أعلن رئيس الوزراء الباكستاني السابق، ومؤسس حزب “حركة إنصاف”، “عمران خان”، في فبراير الماضي، عن قيام حزبه، بالتعاون مع جميع أحزاب المعارضة، بصياغة استراتيجية وإطلاق حركة احتجاجية على مستوى البلاد، بعد شهر رمضان المبارك، من أجل استعادة الديمقراطية والدستور ومن أجل حرية المواطنين الباكستانيين وسيادتهم الحقيقية.
تأتي هذه الدعوة في سياق حالة الاستقطاب السياسي المحتدم ما بين الحكومة الباكستانية بقيادة حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية -جناح نواز-“، وحزب “حركة إنصاف” المعارض، الذي دأب خلال الأسابيع الماضية على توحيد صف المعارضة وتشكيل تحالفات سياسية مناهضة للحكومة؛ الأمر الذي يستدعي ضرورة البحث في كيفية تطور هذا الاستقطاب وما يحمله من تأثيرات تضفي المزيد من التعقيد إلى وضع عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني الراهن في باكستان.
حراك متجدد
تشكل دعوة الاحتجاج الأخيرة الحلقة الأحدث في سلسلة المواجهات ما بين “عمران خان” وأنصاره والحكومة الباكستانية، والتي تعود بدايتها إلى أبريل 2022 حين اُنتخب “شهباز شريف” رئيسًا للوزراء خلفًا لـ “عمران خان” الذي تمت الإطاحة به بعد تصويت البرلمان الباكستاني على حجب الثقة عن حكومته. وقد أسفر هذا الحدث عن تتابع مسيرات أنصار حزب “حركة إنصاف” بقيادة زعيمهم، للمُطالبة بحل الحكومة الجديدة والمضي نحو إجراء انتخابات تشريعية مبكرة قبل موعدها المُحدد في أكتوبر 2023.
اتخذت المواجهات أبعادًا أكثر حدة مع تتابع توجيه القضاء الباكستاني لعشرات الاتهامات، تزيد عن المئة اتهام، والتي تراوحت ما بين الفساد وتلقي حزب “خان” تمويل خارجي غير شرعي، واتهامه ببيع بعض الهدايا التي أُهديت إليه وهو في منصب رئيس الوزراء، واتهامه أيضًا بالإرهاب والتحريض على القتل، فضلًا عن تسريب وثائق حكومية سرية. وقد وصلت هذه المواجهات إلى ذروتها في مايو 2023، حينما اعتقلت الشرطة “عمران خان” بتهمة الفساد خلال مثوله أمام المحكمة العليا في “إسلام آباد”؛ الأمر الذي استتبعه خروج أنصاره بأعداد كبيرة إلى الشوارع في مختلف أنحاء البلاد.
وللمرة الأولى في تاريخ باكستان، حدثت مواجهات بين أنصار “عمران خان” وقوات الأمن؛ حيث أقدم بعض المتظاهرين على إحراق سيارات الشرطة ومهاجمة الممتلكات والمنشآت العسكرية في عدة مدن، بما في ذلك مقر إقامة قائد فيلق الجيش في لاهور، وذلك في ضوء زعم “خان” أن هذه القضايا ما هي إلا مؤامرة سياسية أُحيكت بالتوافق بين الحكومة والمؤسسة العسكرية؛ بهدف منعه من العودة إلى السلطة. ومنذ ذلك الحين، تتابعت الصدامات والاتهامات القضائية الموجهة إلى “خان” والتي أحالت دون ترشحه بالانتخابات التشريعية الأخيرة المنعقدة في فبراير 2024.
ومع ذلك، فقد حملت هذه الانتخابات مفاجأة تمثلت في أنه على خلاف التوقعات التي راهنت على الفوز الحاسم لحزب “الرابطة الإسلامية الباكستاني -جناح نواز-“، حصل المستقلون المدعومون من حزب “حركة إنصاف” على أكبر عدد من الأصوات، بما مكنهم من الحصول على 93 مقعدًا بالجمعية الوطنية، وذلك برغم محاولات التضييق التي تعرض لها مرشحو الحزب.
