عام 2040.
ومع توجه دول الخليج العربي نحو الطاقات النظيفة والهيدروجين الأخضر. من المتوقع أن ينمو الطلب على المعادن في تقنيات تخزين الطاقة في منطقة الخليج بأكثر من 30 مرة بين عامي 2020 و2040 مع نمو الطلب على النيكل والمنجنيز والكوبالت.
جدول 3: القدرات المضافة من الطاقات المتجددة لأكبر 10 دول عالميًا وأعلى 3 دول في أفريقيا
خلال عام 2024 (بالجيجاوات)
حصة المركبات الكهربائية (%) | تخزين الطاقة | الطاقة النووية | طاقة الرياح | الطاقة الشمسية | الدولة |
35% | 10 | 6 | 50 | 70 | الصين |
25% | 8 | 4 | 30 | 50 | الولايات المتحدة |
20% | 6 | 3 | 25 | 40 | الهند |
45% | 5 | 7 | 15 | 20 | ألمانيا |
10% | 4 | 2 | 12 | 18 | البرازيل |
30% | 3 | 1.5 | 10 | 15 | اليابان |
40% | 2.5 | 1 | 8 | 10 | المملكة المتحدة |
38% | 2 | 5 | 6 | 8 | فرنسا |
28% | 1.5 | 1.2 | 5 | 7 | إسبانيا |
22% | 1 | 0.8 | 4 | 5 | كوريا الجنوبية |
5% | 1 | 1.5 | 3 | 4 | جنوب أفريقيا |
3% | – | – | 2.5 | 3 | مصر |
2% | 0.5 | – | 2 | 2.5 | المغرب |
أسعار المعادن تحدٍ أمام تكلفة البطاريات
نظرًا لأهمية تكاليف المواد في إجمالي تكاليف البطاريات، فإن ارتفاع أسعار المعادن قد يكون له تأثير كبير في تحقيق أهداف تكاليف الصناعة. حيث تمثل تكلفة المعادن حوالي 50%-70% من تكاليف إنتاج البطارية. وانخفضت التكلفة المتوسطة لبطاريات الليثيوم أيون بشكل كبير على مدى العقد الماضي، حيث وصلت إلى 137 دولار أمريكي لكل كيلووات/ ساعة في عام 2020. وهناك حاجة إلى مزيد من التخفيضات في التكلفة حتى تتمكن المركبات الكهربائية من تحقيق هدفها للوصول إلى 125 دولار أمريكي لكل كيلووات/ساعة حتى تنافس المركبات ذات محرك الاحتراق الداخلي. والوصول إلى 100 دولار أمريكي لكل كيلووات/ساعة بحلول عام 2030. وعليه تعمل العديد من شركات صناعة السيارات على زيادة إنتاج البطاريات لتحقيق المزيد من خفض التكاليف.
وفقًا لتوقعات الوكالة الدولية للطاقة فإن عدم كفاية إمدادات المعادن قد يؤدي إلى تكاليف أعلى أو تأخير أو انخفاض في كفاءة عمليات التحول إلى الطاقة النظيفة. ونظرًا للحاجة الملحة إلى الحد من الانبعاثات، فإن هذا الاحتمال لا يستطيع العالم أن يتحمله.
وأخيرًا، في عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة، تفرض المعادن الحيوية تحديات جديدة على أمن الطاقة. وتشكل المعادن أهمية محورية في كافة التقنيات المرتبطة بالطاقات النظيفة سواء لإنتاج الطاقة أو لتخزينها. ومع الهيمنة العالمية للصين على المعادن الحيوية تدفع الدول الإقليمية لتأمين سلاسل الإمداد وتعزيز شراكاتها مع دول منتجة مثل أستراليا وأمريكا الجنوبية. وبالنسبة لمصر ودول الشرق الأوسط فإن التحول نحو الطاقة النظيفة يُمثل فرصة كبرى للعب دور عالمي في تأمين سلاسل الإمداد وتطوير تقنيات الطاقة المستدامة. ومع ذلك، النجاح في هذا التحول يعتمد على الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز القدرة المحلية في التعدين والتصنيع، واستغلال الموارد المعدنية في المنطقة، إلى جانب بناء قدرات تصنيع تقنيات الطاقة لتقليل الاعتماد على الواردات وتحقيق استقلالية الطاقة، بجانب التكيف مع التغيرات العالمية في الطلب على الموارد والمعادن الحيوية.