وفي يوليو 2024، أعلن وزير الإعلام الباكستاني “عطا الله تارار” عن تحرك الحكومة نحو حظر حزب “حركة إنصاف”، نتيجة إسهامه في التحريض على الاحتجاجات العنيفة في العام الماضي، وقيام زعماء الحزب بتسريب معلومات سرية فضلًا عن حصولهم على أموال أجنبية من مصادر غير قانونية. وقد جاء هذا الإعلان بعد أيام من قرار المحكمة العُليا بشأن تمتع حزب “حركة إنصاف” بجميع الحقوق الدستورية والقانونية لأي حزب سياسي، ومن ثَمّ أحقيته في الحصول على 23 مقعدًا من المقاعد غير المنتخبة المخصصة للنساء والأقليات، والتي جرى توزيعها سابقًا على الأحزاب الأخرى، والتي يتبع أغلبها للائتلاف الحاكم.
اكتسبت التظاهرات الاحتجاجية في باكستان زخمًا جديدًا بعد إقرار الحكومة التعديل الدستوري السادس والعشرين في أواخر أكتوبر 2024، والذي من شأنه، بحسب العديد من الخبراء والحقوقيين، الحد من استقلال القضاء، الذي بات يُنظر إليه بأنه متعاطف مع “خان”، وذلك في ضوء قرارات المحكمة العليا السابق الإشارة إليها، علاوة على إلغاء محاكم الاستئناف إدانة “خان” ببعض القضايا.
وذلك وصولًا إلى الرابع والعشرين من نوفمبر 2024، إذ شهدت باكستان مسيرات حاشدة من أقاليم مختلفة نحو العاصمة “إسلام آباد”، بمشاركة عشرات الآلاف من أنصار “خان”، وذلك تلبية لدعوة “النداء الأخير“، التي أطلقها “خان” من محبسه، طالبوا فيها بالإفراج عن زعيمهم وسجناء سياسيين آخرين، بالإضافة إلى إلغاء التعديل الدستوري السادس والعشرين. كما طالب المتظاهرون بإعادة “تفويضهم المسروق”، إذ يزعم أعضاء الحزب فوز مرشحيهم بنحو 180 مقعدًا من أصل 266 مقعدًا خلال انتخابات الجمعية الوطنية الأخيرة.
ومع ذلك، بحلول يوم 27 نوفمبر، أعلن الحزب عن تعليق الاحتجاج، نتيجة لما وصفه بـ”وحشية الحكومة”، مؤكدًا في الوقت نفسه على أن “الحراك لم ينته”. ولاحقًا، هدد “عمران خان” بإطلاق حركة عصيان مدني ودفع باكستاني الخارج نحو وقف إرسال تحويلاتهم المالية إلى البلاد، وذلك في حال عدم تنفيذ الحكومة لمطلبين أساسيين وهما تشكيل لجنة برئاسة كبار قضاة المحكمة العليا لإجراء تحقيق مستقل في أحداث 9 مايو 2023 و26 نوفمبر 2024، بجانب إطلاق سراح السجناء السياسيين المسجونين ظلمًا. كما أعلن أيضًا عن تشكيل لجنة برئاسة “عمر أيوب” القيادي البارز بالحزب، وزعيم المعارضة بالجمعية الوطنية، للتفاوض مع الحكومة بشأن هذه المطالب.
وعلى الرغم من الرفض الحكومي المشاركة في البداية بهذه المفاوضات، انعقد الاجتماع الأول بين اللجان التي تمثل الحكومة وحزب “حركة إنصاف” يوم 23 ديسمبر، والتي جرى خلالها بحث سبل ترتيب الحكومة لاجتماع لجنة مفاوضات حزب “حركة إنصاف” مع مؤسس الحزب في محبسه، علاوة على تأكيد اللجنة على المطلبين الذين طرحهما “خان” من قبل، مضيفين إلى ذلك مطلب إطلاق سراح “خان” من السجن. ومع ذلك، بحلول الرابع والعشرين من يناير، أعلن حزب “حركة إنصاف” عن قرار “خان” إلغاء المفاوضات نتيجة لعدم تعاون الحكومة وتأخرها في تشكيل اللجان القضائية. من جانبها، أعلنت الحكومة لاحقًا عن إنهائها عملية الحوار مع المعارضة نتيجة لانسحاب حركة إنصاف من جانب واحد، مشيرة في الوقت نفسه عدم رفضها بشكل قاطع طلب تشكيل اللجنة القضائية، وإنما قد تكون اللجنة البرلمانية هي الإطار الأنسب لمثل هذه المناقشات.
وعقب انهيار المحادثات، اتجه قادة “حركة إنصاف” نحو إجراء محادثات مع باقي أحزاب المعارضة بهدف توحيد الجهود المناهضة للحكومة. وبالفعل، انعقد في أواخر فبراير الماضي مؤتمر تحالف المعارضة، الذي ضم أحزاب المعارضة الباكستانية الرئيسية، وانتهى بإجماع هذه الأحزاب على أن حل مشاكل البلاد يكمن في سيادة الدستور والقانون. كما اتفقوا على أن الانتخابات التي أُجريت في 8 فبراير 2024 هي المسئولة عن الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة في البلاد. وطالب المشاركون أيضًا بإلغاء التعديلات التي يرون تعارضها مع الدستور، بما في ذلك التعديل السادس والعشرين. واقترحوا ضرورة توقف الحكومة عن انتهاك الدستور وحقوق الإنسان.
فيما يمثل الاختراق الأكبر في جهود توحيد الصفوف في نجاح المحادثات التي أجراها قادة حزب “حركة إنصاف” مع الخصم السابق، زعيم حزب “جمعية علماء الإسلام”، “مولانا فضل الرحمن”، والذي يتمتع بشعبية ونفوذ سياسي، بما قد يسهم في زيادة الضغط الشعبي على الحكومة الباكستانية، التي لم تنجح جهودها في ضم “فضل الرحمن” إلى صفوفها. ففي منتصف مارس 2025، أعلن “فضل الرحمن” عن خطط لإطلاق حملة احتجاج وطنية، إلى جانب حزب “حركة الإنصاف”، ضد الحكومة بعد عيد الفطر، مشيرًا إلى افتقار رئيس الوزراء “شهباز شريف”، والرئيس “آصف علي زرداري”، ووزير الداخلية “محسن نقفي”، إلى المصداقية الانتخابية وأنهم ليسوا ممثلين حقيقيين للشعب.
تداعيات الاستقطاب الراهن
يعكس استمرار المشهد الاحتجاجي والحراك السياسي المنبثق عنه حدة الاستقطاب الراهن في الحياة السياسية الباكستانية، والذي أسفر بدوره عن مجموعة من التداعيات، وذلك على النحو التالي:
أولًا: اتساع الفجوة بين الحكومة الباكستانية وأنصار “خان”: يكشف الحراك الاحتجاجي في باكستان عن مدى الشعبية التي يتمتع بها “عمران خان” ما بين المواطنين الباكستانيين؛ إذ ينظر قطاع واسع منهم إلى “خان” باعتباره الأخ أو الأب، والذي شكلت لحظة اعتقاله صدمة كبيرة بالنسبة إليهم، بما يفسر استمرار استجابة الآلاف منهم لدعوات التظاهر المتكررة منذ مايو 2023 المُطالبة بالإفراج الفوري عنه، وذلك رغم التضييق الحكومي والاعتقالات الأمنية للمتظاهرين.
وقد أدى الارتباط المتزايد ما بين “خان” ومناصريه إلى اتساع الفجوة بين المعارضة والمؤسسات الحكومية والأمنية الباكستانية، إذ انتقل التعاطي الحكومي مع المعارضة من مرحلة التنافس السياسي إلى مرحلة العداء والمواجهة، وهو ما تجلى بشكل أكثر وضوحًا خلال احتجاجات مايو 2023، ونوفمبر 2024.
ثانيًا: تفاقم الانفصال بين المؤسسة العسكرية و”عمران خان”: أدت أعمال العنف من جانب المتظاهرين في مايو 2023 ضد المنشآت العسكرية، والتي تمثل محركها الرئيسي في زعم “خان” مسئولية الجيش عن إسقاط حكومته، إلى اتساع الخلاف ما بين الجيش وحزب “حركة إنصاف”؛ إذ اعتبر المتحدث باسم الجيش اللواء “أحمد الشريف” “حركة إنصاف” بأنها مجموعة فوضوية لا يمكن إجراء مفاوضات معها، وأن الطريقة الوحيدة للمضي قدمًا هي أن تتقدم هذه المجموعة باعتذارٍ وتتعهد بترك سياسة الكراهية والمشاركة في السياسة البناءة.
لطالما جرى التأكيد على مركزية دور المؤسسة العسكرية في دعم الحكومات المتعاقبة في باكستان؛ إذ رُوج أن وصول “عمران خان” عام 2018 إلى السلطة قد تحقق بدعم من الجيش، بينما يؤكد أنصار “خان” في المقابل على محورية الدعم المقدم من جانب المؤسسة إلى حكومة “شهباز شريف”. وفي ضوء هذه الأهمية، أعلن “عمران خان” أكثر من مرة عن استعداده للحوار والتعامل مع قيادة الجيش. ومع ذلك، أكدت مصادر عسكرية رفيعة المستوى إلى صحيفة “الجارديان” بأن الجيش الباكستاني لا ينوي الدخول في مفاوضات أو إبرام صفقة مع “عمران خان”.
ثالثًا: تساؤلات بشأن استمرار قدرة “حركة إنصاف” على حشد الجماهير: تشكل القدرة على حشد الجماهير ميزة نسبية لصالح حزب “حركة إنصاف” في مواجهة الحكومة الباكستانية. ومع ذلك، أثارت تظاهرات “النداء الأخير” في نوفمبر 2024، علامات استفهام بشأن احتمالات استمرار امتلاك الحزب لهذه الميزة. ففي حين يتمتع الحزب بالقدرة على حشد جماهير إقليم “خيبر بختونخوا”، الذين شكلوا مرتكزًا أساسيًا خلال حراك “النداء الأخير، لم تتمكن الحركة من حشد دعم مماثل من باقي الأقاليم الباكستانية؛ الأمر الذي يثير المخاوف بشأن قدرة الحزب على حشد الجماهير خارج معقله الراهن في “خيبر بختونخوا”.
على صعيد متصل، وجهت تظاهرات نوفمبر 2024 ضربة لمصداقية قادة “حركة إنصاف”؛ إذ سادت توقعات عالية بين الجماهير الموالين للحزب حيال التحركات التي يتعين على هؤلاء القادة القيام بها خلال الحراك، باعتباره “النداء الأخير”؛ حيث توقع المشاركون وجود خطط واضحة للتحرك، وخطط بديلة من شأنها ضمان بقاء الحراك الاحتجاجي نشطًا في العاصمة إلى حين تلبية مطالبهم. ولكن، وجد أنصار الحزب أنفسهم فجأة دون قيادة أو خطة واضحة في مواجهة الأمن الباكستاني. ومع بدء الاشتباكات مع قوات الأمن، أشار المحتجون إلى شعورهم بالغضب من جرّاء تخلي القادة عنهم وتركهم تائهين وغير قادرين على الاستجابة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يواجه فيها المتظاهرون أزمة غياب القيادة. فخلال احتجاجات “دي تشوك” التي اندلعت في الأسبوع الأول من أكتوبر 2024، أثار غياب زعماء الحزب عن الاحتجاجات حفيظة العديد من الشباب المنتمين للحزب، والذين يعتقدون أن الاحتجاجات هي الخيار الوحيد لتأمين حرية زعيمهم.
وبناءً عليه، فمن المحتمل أن يكون لأزمة التراجع النسبي في قدرة الحزب على الحشد دافع، من ضمن دوافع أخرى، في اتجاهه نحو توطيد تحالفه مع أحزاب المعارضة الرئيسية، لا سيما مع حزب “جماعة علماء الإسلام”، لضمان توسيع نطاق الحشد الشعبي المرجو لإنجاح الحراك الاحتجاجي.
رابعًا: تراجع مستوى التنسيق داخل حزب “حركة إنصاف”: أظهرت التفاعلات المرتبطة بالمشهد الاحتجاجي تراجع مستوى التنسيق بين قيادات الحزب، بل وأثارت تساؤلات بشأن مستقبل التماسك الداخلي للحزب، وذلك في ضوء تباين وجهات النظر بين أولئك الذين يفضلون الاستمرار في التعامل مع الحكومة من منطلق أن حلول المشاكل السياسية ينبغي التوصل إليها من خلال الوسائل السياسية، وذلك في مقابل عناصر أخرى، ناقدة لهذا النهج الذي تصفه بـ “الاستسلام”.
قبيل إطلاق دعوة “النداء الأخير”، وخلال عملية التصويت على التعديل السادس والعشرين، كان من الملفت تصويت أعضاء من الحزب بالجمعية الوطنية لصالح التعديل؛ الأمر الذي شكل خروجًا واضحًا من جانبهم عن سياسة الحزب. وقد بررت بعض قيادات “حركة إنصاف” هذا التصرف بأنه نتيجة عدم تمكن هؤلاء الأعضاء من مقاومة الضغوط التي مورست عليهم من جانب الائتلاف الحاكم، ولكن ذلك لا يبرر موقفهم الداعم للحكومة ويفرض إقصاءهم عن الحزب.
لا يقتصر الأمر عند اختلاف وجهات النظر داخل الحزب، وإنما تقع الإشكالية الأكبر فيما يُروج بشأن وجود صراع على السلطة داخل الحزب أدى إلى تشكُّل مركزين للقوة، تتزعم السيدة “بشرى بيبي” زوجة “عمران خان” إحداها، في مواجهة شقيقته “عليمة خان”. ومع ذلك، تشير التطورات اللاحقة لاحتجاجات “النداء الأخير” إلى استمرار قناعة أعضاء الحزب بمركزية زعيمهم “عمران خان” في عملية اتخاذ القرار الداخلي.
خامسًا: مستقبل حكومة “شهباز شريف”: ينصرف جزء من تداعيات المشهد الراهن إلى الحكومة الباكستانية الراهنة؛ حيث أظهرت الاحتجاجات المستمرة انتفاء قدرتها على معالجة حالة عدم الاستقرار السياسي، لا سيما في ضوء الاتهامات المتزايدة بتحول اهتمام الحكومة نحو التركيز على كيفية القضاء على حزب “حركة إنصاف”، بدلًا من إيلاء الاهتمام بالقضايا الأكثر أهمية ذات الصلة بحياة المواطنين اليومية؛ الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن مدى قدرة هذه الحكومة على الاستمرار في ضوء ما تواجهه من تحديات معقدة على كافة الأصعدة، وذلك، مع الأخذ في الاعتبار، بعدم تمكن أي رئيس وزراء في باكستان حتى الآن من الاحتفاظ بمنصبه حتى نهاية ولايته.
بشكل عام، تقوض الاحتجاجات المستمرة وارتفاع حدة الاستقطاب السياسي داخل البلاد من قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات اقتصادية لا تحظى بتأييد شعبي، ولكنها ضرورية لإصلاح الوضع الاقتصادي الداخلي المتردي بالفعل. ويزيد من تعقيد الموقف حالة الخلاف الراهنة داخل الائتلاف الحاكم ما بين حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية -جناح نواز-“ وحزب “الشعب الباكستاني” حول الحكم وخطط التنمية، وشعور قادة “الشعب الباكستاني” بالإحباط من عدم التشاور بشأن القضايا الوطنية المهمة.
كما سلط الحادث الإرهابي الأخير في إقليم “بلوشستان”، حين اختطفت جماعة “جيش تحرير بلوشستان” الانفصالية يوم الحادي عشر من مارس 2025 قطار “جعفر إكسبريس”، الضوء حول حجم التهديد الأمني الذي ينبغي على البلاد مواجهته، خاصة في ظل ما كشف عنه هذا الحادث بشأن مدى التطور بقدرات وإمكانات الجماعة الانفصالية. ويمتد التهديد الأمني أيضًا إلى إقليم “خيبر بختونخوا”، الخاضع لسيطرة حزب “حركة إنصاف”، والذي يشهد هو الآخر هجمات متواترة من جانب حركة طالبان باكستان. وقد أدى عدم فاعلية التعامل الحكومي مع هذه التهديدات إلى إثارة انتقادات من جانب المعارضة. فبحسب “مولانا فضل الرحمن”، تُعامِل السلطات الباكستانية إقليم “البنجاب” كما لو كان البلاد بأكملها، بينما تتجاهل “بلوشستان”، و”خيبر بختونخوا”.
وختامًا، قد لا يكون من المُرجح أن تشكل الاحتجاجات المحتمل تنظيمها بعد عيد الفطر المبارك تهديدًا وجوديًا للحكومة الباكستانية، طالما ظل التحالف السياسي قائمًا ما بين حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية -جناح نواز-“، وحزب الشعب الباكستاني، وكذا إبقاء رئيس الوزراء “شهباز شريف” على علاقات جيدة مع المؤسسة العسكرية، التي تعد فاعلًا أساسيًا بالحياة السياسية الباكستانية. ومع ذلك، ستكشف تلك الاحتجاجات عن حجم المعارضة الجماهيرية ضد حكومة “شهباز شريف”، في مقابل التأكيد على الأهمية المتزايدة التي يتمتع بها “عمران خان” باعتباره صاحب النفوذ الشعبي الأقوى داخل الحياة السياسية الباكستانية.
فيما سيظل المخرج الرئيسي لهذه الحلقة المفرغة متمثلًا في انخراط كل من الحكومة الباكستانية والمعارضة في حوار جدي يستهدف خفض حالة الاستقطاب الراهن، بما يمهد الأرضية أمام محادثات أخرى تستهدف معالجة الأزمات الاقتصادية والأمنية ذات الصلة المباشرة بحياة المواطنين الباكستانيين.